القديس نيقولاوس العجائبي أسقف ميراليكية
قديس اليوم 6 كانون الأول
† القديس نيقولاوس العجائبي أسقف ميراليكية القرن الرابع
هو أكثر القدّيسين شهرة في كنيسة المسيح، شرقاً وغرباً. فصورته، كما ارتسمت في وجدان الناس عبر العصور، هي صورة الراعي الصالح، على مثال معلّمه. لا يترك إنساناً يستنجد به إلاّ هبّ إلى نجدته كائنة ما كانت حاله أو ضيقته أو حاجته. أكثر القدّيسين، كما نعرف، ارتبط ذكرهم، بين الناس، بحاجة محدّدة. هذه ليست حال القديس نيقولاوس. القديس نيقولاوس، على مرّ العصور، بدا وكأنه قدّيس لكل ظرف وحاجة. بهذا المعنى كان، في هذا البلد أو ذاك، شفيعاً للتلامذة والأولاد العاقلين والفتيات اللواتي لا مهر لهن والبحّارة والصيّادين والعتّالين وباعة النبيذ وصنّاع البراميل وعمّال البيرة والتجّار والبقّالين والقصّابين والمسافرين والحجّاج والمظلومين والمحكومين والمحامين والأسرى والصرّافين وغيرهم. لذلك لا عجب إذا كانت الكنيسة، عندنا، قد خصّته بيوم الخميس إكراماً واستشفاعاً، كما أدخلت الكنيسة اسمه في عداد النخبة من القدّيسين الذين يستعين بهم المؤمنين، على الدوام، عبر الإفشين الذي يُتلى في صلاة السحر وغيرها من الصلوات والذي أوله: "خلّص يا رب شعبك وبارك ميراثك
كل هذا ولا نعرف من أخبار القدّيس نيقولاوس قبل القرن التاسع للميلاد إلا القليل القليل، مع أنه من المفترض أن يكون قد عاش وصار أسقفاً ورقد بين القرنين الثالث والرابع الميلاديين. فأول من كتب سيرته بتوسّع كان القدّيس سمعان المترجم حوالي العام 912م. وكان مثوديوس، بطريرك القسطنطينية، قد دوّن عنه، قبل ذلك، سيرة مختصرة حوالي العام 840م. رغم ذلك، رغم افتقادنا إلى شهادات تاريخية مبكّرة في شأنه لا نشعر بالحرج ولا نعتبر النقص في المعلومات التاريخية المبكرة بشأنه حائلاً دون إكرامه. السبب بسيط أننا لم نعتد، في الكنيسة، إكرام القدّيسين استناداً إلى ثوابت تاريخية تؤكد أخبارهم- وهذه مفيدة إذا توفرت ولكن غالباً ما يتعذّر توفرها- بل لأن السابقين أكرموهم قبلنا. ولنا في الكنيسة، في شأن القدّيس نيقولاوس، شهادات تؤكد إكرامها له منذ القرن السادس للميلاد
شهادات عنه
بين ما نعرفه أن الإمبراطور البيزنطي يوستنيانوس بنى على اسمه، في القسطنطينية، سنة 530م كنيسة هي الكنيسة المعروفة باسم القدّيسين بريسكوس ونيقولاوس في حي بلاشيرن الشهير بكنيسة السيدة فيه. وعلى مقربة من المكان كان أحد الأسوار يحمل اسمه. وعندنا للقدّيس نيقولاوس إيقونات أو رسوم حائطية منذ ذلك القرن أيضاً، نشاهد بعضها في دير القديسة كاترينا في سيناء
ذكره كان معروفاً تماماً
من أقدم أخباره، من القرن الميلادي السادس، ظهوره لقسطنطين الملك في الحلم. يومذاك طلب منه قديسنا أن يوقف تنفيذ حكم الإعدام بثلاثة ضبّاط أدينوا ظلماً
ما شاع عنه
شاع عن القدّيس نيقولاوس أنه ولد في باتارا من أعمال ليسيّة الواقعة في القسم الجنوبي الغربي من آسيا الصغرى، وأن ولادته كانت في النصف الثاني من القرن الثالث للميلاد. ارتبط اسمه باسم ميرا القريبة من باتارا، على بعد ثلاثة أميال منها. وقد ذُكر أنه تسقّف عليها. ميرا، في آسيا الصغرى أو كما تعرف اليوم بر الأناضول، هي "دمري" الحالية. هناك يبدو أن ذكر القدّيس لم تمحُه السنون بدليل أن المسلمين جعلوا له عند الكنيسة التي قيل أن القدّيس كان يقيم الذبيحة الإلهية فيها، أقول جعلوا له تمثالاً لما أسموه NOEL BABA"". يذكر أنه كانت لميرا، في وقت من الأوقات، ست وثلاثون أسقفية تابعة لها
إلى ذلك قيل أن القديس نيقولاوس عانى الاضطهاد في أيام الإمبراطورين الرومانيين ذيوكليسيانوس ومكسيميانوس وأنه اشترك في المجمع المسكوني الأول في نيقية سنة 325م
هذا ويبدو أن قدسنا رقد في ميرا حوالي منتصف القرن الرابع الميلادي واستراحت رفاته في الكنيسة الأسقفية هناك إلى أن دهم الموضع قراصنة من باري الإيطالية عام 1087م فسرقوه وسط احتجاج رهبان كان يقومون بخدمة المحجّة، وعادوا به إلى بلادهم حيث ما يزال إلى اليوم. وقد ذكرت مصادر عريقة أنه في كلا الموضعين، ميرا وباري، كان سائل طيب الرائحة يفيض من رفاته
نشير إلى أن بعض المصادر يخلط ما بين القديس نيقولاوس أسقف ميرا ونيقولاوس آخر يبدو أنه تسقّف في القرن السادس أو ربما السابع على بينارا من مقاطعة ليسيّة عينها. هذا الأخير كان رئيساً لدير صهيون المقدّسة ثم صار أسقفاً على بينارا ودفن في ديره على مقربة من ميرا
أخباره من الواضح، في ما يُروى عن القدّيس نيقولاوس، أن أخباره عجائبية في أكثر تفاصيلها. حتى الأخبار التي يمكن أن تكون عادية عنه سكبتها الأجيال المتعاقبة بقالب عجائبي تأكيداً لطابع سيرته العجائبي. فلقد جاء عنه أنه كان يصوم عن الرضاعة في طفوليته يومي الأربعاء والجمعة إلا مرة واحدة بعد غروب الشمس. وأن عماً له، اسمه نيقولاوس أيضاً، كان أسقفاً على باتارا، لما سامه كاهناً تنبأ بالروح أن القدّيس سيصبح أسقفاً يوماً ما وسيكون تعزية وخلاصاً لكثيرين. ولما اختير أسقفاً على ميرا كان ذلك بتوجيه من ملاك
وقد كتب عنه مثوديوس القسطنطيني أنه عاين في رؤية مرة، الرب، يسوع المسيح مجللاً بالمجد، واقفاً به وهو يسلمه الإنجيل الشريف ووالدة الإله، من الجهة المقابلة، تضع الصاكوس على كتفيه. بعد ذلك بفترة قصيرة رقد يوحنا، أسقف ميرا، واختير نيقولاوس خلفاً له
إلى ذلك هناك عدد من الأحداث المروية عن القديس نيقولاوس تبيّنه رؤوفاً محباً للإحسان والعدالة. بعض هذه الأحداث جرى له في حياته وبعضها بعد موته. مرتان أنقذ سفينة أشرفت على الغرق وكان مسافراً فيها. مرة استجار به البحّارة وهم في عرض البحر وهو في كنيسته فأتى إليهم وأجارهم. مرة أوحى في الصلاة إلى سفينة محملة بالقمح كانت في عرض البحر فاتجهت صوب مقاطعة ليسيّة التي كانت قد حلّت بها مجاعة عظيمة. مرتان أنقذ غريقاً من الهلاك. مرة أقام ثلاثة أولاد من الموت. ومرة أنقذ ثلاثة مظلومين قبل لحظات من تنفيذ حكم الإعدام بهم
على أن هناك ثلاثة أخبار عنه هي أكثر أخباره شيوعاً بين العامة. دونك إيّاها مفصّلة
إنقاذه ضباطاَ مظلومين
اندلعت في أيام قسطنطين الملك ثورة في فرنجيا الكبرى قامت بها جماعة تعرف ب "الترافيليون" ولما تناهى الخبر إلى السلطة المركزية في القسطنطينية، بادر الملك إلى إرسال ثلاثة من القادة العسكريين لديه على رأس جيش كبير لمعالجة الوضع. فتوجه العسكر إلى فريجيا. وبعدما تمكّنوا من وضع حد للاضطرابات الحاصلة، عادوا إلى المدينة المتملكة مظفّرين، فأحسن قسطنطين وفادتهم وأكرمهم. ولكن تحرّك الحسد في نفوس بعض الحاقدين فشيّعوا لدى أفلافيون الوزير أن القادة الثلاثة لم يخمدوا ثورة "الترافيليون" بل عقدوا وإياهم اتفاقاً سرياً للإطاحة بالملك. ودعم الحاسدون دعواهم بشهود زور وتقديم هدايا ثمينة للوزير. كان الاقتراح أن يسعى الوزير إلى عرض الأمر على الملك لإثارة مخاوفه ومن ثم انتزاع موافقته على إعدام الثلاثة في أسرع وقت ممكن. فقبض الوزير على القادة المعنيين وزجّهم في السجن ثم بادر إلى الملك وهوّله بأخبار المكيدة التي يحيكها الثلاثة ضدّه، ثم سأله أن يصدر أمراً بإعدامهم للحال وأداً للفتنة. فارتاع الملك ووافق على إنزال عقوبة الإعدام بالثلاثة في البوم التالي. في تلك الليلة قبع الثلاثة في سجنهم ينوحون ويبكون، وهم يضربون أخماساً بأسداس. لم تكن أمامهم حيلة يردّون بها عن أنفسهم هذا الخطر المداهم. وحدها الصلاة بقيت نصيباً لهم فصلوا وسألوا القديس نيقولاوس أن يعينهم: "يا إله أبينا نيقولاوس نجّنا....". فظهر القديس في الحلم لكلا الرجلين، الملك ووزيره. قبل شروق الشمس، وطلب إليهما بتهديد أن يبادرا للحال إلى إطلاق سراح القادة الثلاثة لأنهم مظلومون. ولما كان الصباح أرسل الملك في طلب الوزير. وبعد الأخذ والرد أدرك الاثنان أنهما عاينا حلماً واحداً في شأن المحكومين فتوجسا خيفة. على الأثر أمر الملك بإحضار الثلاثة إليه. فلما حضروا دافعوا عن أنفسهم فتبيّن أنهم أبرياء فأطلق سراحهم
البنات والمهر
وكان هناك شخص غني عنده ثلاثة بنات جميلات. فقسى عليه الدهر فافتقر. ولما عضّه العوز وأبت عليه كرامته أن يمدّ يده ويطلب لنفسه وبناته حسنة، عرض عليه إبليس أن يدفع بناته إلى تعاطي تجارة الزنى، فقاوم التجربة إلى أن قويت عليه. ولكن قبل أن يبادر إلى تنفيذ ما علق في نفسه عرف القديس نيقولاوس بأمره فأتاه تحت جنح الظلام وألقى إليه من الطاقة بكيس من النقود وذهب. وفي الصباح اكتشف الرجل النقود ففرح بها فرحاً عظيماً، وتساءل من فعل ذلك. وإذ شغلته الفرحة والنقود اكتفى بشكر الله, وقام فجهّز ابنته الكبرى وزوّجها. وعندما رأى القديس أن الرجل استعمل النقود للخير عاد وأتاه من جديد ورمى إليه بنفس الطريقة، في الليل، مبلغاً من المال وذهب. واستفاق الرجل على كيس آخر من النقود فتعجّب وتساءل، ثم اكتفى بشكر الله وجهّز ابنته الثانية كما فعل بالأولى وزفّها إلى أحد الشبّان الطيّبين. أخيراً جاء إليه القديس ثالثة وأعاد الكرّة من جديد، لكن الرجل تنبّه، هذه المرة، للأمر فأسرع وفتح الباب وركض في إثر صانع الخير إلى أن أدركه. فلما رأى القديس نيقولاوس أن سرّه استبان ركع عند قدمي الرجل ورجاه ألا يعلم به أحداً. وبعد أخذ ورد، عاد القديس من حيث أتى، وعاد الغني المفتقر إلى بيته يسبّح ويمجّد. ثم ذهب فأدّى لابنته الصغرى ما أداه لأختيها من قبلها
عودة الغريق إلى بيته
يحكى عن رجل اسمه يوحنا عاش في القرن التاسع الميلادي في القسطنطينية، تقي ورع يحب الله ويكرم قدّيسه نيقولاوس، أنه سافر مرة في البحر لعمل. وبعد ساعات معدودة من مغادرته اهتاج البحر وضربت عاصفة السفينة التي كان مسافراً فيها. فأسرع البحّارة إلى ربط الأشرعة، وكان الوقت ليلاً. في تلك الساعة خرج الرجل إلى ظهر السفينة لقضاء حاجة. وما أن خطا خطوات قليلة إلى الأمام حتى اضطربت السفينة يميناً ويساراً فاختل توازن الرجل وسقط في البحر على مرأى من البحّارة وصراخهم. وغار الرجل في المياه وبكى البحّارة لفقده. ولكن لن تكن هذه نهاية القصة. فما أن بدأ الرجل بالغرق حتى صرخ في قلبه على غير وعي منه "يا قدّيس الله نيقولاوس أعنّي!" وما أن فعل حتى وجد نفسه في غير مكان. وجد نفسه في بيته والماء يسيل من ثيابه. ولما استمر في الصلاة صارخاً، نهض أهل بيته من نومهم مذعورين فوجدوه على هذه الحالة فاندهشوا وتحيّروا وخانتهم لغة الكلام إلى أن استردوا وعيهم وسألوه لماذا هو بهذه الحالة وكيف عاد إلى بيته. وسادت في المكان جلبة ليست بقليلة ما أن هدأت حتى فهم الجميع من الرجل أنه سقط غريقاً في البحر وأن القديس نيقولاوس هو الذي أدركه وأعاده إلى بيته سالماً معافى. فتُحُدث بهذا العجب في كل القسطنطينية وشكر الجميع الله وازدادوا إكراماً لقدّيسه نيقولاوس وتعلّقاً به واعتماداً عليه. أما يوحنا فقيل إنه والد بطريرك القسطنطينية مثوديوس الأول الذي اعتلى سدّة البطريركية بين العامين 843 و847م
طروبارية القديس نيقولاوس العجائبي باللحن الرابع
لقد أظهرتكَ أفعالُ الحق لرعيتك قانوناً للإيمان، وصورةً للوداعة ومعلماً للإمساك، أيها الأب رئيسُ الكهنة نيقولاوس، فلذلكَ أحرزتَ بالتواضع الرفعة وبالمسكنةِ الغنى، فتشفع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا
قنداق القديس نيقولاوس العجائبي باللحن الثالث
لقد ظهرتَ كاهناً في ميرا أيها القديس، لأنك لما أتممتَ إنجيل المسيح أيها البار، وضعتَ نفسك عن شعبك، وخلصتَ الأبرياءَ من الموت. فلذلك تقدَّست بما أنك مسارٌّ عظيمٌ لنعمة الله
† القديس نيقولاوس العجائبي أسقف ميراليكية القرن الرابع
هو أكثر القدّيسين شهرة في كنيسة المسيح، شرقاً وغرباً. فصورته، كما ارتسمت في وجدان الناس عبر العصور، هي صورة الراعي الصالح، على مثال معلّمه. لا يترك إنساناً يستنجد به إلاّ هبّ إلى نجدته كائنة ما كانت حاله أو ضيقته أو حاجته. أكثر القدّيسين، كما نعرف، ارتبط ذكرهم، بين الناس، بحاجة محدّدة. هذه ليست حال القديس نيقولاوس. القديس نيقولاوس، على مرّ العصور، بدا وكأنه قدّيس لكل ظرف وحاجة. بهذا المعنى كان، في هذا البلد أو ذاك، شفيعاً للتلامذة والأولاد العاقلين والفتيات اللواتي لا مهر لهن والبحّارة والصيّادين والعتّالين وباعة النبيذ وصنّاع البراميل وعمّال البيرة والتجّار والبقّالين والقصّابين والمسافرين والحجّاج والمظلومين والمحكومين والمحامين والأسرى والصرّافين وغيرهم. لذلك لا عجب إذا كانت الكنيسة، عندنا، قد خصّته بيوم الخميس إكراماً واستشفاعاً، كما أدخلت الكنيسة اسمه في عداد النخبة من القدّيسين الذين يستعين بهم المؤمنين، على الدوام، عبر الإفشين الذي يُتلى في صلاة السحر وغيرها من الصلوات والذي أوله: "خلّص يا رب شعبك وبارك ميراثك
كل هذا ولا نعرف من أخبار القدّيس نيقولاوس قبل القرن التاسع للميلاد إلا القليل القليل، مع أنه من المفترض أن يكون قد عاش وصار أسقفاً ورقد بين القرنين الثالث والرابع الميلاديين. فأول من كتب سيرته بتوسّع كان القدّيس سمعان المترجم حوالي العام 912م. وكان مثوديوس، بطريرك القسطنطينية، قد دوّن عنه، قبل ذلك، سيرة مختصرة حوالي العام 840م. رغم ذلك، رغم افتقادنا إلى شهادات تاريخية مبكّرة في شأنه لا نشعر بالحرج ولا نعتبر النقص في المعلومات التاريخية المبكرة بشأنه حائلاً دون إكرامه. السبب بسيط أننا لم نعتد، في الكنيسة، إكرام القدّيسين استناداً إلى ثوابت تاريخية تؤكد أخبارهم- وهذه مفيدة إذا توفرت ولكن غالباً ما يتعذّر توفرها- بل لأن السابقين أكرموهم قبلنا. ولنا في الكنيسة، في شأن القدّيس نيقولاوس، شهادات تؤكد إكرامها له منذ القرن السادس للميلاد
شهادات عنه
بين ما نعرفه أن الإمبراطور البيزنطي يوستنيانوس بنى على اسمه، في القسطنطينية، سنة 530م كنيسة هي الكنيسة المعروفة باسم القدّيسين بريسكوس ونيقولاوس في حي بلاشيرن الشهير بكنيسة السيدة فيه. وعلى مقربة من المكان كان أحد الأسوار يحمل اسمه. وعندنا للقدّيس نيقولاوس إيقونات أو رسوم حائطية منذ ذلك القرن أيضاً، نشاهد بعضها في دير القديسة كاترينا في سيناء
ذكره كان معروفاً تماماً
من أقدم أخباره، من القرن الميلادي السادس، ظهوره لقسطنطين الملك في الحلم. يومذاك طلب منه قديسنا أن يوقف تنفيذ حكم الإعدام بثلاثة ضبّاط أدينوا ظلماً
ما شاع عنه
شاع عن القدّيس نيقولاوس أنه ولد في باتارا من أعمال ليسيّة الواقعة في القسم الجنوبي الغربي من آسيا الصغرى، وأن ولادته كانت في النصف الثاني من القرن الثالث للميلاد. ارتبط اسمه باسم ميرا القريبة من باتارا، على بعد ثلاثة أميال منها. وقد ذُكر أنه تسقّف عليها. ميرا، في آسيا الصغرى أو كما تعرف اليوم بر الأناضول، هي "دمري" الحالية. هناك يبدو أن ذكر القدّيس لم تمحُه السنون بدليل أن المسلمين جعلوا له عند الكنيسة التي قيل أن القدّيس كان يقيم الذبيحة الإلهية فيها، أقول جعلوا له تمثالاً لما أسموه NOEL BABA"". يذكر أنه كانت لميرا، في وقت من الأوقات، ست وثلاثون أسقفية تابعة لها
إلى ذلك قيل أن القديس نيقولاوس عانى الاضطهاد في أيام الإمبراطورين الرومانيين ذيوكليسيانوس ومكسيميانوس وأنه اشترك في المجمع المسكوني الأول في نيقية سنة 325م
هذا ويبدو أن قدسنا رقد في ميرا حوالي منتصف القرن الرابع الميلادي واستراحت رفاته في الكنيسة الأسقفية هناك إلى أن دهم الموضع قراصنة من باري الإيطالية عام 1087م فسرقوه وسط احتجاج رهبان كان يقومون بخدمة المحجّة، وعادوا به إلى بلادهم حيث ما يزال إلى اليوم. وقد ذكرت مصادر عريقة أنه في كلا الموضعين، ميرا وباري، كان سائل طيب الرائحة يفيض من رفاته
نشير إلى أن بعض المصادر يخلط ما بين القديس نيقولاوس أسقف ميرا ونيقولاوس آخر يبدو أنه تسقّف في القرن السادس أو ربما السابع على بينارا من مقاطعة ليسيّة عينها. هذا الأخير كان رئيساً لدير صهيون المقدّسة ثم صار أسقفاً على بينارا ودفن في ديره على مقربة من ميرا
أخباره من الواضح، في ما يُروى عن القدّيس نيقولاوس، أن أخباره عجائبية في أكثر تفاصيلها. حتى الأخبار التي يمكن أن تكون عادية عنه سكبتها الأجيال المتعاقبة بقالب عجائبي تأكيداً لطابع سيرته العجائبي. فلقد جاء عنه أنه كان يصوم عن الرضاعة في طفوليته يومي الأربعاء والجمعة إلا مرة واحدة بعد غروب الشمس. وأن عماً له، اسمه نيقولاوس أيضاً، كان أسقفاً على باتارا، لما سامه كاهناً تنبأ بالروح أن القدّيس سيصبح أسقفاً يوماً ما وسيكون تعزية وخلاصاً لكثيرين. ولما اختير أسقفاً على ميرا كان ذلك بتوجيه من ملاك
وقد كتب عنه مثوديوس القسطنطيني أنه عاين في رؤية مرة، الرب، يسوع المسيح مجللاً بالمجد، واقفاً به وهو يسلمه الإنجيل الشريف ووالدة الإله، من الجهة المقابلة، تضع الصاكوس على كتفيه. بعد ذلك بفترة قصيرة رقد يوحنا، أسقف ميرا، واختير نيقولاوس خلفاً له
إلى ذلك هناك عدد من الأحداث المروية عن القديس نيقولاوس تبيّنه رؤوفاً محباً للإحسان والعدالة. بعض هذه الأحداث جرى له في حياته وبعضها بعد موته. مرتان أنقذ سفينة أشرفت على الغرق وكان مسافراً فيها. مرة استجار به البحّارة وهم في عرض البحر وهو في كنيسته فأتى إليهم وأجارهم. مرة أوحى في الصلاة إلى سفينة محملة بالقمح كانت في عرض البحر فاتجهت صوب مقاطعة ليسيّة التي كانت قد حلّت بها مجاعة عظيمة. مرتان أنقذ غريقاً من الهلاك. مرة أقام ثلاثة أولاد من الموت. ومرة أنقذ ثلاثة مظلومين قبل لحظات من تنفيذ حكم الإعدام بهم
على أن هناك ثلاثة أخبار عنه هي أكثر أخباره شيوعاً بين العامة. دونك إيّاها مفصّلة
إنقاذه ضباطاَ مظلومين
اندلعت في أيام قسطنطين الملك ثورة في فرنجيا الكبرى قامت بها جماعة تعرف ب "الترافيليون" ولما تناهى الخبر إلى السلطة المركزية في القسطنطينية، بادر الملك إلى إرسال ثلاثة من القادة العسكريين لديه على رأس جيش كبير لمعالجة الوضع. فتوجه العسكر إلى فريجيا. وبعدما تمكّنوا من وضع حد للاضطرابات الحاصلة، عادوا إلى المدينة المتملكة مظفّرين، فأحسن قسطنطين وفادتهم وأكرمهم. ولكن تحرّك الحسد في نفوس بعض الحاقدين فشيّعوا لدى أفلافيون الوزير أن القادة الثلاثة لم يخمدوا ثورة "الترافيليون" بل عقدوا وإياهم اتفاقاً سرياً للإطاحة بالملك. ودعم الحاسدون دعواهم بشهود زور وتقديم هدايا ثمينة للوزير. كان الاقتراح أن يسعى الوزير إلى عرض الأمر على الملك لإثارة مخاوفه ومن ثم انتزاع موافقته على إعدام الثلاثة في أسرع وقت ممكن. فقبض الوزير على القادة المعنيين وزجّهم في السجن ثم بادر إلى الملك وهوّله بأخبار المكيدة التي يحيكها الثلاثة ضدّه، ثم سأله أن يصدر أمراً بإعدامهم للحال وأداً للفتنة. فارتاع الملك ووافق على إنزال عقوبة الإعدام بالثلاثة في البوم التالي. في تلك الليلة قبع الثلاثة في سجنهم ينوحون ويبكون، وهم يضربون أخماساً بأسداس. لم تكن أمامهم حيلة يردّون بها عن أنفسهم هذا الخطر المداهم. وحدها الصلاة بقيت نصيباً لهم فصلوا وسألوا القديس نيقولاوس أن يعينهم: "يا إله أبينا نيقولاوس نجّنا....". فظهر القديس في الحلم لكلا الرجلين، الملك ووزيره. قبل شروق الشمس، وطلب إليهما بتهديد أن يبادرا للحال إلى إطلاق سراح القادة الثلاثة لأنهم مظلومون. ولما كان الصباح أرسل الملك في طلب الوزير. وبعد الأخذ والرد أدرك الاثنان أنهما عاينا حلماً واحداً في شأن المحكومين فتوجسا خيفة. على الأثر أمر الملك بإحضار الثلاثة إليه. فلما حضروا دافعوا عن أنفسهم فتبيّن أنهم أبرياء فأطلق سراحهم
البنات والمهر
وكان هناك شخص غني عنده ثلاثة بنات جميلات. فقسى عليه الدهر فافتقر. ولما عضّه العوز وأبت عليه كرامته أن يمدّ يده ويطلب لنفسه وبناته حسنة، عرض عليه إبليس أن يدفع بناته إلى تعاطي تجارة الزنى، فقاوم التجربة إلى أن قويت عليه. ولكن قبل أن يبادر إلى تنفيذ ما علق في نفسه عرف القديس نيقولاوس بأمره فأتاه تحت جنح الظلام وألقى إليه من الطاقة بكيس من النقود وذهب. وفي الصباح اكتشف الرجل النقود ففرح بها فرحاً عظيماً، وتساءل من فعل ذلك. وإذ شغلته الفرحة والنقود اكتفى بشكر الله, وقام فجهّز ابنته الكبرى وزوّجها. وعندما رأى القديس أن الرجل استعمل النقود للخير عاد وأتاه من جديد ورمى إليه بنفس الطريقة، في الليل، مبلغاً من المال وذهب. واستفاق الرجل على كيس آخر من النقود فتعجّب وتساءل، ثم اكتفى بشكر الله وجهّز ابنته الثانية كما فعل بالأولى وزفّها إلى أحد الشبّان الطيّبين. أخيراً جاء إليه القديس ثالثة وأعاد الكرّة من جديد، لكن الرجل تنبّه، هذه المرة، للأمر فأسرع وفتح الباب وركض في إثر صانع الخير إلى أن أدركه. فلما رأى القديس نيقولاوس أن سرّه استبان ركع عند قدمي الرجل ورجاه ألا يعلم به أحداً. وبعد أخذ ورد، عاد القديس من حيث أتى، وعاد الغني المفتقر إلى بيته يسبّح ويمجّد. ثم ذهب فأدّى لابنته الصغرى ما أداه لأختيها من قبلها
عودة الغريق إلى بيته
يحكى عن رجل اسمه يوحنا عاش في القرن التاسع الميلادي في القسطنطينية، تقي ورع يحب الله ويكرم قدّيسه نيقولاوس، أنه سافر مرة في البحر لعمل. وبعد ساعات معدودة من مغادرته اهتاج البحر وضربت عاصفة السفينة التي كان مسافراً فيها. فأسرع البحّارة إلى ربط الأشرعة، وكان الوقت ليلاً. في تلك الساعة خرج الرجل إلى ظهر السفينة لقضاء حاجة. وما أن خطا خطوات قليلة إلى الأمام حتى اضطربت السفينة يميناً ويساراً فاختل توازن الرجل وسقط في البحر على مرأى من البحّارة وصراخهم. وغار الرجل في المياه وبكى البحّارة لفقده. ولكن لن تكن هذه نهاية القصة. فما أن بدأ الرجل بالغرق حتى صرخ في قلبه على غير وعي منه "يا قدّيس الله نيقولاوس أعنّي!" وما أن فعل حتى وجد نفسه في غير مكان. وجد نفسه في بيته والماء يسيل من ثيابه. ولما استمر في الصلاة صارخاً، نهض أهل بيته من نومهم مذعورين فوجدوه على هذه الحالة فاندهشوا وتحيّروا وخانتهم لغة الكلام إلى أن استردوا وعيهم وسألوه لماذا هو بهذه الحالة وكيف عاد إلى بيته. وسادت في المكان جلبة ليست بقليلة ما أن هدأت حتى فهم الجميع من الرجل أنه سقط غريقاً في البحر وأن القديس نيقولاوس هو الذي أدركه وأعاده إلى بيته سالماً معافى. فتُحُدث بهذا العجب في كل القسطنطينية وشكر الجميع الله وازدادوا إكراماً لقدّيسه نيقولاوس وتعلّقاً به واعتماداً عليه. أما يوحنا فقيل إنه والد بطريرك القسطنطينية مثوديوس الأول الذي اعتلى سدّة البطريركية بين العامين 843 و847م
طروبارية القديس نيقولاوس العجائبي باللحن الرابع
لقد أظهرتكَ أفعالُ الحق لرعيتك قانوناً للإيمان، وصورةً للوداعة ومعلماً للإمساك، أيها الأب رئيسُ الكهنة نيقولاوس، فلذلكَ أحرزتَ بالتواضع الرفعة وبالمسكنةِ الغنى، فتشفع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا
قنداق القديس نيقولاوس العجائبي باللحن الثالث
لقد ظهرتَ كاهناً في ميرا أيها القديس، لأنك لما أتممتَ إنجيل المسيح أيها البار، وضعتَ نفسك عن شعبك، وخلصتَ الأبرياءَ من الموت. فلذلك تقدَّست بما أنك مسارٌّ عظيمٌ لنعمة الله
القدّيسة مريم المصرية
قبل ان ينقضي الصوم بأسبوع اي قبل دخولنا الأسبوع العظيم أرادت الكنيسة ان تضع امام قلوبنا صورة هذه التائبة علّنا نعود الى يسوع قبل الفصح لنلتقط الضياء المشع من وجهه على الصليب. فالكنيسة تقول لنا اذا عرفنا سيرة هذه القديسة ان خطايانا نحن قادرون ان نغسلها بالدموع واننا قبل ان نفعل هذا تكون اعمالنا ظاهرية فقط
مريم هذه كانت تتعاطى الفسق منذ اول بلوغها في الاسكندرية في القرن الرابع. مسيحية بالمعمودية، ولكن معموديتها لم تكن مفعلة لأن سلوك هذه الفتاة كان قد ابطل فاعلية العماد. ولعل العماد عند الكثيرين يبقى اغتسالا في طفولتهم ولكنه يبقى ماء مسكوبا لا نعمة متدفقة طوال العمر. يظلون عند البدء ولا يمشون وراء من قال: "انا الطريق". لماذا يتسمرون كلٌّ في موضعه ولا يسير
لا بد ان مريم المصرية استمعت الى معلمين في الكنيسة ولكنها ما اهتدت. أعجبها الكلام ولم تلتزمه. لعل الكثيرين تسرُّهم عباداتنا ويسحرهم بهاؤها ولكنهم لا يحبون السيد بالطاعة وهو القائل: "من أحبني يحفظ وصاياي". هذه الصبية قبل ان تدرك الثلاثين شاءت ان تحج الى الأماكن المقدسة في فلسطين، وسمعت ان القديسة هيلانة كانت قد وجدت الصليب الذي رُفع عليه المعلم، فأرادت ان تسافر لتكرم عود الصليب المحفوظ في كنيسة القيامة. ظنت انها تستطيع ان تخلط بين التقوى والفجور، فركبت السفينة الى شواطئ فلسطين مع الذين قصدوا الحج، ورغبت ان تغري بعضا من الركاب ولعلها نجحت
وصلت الى الكنيسة في اورشليم، ولما همّت بولوج كنيسة القيامة شعرت المرة تلو المرة ان قوة غير منظورة كانت تمنعها من الدخول. احست بأن هناك تنافرا بين عبادتها ومسلكها. عند هذه الصدمة بكت لإحساسها بأن الله لا يقبل المزاح. أليس هو القائل: "انا إله غيور"، لا أقبل ان يبقى الانسان في خطيئته ويدّعي انه لي. عند ذاك استعادت عذريتها المفقودة. فقد غفر الله لها ذنوبها وستر عن عينيه كل خطاياها. فقد انقلب قلب الله فيه، وضمها الرب الى صدره ابنة له معافاة، جديدة كافجر
بعد هذا التحول الذي جرى فيها في لحظة، دخلت الى الكنيسة وسجدت للمصلوب وقررت ان تعيش له ما بقي لها من السنين، فتركت المدينة وجازت نهر الأردن ودخلت في أقصى البرية "وعاشت وحدها لله وحده". ولما جعلته كل حياتها اختلت في البرية سبعا واربعين سنة، وقضت عيشة لا يحتملها انسان تقتات من العشب ومن أصول الشجر
ومرت السنون، فالتقت راهبا شيخا يدعى زوسيما توغل في الصحراء الى ما وراء الأردن طلبا للوحدة في الصيام الكبير. هذا رأى في تجواله كائنا بشريا اسود جسمه من الشمس ذا شعر ابيض كالصوف ساقط على كتفيه. فاعتبرها قديسة والتمس بركتها وكلمة خلاص تصدر من فمها. ولما أدركها قالت له انها امرأة، وطلبت اليه ان يخلع عليها ثوبه لأن ثيابها كانت قد رثت وسقطت، وأخبرته بماضيها كله، والتمست منه ان يأتيها يوم الخميس العظيم في السنة التالية بجسد الرب، ففعل، وتناولت للمرة الاولى من بعد زمان طويل انقطعت فيه عن المناولة الإلهية، وطلبت ان يأتيها في السنة المقبلة ايضا في الخميس العظيم بالقرابين المقدسة. ولما وصل الى المكان نفسه وجدها طريحة على الأرض ويداها مصلبتان على صدرها ووجهها الى الشرق، وبقربها كتابة فيها هذه الكلمات: "ايها الأب زوسيما ادفن هنا جسد مريم الشقية وأعد الى التراب ما كان ترابا. انني مت في النهار الذي اشتركت فيه في الأسرار المقدسة
مريم هذه كانت تتعاطى الفسق منذ اول بلوغها في الاسكندرية في القرن الرابع. مسيحية بالمعمودية، ولكن معموديتها لم تكن مفعلة لأن سلوك هذه الفتاة كان قد ابطل فاعلية العماد. ولعل العماد عند الكثيرين يبقى اغتسالا في طفولتهم ولكنه يبقى ماء مسكوبا لا نعمة متدفقة طوال العمر. يظلون عند البدء ولا يمشون وراء من قال: "انا الطريق". لماذا يتسمرون كلٌّ في موضعه ولا يسير
لا بد ان مريم المصرية استمعت الى معلمين في الكنيسة ولكنها ما اهتدت. أعجبها الكلام ولم تلتزمه. لعل الكثيرين تسرُّهم عباداتنا ويسحرهم بهاؤها ولكنهم لا يحبون السيد بالطاعة وهو القائل: "من أحبني يحفظ وصاياي". هذه الصبية قبل ان تدرك الثلاثين شاءت ان تحج الى الأماكن المقدسة في فلسطين، وسمعت ان القديسة هيلانة كانت قد وجدت الصليب الذي رُفع عليه المعلم، فأرادت ان تسافر لتكرم عود الصليب المحفوظ في كنيسة القيامة. ظنت انها تستطيع ان تخلط بين التقوى والفجور، فركبت السفينة الى شواطئ فلسطين مع الذين قصدوا الحج، ورغبت ان تغري بعضا من الركاب ولعلها نجحت
وصلت الى الكنيسة في اورشليم، ولما همّت بولوج كنيسة القيامة شعرت المرة تلو المرة ان قوة غير منظورة كانت تمنعها من الدخول. احست بأن هناك تنافرا بين عبادتها ومسلكها. عند هذه الصدمة بكت لإحساسها بأن الله لا يقبل المزاح. أليس هو القائل: "انا إله غيور"، لا أقبل ان يبقى الانسان في خطيئته ويدّعي انه لي. عند ذاك استعادت عذريتها المفقودة. فقد غفر الله لها ذنوبها وستر عن عينيه كل خطاياها. فقد انقلب قلب الله فيه، وضمها الرب الى صدره ابنة له معافاة، جديدة كافجر
بعد هذا التحول الذي جرى فيها في لحظة، دخلت الى الكنيسة وسجدت للمصلوب وقررت ان تعيش له ما بقي لها من السنين، فتركت المدينة وجازت نهر الأردن ودخلت في أقصى البرية "وعاشت وحدها لله وحده". ولما جعلته كل حياتها اختلت في البرية سبعا واربعين سنة، وقضت عيشة لا يحتملها انسان تقتات من العشب ومن أصول الشجر
ومرت السنون، فالتقت راهبا شيخا يدعى زوسيما توغل في الصحراء الى ما وراء الأردن طلبا للوحدة في الصيام الكبير. هذا رأى في تجواله كائنا بشريا اسود جسمه من الشمس ذا شعر ابيض كالصوف ساقط على كتفيه. فاعتبرها قديسة والتمس بركتها وكلمة خلاص تصدر من فمها. ولما أدركها قالت له انها امرأة، وطلبت اليه ان يخلع عليها ثوبه لأن ثيابها كانت قد رثت وسقطت، وأخبرته بماضيها كله، والتمست منه ان يأتيها يوم الخميس العظيم في السنة التالية بجسد الرب، ففعل، وتناولت للمرة الاولى من بعد زمان طويل انقطعت فيه عن المناولة الإلهية، وطلبت ان يأتيها في السنة المقبلة ايضا في الخميس العظيم بالقرابين المقدسة. ولما وصل الى المكان نفسه وجدها طريحة على الأرض ويداها مصلبتان على صدرها ووجهها الى الشرق، وبقربها كتابة فيها هذه الكلمات: "ايها الأب زوسيما ادفن هنا جسد مريم الشقية وأعد الى التراب ما كان ترابا. انني مت في النهار الذي اشتركت فيه في الأسرار المقدسة
القدّيس يوحنا السُلّمي
ميلادُهُ
ولد يوحنا، كما يبدو، في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي
ترهبُهُ
بعد أن بلغ يوحنا السادسة عشر، وتلقّى من العلم قدراً وتفتّح ذهنه، مجّ مفاتن حياة البطلان، حبّاً بالله، وطلب جبل سيناء. حيثُ تكثرُ المناسك والأديرة الرهبانية
ومنذ أن دخل حلبة الصراع الرهباني، تخلّى عن كلّ ثقة بالنفس وسلك في أتّضاع القلب مسلّماً ذاته، في الجسد والروح، إلى شيخ اسمه مرتيريوس، وشرع بلا همّ أرضي يرتقي سلّم الفضائل. همُّه الأوحد أضحى أن يتخلّى عن مشيئته الخاصة
تنسُّكُهُ
أمضى يوحنا، تسعة عشر عاماً سالكاً بالطاعة، محفوظاً بصلاة أبيه الروحي. فلمَّا رقد معلّمه في الرّب قرّر مواصلة ارتقائه في الوحد
بعدما ترسّخ في الاتضاع، عبر العزلة الكاملة حتى لا يُوجَد محروماً ولا للحظة من عذوبة الله. حتى في هذا الأمر لم يعتمد على رأيه الذاتي بل على نصيحة شيخ آخر قدّيس، يُدعى جاورجيوس، أطلعه على نمط الحياة الخاصة بالهدوئيين. وقد اختار يوحنا، لذلك، موضعاً معزولاً يُعرف بـ "تولا" على بعد خمسة أميال من الدير الكبير
لازم يوحنا المكان أربعين سنة مشتعلاً بحب الله المتنامي في قلبه أبداً لم يشغله خلالها شيء غير الصلاة المتواترة ويقظة القلب كمثل ملاك بالجسد
كان يحدث له أحياناً أن يُخطف في الروح وسط الأجواق الملائكية دون أن يعرف ما إذا كان، ساعة ذاك، في الجسد أو خارج الجسد. وبحرّية بالغة كان يطلب من الله أن يلقّنه أسرار اللاهوت. ولما كان يخرج من أتون الصلاة كان يشعر بالنقاوة تارةً، كما لو خرج لتوّه من النار، وتارةً أخرى يلتمع ضياءً
رئيساً لدير سيناء
لما أكمل قدّيسنا سنواته الأربعين مقيماً في البرّية كموسى آخر، اختير رئيساً لدير سيناء. فكان راعياً ممتازاً وطبيباً حاذقاً ومعلّماً حاذقاً يحمل في نفسه الكتاب الذي وضعه الله فيه حتى لم يعد في حاجة إلى كتب أخرى يُلقّن رهبانه بواسطتها علم العلوم وفنّ الفنون
صيت دير سيناء ذاع لنمط حياة رهبانه، الذي وضعه لهم رئيسهم الفاضل. هذا ما جعل من الدير منارةً لكل الرهبان والحجاج الذين راحوا يأتونه من كُلِّ حدبٍ وصوب
مؤلّفاته
لمَّا ذاع صيتُ الحياة الرهبانية ونمطها في دير سيناء، بفضل حكمة ودراية القدّيس يوحنا، كَتَبَ يوحنا رئيس دير رايثو، إلى قدّيسنا يطلب منه أن يكتب، بصورة واضحة ومنظّمة ومقتضبة، ما هو ضروري لنوال مقتبلي الحياة الملائكية الخلاص
على هذا انبرى يوحنا يُحرِّر ألواح الناموس الروحي، فكان ثمرة جهده كتاب "السلَّم إلى الله" الذي أضحى في الأدب النسكي، مرجعاً كلاسيكيّاً أساسيّاً في أصول الحياة الروحيّة، على مدى الأجيال
فكرة الكتاب تقوم على أن "الوصول إلى الكمال الروحي" ويستدعي "التدرّج في الفضائل" كمن يصعد "السلّم" وكلّ درجة فضيلة، وهو مستوحى من رؤيا يعقوب في العهد القديم تكوين 28 : 12-13
أمّا الشيطان فيقوم بمحاربتنا عبر أفكار شريرة لإسقاطنا عن سلم الله إلى الهاوية وهذه هي التجارب
وقد عدّد القدّيس تلك الفضائل (الدرجات) ، وجعلها ٣٠ درجة، وهي توافق عدد سنوات الرّب يسوع المسيح على الأرض قبل بدء رسالته التي دامت ثلاث سنوات بعدها، أي صُلب بعمر ال ٣٣ سنة
أولى هذه الدرجات "الزهد" ونذكر من أهم الدرجات الأخرى
الدرجة الرابعة : الطاعة ، السادسة : ذكر الموت ، ال ١١ : الصمت ، ال 12 : في التغلب على الكذب ، ال٢١: في التغلّب على الجبن العديم الرجولة ، ال ٢٥ : في التواضع ، ال ٢٦ : في التمييز ال٢٩ : اللاهوى ... وأهمها الثلاثون: ويجعلها "ثالوثاً" : "الإيمان والرجاء والمحبة"
وتشدد الكنيسة في هذا الأحد من الصوم على التحلي "بالفضائل" المذكورة ، وتشبه مسيرة الصوم نحو القيامة المبتغاة والتجارب التي نتعرض لها ، بسلّم الفضائل هذا
رُقادُهُ
بعد سنين الجهاد المضني، لبلوغ حياة القداسة،عيّن القدّيس يوحنا أخيه جاورجيوس رئيساً للدير بعد أن شعر بدنوِّ أجله. وهكذا أسلم روحه مودعاً إياها بين يدي الأب السماوي، لتنعمَ بالبركة والمحبَّة السماوية حيثُ السلام الذي لا بديل عنه، مهما علا شأن البديل
زمن رقاده غير معروف، لكنّه على الأرجح ما بين القرن السادس والنصف الأوّل من القرن السابع للميلاد
في الكبرياء - للقدّيس يوحنا السُلّمي
الكبرياء جحود لله، صنع الشياطين، ازدراء للناس، أم للادانة، ابن للمدائح، علامة للعقم، ابتعاد عن معونة الله، نذير بضلالة العقل، نصير للسقطات، علة للعصبية، ينبوع للغضب، وليّ لقساوة القلب، جهل بالحنوّ، محاسب مُرّ، قاض ظالم، خصم لله، وأصل للتجديف
حيثما حلت سقطة فهناك سبق وسكن الكبرياء، لأن حضور الكبرياء ينبئ بحلول السقطة … فان كان ملاك قد سقط من السماء لكبرياءه فقط دون أي هوي آخر، فلننظر لعلنا نستطيع الصعود الي السماء بالتواضع فقط دون أية فضيلة أخري، فإن التكبر اتلاف لمكاسبنا واتعابنا
عاتب شيخ أحد الأخوة علي تكبره معاتبة روحية، فأجاب الأخ: "اغفر لي يا أبي فاني لست متكبراً" ، فقال به الشيخ كليّ الحكمة: "يا ولدي، أي برهان تعطينا علي تكبرك أوضح من قولك: "لست متكبراً
من الخزي أن يفتخر الانسان بمحاسن غيره، ولكنه منتهي الجنون أن يتباهي بمواهب الله فيه، ان أردت أن تفتخر فافتخر بما حققته قبل أن تولد، لأن ما حققته بعد ولادتك قد وهبك الله اياه كما سبق ووهبك الولادة نفسها، وكل الفضائل التي صرت فيها حكيماً بغير عقلك هي وحدها التي حقاً لك، لأن العقل قد وهبك الله اياه، بالمثل كافة المحاربات التي خضتها بدون جسدك هي وحدها التي تمت بهمتك أنت، لأن جسدك ليس لك بل هو خلقة الله
لا تطمئن الي ذاتك ومصيرك قبل صدور الحكم الأخير عليك، ولا تتشامخ وأنت من الأرض، لأن كثيرين قد أهبطوا وقد كانوا في السماء
ان الغرور ينشأ من نسيان الزلات، لأن ذكر الزلات يؤدي الي الاتضاع، فالكبرياء طامة كبري لنفس فقيرة تتوهم الغني ! فتكون في الظلام وتتخيل النور، إن الكبرياء النجس لا يمنعنا من التقدم فقط، بل يسقطنا أيضاً من علو الفضائل، لأن المتكبر لا يحتاج الي شيطان لاسقاطه، لأنه قد صار شيطاناً وعدواً لذاته. فكما ان الظلام غريب عن النور، فان المتكبر غريب عن الفضيلة. ففي قلوب المتكبرين تنشأ أقوال التجديف بينما في نفوس المتضعين تأملات سماوية
"عن الدرجة الثالثة والعشرين من السلم إلى الله"
ولد يوحنا، كما يبدو، في النصف الثاني من القرن السادس الميلادي
ترهبُهُ
بعد أن بلغ يوحنا السادسة عشر، وتلقّى من العلم قدراً وتفتّح ذهنه، مجّ مفاتن حياة البطلان، حبّاً بالله، وطلب جبل سيناء. حيثُ تكثرُ المناسك والأديرة الرهبانية
ومنذ أن دخل حلبة الصراع الرهباني، تخلّى عن كلّ ثقة بالنفس وسلك في أتّضاع القلب مسلّماً ذاته، في الجسد والروح، إلى شيخ اسمه مرتيريوس، وشرع بلا همّ أرضي يرتقي سلّم الفضائل. همُّه الأوحد أضحى أن يتخلّى عن مشيئته الخاصة
تنسُّكُهُ
أمضى يوحنا، تسعة عشر عاماً سالكاً بالطاعة، محفوظاً بصلاة أبيه الروحي. فلمَّا رقد معلّمه في الرّب قرّر مواصلة ارتقائه في الوحد
بعدما ترسّخ في الاتضاع، عبر العزلة الكاملة حتى لا يُوجَد محروماً ولا للحظة من عذوبة الله. حتى في هذا الأمر لم يعتمد على رأيه الذاتي بل على نصيحة شيخ آخر قدّيس، يُدعى جاورجيوس، أطلعه على نمط الحياة الخاصة بالهدوئيين. وقد اختار يوحنا، لذلك، موضعاً معزولاً يُعرف بـ "تولا" على بعد خمسة أميال من الدير الكبير
لازم يوحنا المكان أربعين سنة مشتعلاً بحب الله المتنامي في قلبه أبداً لم يشغله خلالها شيء غير الصلاة المتواترة ويقظة القلب كمثل ملاك بالجسد
كان يحدث له أحياناً أن يُخطف في الروح وسط الأجواق الملائكية دون أن يعرف ما إذا كان، ساعة ذاك، في الجسد أو خارج الجسد. وبحرّية بالغة كان يطلب من الله أن يلقّنه أسرار اللاهوت. ولما كان يخرج من أتون الصلاة كان يشعر بالنقاوة تارةً، كما لو خرج لتوّه من النار، وتارةً أخرى يلتمع ضياءً
رئيساً لدير سيناء
لما أكمل قدّيسنا سنواته الأربعين مقيماً في البرّية كموسى آخر، اختير رئيساً لدير سيناء. فكان راعياً ممتازاً وطبيباً حاذقاً ومعلّماً حاذقاً يحمل في نفسه الكتاب الذي وضعه الله فيه حتى لم يعد في حاجة إلى كتب أخرى يُلقّن رهبانه بواسطتها علم العلوم وفنّ الفنون
صيت دير سيناء ذاع لنمط حياة رهبانه، الذي وضعه لهم رئيسهم الفاضل. هذا ما جعل من الدير منارةً لكل الرهبان والحجاج الذين راحوا يأتونه من كُلِّ حدبٍ وصوب
مؤلّفاته
لمَّا ذاع صيتُ الحياة الرهبانية ونمطها في دير سيناء، بفضل حكمة ودراية القدّيس يوحنا، كَتَبَ يوحنا رئيس دير رايثو، إلى قدّيسنا يطلب منه أن يكتب، بصورة واضحة ومنظّمة ومقتضبة، ما هو ضروري لنوال مقتبلي الحياة الملائكية الخلاص
على هذا انبرى يوحنا يُحرِّر ألواح الناموس الروحي، فكان ثمرة جهده كتاب "السلَّم إلى الله" الذي أضحى في الأدب النسكي، مرجعاً كلاسيكيّاً أساسيّاً في أصول الحياة الروحيّة، على مدى الأجيال
فكرة الكتاب تقوم على أن "الوصول إلى الكمال الروحي" ويستدعي "التدرّج في الفضائل" كمن يصعد "السلّم" وكلّ درجة فضيلة، وهو مستوحى من رؤيا يعقوب في العهد القديم تكوين 28 : 12-13
أمّا الشيطان فيقوم بمحاربتنا عبر أفكار شريرة لإسقاطنا عن سلم الله إلى الهاوية وهذه هي التجارب
وقد عدّد القدّيس تلك الفضائل (الدرجات) ، وجعلها ٣٠ درجة، وهي توافق عدد سنوات الرّب يسوع المسيح على الأرض قبل بدء رسالته التي دامت ثلاث سنوات بعدها، أي صُلب بعمر ال ٣٣ سنة
أولى هذه الدرجات "الزهد" ونذكر من أهم الدرجات الأخرى
الدرجة الرابعة : الطاعة ، السادسة : ذكر الموت ، ال ١١ : الصمت ، ال 12 : في التغلب على الكذب ، ال٢١: في التغلّب على الجبن العديم الرجولة ، ال ٢٥ : في التواضع ، ال ٢٦ : في التمييز ال٢٩ : اللاهوى ... وأهمها الثلاثون: ويجعلها "ثالوثاً" : "الإيمان والرجاء والمحبة"
وتشدد الكنيسة في هذا الأحد من الصوم على التحلي "بالفضائل" المذكورة ، وتشبه مسيرة الصوم نحو القيامة المبتغاة والتجارب التي نتعرض لها ، بسلّم الفضائل هذا
رُقادُهُ
بعد سنين الجهاد المضني، لبلوغ حياة القداسة،عيّن القدّيس يوحنا أخيه جاورجيوس رئيساً للدير بعد أن شعر بدنوِّ أجله. وهكذا أسلم روحه مودعاً إياها بين يدي الأب السماوي، لتنعمَ بالبركة والمحبَّة السماوية حيثُ السلام الذي لا بديل عنه، مهما علا شأن البديل
زمن رقاده غير معروف، لكنّه على الأرجح ما بين القرن السادس والنصف الأوّل من القرن السابع للميلاد
في الكبرياء - للقدّيس يوحنا السُلّمي
الكبرياء جحود لله، صنع الشياطين، ازدراء للناس، أم للادانة، ابن للمدائح، علامة للعقم، ابتعاد عن معونة الله، نذير بضلالة العقل، نصير للسقطات، علة للعصبية، ينبوع للغضب، وليّ لقساوة القلب، جهل بالحنوّ، محاسب مُرّ، قاض ظالم، خصم لله، وأصل للتجديف
حيثما حلت سقطة فهناك سبق وسكن الكبرياء، لأن حضور الكبرياء ينبئ بحلول السقطة … فان كان ملاك قد سقط من السماء لكبرياءه فقط دون أي هوي آخر، فلننظر لعلنا نستطيع الصعود الي السماء بالتواضع فقط دون أية فضيلة أخري، فإن التكبر اتلاف لمكاسبنا واتعابنا
عاتب شيخ أحد الأخوة علي تكبره معاتبة روحية، فأجاب الأخ: "اغفر لي يا أبي فاني لست متكبراً" ، فقال به الشيخ كليّ الحكمة: "يا ولدي، أي برهان تعطينا علي تكبرك أوضح من قولك: "لست متكبراً
من الخزي أن يفتخر الانسان بمحاسن غيره، ولكنه منتهي الجنون أن يتباهي بمواهب الله فيه، ان أردت أن تفتخر فافتخر بما حققته قبل أن تولد، لأن ما حققته بعد ولادتك قد وهبك الله اياه كما سبق ووهبك الولادة نفسها، وكل الفضائل التي صرت فيها حكيماً بغير عقلك هي وحدها التي حقاً لك، لأن العقل قد وهبك الله اياه، بالمثل كافة المحاربات التي خضتها بدون جسدك هي وحدها التي تمت بهمتك أنت، لأن جسدك ليس لك بل هو خلقة الله
لا تطمئن الي ذاتك ومصيرك قبل صدور الحكم الأخير عليك، ولا تتشامخ وأنت من الأرض، لأن كثيرين قد أهبطوا وقد كانوا في السماء
ان الغرور ينشأ من نسيان الزلات، لأن ذكر الزلات يؤدي الي الاتضاع، فالكبرياء طامة كبري لنفس فقيرة تتوهم الغني ! فتكون في الظلام وتتخيل النور، إن الكبرياء النجس لا يمنعنا من التقدم فقط، بل يسقطنا أيضاً من علو الفضائل، لأن المتكبر لا يحتاج الي شيطان لاسقاطه، لأنه قد صار شيطاناً وعدواً لذاته. فكما ان الظلام غريب عن النور، فان المتكبر غريب عن الفضيلة. ففي قلوب المتكبرين تنشأ أقوال التجديف بينما في نفوس المتضعين تأملات سماوية
"عن الدرجة الثالثة والعشرين من السلم إلى الله"
القديس البار انطونيوس الكبير أبو الرهبان
كتب سيرة أبينا البار القديس أنطونيوس الكبير رئيس أساقفة الإسكندرية القديس أثناسيوس الكبير. وجّهها لمنفعة الرهبان بناء لطلبهم. كما ورد بعض أخباره في مصادر أخرى
ميلاده ونشأته
ولد القديس أنطونيوس في قرية صغيرة في صعيد مصر تدعى كوما قرابة العام 250م. كان أهله من أعيان البلد، ذوي ثروة يعتدّ بها، مسيحيّين فنشأ على التقوى. وكانت له أخت أصغر منه سنّاً. اعتاد ملازمة البيت إلا للضرورة أو للخروج إلى الكنيسة. ولمّا يشأ أن يحصّل العلم الدنيوي تجنّباً للخلطة بالناس. لكنه كان يصفي جيِّداً لما يُقرأ عليه ويحفظه في قلبه. سلك في بساطة وامتاز بكونه رضيّاً وعفّ عن الملذات
لما توفّي والده تأمّل فيه وقال: تبارك الله! أليست هذه الجثّة كاملة ولم يتغيّر منها شيء البتة سوى توقّف هذا النفس الضعيف؟! فأين هي همّتك وعزيمتك وسطوتك العظيمة وجمعك للمال؟! ثم أردف: إن كنت أنت قد خرجت بغير اختيارك فلا أعجبنّ من ذلك بل أعجب أنا من نفسي إن عملتُ مثل ما عملت أنت. وقد ذكر القدّيس أثناسيوس الكبير أنه ترك العالم بعد وفاة أبيه بستّة أشهر. فيما ذكرت مصادر أخرى أنه ترك والده بغير دفن وخرج يهيم على وجهه مخلّفاً وراءه ما كان له من مال وأراضٍ وخدم. لسان حاله كان: ها أنا أخرج من الدنيا بإرادتي كيلا يخرجوني مثل أبي رغماً عنّي. عمره، يومذاك، كان ثمانية عشر أو ربما عشرين ربيعاً
رهبنته
انصرف أنطونيوس إلى النسك متأمّلاً في ذاته، متدرِّباً على الصبر. لم يكن في بلاد مصر يومذاك أديار. فقط بعض الشيوخ كان يتنسّك، هنا وثمّة، في مكان قريب من بيته أو قريته. فتّش أنطونيوس عن مثل هؤلاء في جواره فوجد بعضاً. كان منهم، على حد تعبير القدّيس أثناسيوس، "كالنحلة الحكيمة" لا يرجع إلى مكانه إلا بعدما يراهم ويتزوّد لديهم بما ينفعه في طريق الفضيلة. يتعلّم من الواحد الفرح ومن الآخر الصلوات الطويلة. من هذا التحرّر من الغضب ومن ذاك الإحسان. يأخذ عن فلان السهر وعن فلان الصبر وعن فلان النوم على الأرض. لاحظ وداعة هذا وطول أناة ذاك، وتشدّد بإيمان هذا ومحبة ذاك
ملاك يزوره
كان أنطونيوس جالساً في قلايته، يوماً، فاستبدّ به روح ملل وصغر نفس وحيرة فضاق صدره وأخذ يشكو إلى الله حاله قائلاً: أحبّ يا رب أن أخلص، لكن الأفكار لا تتركني، فماذا أعمل؟ فجأة رأى إنساناً جالساً أمامه يلبس رداء طويلاً، وهو متّشح بزنّار صليب كالإسكيم الرهباني، وعلى رأسه قلنسوة. وأخذ الرجل يضفر الخوص. ثم قام للصلاة. ثم جلس من جديد وأخذ يعمل في ضفر الخوص وهكذا دواليك. كان هذا ملاكاً من عند الله جاء يعزّي القدّيس ويقوّيه ويعلّمه. لذلك قال له: "اعمل هكذا تسترح
من ذلك الوقت، اتخذ أنطونيوس الزيّ الذي رأى الملاك متّشحاً به وصار يصلّي ويعمل على الوتيرة التي رآه يعمل بها، فاستراح بقوة الرب يسوع
صلاة وعمل وسماع
كان أنطونيوس يصلّي باستمرار ويعمل بيديه. أما عمله فكان يبيعه ويستعين بالمحصلة لتأمين حاجة نفسه إتماماً لما قيل "بعرق جبينك تأكل خبزك". أما الباقي فكان يوزّعه على الفقراء
إلى ذلك كان يصغي إلى تلاوات الكتاب المقدّس ما وسعه إلى ذلك سبيلاً ويجهد حتى لا يسقط شيء مما يتلى على الأرض. همّه كان أن يحفظه ليكون في ذاكرته بديلاً عن الكتاب المقدّس
هجمات شيطانية
لم ترق غيرة أنطونيوس لعدو الخير فأخذ يتصدّى له بقوة متزايدة. أخذ يذكّره بالممتلكات التي خلّفها وراءه ليبثّ فيه الأسى، وبأخته التي أهملها ليشعره بالذنب. عظّم لديه حلاوات مودّة الأقرباء وأطايب العيش. لو بقي في قومه لنفعهم وكان فيهم سيِّداً. نفخ فيه الشرّير روح المجد الباطل. ذكّره، بالمقابل، بصعوبات الفضيلة وجهاداتها. لفته إلى ضعف جسده وطول المدة التي ينبغي عليه تمضيتها في أتعاب قد لا تتمخّض في النهاية عن شيء. وشوش له أن جهده هذا مضيعة للوقت فيما الشباب يعبر ولا يعود. أثار في ذهنه الأفكار القبيحة ودغدغه في جسده وظهر له في الليل بهيئة امرأة لعوب. كل هذا وغيره قاومه أنطونيوس بالثبات والعزم والإيمان بالله والصلاة المستمرة والصوم وذكر الموت والنار والدود. وبنعمة الله غلب
لم يطق عدو الخير غلبة الشاب عليه. أخذ يصرّ بأسنانه وكأنه خرج من طوره. أخذ يظهر له في الخيال كعبد أسود. كفّ عن مهاجمته بالأفكار واتخذ صوتاً بشرياً. سأله أنطونيوس من أنت؟ فقال: أنا صديق الزنى. أنا من ينصب فخاخ الزنى ويثير الدغدغة في الشباب. أنا روح الزنى. فاعتصم أنطونيوس بالله وواجه الشيطان بشجاعة قائلاً: أنت تستحق كل احتقار! أنت مظلم العقل وعديم القوة! مثلك مثل ولد صغير! لن أهتمّ لك بعد اليوم لأن معيني الرب. فلم يعد الشيطان يجسر على الدنو منه. غادره بأصوات مخنوقة من الخوف
تحصينه لنفسه
لم يظهر أنطونيوس أي تكاسل أو تراخ لانتصاره على الشيطان. كان يعرف أن الشيطان لا بدّ أن يعيد الكرّة وبطرق أخرى "لأن الشيطان ربيب الخطيئة". لهذا السبب زاد أنطونيوس من قسوته على نفسه. فكثيراً ما كان يمضي الليل ساهراً في الصلاة. لا يأكل سوى مرة واحدة في اليوم، بعد غروب الشمس، أحياناً كل يومين وأحياناً كل أربعة أيام. طعامه كان الخبز والملح والماء. لا ينام إلا قليلاً على الأرض، ولا يمتّع نفسه بأية لذّة جسدية. يبدأ حياته النسكية من جديد كل يوم وكأنه أول يوم له في النسك. همّه كان أن يظهر أمام الله طاهر القلب، مستعداً للسلوك في مشيئته بكل قواه
بين القبور
ولكي يضيِّق أنطونيوس على نفسه طلب السكنى في قبر، بعيداً عن القرية. طلب من أحد معارفه أن يأتيه بالخبز. أغلق عليه صاحبه الباب وانصرف. فاهتاج الشيطان وأبالسته وكأن أنطونيوس جاء يهاجمه في عقر داره، في مقر الموت. فانقضّ عليه، ذات ليلة، وجرّحه كثيراً حتى سقط على الأرض. كان الألم عليه شديداً، أشدّ من ضربات الإنسان بمقادير، ولم تعد فيه قوة على الكلام. لكن، بعناية الله، أتى صاحبه في اليوم التالي يحمل الخبز. فلما فتح الباب رآه مطروحاً على الأرض كالميت فحمله إلى كنيسة القرية حيث تحلّق حوله الناس تحلّقهم حول رجل ميت. لكنه استردّ وعيه في نصف الليل. وإذ وجد الجميع نياماً إلا صاحبه أشار إليه بأن يعود به إلى القبر
لم يقوّ أنطونيوس في القبر على الوقوف. استلقى على الأرض وأخذ يصلّي. ثم صرخ بقوة: أنا هو أنطونيوس! أنا هنا! لن أهرب من جراحاتكم! لا شيء يفصلني عن محبة المسيح. إني ولو اصطفّ عليّ عسكر فإن قلبي لا يخاف (مزمور26). فجمع الشيطان كلابه وهاجمه من جديد. بدا المكان كما في زلزلة وبدت الجدران مفتوحة والأبالسة تدخل وتخرج منها بشكل حيوانات متوحّشة وزحّافات. ثم أخذت تصوّر له وكأنها تنقضّ عليه لكنها لم تقترب منه ولا مسّته بأذى. غير أن ضجيج الأشباح كان مخيفاً وغضبهم عنيفاً. الضغطة عليه قوية كانت. ألمه الجسدي كان شديداً. بدا كأنه يُجلد ويُنخس. لكنه كان صاحياً، ساهراً، ساكن القلب. قال وهو يهزأ بالشياطين: لو كنتم تملكون القوة لكفاكم أن يأتي عليّ حيوان واحد منكم، لكن الرب جعلكم عديمي القوة
وإذ رفع أنطونيوس نظره إلى سقف المقبرة رآه ينفتح شيئاً فشيئاً. وإذا بشعاع من النور ينزل عليه. فجأة اختفت الشياطين وزال ألم جسده وعاد البناء كما كان. فتنفّس أنطونيوس الصعداء وأدرك أنّه ربّه في النور فسأله: أين كنت؟! لماذا لم تظهر قبل الآن لتريحني من العذاب؟ فأتاه صوت يقول له: كنت هنا يا أنطونيوس. كنت انتظر جهادك. وبما أنك صبرت ولم تُهزم فسأكون لك عوناً على الدوام وسأعمل ليكون اسمك معروفاً في كل مكان. فلما بلغه الصوت تقوّى فنهض وصلّى وأحسّ بجسده أكثر قوة من ذي قبل. عمره، يومذاك، كان خمسة وثلاثين عاماً
إلى الصحراء
بعد ذلك خرج أنطونيوس إلى الصحراء. لم يتخلّ الشيطان عن ألاعيبه. جعل له في سبيله قرصاً فضياً كبيراً وذهباً كثيراً فجاز بالكل وهو عالم أنه من الشرّير لإعاقته وإلهائه. ولما وجد عبر النهر حصناً مهجوراً مليئاً بالزحّافات عبر إليه وسكن فيه فهربت الزحّافات. أقفل على نفسه عشرين سنة لا يقبل الخبز إلا مرتين في السنة من السقف. فلما رغب قوم في الاقتداء به في نسكه أتوا وفتحوا الباب عنوة فخرج إليهم كمن هيكل الله، فتعجّبوا لأنهم رأوه في حالته المعتادة. لا ترهّل ولا ضعف. كان عقله راجحاً وحالته طبيعية. لم يكن عابساً ولا ضاحكاً. وقد أعطى الرب الإله بواسطته الشفاء لعدد كبير من المرضى الحاضرين وطهر آخرون من الشياطين. كما أعطاه الرب نعمة كبيرة في الكلام فعزّى الحزانى وصالح المتخاصمين. قال لهم: ينبغي ألا نصنع في العالم شيئاً أرفع من محبة المسيح. حثّهم على تذكّر الخيرات الآتية ومحبة الله للإنسان، وأقنع الكثيرين باختيار حياة التوحّد. هكذا نشأت الأديار على الجبال واستحالت الصحراء مدينة
من خبرته
كلّم القديس أنطونيوس جماعة من الرهبان، مرة، قال: الكتاب المقدّس كاف للتعليم؛ لكن، حسناً أن يشدّد الواحد الآخر في الإيمان وأن نطيِّب النفس بالكلام الروحي. لا نفكِّرن في الرجوع إلى الحياة الدنيا بعد أن خرجنا منها. لا نقل إننا عتقنا في الحياة النسكية بل ليزد حماسنا وكأننا نبدأ كل يوم. كل ما في العالم نقايضه بشيء يساويه، أما وعد الحياة الأبدية فيُشرى بسعر بخس. إذا ما تركتم بيتاً أو ذهباً فلا تفتخروا ولا تكتئبوا. ما لم نكفر بكل شيء من أجل الفضيلة فسنتركه حتماً ساعة يأتي الموت، وعلى الأرجح لأناس لا نريدهم. لنثبت في نسكنا كل يوم عالمين أننا إن تهاونّا يوماً واحداً فلن يسامحنا الله بسبب ماضينا الحسن بل سيغضب علينا لتهاوننا
إذا ما عشنا وكأننا نموت كل يوم فلن نخطأ. لنجاهد ناظرين دائماً إلى يوم الدينونة لأن الخوف والصراع ضد التجارب يحبطان سهولة اللذّة وينهضان النفس الساقطة. لا تخافوا عندما تسمعون عن الفضيلة لأنها ليست ببعيدة عنا وليست خارج أنفسنا بل فينا. الفضيلة أمر سهل يكفي أن نريده. روحانية النفس من طبيعتها، أي أن تكون مستقيمة كما خُلقت. اكتساب الفضيلة صعب عندما نضطر للبحث عنها خارج أنفسنا. أما إذا كانت فينا فلنحفظ أنفسنا من الأفكار الدنسة. لنجاهد كي لا يطغى علينا الغضب ولا تتسلّط علينا الشهوة. أعداؤنا مرعبون وخدّاعون وصراعنا هو ضدّهم. جمهرتهم كثيرة في الجو وهي ليست بعيدة عنا وأنواعها متعدّدة. يريدون إعاقتنا عن الارتفاع إلى السماوات حسداً لأنهم من هناك سقطوا. نحتاج إلى الصلاة الكثيرة والنسك لنحصل من الروح القدس على موهبة تمييز الأرواح. يجب على كل واحد منا أن يصلح سواه وفق خبرته مع الشياطين. لا تخافوا من هجماتهم لأنهم يُهزمون حالاً بالصلوات والأصوام والإيمان بالرب. لكنهم لا يتوقّفون عن الهجوم. يقتربون بغش وخبث، بالشهوة الدنسة، بالخيالات. لا نرتعب من الخيالات. ليست هي بشيء وتختفي بسرعة. يكفي الإنسان أن يحمي نفسه بالإيمان وإشارة الصليب. الشياطين وقحون جداً. هكذا يظهر رئيس الشياطين: "عيناه كهدب الصباح. من فمه تخرج مصابيح مشتعلة. شرار نار يتطاير منه. من منخاريه يخرج دخاناً كما من قدر منفوخ أو من مرجل. نَفَسُه يشعل كالجمر واللهيب يخرج من فمه" (أيوب4). يرعب ويتكلم بفخر واعتزاز. علينا ألاّ نخاف من ظهوراته ولا نأبه لكلماته لأنه كاذب ولا يتكلّم بالصدق أبداً. والمخلّص قبض عليه بصنّارة ووضع الرسن في فكّه كالدابة وكهارب أوثق منخره وثقب شفتيه. أوثقه الرب حتى نسخر منه
والشياطين قادرة على أن تأخذ الشكل الذي تريده. فكثيراً ما تتظاهر، وهي مختفية، بأنها ترتّل أو تتلو أقوالاً من الكتاب المقدّس. أحياناً تردّد ما نقرأه وكأنها صدى. تارة تنهضنا للصلاة كي لا ننام. تفعل هذا باستمرار لتمنع عنا النوم. تتخذ أحياناً شكل الرهبان وتتكلّم بتقوى لتخدعنا. تجرّ الذين خدعتهم إلى حيث تريد. لذلك لا نصغينّ إليها حين تنهضنا للصلاة وحين تنصحنا بألا نأكل أبداً وتتهمنا وتوبُخنا في أمور وافقتنا فيها سابقاً. والشياطين تسعى لتقود المستقيمين إلى اليأس، مظهرة لهم إن الحياة النسكية غير نافعة. تثير فيهم الاشمئزاز وتجعلهم يظنون أن الحياة الرهبانية حمل ثقيل
ومع أن الشياطين اعترفت بالحقيقة للرب: "إنك أنت ابن الله" (لوقا4) فقد أغلق أفواهها وأعاقها عن الكلام خوفاً من أن تزرع الشر مع الحق، ومن أن نألفها ونصغي إليها، حتى ولو نطقت بالحق. فمن غير اللائق أن نتعلّم من الشيطان الذي لم يحافظ على مركزه
وبما أن الشياطين لا تقدر على شيء فإنها تلجأ إلى التهديد، إذ لو كانت ذات قوة لما تردّدت في ارتكاب الشر حالاً ولما تركت مسيحياًَ واحداً على قيد الحياة
السلاح الكبير ضد الشياطين هو حياة مستقيمة وإيمان بالله. فهي تخاف صوم النسّاك وسهرهم وصلواتهم ووداعتهم وسكينتهم وعدم محبّتهم للفضّة وكرههم للمجد الباطل واتضاعهم ومحبّتهم للفقراء وإحساناتهم وعدم غضبهم، وقبل كل شيء إيمانهم بالمسيح
وإذا ما تظاهرت الشياطين بالنبوءة فلا تبالوا بها. إنها لا تعرف الأمور التي لم تحدث. وحده الله يعرف كل شيء قبل حدوثه. للشياطين أجساد أكثر خفّة من أجساد الناس لذلك تسرع وتخبر بأشياء حدثت بالفعل. وهي لا تفعل هذا حباً بالناس بل لتقنعهم بأنها قادرة فيثقوا بها؛ ومتى ملكتهم انقضّت عليهم وأهلكتهم. وهي تقوى على التخمين ولا تقوى على المعرفة المسبقة. فلا نعجبنّ بها ولو تكلّمت بالصدق أحياناً. ثم ماذا ينتفع الذين يصغون إلى الشياطين إذا ما عرفوا المستقبل قبل أيام؟ المعرفة لا تصنع الفضيلة ولا هي علامة الخُلق الصالح. لا يدان أحد لأنه يجهل المستقبل ولا يُطوَّب لأنه يعرفه. بل سيحاكم المرء على صونه الإيمان وحفظه الوصايا
لا نتعبنّ للحصول على معرفة المستقبلات بل لإرضاء الله بسيرتنا. وأنا أؤمن أن النفس المتطهِّرة من الأفكار الشرّيرة والمحافظة على الطبيعة التي خلقها الرب فيها تقدر أن تكون رائية أكثر مما يرى الشيطان، لأنها تملك الرب الذي سيعلن لها كل شيء
أما كيف نفرِّق الأرواح الشرّيرة عن الأرواح الصالحة فالرب يعطينا قوة التمييز بينها. لا يكون ظهور الأرواح الصالحة مرعباً بل هادئاً. تخلق فرحاً في النفس وشجاعة. والأفكار التي تولّدها تبقي النفس غير متزعزعة إلى أن تنيرها من هذا الفرح فتعرف. والأرواح الصالحة تطرح الخوف بالمحبة التي تظهرها كما فعل الملاك الذي ظهر للنسوة عند قبر الرب وعندما ظهر للرعاة. أما هجوم الأرواح الشرّيرة وظهورها الخيالي فترافقه جلبة وضربات وأصوات وصراخ كهجوم الأولاد الأشرار واللصوص. ومتى ظهرت ساد الرعب واضطراب النفس وتشويش الفكر والتهجّم والتهامل والحزن وتذكّر الأقرباء وخوف الموت. وفوق ذلك نتجت رغبة في الشر وكسل في اكتساب الفضيلة واضطراب في الخُلق. إذا رأيتم روحاً واعتراكم الخوف أولاً ثم حلّ محل الخوف فرح لا يُعبّر عنه وحماس وشجاعة وإقدام ومحبّة لله فتشجّعوا وصلّوا للرب. أما إذا رأيتم أرواحاً أثارت فيكم اضطراباً وضربات خارجية وتخيّلات دنيوية وتهديداً بالموت فاعلموا أن هذا هجوم من الأرواح الشرّيرة
وتكلّم القديس أنطونيوس عن نفسه، قال: كم من مرة طوّبتني الشياطين وباسم الرب أبدتها! أتت مرّة في الظلام حاملة نوراً خيالياً وقالت: أتينا لننيرك يا أنطونيوس فأغلقت عينيّ وصلّيت فانطفأ نور الأشرار للحين. أتتني ترتّل وتتفوّه بآيات كتابية فكنت كأصمّ لا يسمع! ظهر لي مرة شيطان متعظّم طويل القامة جداً وتجرّأ على القول: أنا هو قوّة الله، أنا هو العناية الإلهية، ماذا تريد أن أعطيك!؟ أما أنا فذكرت اسم المسيح وبصقت عليه وأعتقد بأني لطمته. وحالما سمع اسم المسيح اختفى ومن معه. مرة كنت صائماً فأتاني الشيطان كراهب وفي يده خبز خيالي وقال لي: كلْ وكفّ عن العذابات الكثيرة. أنت إنسان وسوف تمرض! فأدركت حيلته ونهضت للصلاة فاختفى للحين
عندما تأتي الشياطين إلينا فإنها تعاملنا بحسب حالتنا النفسية مكيِّفة التخيلات التي تثيرها وفق أفكارنا وتفعل بمغالاة ما تجدنا مفكّرين فيه. فإذا وجدتنا خائفين أكثرت التخيّلات والتهديدات لتعذِّب النفس الشقيّة. وإذا وجدتنا فرحين بالرب، مفكِّرين في الصالحات ابتعدت عنا خازية. فلكي نزدري العدو علينا أن نتذكّر الإلهيات دائماً وأن تكون نفسنا فرحة
اضطهاد وبطولة
وساد الكنيسة اضطهاد في زمن الإمبراطور الروماني مكسيميانوس. فترك القديس أنطونيوس منسكه وتبع الشهداء القدّيسين إلى الإسكندرية. حرّكه الشوق إلى موت الشهادة. لم يسلم نفسه بل خدم المعترفين بالإيمان في السجون والمناجم وشدّدهم أمام المحاكم. كان يقبِّل الشهداء ويرافقهم حتى يقضوا نحبهم. وقد عرّض نفسه للموت مراراً. كان يصلّي لكي يستشهد لكن الرب حفظه من أجل منفعتنا ومنفعة الآخرين. وعندما رأى الكثيرون أسلوب حياته رغبوا في الاقتداء به
إلى الصحراء الداخلية
لما رأى القدّيس أنطونيوس أن الناس يقمعونه ولا يتركون له فرصة للخلود إلى النسك على هواه فكّر في الصعود إلى ثيبة العليا حيث لا يعرفه أحد، لكن صوتاً جاءه وقال له أن يدخل إلى الصحراء الداخلية. ولكي يتبيّن الطريق إلى هناك مرّت به جماعة من البدو رضيت أن يصحبها. فبعدما سار ثلاثة أيام وثلاث ليال أتى إلى جبل عال فيه مياه عذبة باردة وسهل يضمّ أشجاراً من النخيل
عاش أنطونيوس هناك وحيداً أوّل الأمر وكان البدو يمرّون به ويقدّمون له بعض الخبز. اكتفى بالخبز والبلح. ثم عرف تلامذته مكان وجوده فأخذوا يرسلون إليه الطعام. كما أتوه بمعول وفأس وبعض القمح فأخذ يفلح الأرض ويزرعها. قصده كان أن يأكل من تعبه ويخفّف عن الإخوة مشقة تزويده بما يحتاج إليه. كما زرع بض الخضار لأن قوماً كانوا يزورونه، فأحب أن تكون لهم الخضار عزاء. وكانت الوحوش تأتي وتشرب من الماء في بقعته، وكثيراً ما أتلفت مزروعاته. فأمسك وحشاً بلطف مرة وقال له: لماذا تسبّبون لي الأذى وأنا لا أصنع بكم شرّاً؟ باسم الرب يسوع ابتعدوا عن المكان! من ذلك الحين لم تعد الوحوش تقترب
من عجائبه
اثنان من الرهبان كانا ذاهبين مرة إلى الدير فنفد ماؤهما في الطريق، وكانا على بعد يوم واحد فمات أحدهما وأشرف الثاني على الموت. في تلك الساعة استدعى القديس أنطونيوس في الجبل راهبين وقال لهما: خذا جرّة ماء واحملاها بسرعة إلى الطريق المؤدّي إلى مصر. هناك تجدان راهبين أحدهما مات والآخر ينتظر الموت ما لم تسعفوه. هذا ما أعلنه الله لي فيما كنت أصلّي. ولما وصل الراهبان إلى المكان وجدا كما قال لهما القدّيس فأعانا الحي فانتعش ودفنا الميت. ولعلّ سائلاً يسأل: لماذا لم يتكلّم أنطونيوس قبل موت الثاني؟ هذا قول في غير محلّه لأن حكم الموت لم يكن في يد القدّيس بل في يد الله الذي حكم على الواحد بالموت وأعلن عن الآخر للحياة
وفيما كان أنطونيوس جالساً في الجبل، مرة، رفع عينيه إلى السماء فرأى إنساناً مرتفعاً ورأى الذين يصادفونه فرحين جداً. وفيما كان القدّيس يتعجّب ويطوِّب هذا المصف الجليل صلّى لكي يعرف من هو. فأتاه صوت يقول له إنها نفس آمون راهب نترية. المسافة بين الجبل ونترية كانت ثلاثة عشر يوماً. فأخبر أنطونيوس تلاميذه أن آمون مات منذ برهة. فلما مضى ثلاثون يوماً على ذلك، أتى بعض الإخوة من نترية وأخبروا عن موت آمون الشيخ في نفس اليوم ونفس الساعة التي أخبر عنها أنطونيوس
كذلك أخبروا أنه لما نزل أنطونيوس إلى الأديار الخارجية طلب منه الرهبان أن يصعد إلى السفينة ليصلّي معهم. فاشتمّ رائحة نتنة جداً فسأل عما تكون، فنفى ركاب السفينة أن يكون على ظهر السفينة غير السمك المملّح. وفيما أنطونيوس متحيِّر متسائل إذ بشاب فيه أرواح نجسة، وكان مختبئاً، يظهر ذاته. فزجر أنطونيوس الشيطان باسم الرب يسوع فخرج منه وعاد الرجل صحيحاً. إذ ذاك تبدّدت رائحة النتن بالكلّية
خارج نفسه
نهض أنطونيوس، مرة، للصلاة في الساعة التاسعة فشعر بأنه يُخطف عقلياً. كان ينظر إلى نفسه وكأنه واقف خارجها، كما أحسّ بأن هناك من يقوده في الفضاء. غير أن جماعة من الأرواح الشرّيرة اعترضت سبيلهم وطلبت أن تعرف ما إذا كان أنطونيوس مسؤولاً أمامها أم لا. ولما رغبوا في محاسبته على أعماله منذ يوم ولادته لم يسمح لهم الذين كانوا يصطحبونه قائلين: كل شرّ فعله من يوم ولادته محاه الرب. ولكن مسموح لكم التحدّث عما فعله من اليوم الذي صار فيه ناسكاً وأعطى الرب وعداً. وإذ كانت التهمة من دون إثبات خلت طريقه من العوائق. فلما عاد أنطونيوس إلى نفسه رأى أنه واقف أمام ذاته، فاندهش لأنه عرف كم علينا أن نحارب من الأعداء وبأية أتعاب سيعبر المرء الفضاء
خُلقه
كان أنطونيوس يحترم قوانين الكنيسة ويجلّ الإكليروس ويحني رأسه للأساقفة والكهنة. لم يكن يخجل من أن يتعلّم من أحد. كما كان يطرح الأسئلة ويرجو أن يسمع آراء الإخوة. وإذا ما اتفق أن وُجد وسط جمهرة من الرهبان وأراد أحدهم التعرّف إليه، كان يدنو منه على الفور ويوجّه كلامه إليه. لم يكن مختلفاً عن باقي الرهبان في طول قامته وعرضها بل خُلُقه وطهارة نفسه. نفسه هادئة وحواسه مستكينة ووجهه وضّاء لفرحه بالرب. كل حركات جسده كانت تعكس حالة روحه. ولم يكن عابساً أبداً
دحضه للهرطقات والمنشقين
وكان للقدّيس دوره في دحض عدد من الهرطقات التي شاعت في زمانه. لم يكن في شركة وأتباع مليتيوس، أسقف ليكوبوليس المصرية، الذي سام أشخاصاً من خارج أبرشيته فأحدث شقاقاً دام سنوات. كما علّم أن مصادقة المانويين، القائلين بإلهي الخير والشر، دمار للنفس. وأوصى بعدم الاقتراب من الآريوسيين أو مشاركتهم معتقدهم الوخيم. وقد طرد الآريوسيّين الذين أتوا إليه في الجبل ليكلّموه. قال إن كلامهم أخطر من سمّ الأفاعي
يذكر أن أنطونيوس نزل من الجبل وأتى إلى الإسكندرية ليشهد للإيمان القويم ويشجب الآريوسية. قال: هذه الهرطقة سابقة للمسيح الدجّال ولا يختلف أتباعها عن الوثنيّين في شيء. وقد أخرج الرب الإله على يديه، هناك، شياطين كثيرة. كما أثّر في نفوس العديد من الوثنيّين حتى قيل إن الذين اعتنقوا المسيحية بفضله، في أيام قليلة، فاق الذين يعتنقونها في سنة كاملة. ولما أراد قوم إبعاد الجموع عنه لئلا يزحموه ويزعجوه أجاب: ليست الجموع أكثر عدداً من الشياطين التي نصارعها في الجبل
مع الفلاسفة
لم يتعلّم القديس أنطونيوس القراءة والكتابة، لكنه كان رجلاً ذكياً حكيماً. جاءه مرة فيلسوفان فعرفهما من وجهيهما وقال لهما من خلال مترجم: لماذا أتعبتما نفسيكما في المجيء للقاء رجل أحمق. ولما قالا له إنه ليس أحمق بل حكيماً، أجابهما: إذا ابتغيتما رجلاً أحمق فباطلاً تعبتما وإذا حسبتماني فطناً فكونا مثلي لأن المرء يحبّ أن يقتدي بالخير. فتعجبّا منه وتركا المكان
ظنّ فلاسفة آخرون، أتوا إليه، أن بإمكانهم أن يسخروا منه، فسألوه: هل العقل سبب العلم أم العلم سبب العقل؟ أجاب: ذو العقل الصحيح لا يحتاج إلى العلم! فاندهشوا وذهبوا متحيّرين.
هذا ولم يكن أنطونيوس فظّ الخُلق بسبب عيشه في الجبل بل كان فرحاً واجتماعياً، وكان القادمون إليه يُسرُّون به
مرة، حاول بعض الفلاسفة استعمال القياس المنطقي في كلامهم على الصليب الإلهي، فحدّثهم طويلاً ثم ختم حديثه بالقول: أنتم لا تؤمنون بالله لأنكم تطلبون مقاييس منطقية. نحن لا نعتمد أساليب الحكمة الهلينية في الإقناع بل نُقنع بالإيمان الذي يسبق الصناعة المنطقية. وكان هناك، قريباً منه، مرضى بهم شياطين فأقامهم في الوسط قائلاً: أبرئوا هؤلاء بقياسكم المنطقي أو بأي فن آخر أو بالسحر وادعوا أصنامكم! فإذا كنتم لا تقدرون على إخراج الشياطين فأوقفوا حربكم ضدّنا فتروا قوة صليب المسيح. ولما قال هذا دعا باسم يسوع ورسم إشارة الصليب ثلاث مرّات على المرضى فنهضوا للحين كاملي العقل يسبّحون الله. فتعجّبوا وانصرفوا بعدما قبّلوه واعترفوا بالفائدة التي نالوها منه
يذكر أن آخر الدراسات بشأن رسائل القدّيس أنطونيوس السبعة بيّن أن قدّيسنا لم يكن أميّاً وكان يعرف اليونانية بعضاً وكان عارفاً ببعض التيّارات الفلسفية، أقله في المستوى الشعبي، كما كان متأثّراً بفكر المعلمين اللاهوتيين المصريّين، أمثال أوريجنيس وكليمنضوس الإسكندري
الرهبان كالسمك
جاء إلى أنطونيوس، مرة، قائد عسكري ورجاه أن ينزل من الجبل لمقابلته فنزل وكلّمه وطلب العودة سريعاً، فتمنى القائد عليه أن يبقى معه مدّة أطول فأجابه: إذا بقي السمك على اليابسة طويلاً مات، وإذا أقام الرهبان بين الناس طويلاً أصيبوا بالتراخي
توديعه ورقاده
وكان جبل القديس أنطونيوس جبلين، واحد خارجي وواحد داخلي. وقد اعتاد زيارة الرهبان في الجبل الخارجي. فلما أتاهم مرة عرّفته العناية الإلهية أنه على وشك المغادرة إلى ربه فكلّمهم قائلاً: هذه هي زيارتي الأخيرة لكم. لا أدري إذا كنا سنلتقي في هذه الحياة بعد اليوم. حان وقت رحيلي وقد بلغت مائة عام وخمسة. فبكوا وعانقوه. فكلّمهم وكأنه يترك مدينة غريبة ليعود إلى مقرِّه. أوصاهم ألا يتهاملوا في الأتعاب ولا يكلّوا في النسك بل أن يعيشوا وكأنهم يموتون كل يوم. كما أوصاهم بحفظ أنفسهم من الأفكار الدنسة، والسلوك في غيرة القدّيسين وحفظ تقليدات الآباء. ثم غادرهم
بعد أشهر قليلة مرض فدعا الناسكين اللذين كانا معه خمسة عشر عاماً وخدماه في شيخوخته. قال لهما: ها أنا أسير على طريق الآباء والرب يدعوني. فكونا صاحيين. اهتما بالحفاظ على غيرتكما كما لو كنتما في البداءة. تنفّسا المسيح دائماً و آمنا به. تذكّرا نصائحي. اتحدا أولاً بالمسيح ثم بالقدّيسين الذين ستلتقيانهم بعد الموت في المساكن الأبدية. لا تفسحا في المجال للآخرين بنقل جسدي إلى مصر كي لا يضعوه في بيوتهم. ادفنا جسدي تحت التراب ولا يعرف أحد غيركما المكان لأني سأحصل عليه بلا فساد في قيامة الأموات. وزّعا ثيابي. أعطيا أثناسيوس ثوبي الذي كان كفراش لي والأسقف سرابيون ثوبي المفرّى الآخر، واحتفظا أنتما بكسائي المكسو بالشعر
وحالما قال هذا عانقاه فمدّ رجليه ونظر إليهما كصديقين قادمين إليه، وفرح جداً والتمع وجهه بهاءً. ثم مات وانضمّ إلى الآباء
تعليق القديس اثناسيوس
وقد ختم القديس أثناسيوس سيرة القديس أنطونيوس بالقول إنه لم يُعرف بسبب مؤلفاته ولا بسبب حكمة خارجية أو فن ما بل بسبب اتّقائه لله. فلا أحد ينكر إنها موهبة من الله، إذ كيف وصلت شهرته إلى إسبانيا وفرنسا وروما وإفريقيا وهو قابع في الجبل لو لم يكن من أخصّاء الله؟ فحتى لو عمل أخصّاؤه في الخفاء وسعوا إلى تجنّب انتباه الناس فإنهم يعرفون
ثم خاطب القديس أثناسيوس الرهبان الذين وجّه إليهم كتابه فحثّهم على قراءته على بقية الإخوة ليعرف الجميع كيف يجب أن تكون حياة الرهبان ويقتنعوا بأن الرب يسوع يمجِّد الذين يمجِّدونه ويقود الذين يخدمونه إلى النهاية
طروبارية القديس أنطونيوس باللحن الرابع
لقد ماثلتَ إيليا الغيور في أحواله، وتبعتَ المعمدان في مناهجه القويمة، فحصلتَ في البرية ساكناً، وللمسكونة بصلواتك مشدّداً, أيها الأب أنطونيوس، فتشفَّع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا
قنداق باللحن الثاني
لقد أقصيتَ الاضطرابات العالمية، قضيتَ حياتكَ بالهدوء والسكينة، مماثلاً المعمدان في جميع الأحوال يا كلي البرِّ، فمعه إذاً نكرمك يا أبا الآباء أنطونيوس
ميلاده ونشأته
ولد القديس أنطونيوس في قرية صغيرة في صعيد مصر تدعى كوما قرابة العام 250م. كان أهله من أعيان البلد، ذوي ثروة يعتدّ بها، مسيحيّين فنشأ على التقوى. وكانت له أخت أصغر منه سنّاً. اعتاد ملازمة البيت إلا للضرورة أو للخروج إلى الكنيسة. ولمّا يشأ أن يحصّل العلم الدنيوي تجنّباً للخلطة بالناس. لكنه كان يصفي جيِّداً لما يُقرأ عليه ويحفظه في قلبه. سلك في بساطة وامتاز بكونه رضيّاً وعفّ عن الملذات
لما توفّي والده تأمّل فيه وقال: تبارك الله! أليست هذه الجثّة كاملة ولم يتغيّر منها شيء البتة سوى توقّف هذا النفس الضعيف؟! فأين هي همّتك وعزيمتك وسطوتك العظيمة وجمعك للمال؟! ثم أردف: إن كنت أنت قد خرجت بغير اختيارك فلا أعجبنّ من ذلك بل أعجب أنا من نفسي إن عملتُ مثل ما عملت أنت. وقد ذكر القدّيس أثناسيوس الكبير أنه ترك العالم بعد وفاة أبيه بستّة أشهر. فيما ذكرت مصادر أخرى أنه ترك والده بغير دفن وخرج يهيم على وجهه مخلّفاً وراءه ما كان له من مال وأراضٍ وخدم. لسان حاله كان: ها أنا أخرج من الدنيا بإرادتي كيلا يخرجوني مثل أبي رغماً عنّي. عمره، يومذاك، كان ثمانية عشر أو ربما عشرين ربيعاً
رهبنته
انصرف أنطونيوس إلى النسك متأمّلاً في ذاته، متدرِّباً على الصبر. لم يكن في بلاد مصر يومذاك أديار. فقط بعض الشيوخ كان يتنسّك، هنا وثمّة، في مكان قريب من بيته أو قريته. فتّش أنطونيوس عن مثل هؤلاء في جواره فوجد بعضاً. كان منهم، على حد تعبير القدّيس أثناسيوس، "كالنحلة الحكيمة" لا يرجع إلى مكانه إلا بعدما يراهم ويتزوّد لديهم بما ينفعه في طريق الفضيلة. يتعلّم من الواحد الفرح ومن الآخر الصلوات الطويلة. من هذا التحرّر من الغضب ومن ذاك الإحسان. يأخذ عن فلان السهر وعن فلان الصبر وعن فلان النوم على الأرض. لاحظ وداعة هذا وطول أناة ذاك، وتشدّد بإيمان هذا ومحبة ذاك
ملاك يزوره
كان أنطونيوس جالساً في قلايته، يوماً، فاستبدّ به روح ملل وصغر نفس وحيرة فضاق صدره وأخذ يشكو إلى الله حاله قائلاً: أحبّ يا رب أن أخلص، لكن الأفكار لا تتركني، فماذا أعمل؟ فجأة رأى إنساناً جالساً أمامه يلبس رداء طويلاً، وهو متّشح بزنّار صليب كالإسكيم الرهباني، وعلى رأسه قلنسوة. وأخذ الرجل يضفر الخوص. ثم قام للصلاة. ثم جلس من جديد وأخذ يعمل في ضفر الخوص وهكذا دواليك. كان هذا ملاكاً من عند الله جاء يعزّي القدّيس ويقوّيه ويعلّمه. لذلك قال له: "اعمل هكذا تسترح
من ذلك الوقت، اتخذ أنطونيوس الزيّ الذي رأى الملاك متّشحاً به وصار يصلّي ويعمل على الوتيرة التي رآه يعمل بها، فاستراح بقوة الرب يسوع
صلاة وعمل وسماع
كان أنطونيوس يصلّي باستمرار ويعمل بيديه. أما عمله فكان يبيعه ويستعين بالمحصلة لتأمين حاجة نفسه إتماماً لما قيل "بعرق جبينك تأكل خبزك". أما الباقي فكان يوزّعه على الفقراء
إلى ذلك كان يصغي إلى تلاوات الكتاب المقدّس ما وسعه إلى ذلك سبيلاً ويجهد حتى لا يسقط شيء مما يتلى على الأرض. همّه كان أن يحفظه ليكون في ذاكرته بديلاً عن الكتاب المقدّس
هجمات شيطانية
لم ترق غيرة أنطونيوس لعدو الخير فأخذ يتصدّى له بقوة متزايدة. أخذ يذكّره بالممتلكات التي خلّفها وراءه ليبثّ فيه الأسى، وبأخته التي أهملها ليشعره بالذنب. عظّم لديه حلاوات مودّة الأقرباء وأطايب العيش. لو بقي في قومه لنفعهم وكان فيهم سيِّداً. نفخ فيه الشرّير روح المجد الباطل. ذكّره، بالمقابل، بصعوبات الفضيلة وجهاداتها. لفته إلى ضعف جسده وطول المدة التي ينبغي عليه تمضيتها في أتعاب قد لا تتمخّض في النهاية عن شيء. وشوش له أن جهده هذا مضيعة للوقت فيما الشباب يعبر ولا يعود. أثار في ذهنه الأفكار القبيحة ودغدغه في جسده وظهر له في الليل بهيئة امرأة لعوب. كل هذا وغيره قاومه أنطونيوس بالثبات والعزم والإيمان بالله والصلاة المستمرة والصوم وذكر الموت والنار والدود. وبنعمة الله غلب
لم يطق عدو الخير غلبة الشاب عليه. أخذ يصرّ بأسنانه وكأنه خرج من طوره. أخذ يظهر له في الخيال كعبد أسود. كفّ عن مهاجمته بالأفكار واتخذ صوتاً بشرياً. سأله أنطونيوس من أنت؟ فقال: أنا صديق الزنى. أنا من ينصب فخاخ الزنى ويثير الدغدغة في الشباب. أنا روح الزنى. فاعتصم أنطونيوس بالله وواجه الشيطان بشجاعة قائلاً: أنت تستحق كل احتقار! أنت مظلم العقل وعديم القوة! مثلك مثل ولد صغير! لن أهتمّ لك بعد اليوم لأن معيني الرب. فلم يعد الشيطان يجسر على الدنو منه. غادره بأصوات مخنوقة من الخوف
تحصينه لنفسه
لم يظهر أنطونيوس أي تكاسل أو تراخ لانتصاره على الشيطان. كان يعرف أن الشيطان لا بدّ أن يعيد الكرّة وبطرق أخرى "لأن الشيطان ربيب الخطيئة". لهذا السبب زاد أنطونيوس من قسوته على نفسه. فكثيراً ما كان يمضي الليل ساهراً في الصلاة. لا يأكل سوى مرة واحدة في اليوم، بعد غروب الشمس، أحياناً كل يومين وأحياناً كل أربعة أيام. طعامه كان الخبز والملح والماء. لا ينام إلا قليلاً على الأرض، ولا يمتّع نفسه بأية لذّة جسدية. يبدأ حياته النسكية من جديد كل يوم وكأنه أول يوم له في النسك. همّه كان أن يظهر أمام الله طاهر القلب، مستعداً للسلوك في مشيئته بكل قواه
بين القبور
ولكي يضيِّق أنطونيوس على نفسه طلب السكنى في قبر، بعيداً عن القرية. طلب من أحد معارفه أن يأتيه بالخبز. أغلق عليه صاحبه الباب وانصرف. فاهتاج الشيطان وأبالسته وكأن أنطونيوس جاء يهاجمه في عقر داره، في مقر الموت. فانقضّ عليه، ذات ليلة، وجرّحه كثيراً حتى سقط على الأرض. كان الألم عليه شديداً، أشدّ من ضربات الإنسان بمقادير، ولم تعد فيه قوة على الكلام. لكن، بعناية الله، أتى صاحبه في اليوم التالي يحمل الخبز. فلما فتح الباب رآه مطروحاً على الأرض كالميت فحمله إلى كنيسة القرية حيث تحلّق حوله الناس تحلّقهم حول رجل ميت. لكنه استردّ وعيه في نصف الليل. وإذ وجد الجميع نياماً إلا صاحبه أشار إليه بأن يعود به إلى القبر
لم يقوّ أنطونيوس في القبر على الوقوف. استلقى على الأرض وأخذ يصلّي. ثم صرخ بقوة: أنا هو أنطونيوس! أنا هنا! لن أهرب من جراحاتكم! لا شيء يفصلني عن محبة المسيح. إني ولو اصطفّ عليّ عسكر فإن قلبي لا يخاف (مزمور26). فجمع الشيطان كلابه وهاجمه من جديد. بدا المكان كما في زلزلة وبدت الجدران مفتوحة والأبالسة تدخل وتخرج منها بشكل حيوانات متوحّشة وزحّافات. ثم أخذت تصوّر له وكأنها تنقضّ عليه لكنها لم تقترب منه ولا مسّته بأذى. غير أن ضجيج الأشباح كان مخيفاً وغضبهم عنيفاً. الضغطة عليه قوية كانت. ألمه الجسدي كان شديداً. بدا كأنه يُجلد ويُنخس. لكنه كان صاحياً، ساهراً، ساكن القلب. قال وهو يهزأ بالشياطين: لو كنتم تملكون القوة لكفاكم أن يأتي عليّ حيوان واحد منكم، لكن الرب جعلكم عديمي القوة
وإذ رفع أنطونيوس نظره إلى سقف المقبرة رآه ينفتح شيئاً فشيئاً. وإذا بشعاع من النور ينزل عليه. فجأة اختفت الشياطين وزال ألم جسده وعاد البناء كما كان. فتنفّس أنطونيوس الصعداء وأدرك أنّه ربّه في النور فسأله: أين كنت؟! لماذا لم تظهر قبل الآن لتريحني من العذاب؟ فأتاه صوت يقول له: كنت هنا يا أنطونيوس. كنت انتظر جهادك. وبما أنك صبرت ولم تُهزم فسأكون لك عوناً على الدوام وسأعمل ليكون اسمك معروفاً في كل مكان. فلما بلغه الصوت تقوّى فنهض وصلّى وأحسّ بجسده أكثر قوة من ذي قبل. عمره، يومذاك، كان خمسة وثلاثين عاماً
إلى الصحراء
بعد ذلك خرج أنطونيوس إلى الصحراء. لم يتخلّ الشيطان عن ألاعيبه. جعل له في سبيله قرصاً فضياً كبيراً وذهباً كثيراً فجاز بالكل وهو عالم أنه من الشرّير لإعاقته وإلهائه. ولما وجد عبر النهر حصناً مهجوراً مليئاً بالزحّافات عبر إليه وسكن فيه فهربت الزحّافات. أقفل على نفسه عشرين سنة لا يقبل الخبز إلا مرتين في السنة من السقف. فلما رغب قوم في الاقتداء به في نسكه أتوا وفتحوا الباب عنوة فخرج إليهم كمن هيكل الله، فتعجّبوا لأنهم رأوه في حالته المعتادة. لا ترهّل ولا ضعف. كان عقله راجحاً وحالته طبيعية. لم يكن عابساً ولا ضاحكاً. وقد أعطى الرب الإله بواسطته الشفاء لعدد كبير من المرضى الحاضرين وطهر آخرون من الشياطين. كما أعطاه الرب نعمة كبيرة في الكلام فعزّى الحزانى وصالح المتخاصمين. قال لهم: ينبغي ألا نصنع في العالم شيئاً أرفع من محبة المسيح. حثّهم على تذكّر الخيرات الآتية ومحبة الله للإنسان، وأقنع الكثيرين باختيار حياة التوحّد. هكذا نشأت الأديار على الجبال واستحالت الصحراء مدينة
من خبرته
كلّم القديس أنطونيوس جماعة من الرهبان، مرة، قال: الكتاب المقدّس كاف للتعليم؛ لكن، حسناً أن يشدّد الواحد الآخر في الإيمان وأن نطيِّب النفس بالكلام الروحي. لا نفكِّرن في الرجوع إلى الحياة الدنيا بعد أن خرجنا منها. لا نقل إننا عتقنا في الحياة النسكية بل ليزد حماسنا وكأننا نبدأ كل يوم. كل ما في العالم نقايضه بشيء يساويه، أما وعد الحياة الأبدية فيُشرى بسعر بخس. إذا ما تركتم بيتاً أو ذهباً فلا تفتخروا ولا تكتئبوا. ما لم نكفر بكل شيء من أجل الفضيلة فسنتركه حتماً ساعة يأتي الموت، وعلى الأرجح لأناس لا نريدهم. لنثبت في نسكنا كل يوم عالمين أننا إن تهاونّا يوماً واحداً فلن يسامحنا الله بسبب ماضينا الحسن بل سيغضب علينا لتهاوننا
إذا ما عشنا وكأننا نموت كل يوم فلن نخطأ. لنجاهد ناظرين دائماً إلى يوم الدينونة لأن الخوف والصراع ضد التجارب يحبطان سهولة اللذّة وينهضان النفس الساقطة. لا تخافوا عندما تسمعون عن الفضيلة لأنها ليست ببعيدة عنا وليست خارج أنفسنا بل فينا. الفضيلة أمر سهل يكفي أن نريده. روحانية النفس من طبيعتها، أي أن تكون مستقيمة كما خُلقت. اكتساب الفضيلة صعب عندما نضطر للبحث عنها خارج أنفسنا. أما إذا كانت فينا فلنحفظ أنفسنا من الأفكار الدنسة. لنجاهد كي لا يطغى علينا الغضب ولا تتسلّط علينا الشهوة. أعداؤنا مرعبون وخدّاعون وصراعنا هو ضدّهم. جمهرتهم كثيرة في الجو وهي ليست بعيدة عنا وأنواعها متعدّدة. يريدون إعاقتنا عن الارتفاع إلى السماوات حسداً لأنهم من هناك سقطوا. نحتاج إلى الصلاة الكثيرة والنسك لنحصل من الروح القدس على موهبة تمييز الأرواح. يجب على كل واحد منا أن يصلح سواه وفق خبرته مع الشياطين. لا تخافوا من هجماتهم لأنهم يُهزمون حالاً بالصلوات والأصوام والإيمان بالرب. لكنهم لا يتوقّفون عن الهجوم. يقتربون بغش وخبث، بالشهوة الدنسة، بالخيالات. لا نرتعب من الخيالات. ليست هي بشيء وتختفي بسرعة. يكفي الإنسان أن يحمي نفسه بالإيمان وإشارة الصليب. الشياطين وقحون جداً. هكذا يظهر رئيس الشياطين: "عيناه كهدب الصباح. من فمه تخرج مصابيح مشتعلة. شرار نار يتطاير منه. من منخاريه يخرج دخاناً كما من قدر منفوخ أو من مرجل. نَفَسُه يشعل كالجمر واللهيب يخرج من فمه" (أيوب4). يرعب ويتكلم بفخر واعتزاز. علينا ألاّ نخاف من ظهوراته ولا نأبه لكلماته لأنه كاذب ولا يتكلّم بالصدق أبداً. والمخلّص قبض عليه بصنّارة ووضع الرسن في فكّه كالدابة وكهارب أوثق منخره وثقب شفتيه. أوثقه الرب حتى نسخر منه
والشياطين قادرة على أن تأخذ الشكل الذي تريده. فكثيراً ما تتظاهر، وهي مختفية، بأنها ترتّل أو تتلو أقوالاً من الكتاب المقدّس. أحياناً تردّد ما نقرأه وكأنها صدى. تارة تنهضنا للصلاة كي لا ننام. تفعل هذا باستمرار لتمنع عنا النوم. تتخذ أحياناً شكل الرهبان وتتكلّم بتقوى لتخدعنا. تجرّ الذين خدعتهم إلى حيث تريد. لذلك لا نصغينّ إليها حين تنهضنا للصلاة وحين تنصحنا بألا نأكل أبداً وتتهمنا وتوبُخنا في أمور وافقتنا فيها سابقاً. والشياطين تسعى لتقود المستقيمين إلى اليأس، مظهرة لهم إن الحياة النسكية غير نافعة. تثير فيهم الاشمئزاز وتجعلهم يظنون أن الحياة الرهبانية حمل ثقيل
ومع أن الشياطين اعترفت بالحقيقة للرب: "إنك أنت ابن الله" (لوقا4) فقد أغلق أفواهها وأعاقها عن الكلام خوفاً من أن تزرع الشر مع الحق، ومن أن نألفها ونصغي إليها، حتى ولو نطقت بالحق. فمن غير اللائق أن نتعلّم من الشيطان الذي لم يحافظ على مركزه
وبما أن الشياطين لا تقدر على شيء فإنها تلجأ إلى التهديد، إذ لو كانت ذات قوة لما تردّدت في ارتكاب الشر حالاً ولما تركت مسيحياًَ واحداً على قيد الحياة
السلاح الكبير ضد الشياطين هو حياة مستقيمة وإيمان بالله. فهي تخاف صوم النسّاك وسهرهم وصلواتهم ووداعتهم وسكينتهم وعدم محبّتهم للفضّة وكرههم للمجد الباطل واتضاعهم ومحبّتهم للفقراء وإحساناتهم وعدم غضبهم، وقبل كل شيء إيمانهم بالمسيح
وإذا ما تظاهرت الشياطين بالنبوءة فلا تبالوا بها. إنها لا تعرف الأمور التي لم تحدث. وحده الله يعرف كل شيء قبل حدوثه. للشياطين أجساد أكثر خفّة من أجساد الناس لذلك تسرع وتخبر بأشياء حدثت بالفعل. وهي لا تفعل هذا حباً بالناس بل لتقنعهم بأنها قادرة فيثقوا بها؛ ومتى ملكتهم انقضّت عليهم وأهلكتهم. وهي تقوى على التخمين ولا تقوى على المعرفة المسبقة. فلا نعجبنّ بها ولو تكلّمت بالصدق أحياناً. ثم ماذا ينتفع الذين يصغون إلى الشياطين إذا ما عرفوا المستقبل قبل أيام؟ المعرفة لا تصنع الفضيلة ولا هي علامة الخُلق الصالح. لا يدان أحد لأنه يجهل المستقبل ولا يُطوَّب لأنه يعرفه. بل سيحاكم المرء على صونه الإيمان وحفظه الوصايا
لا نتعبنّ للحصول على معرفة المستقبلات بل لإرضاء الله بسيرتنا. وأنا أؤمن أن النفس المتطهِّرة من الأفكار الشرّيرة والمحافظة على الطبيعة التي خلقها الرب فيها تقدر أن تكون رائية أكثر مما يرى الشيطان، لأنها تملك الرب الذي سيعلن لها كل شيء
أما كيف نفرِّق الأرواح الشرّيرة عن الأرواح الصالحة فالرب يعطينا قوة التمييز بينها. لا يكون ظهور الأرواح الصالحة مرعباً بل هادئاً. تخلق فرحاً في النفس وشجاعة. والأفكار التي تولّدها تبقي النفس غير متزعزعة إلى أن تنيرها من هذا الفرح فتعرف. والأرواح الصالحة تطرح الخوف بالمحبة التي تظهرها كما فعل الملاك الذي ظهر للنسوة عند قبر الرب وعندما ظهر للرعاة. أما هجوم الأرواح الشرّيرة وظهورها الخيالي فترافقه جلبة وضربات وأصوات وصراخ كهجوم الأولاد الأشرار واللصوص. ومتى ظهرت ساد الرعب واضطراب النفس وتشويش الفكر والتهجّم والتهامل والحزن وتذكّر الأقرباء وخوف الموت. وفوق ذلك نتجت رغبة في الشر وكسل في اكتساب الفضيلة واضطراب في الخُلق. إذا رأيتم روحاً واعتراكم الخوف أولاً ثم حلّ محل الخوف فرح لا يُعبّر عنه وحماس وشجاعة وإقدام ومحبّة لله فتشجّعوا وصلّوا للرب. أما إذا رأيتم أرواحاً أثارت فيكم اضطراباً وضربات خارجية وتخيّلات دنيوية وتهديداً بالموت فاعلموا أن هذا هجوم من الأرواح الشرّيرة
وتكلّم القديس أنطونيوس عن نفسه، قال: كم من مرة طوّبتني الشياطين وباسم الرب أبدتها! أتت مرّة في الظلام حاملة نوراً خيالياً وقالت: أتينا لننيرك يا أنطونيوس فأغلقت عينيّ وصلّيت فانطفأ نور الأشرار للحين. أتتني ترتّل وتتفوّه بآيات كتابية فكنت كأصمّ لا يسمع! ظهر لي مرة شيطان متعظّم طويل القامة جداً وتجرّأ على القول: أنا هو قوّة الله، أنا هو العناية الإلهية، ماذا تريد أن أعطيك!؟ أما أنا فذكرت اسم المسيح وبصقت عليه وأعتقد بأني لطمته. وحالما سمع اسم المسيح اختفى ومن معه. مرة كنت صائماً فأتاني الشيطان كراهب وفي يده خبز خيالي وقال لي: كلْ وكفّ عن العذابات الكثيرة. أنت إنسان وسوف تمرض! فأدركت حيلته ونهضت للصلاة فاختفى للحين
عندما تأتي الشياطين إلينا فإنها تعاملنا بحسب حالتنا النفسية مكيِّفة التخيلات التي تثيرها وفق أفكارنا وتفعل بمغالاة ما تجدنا مفكّرين فيه. فإذا وجدتنا خائفين أكثرت التخيّلات والتهديدات لتعذِّب النفس الشقيّة. وإذا وجدتنا فرحين بالرب، مفكِّرين في الصالحات ابتعدت عنا خازية. فلكي نزدري العدو علينا أن نتذكّر الإلهيات دائماً وأن تكون نفسنا فرحة
اضطهاد وبطولة
وساد الكنيسة اضطهاد في زمن الإمبراطور الروماني مكسيميانوس. فترك القديس أنطونيوس منسكه وتبع الشهداء القدّيسين إلى الإسكندرية. حرّكه الشوق إلى موت الشهادة. لم يسلم نفسه بل خدم المعترفين بالإيمان في السجون والمناجم وشدّدهم أمام المحاكم. كان يقبِّل الشهداء ويرافقهم حتى يقضوا نحبهم. وقد عرّض نفسه للموت مراراً. كان يصلّي لكي يستشهد لكن الرب حفظه من أجل منفعتنا ومنفعة الآخرين. وعندما رأى الكثيرون أسلوب حياته رغبوا في الاقتداء به
إلى الصحراء الداخلية
لما رأى القدّيس أنطونيوس أن الناس يقمعونه ولا يتركون له فرصة للخلود إلى النسك على هواه فكّر في الصعود إلى ثيبة العليا حيث لا يعرفه أحد، لكن صوتاً جاءه وقال له أن يدخل إلى الصحراء الداخلية. ولكي يتبيّن الطريق إلى هناك مرّت به جماعة من البدو رضيت أن يصحبها. فبعدما سار ثلاثة أيام وثلاث ليال أتى إلى جبل عال فيه مياه عذبة باردة وسهل يضمّ أشجاراً من النخيل
عاش أنطونيوس هناك وحيداً أوّل الأمر وكان البدو يمرّون به ويقدّمون له بعض الخبز. اكتفى بالخبز والبلح. ثم عرف تلامذته مكان وجوده فأخذوا يرسلون إليه الطعام. كما أتوه بمعول وفأس وبعض القمح فأخذ يفلح الأرض ويزرعها. قصده كان أن يأكل من تعبه ويخفّف عن الإخوة مشقة تزويده بما يحتاج إليه. كما زرع بض الخضار لأن قوماً كانوا يزورونه، فأحب أن تكون لهم الخضار عزاء. وكانت الوحوش تأتي وتشرب من الماء في بقعته، وكثيراً ما أتلفت مزروعاته. فأمسك وحشاً بلطف مرة وقال له: لماذا تسبّبون لي الأذى وأنا لا أصنع بكم شرّاً؟ باسم الرب يسوع ابتعدوا عن المكان! من ذلك الحين لم تعد الوحوش تقترب
من عجائبه
اثنان من الرهبان كانا ذاهبين مرة إلى الدير فنفد ماؤهما في الطريق، وكانا على بعد يوم واحد فمات أحدهما وأشرف الثاني على الموت. في تلك الساعة استدعى القديس أنطونيوس في الجبل راهبين وقال لهما: خذا جرّة ماء واحملاها بسرعة إلى الطريق المؤدّي إلى مصر. هناك تجدان راهبين أحدهما مات والآخر ينتظر الموت ما لم تسعفوه. هذا ما أعلنه الله لي فيما كنت أصلّي. ولما وصل الراهبان إلى المكان وجدا كما قال لهما القدّيس فأعانا الحي فانتعش ودفنا الميت. ولعلّ سائلاً يسأل: لماذا لم يتكلّم أنطونيوس قبل موت الثاني؟ هذا قول في غير محلّه لأن حكم الموت لم يكن في يد القدّيس بل في يد الله الذي حكم على الواحد بالموت وأعلن عن الآخر للحياة
وفيما كان أنطونيوس جالساً في الجبل، مرة، رفع عينيه إلى السماء فرأى إنساناً مرتفعاً ورأى الذين يصادفونه فرحين جداً. وفيما كان القدّيس يتعجّب ويطوِّب هذا المصف الجليل صلّى لكي يعرف من هو. فأتاه صوت يقول له إنها نفس آمون راهب نترية. المسافة بين الجبل ونترية كانت ثلاثة عشر يوماً. فأخبر أنطونيوس تلاميذه أن آمون مات منذ برهة. فلما مضى ثلاثون يوماً على ذلك، أتى بعض الإخوة من نترية وأخبروا عن موت آمون الشيخ في نفس اليوم ونفس الساعة التي أخبر عنها أنطونيوس
كذلك أخبروا أنه لما نزل أنطونيوس إلى الأديار الخارجية طلب منه الرهبان أن يصعد إلى السفينة ليصلّي معهم. فاشتمّ رائحة نتنة جداً فسأل عما تكون، فنفى ركاب السفينة أن يكون على ظهر السفينة غير السمك المملّح. وفيما أنطونيوس متحيِّر متسائل إذ بشاب فيه أرواح نجسة، وكان مختبئاً، يظهر ذاته. فزجر أنطونيوس الشيطان باسم الرب يسوع فخرج منه وعاد الرجل صحيحاً. إذ ذاك تبدّدت رائحة النتن بالكلّية
خارج نفسه
نهض أنطونيوس، مرة، للصلاة في الساعة التاسعة فشعر بأنه يُخطف عقلياً. كان ينظر إلى نفسه وكأنه واقف خارجها، كما أحسّ بأن هناك من يقوده في الفضاء. غير أن جماعة من الأرواح الشرّيرة اعترضت سبيلهم وطلبت أن تعرف ما إذا كان أنطونيوس مسؤولاً أمامها أم لا. ولما رغبوا في محاسبته على أعماله منذ يوم ولادته لم يسمح لهم الذين كانوا يصطحبونه قائلين: كل شرّ فعله من يوم ولادته محاه الرب. ولكن مسموح لكم التحدّث عما فعله من اليوم الذي صار فيه ناسكاً وأعطى الرب وعداً. وإذ كانت التهمة من دون إثبات خلت طريقه من العوائق. فلما عاد أنطونيوس إلى نفسه رأى أنه واقف أمام ذاته، فاندهش لأنه عرف كم علينا أن نحارب من الأعداء وبأية أتعاب سيعبر المرء الفضاء
خُلقه
كان أنطونيوس يحترم قوانين الكنيسة ويجلّ الإكليروس ويحني رأسه للأساقفة والكهنة. لم يكن يخجل من أن يتعلّم من أحد. كما كان يطرح الأسئلة ويرجو أن يسمع آراء الإخوة. وإذا ما اتفق أن وُجد وسط جمهرة من الرهبان وأراد أحدهم التعرّف إليه، كان يدنو منه على الفور ويوجّه كلامه إليه. لم يكن مختلفاً عن باقي الرهبان في طول قامته وعرضها بل خُلُقه وطهارة نفسه. نفسه هادئة وحواسه مستكينة ووجهه وضّاء لفرحه بالرب. كل حركات جسده كانت تعكس حالة روحه. ولم يكن عابساً أبداً
دحضه للهرطقات والمنشقين
وكان للقدّيس دوره في دحض عدد من الهرطقات التي شاعت في زمانه. لم يكن في شركة وأتباع مليتيوس، أسقف ليكوبوليس المصرية، الذي سام أشخاصاً من خارج أبرشيته فأحدث شقاقاً دام سنوات. كما علّم أن مصادقة المانويين، القائلين بإلهي الخير والشر، دمار للنفس. وأوصى بعدم الاقتراب من الآريوسيين أو مشاركتهم معتقدهم الوخيم. وقد طرد الآريوسيّين الذين أتوا إليه في الجبل ليكلّموه. قال إن كلامهم أخطر من سمّ الأفاعي
يذكر أن أنطونيوس نزل من الجبل وأتى إلى الإسكندرية ليشهد للإيمان القويم ويشجب الآريوسية. قال: هذه الهرطقة سابقة للمسيح الدجّال ولا يختلف أتباعها عن الوثنيّين في شيء. وقد أخرج الرب الإله على يديه، هناك، شياطين كثيرة. كما أثّر في نفوس العديد من الوثنيّين حتى قيل إن الذين اعتنقوا المسيحية بفضله، في أيام قليلة، فاق الذين يعتنقونها في سنة كاملة. ولما أراد قوم إبعاد الجموع عنه لئلا يزحموه ويزعجوه أجاب: ليست الجموع أكثر عدداً من الشياطين التي نصارعها في الجبل
مع الفلاسفة
لم يتعلّم القديس أنطونيوس القراءة والكتابة، لكنه كان رجلاً ذكياً حكيماً. جاءه مرة فيلسوفان فعرفهما من وجهيهما وقال لهما من خلال مترجم: لماذا أتعبتما نفسيكما في المجيء للقاء رجل أحمق. ولما قالا له إنه ليس أحمق بل حكيماً، أجابهما: إذا ابتغيتما رجلاً أحمق فباطلاً تعبتما وإذا حسبتماني فطناً فكونا مثلي لأن المرء يحبّ أن يقتدي بالخير. فتعجبّا منه وتركا المكان
ظنّ فلاسفة آخرون، أتوا إليه، أن بإمكانهم أن يسخروا منه، فسألوه: هل العقل سبب العلم أم العلم سبب العقل؟ أجاب: ذو العقل الصحيح لا يحتاج إلى العلم! فاندهشوا وذهبوا متحيّرين.
هذا ولم يكن أنطونيوس فظّ الخُلق بسبب عيشه في الجبل بل كان فرحاً واجتماعياً، وكان القادمون إليه يُسرُّون به
مرة، حاول بعض الفلاسفة استعمال القياس المنطقي في كلامهم على الصليب الإلهي، فحدّثهم طويلاً ثم ختم حديثه بالقول: أنتم لا تؤمنون بالله لأنكم تطلبون مقاييس منطقية. نحن لا نعتمد أساليب الحكمة الهلينية في الإقناع بل نُقنع بالإيمان الذي يسبق الصناعة المنطقية. وكان هناك، قريباً منه، مرضى بهم شياطين فأقامهم في الوسط قائلاً: أبرئوا هؤلاء بقياسكم المنطقي أو بأي فن آخر أو بالسحر وادعوا أصنامكم! فإذا كنتم لا تقدرون على إخراج الشياطين فأوقفوا حربكم ضدّنا فتروا قوة صليب المسيح. ولما قال هذا دعا باسم يسوع ورسم إشارة الصليب ثلاث مرّات على المرضى فنهضوا للحين كاملي العقل يسبّحون الله. فتعجّبوا وانصرفوا بعدما قبّلوه واعترفوا بالفائدة التي نالوها منه
يذكر أن آخر الدراسات بشأن رسائل القدّيس أنطونيوس السبعة بيّن أن قدّيسنا لم يكن أميّاً وكان يعرف اليونانية بعضاً وكان عارفاً ببعض التيّارات الفلسفية، أقله في المستوى الشعبي، كما كان متأثّراً بفكر المعلمين اللاهوتيين المصريّين، أمثال أوريجنيس وكليمنضوس الإسكندري
الرهبان كالسمك
جاء إلى أنطونيوس، مرة، قائد عسكري ورجاه أن ينزل من الجبل لمقابلته فنزل وكلّمه وطلب العودة سريعاً، فتمنى القائد عليه أن يبقى معه مدّة أطول فأجابه: إذا بقي السمك على اليابسة طويلاً مات، وإذا أقام الرهبان بين الناس طويلاً أصيبوا بالتراخي
توديعه ورقاده
وكان جبل القديس أنطونيوس جبلين، واحد خارجي وواحد داخلي. وقد اعتاد زيارة الرهبان في الجبل الخارجي. فلما أتاهم مرة عرّفته العناية الإلهية أنه على وشك المغادرة إلى ربه فكلّمهم قائلاً: هذه هي زيارتي الأخيرة لكم. لا أدري إذا كنا سنلتقي في هذه الحياة بعد اليوم. حان وقت رحيلي وقد بلغت مائة عام وخمسة. فبكوا وعانقوه. فكلّمهم وكأنه يترك مدينة غريبة ليعود إلى مقرِّه. أوصاهم ألا يتهاملوا في الأتعاب ولا يكلّوا في النسك بل أن يعيشوا وكأنهم يموتون كل يوم. كما أوصاهم بحفظ أنفسهم من الأفكار الدنسة، والسلوك في غيرة القدّيسين وحفظ تقليدات الآباء. ثم غادرهم
بعد أشهر قليلة مرض فدعا الناسكين اللذين كانا معه خمسة عشر عاماً وخدماه في شيخوخته. قال لهما: ها أنا أسير على طريق الآباء والرب يدعوني. فكونا صاحيين. اهتما بالحفاظ على غيرتكما كما لو كنتما في البداءة. تنفّسا المسيح دائماً و آمنا به. تذكّرا نصائحي. اتحدا أولاً بالمسيح ثم بالقدّيسين الذين ستلتقيانهم بعد الموت في المساكن الأبدية. لا تفسحا في المجال للآخرين بنقل جسدي إلى مصر كي لا يضعوه في بيوتهم. ادفنا جسدي تحت التراب ولا يعرف أحد غيركما المكان لأني سأحصل عليه بلا فساد في قيامة الأموات. وزّعا ثيابي. أعطيا أثناسيوس ثوبي الذي كان كفراش لي والأسقف سرابيون ثوبي المفرّى الآخر، واحتفظا أنتما بكسائي المكسو بالشعر
وحالما قال هذا عانقاه فمدّ رجليه ونظر إليهما كصديقين قادمين إليه، وفرح جداً والتمع وجهه بهاءً. ثم مات وانضمّ إلى الآباء
تعليق القديس اثناسيوس
وقد ختم القديس أثناسيوس سيرة القديس أنطونيوس بالقول إنه لم يُعرف بسبب مؤلفاته ولا بسبب حكمة خارجية أو فن ما بل بسبب اتّقائه لله. فلا أحد ينكر إنها موهبة من الله، إذ كيف وصلت شهرته إلى إسبانيا وفرنسا وروما وإفريقيا وهو قابع في الجبل لو لم يكن من أخصّاء الله؟ فحتى لو عمل أخصّاؤه في الخفاء وسعوا إلى تجنّب انتباه الناس فإنهم يعرفون
ثم خاطب القديس أثناسيوس الرهبان الذين وجّه إليهم كتابه فحثّهم على قراءته على بقية الإخوة ليعرف الجميع كيف يجب أن تكون حياة الرهبان ويقتنعوا بأن الرب يسوع يمجِّد الذين يمجِّدونه ويقود الذين يخدمونه إلى النهاية
طروبارية القديس أنطونيوس باللحن الرابع
لقد ماثلتَ إيليا الغيور في أحواله، وتبعتَ المعمدان في مناهجه القويمة، فحصلتَ في البرية ساكناً، وللمسكونة بصلواتك مشدّداً, أيها الأب أنطونيوس، فتشفَّع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا
قنداق باللحن الثاني
لقد أقصيتَ الاضطرابات العالمية، قضيتَ حياتكَ بالهدوء والسكينة، مماثلاً المعمدان في جميع الأحوال يا كلي البرِّ، فمعه إذاً نكرمك يا أبا الآباء أنطونيوس
التذكار الجامع للقدّيسين الرسل السبعين
حفظ التراث أسماء السبعين والكراسي التي تولاّها بعضهم
⁜ أغابوس: ورد ذكره في سفر أعمال الرسل كواحد من الأنبياء. أشار بالروح أن جوعاً عظيماً كان عتيداً أنيصير على جميع المسكونة في أيام كلوديوس قيصر(أعمال27:11-28،21:10-11). يعيَّد له في 8 نيسان
⁜ أكيلا: يهودي من البنطس. كان وزوجته بريسكلاّ خيّامين في كورنثوس. أقام الرسول بولس عندهما وعمل معهما (أعمال1:18-3، رومية3:16). يُعيَّد له في 13شباط و14تموز
⁜ أمبلياس: ورد ذكره في (رومية8:16) سمّاه الرسول بولسحبيبه. وقد تسقّف على أوديسوبوليس. يُعيَّد له في 31 تشرينالأول
⁜ حنانيا: هو الذي أرسل من قبل الرب إلى شاول الذي صاربولس الرسول، إلى الزقاق المدعو المستقيم في دمشق فوضع يده عليه وأنبأه بأنه مرسل من لدن الرب يسوع المسيح ليبصر - بعدما عمي - ويمتلئ من الروح القدس (أعمال9:10-18). وقد صار حنانيا، فيما بعد، أسقفاً على دمشق. يُعيَّد له في أول تشرين الأول
⁜ أندرونيكوس: ورد ذكره في (رومية 7:16). سمّاه الرسول بولس نسيبه وقال عنه إنه المأسور معه والمشهور بين الرسل وقد كان قبله في المسيح. يُعيَّد له في 30 تموز
⁜ أبَلّس: ورد ذكره في (رومية16:10). قال عنه الرسول بولس إنه المزكّى في المسيح. صُيِّر، في وقت لاحق، أسقفاً على أزمير.له عيد في 10أيلول
⁜ أبلّس الآخر: تسقّف على هيراكليوس ويُعيَّد له في 31 تشرين الأول
⁜ أبُلُّوس: هو المذكور في أعمال الرسل. وقد وُصف بأنه إسكندري الجنس، رجل فصيح، مقتدر في الكتب، خبير فيطريق الرب، حارّ بالروح، يتكلّم ويعلّم بتدقيق ما يختص بالرب. لكنه كان لا يعرف إلا معمودية يوحنا. فلما جاءإلى أفسس سمعه أكيلا وبريسكلاّ فأخذاه وشرحا له طريق الرب بأكثر تدقيق. وقد ساعد كثيراً بالنعمة الذين كانواقد آمنوا (أعمال24:18-28). اعتبر الرسول بولس في مقارنة نفسه بأبُلُّوس أنه هو غرس وأبُلُّس سقى. قال هذا بعدما تحزّب فريق من أهل كورنثوس لبولس وفريق آخر لأبُلُّوس (1كورنثوس3). تسقّف على قيصرية فلسطين. يُعيَّد له في 8 كانون الأول
⁜ أرسترخوس: كان رفيقاً للرسول بولس في السفر (أعمال29:19).وهو من تسالونيكي (أعمال4:20،2:27). سمّاه الرسول بولس العامل معه والمأسور معه (كولوسي10:4). تسقّف على أفاميا. عيده في 27 أيلول و14نيسان
⁜ أرستوبولوس: ورد ذكره في (رومية 16:10). صار أسقفاً على بريطانيا العظمى. يُعيَّد له في 31تشرين الأول و15آذار
⁜ أرتيماس: ذكره الرسول بولس في (تيطس12:3). تسقّف على ليسترا. عيده في 30 تشرين الأول
⁜ أرخبّس: هو المذكور في الرسالة إلى أهل كولوسي. وقد بعث الرسول بولس يقول له: "أنظر إلى الخدمة التي قبلتها في الرب لكي تتمّمها (كولوسي17:4). يُعيَّد له في 22 تشرين الثاني و19شباط
⁜ أسينكويتس: مذكور في (رومية 14:16). عيده في 8 نيسان
⁜ أخائيكوس: تكلّم عنه الرسول بولس حسناً في (1كورنثوس17:16).يُعيَّد له في 15حزيران
⁜ برنابا: هو المذكور في (أعمال36:4-37). وهو يوسف أو يوسي الذي دعي من الرسل برنابا المترجّم ابن الوعظ. كان لاوياً قبرصي الجنس. وكان له حقل باعه وأتى بالدراهم ووضعها عند أرجل الرسل. قيل عنه إنه كان رجلاً صالحاً وممتلئاً من الروح القدس والإيمان (أعمال24:11). هو الذ يقدّم شاول أي بولس الرسول إلى الكنيسة. وقد علّم وإياه فيإنطاكية سنة كاملة. وترافقا مدة من الزمان ثم افترق ابسبب يوحنا مرقص، ابن أخت برنابا (أعمال15: 36-39). يُعيَّد له في 11 حزيران
⁜ كاربس: ورد ذكره في (2 تيموثاوس 13:4). عيده في 26 أيّار
⁜ قيصر: يظن أنه هو المذكور في (فيليبي 4:22)
⁜ صفا: لعله المذكور في (1كورنثوس22:3). يُعيَّد له في 8 كانون الأول
⁜ اكليمندُس: ورد ذكره في (فيليبي 3:4). قال عنه الرسول بولس أنه جاهد معه في الإنجيل وان اسمه في سفر الحياة. تسقّف على سرديس. عيده في 10أيلول
⁜ كوارتُس: ورد ذكره في (رومية23:16). عيده في 10 تشرين الثاني.قيل تسقّف على بيروت وقاسى بلايا كثيرة لأجل العبادة الحسنة وتمكّّن من هداية وثنيّين كثيرين إلى الرب
⁜ كريسكيس: ورد ذكره في (2تيموثاوس4:10). صار أسقفاً على خلقيدونيا. ويُعيَّد له في 30تموز
⁜ أبينتوس: يسميه الرسول بولس "حبيبه" ويقول عنه أنه باكورة أخائية للمسيح (رومية5:16). عيده في 30 تموز. قيل إنه تسقّف على قرطاجة
⁜ أبفووديتوس: أحد رفقاء الرسول بولس في أسفاره. قيلتسقّف على فيليبي وقيل على إزرع السورية. عيده في 8 كانون الأول
⁜ أرسطوس: أحد الذين خدموا الرسول بولس (أعمال22:19). قيل تسقّف على بانياس التي يُظن إنها قيصرية في ليبس الفلسطينية. يُعيَّد له في 1 تشرين الثاني
⁜ أفبولوس: مذكور في (2تيموثاوس21:4). عيده في 28 شباط
⁜ إيفوذوس: يُعيَّد له في 7 أيلول. الأسقف الثاني علىإنطاكية
⁜ فرتوناتوس: ذكره الرسول بولس في (1كورنثوس17:16). عيده في 15حزيران
⁜ غايوس: أحد رفاق الرسول بولس. وهو من دربة (أعمال4:20)تسقّف على أفسس. عيده في 5 تشرين الثاني
⁜ هرماس: مذكور في (رومية14:16). تسقّف على فيلبي. عيده في 5 تشرين الثانيو8آذار
⁜ هيروديون: أسماه الرسول بولس "نسيبي" (رومية11:16). تسقّفعلى باتراس. عيده في10تشرين الثاني و7 نيسان
⁜ ياسون: أحد أنسباء الرسول بولس (رومية21:16). تسقّف علىطرسوس. عيده في 29نيسان
⁜ لِينُس: مذكور في (2تيموثاوس21:4). خلف الرسول بطرس على كرسيرومية. عيده في 5تشرين الثاني
⁜ لوقيوس: أسقف اللاذقية. عيده في10 أيلول. ورد ذكره في (رومية21:16
⁜ مرقص: هو يوحنا مرقص المذكور في (أعمال الرسل12:12). وهوغير الإنجيلي مرقص. وقد تسقّف على جبيل الفينيقية
⁜ مرقص الآخر: ابن أخت برنابا الرسول. وهو غير الإنجيلي.عيده في 30 تشرين الأول. تسقّف على أبولونيا
⁜ نركيسُس: ورد ذكره في (رومية 11:16). وقد صُيِّر أسقفاً على أثينا. عيده في 31 تشرين الأول
⁜ نمفاس: مذكور في (كولوسي15:4). عيده في 28 شباط
⁜ أنسيموس: كان عبداً لفيليمون فهرب. توسّط الرسول بولسمن أجله وهو يدعوه ابنه ويقول إنه ولد في قيوده وإنهأ حشاؤه (فيليمون). عيده في 22 تشرين الثاني و15 شباط. بشّر بعناد في رومية
⁜ بتروباس: أتى الرسول بولس على ذكره في (رومية14:16). تسقّف على بوكيولي الإيطالية، يُعيَّد له في 5تشرين الثاني
⁜ فيليمون: هو الذي وجّه الرسول بولس إليه رسالتها المعروفة باسمه. صار أسقفاً على غزّة. له عيد في 22 تشرينالثاني
⁜ بوديس: ورد ذكره في (2تيموثاوس 21:4). يُعيَّد له في 14 نيسان
⁜ روفس: يسلّم عليه الرسول بولس في رسالته إلى أهل (رومية13:16) ويعتبره مختاراً في الرب ويعتبر أمه بمثابة أم له. تسقّف على ثيبة اليونانية. عيده في 8 نيسان
⁜ سيلا: رفيق القديس بولس في أسفاره. تسقّف على كورنثوس.عيده في 30 تموز
⁜ سلوانس: ورد ذكره في (2كورنثوس 19:1) كأحد رفقاء الرسول بولس. تسقّف على تسالونيكية. عيده في 30 تموز
⁜ أستاخيس: ذكره الرسول بولس أنه حبيبه (رومية9:16). تبعالرسول أندراوس. تسقّف على بيزنطية. عيده في 31 تشرين الأول
⁜ استفانوس: وهو المذكور في (1كورنثوس 16:1). يُعيَّد له في15 حزيران
⁜ سوستانيس: ذكر في (1كورنثوس1:1). تسقّف على كولوفون. عيده في 8 كانون الأول
⁜ سوسيباتروس: أحد أنسباء الرسول بولس (رومية21:16). تسقّف على إيقونية. يُعيَّد له في 10 تشرين الثاني و29 نيسان
⁜ ترتيوس: هو كاتب رسالة الرسول بولس إلى أهل رومية (22:16). صار أسقفاً على إيقونية. يُعيَّد له في 30 تشرين الأول
⁜ تيموثاوس: هو الذي وجّه إليه الرسول بولس الرسالتين المعروفتين باسمه. شهد له المؤمنون في دربة ولسترة. كان ابن امرأة يهودية مؤمنة وأب يوناني. أضحى أحد تلامذة ومعاوني الرسول المصطفى. تسقّف على أفسس. عيدهفي 22 كانون الثاني
⁜ تيطس: أحد رفقاء الرسول بولس. ثمة رسالة باسمه وجّهها إليه الرسول المصطفى. تسقّف على كريت. له عيد في 25 آب
⁜ تروفيموس: أحد رفقاء الرسول بولس (أعمال 4:20). عيده في 14 نيسان
⁜ تيخيكس: أحد رفقاء الرسول بولس (أعمال4:20). يسمّيه الرسول المصطفى الأخ الحبيب والخادم الأمين في الرّب (أفسس 21:6). يُعيَّد له في 8 كانون الأول
⁜ زيناس: ورد ذكره في رسالة الرسول بولس إلى تيطس (13:3). تسقّف على اللد. له عيد في 27 أيلول
⁜ كودراتس: تسقّف على أثينا ثم انتقل إلى مغنيسية. كانككوكب الصبح بين الغيوم. دافع عن المسيحية في رسالة إلى الإمبراطور أدريانوس. دفن في مغنيسية. يُعيَّد له في 21 أيلول
⁜ أوليمباس: ورد ذكره في الرسالة إلى أهل رومية (15:16). له عيد في 10 تشرين الثاني
⁜ فليغون: ذُكر في رومية (14:16). يُعيَّد له في 8 نيسان
⁜ فيلولوغس: ورد ذكره في الرسالة إلى رومية (15:16). له عيد في 5 تشرين الثاني. تسقّف على سينوبي في بلاد البنطس خلفاً للرسول أندراوس
⁜ أوربانوس: أحد الذين عملوا مع الرسول بولس رومية (9:16). تسقّف على المقدونية. له عيد في 31 تشرين الأول
⁜ يعقوب أخو الرب: أول أسقف على أورشليم. له عيد في23 تشرين الأول
⁜ يوستس: هو المذكور في أعمال الرسل (23:1). كان يدعى برسابا .أحد الاثنين المرشحين للحلول محل يهوذا الإسخريوطي في عداد الاثني عشر رسولاً. تسقّف على الفتروبوليس. له عيد في 30 تشرين الأول
⁜ سمعان (كليوباس): تسقّف على أورشليم. له عيد في 27 نيسانوعيد في 30 تشرين الأول
⁜ استفانوس الشمّاس: أحد الشمامسة السبعة المذكورين في(أعمال6). له عيد في 27 كانون الأول
⁜ فيليبس الشمّاس: أحد السبعة له عيد في 11 تشرين الأول
⁜ بروخوروس الشمّاس: أحد السبعة. له عيد في 28 تموز
⁜ نيكانور الشمّاس: أحد السبعة. له عيد في 28 تموز
⁜ تيمون الشمّاس: أحد السبعة. له عيد في 28 تموز
⁜ برميناس الشمّاس: أحد السبعة. له عيد في 28 تموز
⁜ زكاا: وهو الذي كان رئيس العشّارين في أريحا (لوقا19
⁜ أغابوس: ورد ذكره في سفر أعمال الرسل كواحد من الأنبياء. أشار بالروح أن جوعاً عظيماً كان عتيداً أنيصير على جميع المسكونة في أيام كلوديوس قيصر(أعمال27:11-28،21:10-11). يعيَّد له في 8 نيسان
⁜ أكيلا: يهودي من البنطس. كان وزوجته بريسكلاّ خيّامين في كورنثوس. أقام الرسول بولس عندهما وعمل معهما (أعمال1:18-3، رومية3:16). يُعيَّد له في 13شباط و14تموز
⁜ أمبلياس: ورد ذكره في (رومية8:16) سمّاه الرسول بولسحبيبه. وقد تسقّف على أوديسوبوليس. يُعيَّد له في 31 تشرينالأول
⁜ حنانيا: هو الذي أرسل من قبل الرب إلى شاول الذي صاربولس الرسول، إلى الزقاق المدعو المستقيم في دمشق فوضع يده عليه وأنبأه بأنه مرسل من لدن الرب يسوع المسيح ليبصر - بعدما عمي - ويمتلئ من الروح القدس (أعمال9:10-18). وقد صار حنانيا، فيما بعد، أسقفاً على دمشق. يُعيَّد له في أول تشرين الأول
⁜ أندرونيكوس: ورد ذكره في (رومية 7:16). سمّاه الرسول بولس نسيبه وقال عنه إنه المأسور معه والمشهور بين الرسل وقد كان قبله في المسيح. يُعيَّد له في 30 تموز
⁜ أبَلّس: ورد ذكره في (رومية16:10). قال عنه الرسول بولس إنه المزكّى في المسيح. صُيِّر، في وقت لاحق، أسقفاً على أزمير.له عيد في 10أيلول
⁜ أبلّس الآخر: تسقّف على هيراكليوس ويُعيَّد له في 31 تشرين الأول
⁜ أبُلُّوس: هو المذكور في أعمال الرسل. وقد وُصف بأنه إسكندري الجنس، رجل فصيح، مقتدر في الكتب، خبير فيطريق الرب، حارّ بالروح، يتكلّم ويعلّم بتدقيق ما يختص بالرب. لكنه كان لا يعرف إلا معمودية يوحنا. فلما جاءإلى أفسس سمعه أكيلا وبريسكلاّ فأخذاه وشرحا له طريق الرب بأكثر تدقيق. وقد ساعد كثيراً بالنعمة الذين كانواقد آمنوا (أعمال24:18-28). اعتبر الرسول بولس في مقارنة نفسه بأبُلُّوس أنه هو غرس وأبُلُّس سقى. قال هذا بعدما تحزّب فريق من أهل كورنثوس لبولس وفريق آخر لأبُلُّوس (1كورنثوس3). تسقّف على قيصرية فلسطين. يُعيَّد له في 8 كانون الأول
⁜ أرسترخوس: كان رفيقاً للرسول بولس في السفر (أعمال29:19).وهو من تسالونيكي (أعمال4:20،2:27). سمّاه الرسول بولس العامل معه والمأسور معه (كولوسي10:4). تسقّف على أفاميا. عيده في 27 أيلول و14نيسان
⁜ أرستوبولوس: ورد ذكره في (رومية 16:10). صار أسقفاً على بريطانيا العظمى. يُعيَّد له في 31تشرين الأول و15آذار
⁜ أرتيماس: ذكره الرسول بولس في (تيطس12:3). تسقّف على ليسترا. عيده في 30 تشرين الأول
⁜ أرخبّس: هو المذكور في الرسالة إلى أهل كولوسي. وقد بعث الرسول بولس يقول له: "أنظر إلى الخدمة التي قبلتها في الرب لكي تتمّمها (كولوسي17:4). يُعيَّد له في 22 تشرين الثاني و19شباط
⁜ أسينكويتس: مذكور في (رومية 14:16). عيده في 8 نيسان
⁜ أخائيكوس: تكلّم عنه الرسول بولس حسناً في (1كورنثوس17:16).يُعيَّد له في 15حزيران
⁜ برنابا: هو المذكور في (أعمال36:4-37). وهو يوسف أو يوسي الذي دعي من الرسل برنابا المترجّم ابن الوعظ. كان لاوياً قبرصي الجنس. وكان له حقل باعه وأتى بالدراهم ووضعها عند أرجل الرسل. قيل عنه إنه كان رجلاً صالحاً وممتلئاً من الروح القدس والإيمان (أعمال24:11). هو الذ يقدّم شاول أي بولس الرسول إلى الكنيسة. وقد علّم وإياه فيإنطاكية سنة كاملة. وترافقا مدة من الزمان ثم افترق ابسبب يوحنا مرقص، ابن أخت برنابا (أعمال15: 36-39). يُعيَّد له في 11 حزيران
⁜ كاربس: ورد ذكره في (2 تيموثاوس 13:4). عيده في 26 أيّار
⁜ قيصر: يظن أنه هو المذكور في (فيليبي 4:22)
⁜ صفا: لعله المذكور في (1كورنثوس22:3). يُعيَّد له في 8 كانون الأول
⁜ اكليمندُس: ورد ذكره في (فيليبي 3:4). قال عنه الرسول بولس أنه جاهد معه في الإنجيل وان اسمه في سفر الحياة. تسقّف على سرديس. عيده في 10أيلول
⁜ كوارتُس: ورد ذكره في (رومية23:16). عيده في 10 تشرين الثاني.قيل تسقّف على بيروت وقاسى بلايا كثيرة لأجل العبادة الحسنة وتمكّّن من هداية وثنيّين كثيرين إلى الرب
⁜ كريسكيس: ورد ذكره في (2تيموثاوس4:10). صار أسقفاً على خلقيدونيا. ويُعيَّد له في 30تموز
⁜ أبينتوس: يسميه الرسول بولس "حبيبه" ويقول عنه أنه باكورة أخائية للمسيح (رومية5:16). عيده في 30 تموز. قيل إنه تسقّف على قرطاجة
⁜ أبفووديتوس: أحد رفقاء الرسول بولس في أسفاره. قيلتسقّف على فيليبي وقيل على إزرع السورية. عيده في 8 كانون الأول
⁜ أرسطوس: أحد الذين خدموا الرسول بولس (أعمال22:19). قيل تسقّف على بانياس التي يُظن إنها قيصرية في ليبس الفلسطينية. يُعيَّد له في 1 تشرين الثاني
⁜ أفبولوس: مذكور في (2تيموثاوس21:4). عيده في 28 شباط
⁜ إيفوذوس: يُعيَّد له في 7 أيلول. الأسقف الثاني علىإنطاكية
⁜ فرتوناتوس: ذكره الرسول بولس في (1كورنثوس17:16). عيده في 15حزيران
⁜ غايوس: أحد رفاق الرسول بولس. وهو من دربة (أعمال4:20)تسقّف على أفسس. عيده في 5 تشرين الثاني
⁜ هرماس: مذكور في (رومية14:16). تسقّف على فيلبي. عيده في 5 تشرين الثانيو8آذار
⁜ هيروديون: أسماه الرسول بولس "نسيبي" (رومية11:16). تسقّفعلى باتراس. عيده في10تشرين الثاني و7 نيسان
⁜ ياسون: أحد أنسباء الرسول بولس (رومية21:16). تسقّف علىطرسوس. عيده في 29نيسان
⁜ لِينُس: مذكور في (2تيموثاوس21:4). خلف الرسول بطرس على كرسيرومية. عيده في 5تشرين الثاني
⁜ لوقيوس: أسقف اللاذقية. عيده في10 أيلول. ورد ذكره في (رومية21:16
⁜ مرقص: هو يوحنا مرقص المذكور في (أعمال الرسل12:12). وهوغير الإنجيلي مرقص. وقد تسقّف على جبيل الفينيقية
⁜ مرقص الآخر: ابن أخت برنابا الرسول. وهو غير الإنجيلي.عيده في 30 تشرين الأول. تسقّف على أبولونيا
⁜ نركيسُس: ورد ذكره في (رومية 11:16). وقد صُيِّر أسقفاً على أثينا. عيده في 31 تشرين الأول
⁜ نمفاس: مذكور في (كولوسي15:4). عيده في 28 شباط
⁜ أنسيموس: كان عبداً لفيليمون فهرب. توسّط الرسول بولسمن أجله وهو يدعوه ابنه ويقول إنه ولد في قيوده وإنهأ حشاؤه (فيليمون). عيده في 22 تشرين الثاني و15 شباط. بشّر بعناد في رومية
⁜ بتروباس: أتى الرسول بولس على ذكره في (رومية14:16). تسقّف على بوكيولي الإيطالية، يُعيَّد له في 5تشرين الثاني
⁜ فيليمون: هو الذي وجّه الرسول بولس إليه رسالتها المعروفة باسمه. صار أسقفاً على غزّة. له عيد في 22 تشرينالثاني
⁜ بوديس: ورد ذكره في (2تيموثاوس 21:4). يُعيَّد له في 14 نيسان
⁜ روفس: يسلّم عليه الرسول بولس في رسالته إلى أهل (رومية13:16) ويعتبره مختاراً في الرب ويعتبر أمه بمثابة أم له. تسقّف على ثيبة اليونانية. عيده في 8 نيسان
⁜ سيلا: رفيق القديس بولس في أسفاره. تسقّف على كورنثوس.عيده في 30 تموز
⁜ سلوانس: ورد ذكره في (2كورنثوس 19:1) كأحد رفقاء الرسول بولس. تسقّف على تسالونيكية. عيده في 30 تموز
⁜ أستاخيس: ذكره الرسول بولس أنه حبيبه (رومية9:16). تبعالرسول أندراوس. تسقّف على بيزنطية. عيده في 31 تشرين الأول
⁜ استفانوس: وهو المذكور في (1كورنثوس 16:1). يُعيَّد له في15 حزيران
⁜ سوستانيس: ذكر في (1كورنثوس1:1). تسقّف على كولوفون. عيده في 8 كانون الأول
⁜ سوسيباتروس: أحد أنسباء الرسول بولس (رومية21:16). تسقّف على إيقونية. يُعيَّد له في 10 تشرين الثاني و29 نيسان
⁜ ترتيوس: هو كاتب رسالة الرسول بولس إلى أهل رومية (22:16). صار أسقفاً على إيقونية. يُعيَّد له في 30 تشرين الأول
⁜ تيموثاوس: هو الذي وجّه إليه الرسول بولس الرسالتين المعروفتين باسمه. شهد له المؤمنون في دربة ولسترة. كان ابن امرأة يهودية مؤمنة وأب يوناني. أضحى أحد تلامذة ومعاوني الرسول المصطفى. تسقّف على أفسس. عيدهفي 22 كانون الثاني
⁜ تيطس: أحد رفقاء الرسول بولس. ثمة رسالة باسمه وجّهها إليه الرسول المصطفى. تسقّف على كريت. له عيد في 25 آب
⁜ تروفيموس: أحد رفقاء الرسول بولس (أعمال 4:20). عيده في 14 نيسان
⁜ تيخيكس: أحد رفقاء الرسول بولس (أعمال4:20). يسمّيه الرسول المصطفى الأخ الحبيب والخادم الأمين في الرّب (أفسس 21:6). يُعيَّد له في 8 كانون الأول
⁜ زيناس: ورد ذكره في رسالة الرسول بولس إلى تيطس (13:3). تسقّف على اللد. له عيد في 27 أيلول
⁜ كودراتس: تسقّف على أثينا ثم انتقل إلى مغنيسية. كانككوكب الصبح بين الغيوم. دافع عن المسيحية في رسالة إلى الإمبراطور أدريانوس. دفن في مغنيسية. يُعيَّد له في 21 أيلول
⁜ أوليمباس: ورد ذكره في الرسالة إلى أهل رومية (15:16). له عيد في 10 تشرين الثاني
⁜ فليغون: ذُكر في رومية (14:16). يُعيَّد له في 8 نيسان
⁜ فيلولوغس: ورد ذكره في الرسالة إلى رومية (15:16). له عيد في 5 تشرين الثاني. تسقّف على سينوبي في بلاد البنطس خلفاً للرسول أندراوس
⁜ أوربانوس: أحد الذين عملوا مع الرسول بولس رومية (9:16). تسقّف على المقدونية. له عيد في 31 تشرين الأول
⁜ يعقوب أخو الرب: أول أسقف على أورشليم. له عيد في23 تشرين الأول
⁜ يوستس: هو المذكور في أعمال الرسل (23:1). كان يدعى برسابا .أحد الاثنين المرشحين للحلول محل يهوذا الإسخريوطي في عداد الاثني عشر رسولاً. تسقّف على الفتروبوليس. له عيد في 30 تشرين الأول
⁜ سمعان (كليوباس): تسقّف على أورشليم. له عيد في 27 نيسانوعيد في 30 تشرين الأول
⁜ استفانوس الشمّاس: أحد الشمامسة السبعة المذكورين في(أعمال6). له عيد في 27 كانون الأول
⁜ فيليبس الشمّاس: أحد السبعة له عيد في 11 تشرين الأول
⁜ بروخوروس الشمّاس: أحد السبعة. له عيد في 28 تموز
⁜ نيكانور الشمّاس: أحد السبعة. له عيد في 28 تموز
⁜ تيمون الشمّاس: أحد السبعة. له عيد في 28 تموز
⁜ برميناس الشمّاس: أحد السبعة. له عيد في 28 تموز
⁜ زكاا: وهو الذي كان رئيس العشّارين في أريحا (لوقا19
القدّيس باسيليوس الكبير
نشأته
ولد في قيصرية الكبادوك عام 329 من أسرة تضم عددًا من الشهداء سواء من جانب والده أو والدته، ودعيّ على إسم والده باسيليوس الذي يعني باللغة اليونانيّة الملكوت
جدته من جهة والده القدّيسة ماكرينا التي عانت الإضطهاد وتمسكّت بإيمانها، وجدّه من جهة أمّه إميليا مات شهيدًا
كان باسيليوس أكبر البنين في عائلة مؤّلفة من عشرة أولاد، خمسة بنين وخمس بنات، وقد مات أخ له في طفولته المبكرة وآخر في شبابه (نقراطيوس)، بينما سيم الثلاثة الآخرين أساقفة: باسيليوس أسقف قيصرية الكبادوك، غريغوريوس أسقف نيصص، وبطرس أسقف سبسطية، أما أكبر الكل فهي ماكرينا، على اسم جدتها، التي حثت الجميع على الحياة الفاضلة
تربّى القدّيس باسيليوس على يديّ جدته ماكرينا في قرية بالقرب من قيصرية الجديدة حيث شّيدت والدته هيكلًا على اسم الأربعين شهيدًا الذين استشهدوا في سبسطية
أُرسل في سن مبكرة إلى مدرسة قيصرية كبادوكية، وهناك تعّرف على أشخاصٍ من بينهم القدّيس غريغوريوس النزينزي
وقد برع القدّيس باسيليوس من صغره
انتقل إلى القسطنطينية حيث درس البيان والفلسفة، ثم ارتحل بعد خمس سنوات (سنة 351 م) إلى أثينا أيضًا لحوالي خمس سنوات ليكمّل دراسته، وكان قد سبقه إليها صديقه (القدّيس) غريغوريوس النزينزي، حيث عاش القديسان في مدينة أثينا كروحٍ واحدة في جسدين
وهناك أيضًا التقيا بيوليانوس الذي صار فيما بعد إمبراطورًا يجحد الإيمان ويضطهده
تميّز باسيليوس بالفصاحة والبيان والفلسفة والفلك والهندسة والطب دون أن يتخلّى عن شعلة الإيمان، فكان لاحقًا خير مثال على إستعمال العلوم البشريّة لخدة الكلمة الإلهيّة
رفض كل عرض أتاه من رفاقه ليبقى في أثينا وعاد عام 356 إلى وطنه لينشط بتدريس البيان لعامين وذاع صيته كثيرًا وتلقّ عروضات مغرية، ولكن أخته ماكرينا كانت خير عاملة لإرشاده إلى الطريق الصحيح
وبعد عام نال المعمودية، ورسم قارئًا
عرف النسك في منزله أولًا، خاصة انّه بعد موت والده حوّلت والدته وأخته المنزل العائلي إلى منسكٍ اجتذب عذارى من كبرى العائلات في كبادوكية
وتابع باسيليوس بحثه ، فقام نحو سنه 358 م. وهو دون الثلاثين، يتعرّف على النسّاك في الإسكندرية وصعيد مصر وفلسطين وسوريا وما بين النهرين، فمكان منه إلّا أن باع كل ما يخصه وووزعه على الفقراء، وأخذ مكانًا له للوحدة
في بادىء الأمر نسك بالقرب من نهر الأيرس على مسافة ليست ببعيدة من منسك والدته وأخته
تامل بجمال الطبيعة وبدأ يكتب: "ماذا أكثر غبطة من مشابهة الملائكة على الأرض؟ في بدء النهار ينهض الإنسان للصلاة وتسبيح الخالق بالتراتيل والأغاني الروحية، ومع شروق الشمس يبدأ العمل مصحوبًا بالصلاة أينما ذهب، مملحًا كل عملٍ بالتسبيح. إن سكون الوحدة هو بدء تنقية النفس، وبالفعل إن لم يضطرب عقل الإنسان لأي شيء، ولم يتشتت عن طريق الحواس في أمور العالم، يرتدّ إلى ذاته، ويرتفع إلى التفكير في الله
كان صارمًا في نسكه، مزج النسك بدراسة الكتاب المقدس والصلاة والعبادة، فجمع من حوله نساكًا من بنطس وكبادوكية
يعتبر باسيليوس من كبار وأوائل تأسيس وتنظيم الحياة الرهبانية
عمله وحضوره الكنيسة
عرف باسيليوس أن أسقف قيصرية قبل قانون إيمان أريوسي أي هرطوقي مخالفًا للإيمان الحقيقي، فمكان منه أن شب من خلوته آتيًا إلى الأسقف يشرح له خطأه الجسيم ، فمكان منه أن عاد عن زلّته وأعلن قانون الكنيسة الصحيح أي قانون الإيمان النيقاوي الذي يؤُكّد وحدانية الإبن مع الآب
بدأ نجم باسيليوس بالسطوع ، فغار منه أسقفه فعاد إلى نسكه ودفاعه ضد الإمبراطور يوليانوس
أٌنتخب الإمبراطور فالنس وحاول نشر الفكر الأريوسي، فعاد الشعب يصرخ باسيليوس، وحاول أوسابيوس تفرقة رفيقا النسك، فبدعى غريغوريوس دون باسيليوس. فأجاب الأسقف: "أتكرمني بينما تهينه؟ وأكمل : عامله فيكون لك فخر. وهذا ما حصل ، فصار باسيليوس سندًا للأسقف وصديقًا وفيًا له خاصة في شيخوخته
فإهتم باسيليوس برعاية المحتاجين والمرضى، وشيّد مؤسسة في ضواحي قيصرية لعلاج المرضى واستقبال الغرباء والمحتاجين، وعلى مثالها ظهرت مؤسسات في مناطق قروية أخرى في الأقاليم تحت إشراف خوري متقدّم
سنة 368 م. ظهرت مجاعة اجتاحت الإقليم، فباع باسيليوس ما ورثه عن والدته ووزعه، كما قدم الأغنياء له بسخاء فكان يخدم الفقراء بنفسه
سيامته رئيس أساقفة
توفي أوسابيوس عام 370م، فحاول باسيليوس الطلب من القديس غريغوريوس النزينزي تولي الأمر بحجة اعتلال صحته، وكان قصده أن يرشحه للأسقفية، ولكن في النهاية وقعت القرعة عليه، وإعتبر فالنس الأريوسي تحدٍ كبير له
الصعاب التي واجهته
رفض بعض أساقفة الاشتراك في سيامته، وعادوه ، غير أن باسيليوس عاد وجذبهم إليه بحزمه وعطفه
قسّم فالنس أبرشيّة باسيليوس إلى إقليمين لإضعاف سلطته، فسارع قدّيسنا إلى تحويل بعض المناطق إلى مدن أساسيّة وسام مجموعة من الأساقفة عليها ، منهم أخوه غريغوريوس أسقف نيصص
إشتد الصراع مع فالنس وتحوّل إلى صدام كبير إذ كان الإمبراطور مصممًا علىى نشر الأريوسية بالقوّة، وخاف منه عدد لا بأس به من الأساقفة، ولكن باسليوس كان كالصخرة أمامه الذي تعرّض لتهديدات مخيفة من فالنس لدرجة القتل
وسُجّل حواراً رائعًا بين القدّيس باسيليوس وممثل الإمبراطور الحاكم مودستس، إذ قال الأخير: ألا تخاف الموت؟ فأجابه باسيليوس إذا قتلتني ترسلني عند إلهي. فأكمل مودستس قائلًا: لم يكلّمني أحد من الأسقفة بهكذا كلام من قبل؟ فأجابه باسيليوس: لأنّك لم تلتق بأسقف من قبل
ويومًا دخل الإمبراطور فالنس الكنيسة عند باسيليوس في يوم عيد الظهور الإلهي لسنة 372 م. وشاهد الكنيسة تسبح بصوتٍ ملائكيٍ، فحاول أن يُقدم تقدمة فلم يتقدم أحد لاستلامها لأنه هرطوقي، وكاد يسقط لولا معاونة أحد الكهنة له، أخيرًا تراءف عليه القدّيس وقبلها من يده المرتعشة، وقد حاول أن يظهر كصديق للقدّيس باسيليوس
محاولة نفيه
وبالرغم من ذلك أصرّ فالنس بضرورة نفي باسيليوس لسلام الشرق. وفي ليلة ترحيله مرض إبن فالنس فجأة، فأصرت أمه دومينيكا على إبقاء القدّيس وطلب الإمبراطور من الأسقف أن يصلّي لوحيده ليشفى، فاشترط باسيليوس أن يعتمد بعدها أرثوذكسيًا، وبالفعل شُفيّ لكن الإمبراطور حنث بوعده إذ عمدّه أسقف أريوسي فمات الولد في نفس اليوم
مرة أخرى استسلم الإمبراطور لضغط الأريوسيين، وإذ كان يكتب أمر النفي، إنكسر القلم أكثر من مرة في يده المرتعشة فخاف
وكان الله مع باسيليوس دائمًا حتى أن مودستس عدوه القديم إذ أصيب بمرض خطير صلّى له القديس فشُفيّ وصار من أقرب أصدقائه
السنوات الأخيرة
لازم المرض القدّيس منذ طفولته، وكان يشتد عليه خاصة في السنوات الأخيرة
في سن الخامسة والأربعين دعي نفسه "عجوزًا"، وفي السنة التالية خلع كل أسنانه، وبعد سنتين في عام 379م. سُمع يخاطب الله، قائلًا: "بين يديك أستودع روحي" وفي الحال أسلم الروح، وقد اشترك الكلّ مسيحيون ووثنيون في جنازته المهيبة
كتابات
العقيدة: خمسة كتب ضد أنوميوس، كتاب عن الروح القدس في 30 فصلًا
التفسيرية: الأكسيمارس Hexameron، أي ستة أيام الخليقة في 9 مقالات، 17 مقالًا عن المزامير، تفسير الـ 16 أصحاحًا الأولى لسفر إشعياء
مقالات: 24 مقالًا في مواضيع عقيدية وأدبية ومديح
الرسائل: حوالي 400 رسالة في مواضيع متنوعة تاريخية وعقيدية وأدبية تعليمية وتفسيرية وقوانين، ورسائل تعزية
توجد 3 قداسات باسمه، إحداهم تستخدمه الكنيسة القبطية (وهو القداس الباسيلي)
النسكية: القوانين الطويلة والقصيرة (الشائعة والمختصرة)؛ مقالتان عن دينونة الله، والإيمان؛ والأخلاقيات Moralia
ولد في قيصرية الكبادوك عام 329 من أسرة تضم عددًا من الشهداء سواء من جانب والده أو والدته، ودعيّ على إسم والده باسيليوس الذي يعني باللغة اليونانيّة الملكوت
جدته من جهة والده القدّيسة ماكرينا التي عانت الإضطهاد وتمسكّت بإيمانها، وجدّه من جهة أمّه إميليا مات شهيدًا
كان باسيليوس أكبر البنين في عائلة مؤّلفة من عشرة أولاد، خمسة بنين وخمس بنات، وقد مات أخ له في طفولته المبكرة وآخر في شبابه (نقراطيوس)، بينما سيم الثلاثة الآخرين أساقفة: باسيليوس أسقف قيصرية الكبادوك، غريغوريوس أسقف نيصص، وبطرس أسقف سبسطية، أما أكبر الكل فهي ماكرينا، على اسم جدتها، التي حثت الجميع على الحياة الفاضلة
تربّى القدّيس باسيليوس على يديّ جدته ماكرينا في قرية بالقرب من قيصرية الجديدة حيث شّيدت والدته هيكلًا على اسم الأربعين شهيدًا الذين استشهدوا في سبسطية
أُرسل في سن مبكرة إلى مدرسة قيصرية كبادوكية، وهناك تعّرف على أشخاصٍ من بينهم القدّيس غريغوريوس النزينزي
وقد برع القدّيس باسيليوس من صغره
انتقل إلى القسطنطينية حيث درس البيان والفلسفة، ثم ارتحل بعد خمس سنوات (سنة 351 م) إلى أثينا أيضًا لحوالي خمس سنوات ليكمّل دراسته، وكان قد سبقه إليها صديقه (القدّيس) غريغوريوس النزينزي، حيث عاش القديسان في مدينة أثينا كروحٍ واحدة في جسدين
وهناك أيضًا التقيا بيوليانوس الذي صار فيما بعد إمبراطورًا يجحد الإيمان ويضطهده
تميّز باسيليوس بالفصاحة والبيان والفلسفة والفلك والهندسة والطب دون أن يتخلّى عن شعلة الإيمان، فكان لاحقًا خير مثال على إستعمال العلوم البشريّة لخدة الكلمة الإلهيّة
رفض كل عرض أتاه من رفاقه ليبقى في أثينا وعاد عام 356 إلى وطنه لينشط بتدريس البيان لعامين وذاع صيته كثيرًا وتلقّ عروضات مغرية، ولكن أخته ماكرينا كانت خير عاملة لإرشاده إلى الطريق الصحيح
وبعد عام نال المعمودية، ورسم قارئًا
عرف النسك في منزله أولًا، خاصة انّه بعد موت والده حوّلت والدته وأخته المنزل العائلي إلى منسكٍ اجتذب عذارى من كبرى العائلات في كبادوكية
وتابع باسيليوس بحثه ، فقام نحو سنه 358 م. وهو دون الثلاثين، يتعرّف على النسّاك في الإسكندرية وصعيد مصر وفلسطين وسوريا وما بين النهرين، فمكان منه إلّا أن باع كل ما يخصه وووزعه على الفقراء، وأخذ مكانًا له للوحدة
في بادىء الأمر نسك بالقرب من نهر الأيرس على مسافة ليست ببعيدة من منسك والدته وأخته
تامل بجمال الطبيعة وبدأ يكتب: "ماذا أكثر غبطة من مشابهة الملائكة على الأرض؟ في بدء النهار ينهض الإنسان للصلاة وتسبيح الخالق بالتراتيل والأغاني الروحية، ومع شروق الشمس يبدأ العمل مصحوبًا بالصلاة أينما ذهب، مملحًا كل عملٍ بالتسبيح. إن سكون الوحدة هو بدء تنقية النفس، وبالفعل إن لم يضطرب عقل الإنسان لأي شيء، ولم يتشتت عن طريق الحواس في أمور العالم، يرتدّ إلى ذاته، ويرتفع إلى التفكير في الله
كان صارمًا في نسكه، مزج النسك بدراسة الكتاب المقدس والصلاة والعبادة، فجمع من حوله نساكًا من بنطس وكبادوكية
يعتبر باسيليوس من كبار وأوائل تأسيس وتنظيم الحياة الرهبانية
عمله وحضوره الكنيسة
عرف باسيليوس أن أسقف قيصرية قبل قانون إيمان أريوسي أي هرطوقي مخالفًا للإيمان الحقيقي، فمكان منه أن شب من خلوته آتيًا إلى الأسقف يشرح له خطأه الجسيم ، فمكان منه أن عاد عن زلّته وأعلن قانون الكنيسة الصحيح أي قانون الإيمان النيقاوي الذي يؤُكّد وحدانية الإبن مع الآب
بدأ نجم باسيليوس بالسطوع ، فغار منه أسقفه فعاد إلى نسكه ودفاعه ضد الإمبراطور يوليانوس
أٌنتخب الإمبراطور فالنس وحاول نشر الفكر الأريوسي، فعاد الشعب يصرخ باسيليوس، وحاول أوسابيوس تفرقة رفيقا النسك، فبدعى غريغوريوس دون باسيليوس. فأجاب الأسقف: "أتكرمني بينما تهينه؟ وأكمل : عامله فيكون لك فخر. وهذا ما حصل ، فصار باسيليوس سندًا للأسقف وصديقًا وفيًا له خاصة في شيخوخته
فإهتم باسيليوس برعاية المحتاجين والمرضى، وشيّد مؤسسة في ضواحي قيصرية لعلاج المرضى واستقبال الغرباء والمحتاجين، وعلى مثالها ظهرت مؤسسات في مناطق قروية أخرى في الأقاليم تحت إشراف خوري متقدّم
سنة 368 م. ظهرت مجاعة اجتاحت الإقليم، فباع باسيليوس ما ورثه عن والدته ووزعه، كما قدم الأغنياء له بسخاء فكان يخدم الفقراء بنفسه
سيامته رئيس أساقفة
توفي أوسابيوس عام 370م، فحاول باسيليوس الطلب من القديس غريغوريوس النزينزي تولي الأمر بحجة اعتلال صحته، وكان قصده أن يرشحه للأسقفية، ولكن في النهاية وقعت القرعة عليه، وإعتبر فالنس الأريوسي تحدٍ كبير له
الصعاب التي واجهته
رفض بعض أساقفة الاشتراك في سيامته، وعادوه ، غير أن باسيليوس عاد وجذبهم إليه بحزمه وعطفه
قسّم فالنس أبرشيّة باسيليوس إلى إقليمين لإضعاف سلطته، فسارع قدّيسنا إلى تحويل بعض المناطق إلى مدن أساسيّة وسام مجموعة من الأساقفة عليها ، منهم أخوه غريغوريوس أسقف نيصص
إشتد الصراع مع فالنس وتحوّل إلى صدام كبير إذ كان الإمبراطور مصممًا علىى نشر الأريوسية بالقوّة، وخاف منه عدد لا بأس به من الأساقفة، ولكن باسليوس كان كالصخرة أمامه الذي تعرّض لتهديدات مخيفة من فالنس لدرجة القتل
وسُجّل حواراً رائعًا بين القدّيس باسيليوس وممثل الإمبراطور الحاكم مودستس، إذ قال الأخير: ألا تخاف الموت؟ فأجابه باسيليوس إذا قتلتني ترسلني عند إلهي. فأكمل مودستس قائلًا: لم يكلّمني أحد من الأسقفة بهكذا كلام من قبل؟ فأجابه باسيليوس: لأنّك لم تلتق بأسقف من قبل
ويومًا دخل الإمبراطور فالنس الكنيسة عند باسيليوس في يوم عيد الظهور الإلهي لسنة 372 م. وشاهد الكنيسة تسبح بصوتٍ ملائكيٍ، فحاول أن يُقدم تقدمة فلم يتقدم أحد لاستلامها لأنه هرطوقي، وكاد يسقط لولا معاونة أحد الكهنة له، أخيرًا تراءف عليه القدّيس وقبلها من يده المرتعشة، وقد حاول أن يظهر كصديق للقدّيس باسيليوس
محاولة نفيه
وبالرغم من ذلك أصرّ فالنس بضرورة نفي باسيليوس لسلام الشرق. وفي ليلة ترحيله مرض إبن فالنس فجأة، فأصرت أمه دومينيكا على إبقاء القدّيس وطلب الإمبراطور من الأسقف أن يصلّي لوحيده ليشفى، فاشترط باسيليوس أن يعتمد بعدها أرثوذكسيًا، وبالفعل شُفيّ لكن الإمبراطور حنث بوعده إذ عمدّه أسقف أريوسي فمات الولد في نفس اليوم
مرة أخرى استسلم الإمبراطور لضغط الأريوسيين، وإذ كان يكتب أمر النفي، إنكسر القلم أكثر من مرة في يده المرتعشة فخاف
وكان الله مع باسيليوس دائمًا حتى أن مودستس عدوه القديم إذ أصيب بمرض خطير صلّى له القديس فشُفيّ وصار من أقرب أصدقائه
السنوات الأخيرة
لازم المرض القدّيس منذ طفولته، وكان يشتد عليه خاصة في السنوات الأخيرة
في سن الخامسة والأربعين دعي نفسه "عجوزًا"، وفي السنة التالية خلع كل أسنانه، وبعد سنتين في عام 379م. سُمع يخاطب الله، قائلًا: "بين يديك أستودع روحي" وفي الحال أسلم الروح، وقد اشترك الكلّ مسيحيون ووثنيون في جنازته المهيبة
كتابات
العقيدة: خمسة كتب ضد أنوميوس، كتاب عن الروح القدس في 30 فصلًا
التفسيرية: الأكسيمارس Hexameron، أي ستة أيام الخليقة في 9 مقالات، 17 مقالًا عن المزامير، تفسير الـ 16 أصحاحًا الأولى لسفر إشعياء
مقالات: 24 مقالًا في مواضيع عقيدية وأدبية ومديح
الرسائل: حوالي 400 رسالة في مواضيع متنوعة تاريخية وعقيدية وأدبية تعليمية وتفسيرية وقوانين، ورسائل تعزية
توجد 3 قداسات باسمه، إحداهم تستخدمه الكنيسة القبطية (وهو القداس الباسيلي)
النسكية: القوانين الطويلة والقصيرة (الشائعة والمختصرة)؛ مقالتان عن دينونة الله، والإيمان؛ والأخلاقيات Moralia
القديس اسبيريدُس العجائبي أسقف تريميثوس
348
12 كانون الأول
نشأته
ولد القديس اسبيريدون وعاش في جزيرة قبرص. احترف رعاية الأغنام وكان على جانب كبير من البساطة ونقاوة القلب. وإذ كان محبّاً لله، نما في حياة الفضيلة، محبةً للقريب ووداعةً وخفراً وإحساناً واستضافةً للغرباء. كل من أتى إليه زائراً كان يستقبله، على غرار إبراهيم خليل الله، وكأنه المسيح نفسه. الإنجيل، بالنسبة إليه، كان سيرة حياته لا كلاماً إلهياً وحسب. كان لا يردّ محتاجاً. كل محتاج كان يجد عنده تعزية ولو يسيرة. قيل إنه اعتاد أن يستودع نقوده صندوقاً مفتوحاً كان لكل محتاج وصول إليه. لم يهتمّ أبداً بما إذا كان صندوقه فارغاً أو ممتلئاً. هذا في نظره كان شأن ربّه. هو المعطي في كل حال ونعم الوكيل! كما لم يكن ليسمح لنفسه بالحكم على المقبلين إليه إذا كانوا محتاجين بالفعل أم لا، مستحقّين أو غير مستحقّين.
ذكر عنه المؤرّخ سوزومينوس، في مطلع القرن الخامس الميلادي، أن زمرة من اللصوص حاولت سرقة بعض من أغنامه ليلاً فمنعتها يد خفيّة وسمّرتها في مكانها. ولمّا أطلّ الصباح واكتشف القديس اسبيريدون اللصوص وعظهم وصلّى عليهم وحلّهم من رباطهم وأطلقهم بعد أن زوّدهم بأحد كباشه. قال لهم أنهم تكبّدوا من المشاق ما لم تكن له ضرورة لأنه كان بإمكانهم أن يحصلوا على ما يريدون دون ارتكاب خطيئة قاسية كالتي ارتكبوها ودون تعريض أنفسهم للهلاك؛ فقط بمجرد السؤال. لو طلبوا منه لأعطاهم
هذا وتفيد الشهادات أن القديس اسبيريدون تزوّج ورزق ابنة وحيدة اسمها سلام (ايريني). فأما زوجته فرقدت بعد سنوات قليلة من زواجه وأما ابنته فتبتّلت إلى أن رقدت في الرب وأبوها حي يرزق
يذكر، وفق ما أورد سوزومينوس، أنه كانت للقديس عادة أن يمسك وعائلته عن الطعام أياماً في الصوم الفصحي ولا يتناول منه شيئاً. وقد كان يحدث أن يمرّ به غريب أضنته أتعاب السفر، فكان رجل الله يستضيفه برأفة وفرح ويعّد له طعاماً يتقوى به. وإذا لفته الضيف إلى أنه مسيحي وأن عليه أن يحفظ الصيام كان القديس يخفّف عنه مؤكداً أنه ليس في الطعام ما ينجّس وأن للصوم استثناء
ذاع اسم القديس اسبيريدون في قبرص ذيوعاً كبيراً. فلما رقد أسقف تريميثوس، المدينة الصغيرة القريبة من السلامية، عند شاطئ البحر، وقع اختيار المؤمنين بالإجماع عليه رغم أن ثقافته بالكتب كانت متواضعة. ولم تغيّر الأسقفية من طريقة عيش القديس شيئاً لأنه استمرّ راعياً للأغنام، فقير اللباس، لا يمتطي دابة بل يسير على قدميه، ويعمل في الفلاحة. لكنه، منذ أن تسقّف، التزم مهامه الرعائية بجد كبير ومواظبة وإخلاص
كانت أبرشيته صغيرة جداً والمؤمنون فيها فقراء، لكنهم غيارى على الإيمان. لم يكن في المدينة الصغيرة من الوثنيين غير قلة قليلة
وقد جرى القديس على قسمة مداخيله إلى قسمين: قسم درج على إعطائه للفقراء، وقسم تركه لكنيسته وأهل بيته وإقراض الناس. لم يعتد أن يحمل همّ الغد. يكفي اليوم شرّه ويرسل الله غداً ما لا تعلمون! هذا كان عنوانه في تعاطيه والمحتاجين
لما أثار الإمبراطور الروماني مكسيميانوس غاليريوس اضطهاداً على المسيحيين لحق القديس اسبيريدون نصيب منه. فقد ذكر أنه نتيجة اعترافه بالمسيح فقد عينه اليمنى وقطع المضطهدون أوصال يده اليسرى وحكموا عليه بالأشغال الشاقة في المناجم
لم تكن العلوم الإنسانية مألوفة لقدّيس الله لكنه كان يعرف الكتاب المقدّس جيّداً. وإذ حدث، مرة، أن التقى أساقفة قبرص معاً قام فيهم تريفيلوس، أسقف "لادري"، واعظاً. تريفيلوس، حسبما أورد القديس إيرونيموس، كان أبلغ خطباء زمانه. فلما عبر بالقولة الكتابية "قم احمل سريرك وامش" استعمل عوض لفظة "سرير" الكتابية باليونانية لفظة أخرى متأنقة لعله حسبها أفصح من الأولى وأدق وأوفق. فاستهجن قديس الله فعلته وأن يُظن أنه يضيف بذلك نعمة إلى بساطة الكلام الإنجيلي فوقف سائلاً معترضاً إذا كان الواعظ يعرف اللفظة الموافقة أكثر من الرسول نفسه، صاحب الإنجيل؟
ثم إنه قيل إن القديس اسبيريدون اشترك في المجمع المسكوني الأول الذي انعقد في مدينة نيقية، سنة325م، بناء لدعوة قسطنطين الملك. فلما حضر كان بهيئة راعي غنم وله صوف الخروف على كتفه، بعين واحدة ويده اليسرى ملتوية ولحيته بيضاء ووجهه مضيء وقوامه قوام رجل صلب على بساطة أخّاذة، فلم يكن من الإمبراطور والموجودين إلاّ أن وقفوا له إجلالاً بصورة عفوية
وقد جاء في التراث أن القديس اسبيريدون أفحم أحد الفلاسفة الآريوسيين في المجمع. لم يفحمه بقوة الكلام بل بالبساطة وبرهان الروح القدس فيه. وكان من نتيجة ذلك أن عاد الآريوسي عن ضلاله
قرابة ذلك الوقت رقدت ابنته سلام (إيريني). وكان أحد العامة قد استودعها غرضاً جزيل القيمة، ربما كان ذهباً، فخبّأته في مكان آمن لا يدري به أحد غيرها. فلما كاشف الرجل قديس الله بالأمر فتّش له عنه فلم يجده. وإذ كان العامي حزيناً وبدا في حال التأثر العميق، تحرّك قلب القديس شفقة عليه فذهب، وفق شهادة المؤرّخين الكنسيّين سقراط وسوزومينوس، إلى قبر ابنته ودعاها بالاسم وسألها عن المكان الذي خبّأت فيه الأمانة. فأجابته ودلّته على المكان بدقّة. فذهبوا وفتّشوا فوجدوه حيث قالت لهم
هذا وتنسب للقديس اسبيريدون عجائب كثيرة قيل إنه اجترحها واستأهل بسببها لقب "العجائبي"
من ذلك أن امرأة فقيرة، غريبة اللسان، جاءته بابنها ميتاً وألقته عند قدميه، فصلّى عليه، فأقامه الرب الإله بصلاته من الموت
ومن ذلك أنه أبرأ قسطنديوس قيصر، ابن قسطنطين الكبير، إثر مرض عضال ألمّ به وهو في أنطاكية. وبعدما تمّ شفاؤه نصحه القدّيس بأن يحذر على صحة نفسه بالأولى، لأنه كان آريوسي النزعة، وأن يرأف بعباد الله. ومن ذلك أنه استنزل المطر بعد قحط، مرة، وأوقفه بعد وفرة مرة أخرى. ومن ذلك أنه حوّل حيّة إلى ذهب محبة بفقير، ثم بعد قضاء الحاجة أعاد الذهب حيّة
ومن ذلك أنه كان علاماً بالقلوب يحرّك النفوس برأفته إلى التوبة. مثل ذلك أن امرأة زانية دنت منه تروم لمسه فلم يأنف منها ولا صدّها، بل رمقها بنظرة حنان حزيناً عليها فنفذت نظرته إلى أعماقها، فألقت بنفسها، بصورة عفوية، عند قدميه وغسلتهما بدموعها معترفة بخطاياها، فأقامها وهو يقول لها، على مثال المعلم: "مغفورة لك خطاياك! اذهبي بسلام ولا تخطئي بعد!". ومن ذلك أنه خرج مرة إلى كنيسة منعزلة أهملها المؤمنون، وشاء أن يقيم فيها الذبيحة الإلهية. لم يشعل الخدّام في المناسبة إلا مصابيح قليلة لأنهم قالوا لم يحضر من الناس غير أفراد قلائل. ولكن ما إن انطلقت الخدمة حتى بدا أن الحاضرين أكثر بكثير مما كان منظوراً، وجلّهم كان لا من البشر بل من الملائكة. فما أن استدار الأسقف باتجاه الشعب وأعطى السلام: "السلام لجميعكم!" حتى صدحت في الكنيسة أصوات الملائكة مجيبة: "ولروحك أيضاً!". على هذا النحو استمر القداس الإلهي: القديس يؤمّ الخدمة والملائكة تجيب. أمّا قناديل الزيت فامتلأت زيتاً وأضاءت بالأكثر. ومن ذلك أن شمّاساً أخرس اشتهى أن يصلّي صلاة وجيزة عند الظهر في أوان الحر فرأف به القديس وتضرّع إلى الرب الإله من أجله، فانحلت عقدة لسانه وفتح فاه وصلّى. لكنْ أخذه العُجب فأطنب في الصلاة لأجل السبح الباطل فأعاده القديس أخرس أصماً لا ينطق بشيءٍ البتة. ومن ذلك أنه خفّف مرة فيض نهر كان يتهدّد السكان. ومن ذلك أن تاجراً رغب في شراء مائة من العنز من قطيع الراعي القدّيس. فلما حضر لاستلامها دفع ثمن تسع وتسعين منها لأنه قال ليس من عادة القديس أن يعدّ المال. وإذ أخذ مائة بهيمة وهم بمغادرة المكان أبت إحداها إلا أن تعود إلى الصيرة. فأمسكها وأخذها بالقوة، فأفلتت منه وعادت إلى الصيرة.ففعل ذلك ثانية وثالثة فلم ينجح. فالتفت إليه رجل الله وخاطبه بوداعة: لعلك لم تدفع ثمنها يا بني! فاعترف التاجر واستسمح ودفع ثمن الباقية. إذ ذاك فقط خرجت البهيمة بهدوء وانضمت إلى القطيع المباع.رقد القديس في الرب في اليوم الثاني عشر من شهر كانون الأول من السنة الميلادية 348. كان قد بلغ من العمر ثمانية وسبعين عاماً. آخر ما يذكر التاريخ عنه أنه اشترك، سنة347م، في مجمع سرديكا دفاعاً عن القدّيس أثناسيوس الكبير
هذا وتستقر رفات القديس اليوم في جزيرة كورفو اليونانية. جسده لم ينحل إلى اليوم. بقي في قبرص حتى القرن السابع الميلادي، ثم إثر الفتح العربي جرى نقله إلى مدينة القسطنطينية حيث أودع كنيسة قريبة من الكنيسة الكبرى. وفي العام 1456م تمّ نقله خفية إلى جزيرة كورفو بعدما سقطت القسطنطينية في أيدي الأتراك. لقد كان جسد القديس وما زال إلى اليوم ينبوعاً لأشفية كثيرة وهو شفيع كورفو حيث سجّل أنه أنقذ الجزيرة من وباء الكوليرا مرة، ومن الغزو الأجنبي مرة أخرى. وهناك اعتقاد سار بين العامة اليوم أن القديس ما زال يجول، بصورة عجيبة، في الأرض يشفي المرضى ويغيث المبتلين. وهم يستدلّون على ذلك من الجوارب التي جرى أهل الدير الذي يستكين فيه جسده على إلباسه إياها. هذه تغيّر له مرة في السنة، وكلما آن أوان استبدالها لاحظ المقامون على خدمته أنها تكون قد بليت أو تكاد من الجهة التي يطأ المرء بها في العادة. أما الجوارب المستعملة
فتُوزّع بركة على المؤمنين
ليتورجياً، تغبط الكنيسة القديس اسبيريدون باعتباره قانوناً لرؤساء الكهنة وتورد اسمه بين القدّيسين النماذج في إفشين "خلّص يا رب شعبك...". كما تصفه بـ "مجرى المحبة الذي لا يفرغ" وتعتبره "العقل الإلهي الوديع الكامل المزيّن بالبساطة الحقيقية" وتشبّهه بموسى لبساطته وداود لوداعته وأيوب لسيرته التي لا عيب فيها. وترتل له الطر وبارية التالية
"لقد ظهرت عن المجمع الأوّل مناضلاً. وللعجائب صانعاً. يا أبانا سبيريدونوس المتوشح بالله. فلذلك خاطبت الميتة في اللحد. وحوّلت حيّة إلى ذهب. وعند ترتيلك الصلوات المقدّسة. كانت لك الملائكة شركاء في الخدمة. أيها الكلي الطهر. فالمجد للذي مجّدك. المجد للذي كلّلك. المجد للصانع بك الأشفية للجميع"
هذا وقد درج، في بعض الأحيان، أن تصوّر الكنيسة القديس اسبيريدون، في إيقوناتها، وعلى رأسه ما يشبه السلّ، إشارة إلى كونه راعي غنم، وفي يده اليسرى حجر فخّاري يظهر عمودياً وقد خرجت من طرفه الأعلى نار ومن طرفه الأسفل مياه. وبالعودة إلى سيرة القديس الموسّعة يتبيّن أن لهذا الحجر قصّة مفادها أنه خلال المجمع المسكوني الأوّل (نيقية325م) الذي قيل أن اسبيريدون اشترك فيه، أفحم القديس أحد الآريوسيين البارزين لما أثبت له، بالبرهان الحسي، كيف يمكن لله أن يكون واحداً في ثلاثة أقانيم، آباً وابناً وروحاً قدساً. فلقد ذُكر أن القديس أخذ قطعة فخار بيساره وعمل إشارة الصليب بيمينه قائلاً
- "باسم الآب" ، فخرجت للحال من الفخار، من فوق، نار
- " والابن"، فخرجت من الفخار، من تحت، مياه
- " والروح القدس"، فاتحاً يده، فبان الفخار بعد فخاراً من تراب
إثر ذلك، على ما قيل، أكبر الآباء القدّيسون رجل الله اسبيريدون على ما فعل، ولم يسع الآريوسي إلا التسليم بالأمر الواقع والإقرار بصحّة إيمان رجل الله بالثالوث القدّوس
12 كانون الأول
نشأته
ولد القديس اسبيريدون وعاش في جزيرة قبرص. احترف رعاية الأغنام وكان على جانب كبير من البساطة ونقاوة القلب. وإذ كان محبّاً لله، نما في حياة الفضيلة، محبةً للقريب ووداعةً وخفراً وإحساناً واستضافةً للغرباء. كل من أتى إليه زائراً كان يستقبله، على غرار إبراهيم خليل الله، وكأنه المسيح نفسه. الإنجيل، بالنسبة إليه، كان سيرة حياته لا كلاماً إلهياً وحسب. كان لا يردّ محتاجاً. كل محتاج كان يجد عنده تعزية ولو يسيرة. قيل إنه اعتاد أن يستودع نقوده صندوقاً مفتوحاً كان لكل محتاج وصول إليه. لم يهتمّ أبداً بما إذا كان صندوقه فارغاً أو ممتلئاً. هذا في نظره كان شأن ربّه. هو المعطي في كل حال ونعم الوكيل! كما لم يكن ليسمح لنفسه بالحكم على المقبلين إليه إذا كانوا محتاجين بالفعل أم لا، مستحقّين أو غير مستحقّين.
ذكر عنه المؤرّخ سوزومينوس، في مطلع القرن الخامس الميلادي، أن زمرة من اللصوص حاولت سرقة بعض من أغنامه ليلاً فمنعتها يد خفيّة وسمّرتها في مكانها. ولمّا أطلّ الصباح واكتشف القديس اسبيريدون اللصوص وعظهم وصلّى عليهم وحلّهم من رباطهم وأطلقهم بعد أن زوّدهم بأحد كباشه. قال لهم أنهم تكبّدوا من المشاق ما لم تكن له ضرورة لأنه كان بإمكانهم أن يحصلوا على ما يريدون دون ارتكاب خطيئة قاسية كالتي ارتكبوها ودون تعريض أنفسهم للهلاك؛ فقط بمجرد السؤال. لو طلبوا منه لأعطاهم
هذا وتفيد الشهادات أن القديس اسبيريدون تزوّج ورزق ابنة وحيدة اسمها سلام (ايريني). فأما زوجته فرقدت بعد سنوات قليلة من زواجه وأما ابنته فتبتّلت إلى أن رقدت في الرب وأبوها حي يرزق
يذكر، وفق ما أورد سوزومينوس، أنه كانت للقديس عادة أن يمسك وعائلته عن الطعام أياماً في الصوم الفصحي ولا يتناول منه شيئاً. وقد كان يحدث أن يمرّ به غريب أضنته أتعاب السفر، فكان رجل الله يستضيفه برأفة وفرح ويعّد له طعاماً يتقوى به. وإذا لفته الضيف إلى أنه مسيحي وأن عليه أن يحفظ الصيام كان القديس يخفّف عنه مؤكداً أنه ليس في الطعام ما ينجّس وأن للصوم استثناء
ذاع اسم القديس اسبيريدون في قبرص ذيوعاً كبيراً. فلما رقد أسقف تريميثوس، المدينة الصغيرة القريبة من السلامية، عند شاطئ البحر، وقع اختيار المؤمنين بالإجماع عليه رغم أن ثقافته بالكتب كانت متواضعة. ولم تغيّر الأسقفية من طريقة عيش القديس شيئاً لأنه استمرّ راعياً للأغنام، فقير اللباس، لا يمتطي دابة بل يسير على قدميه، ويعمل في الفلاحة. لكنه، منذ أن تسقّف، التزم مهامه الرعائية بجد كبير ومواظبة وإخلاص
كانت أبرشيته صغيرة جداً والمؤمنون فيها فقراء، لكنهم غيارى على الإيمان. لم يكن في المدينة الصغيرة من الوثنيين غير قلة قليلة
وقد جرى القديس على قسمة مداخيله إلى قسمين: قسم درج على إعطائه للفقراء، وقسم تركه لكنيسته وأهل بيته وإقراض الناس. لم يعتد أن يحمل همّ الغد. يكفي اليوم شرّه ويرسل الله غداً ما لا تعلمون! هذا كان عنوانه في تعاطيه والمحتاجين
لما أثار الإمبراطور الروماني مكسيميانوس غاليريوس اضطهاداً على المسيحيين لحق القديس اسبيريدون نصيب منه. فقد ذكر أنه نتيجة اعترافه بالمسيح فقد عينه اليمنى وقطع المضطهدون أوصال يده اليسرى وحكموا عليه بالأشغال الشاقة في المناجم
لم تكن العلوم الإنسانية مألوفة لقدّيس الله لكنه كان يعرف الكتاب المقدّس جيّداً. وإذ حدث، مرة، أن التقى أساقفة قبرص معاً قام فيهم تريفيلوس، أسقف "لادري"، واعظاً. تريفيلوس، حسبما أورد القديس إيرونيموس، كان أبلغ خطباء زمانه. فلما عبر بالقولة الكتابية "قم احمل سريرك وامش" استعمل عوض لفظة "سرير" الكتابية باليونانية لفظة أخرى متأنقة لعله حسبها أفصح من الأولى وأدق وأوفق. فاستهجن قديس الله فعلته وأن يُظن أنه يضيف بذلك نعمة إلى بساطة الكلام الإنجيلي فوقف سائلاً معترضاً إذا كان الواعظ يعرف اللفظة الموافقة أكثر من الرسول نفسه، صاحب الإنجيل؟
ثم إنه قيل إن القديس اسبيريدون اشترك في المجمع المسكوني الأول الذي انعقد في مدينة نيقية، سنة325م، بناء لدعوة قسطنطين الملك. فلما حضر كان بهيئة راعي غنم وله صوف الخروف على كتفه، بعين واحدة ويده اليسرى ملتوية ولحيته بيضاء ووجهه مضيء وقوامه قوام رجل صلب على بساطة أخّاذة، فلم يكن من الإمبراطور والموجودين إلاّ أن وقفوا له إجلالاً بصورة عفوية
وقد جاء في التراث أن القديس اسبيريدون أفحم أحد الفلاسفة الآريوسيين في المجمع. لم يفحمه بقوة الكلام بل بالبساطة وبرهان الروح القدس فيه. وكان من نتيجة ذلك أن عاد الآريوسي عن ضلاله
قرابة ذلك الوقت رقدت ابنته سلام (إيريني). وكان أحد العامة قد استودعها غرضاً جزيل القيمة، ربما كان ذهباً، فخبّأته في مكان آمن لا يدري به أحد غيرها. فلما كاشف الرجل قديس الله بالأمر فتّش له عنه فلم يجده. وإذ كان العامي حزيناً وبدا في حال التأثر العميق، تحرّك قلب القديس شفقة عليه فذهب، وفق شهادة المؤرّخين الكنسيّين سقراط وسوزومينوس، إلى قبر ابنته ودعاها بالاسم وسألها عن المكان الذي خبّأت فيه الأمانة. فأجابته ودلّته على المكان بدقّة. فذهبوا وفتّشوا فوجدوه حيث قالت لهم
هذا وتنسب للقديس اسبيريدون عجائب كثيرة قيل إنه اجترحها واستأهل بسببها لقب "العجائبي"
من ذلك أن امرأة فقيرة، غريبة اللسان، جاءته بابنها ميتاً وألقته عند قدميه، فصلّى عليه، فأقامه الرب الإله بصلاته من الموت
ومن ذلك أنه أبرأ قسطنديوس قيصر، ابن قسطنطين الكبير، إثر مرض عضال ألمّ به وهو في أنطاكية. وبعدما تمّ شفاؤه نصحه القدّيس بأن يحذر على صحة نفسه بالأولى، لأنه كان آريوسي النزعة، وأن يرأف بعباد الله. ومن ذلك أنه استنزل المطر بعد قحط، مرة، وأوقفه بعد وفرة مرة أخرى. ومن ذلك أنه حوّل حيّة إلى ذهب محبة بفقير، ثم بعد قضاء الحاجة أعاد الذهب حيّة
ومن ذلك أنه كان علاماً بالقلوب يحرّك النفوس برأفته إلى التوبة. مثل ذلك أن امرأة زانية دنت منه تروم لمسه فلم يأنف منها ولا صدّها، بل رمقها بنظرة حنان حزيناً عليها فنفذت نظرته إلى أعماقها، فألقت بنفسها، بصورة عفوية، عند قدميه وغسلتهما بدموعها معترفة بخطاياها، فأقامها وهو يقول لها، على مثال المعلم: "مغفورة لك خطاياك! اذهبي بسلام ولا تخطئي بعد!". ومن ذلك أنه خرج مرة إلى كنيسة منعزلة أهملها المؤمنون، وشاء أن يقيم فيها الذبيحة الإلهية. لم يشعل الخدّام في المناسبة إلا مصابيح قليلة لأنهم قالوا لم يحضر من الناس غير أفراد قلائل. ولكن ما إن انطلقت الخدمة حتى بدا أن الحاضرين أكثر بكثير مما كان منظوراً، وجلّهم كان لا من البشر بل من الملائكة. فما أن استدار الأسقف باتجاه الشعب وأعطى السلام: "السلام لجميعكم!" حتى صدحت في الكنيسة أصوات الملائكة مجيبة: "ولروحك أيضاً!". على هذا النحو استمر القداس الإلهي: القديس يؤمّ الخدمة والملائكة تجيب. أمّا قناديل الزيت فامتلأت زيتاً وأضاءت بالأكثر. ومن ذلك أن شمّاساً أخرس اشتهى أن يصلّي صلاة وجيزة عند الظهر في أوان الحر فرأف به القديس وتضرّع إلى الرب الإله من أجله، فانحلت عقدة لسانه وفتح فاه وصلّى. لكنْ أخذه العُجب فأطنب في الصلاة لأجل السبح الباطل فأعاده القديس أخرس أصماً لا ينطق بشيءٍ البتة. ومن ذلك أنه خفّف مرة فيض نهر كان يتهدّد السكان. ومن ذلك أن تاجراً رغب في شراء مائة من العنز من قطيع الراعي القدّيس. فلما حضر لاستلامها دفع ثمن تسع وتسعين منها لأنه قال ليس من عادة القديس أن يعدّ المال. وإذ أخذ مائة بهيمة وهم بمغادرة المكان أبت إحداها إلا أن تعود إلى الصيرة. فأمسكها وأخذها بالقوة، فأفلتت منه وعادت إلى الصيرة.ففعل ذلك ثانية وثالثة فلم ينجح. فالتفت إليه رجل الله وخاطبه بوداعة: لعلك لم تدفع ثمنها يا بني! فاعترف التاجر واستسمح ودفع ثمن الباقية. إذ ذاك فقط خرجت البهيمة بهدوء وانضمت إلى القطيع المباع.رقد القديس في الرب في اليوم الثاني عشر من شهر كانون الأول من السنة الميلادية 348. كان قد بلغ من العمر ثمانية وسبعين عاماً. آخر ما يذكر التاريخ عنه أنه اشترك، سنة347م، في مجمع سرديكا دفاعاً عن القدّيس أثناسيوس الكبير
هذا وتستقر رفات القديس اليوم في جزيرة كورفو اليونانية. جسده لم ينحل إلى اليوم. بقي في قبرص حتى القرن السابع الميلادي، ثم إثر الفتح العربي جرى نقله إلى مدينة القسطنطينية حيث أودع كنيسة قريبة من الكنيسة الكبرى. وفي العام 1456م تمّ نقله خفية إلى جزيرة كورفو بعدما سقطت القسطنطينية في أيدي الأتراك. لقد كان جسد القديس وما زال إلى اليوم ينبوعاً لأشفية كثيرة وهو شفيع كورفو حيث سجّل أنه أنقذ الجزيرة من وباء الكوليرا مرة، ومن الغزو الأجنبي مرة أخرى. وهناك اعتقاد سار بين العامة اليوم أن القديس ما زال يجول، بصورة عجيبة، في الأرض يشفي المرضى ويغيث المبتلين. وهم يستدلّون على ذلك من الجوارب التي جرى أهل الدير الذي يستكين فيه جسده على إلباسه إياها. هذه تغيّر له مرة في السنة، وكلما آن أوان استبدالها لاحظ المقامون على خدمته أنها تكون قد بليت أو تكاد من الجهة التي يطأ المرء بها في العادة. أما الجوارب المستعملة
فتُوزّع بركة على المؤمنين
ليتورجياً، تغبط الكنيسة القديس اسبيريدون باعتباره قانوناً لرؤساء الكهنة وتورد اسمه بين القدّيسين النماذج في إفشين "خلّص يا رب شعبك...". كما تصفه بـ "مجرى المحبة الذي لا يفرغ" وتعتبره "العقل الإلهي الوديع الكامل المزيّن بالبساطة الحقيقية" وتشبّهه بموسى لبساطته وداود لوداعته وأيوب لسيرته التي لا عيب فيها. وترتل له الطر وبارية التالية
"لقد ظهرت عن المجمع الأوّل مناضلاً. وللعجائب صانعاً. يا أبانا سبيريدونوس المتوشح بالله. فلذلك خاطبت الميتة في اللحد. وحوّلت حيّة إلى ذهب. وعند ترتيلك الصلوات المقدّسة. كانت لك الملائكة شركاء في الخدمة. أيها الكلي الطهر. فالمجد للذي مجّدك. المجد للذي كلّلك. المجد للصانع بك الأشفية للجميع"
هذا وقد درج، في بعض الأحيان، أن تصوّر الكنيسة القديس اسبيريدون، في إيقوناتها، وعلى رأسه ما يشبه السلّ، إشارة إلى كونه راعي غنم، وفي يده اليسرى حجر فخّاري يظهر عمودياً وقد خرجت من طرفه الأعلى نار ومن طرفه الأسفل مياه. وبالعودة إلى سيرة القديس الموسّعة يتبيّن أن لهذا الحجر قصّة مفادها أنه خلال المجمع المسكوني الأوّل (نيقية325م) الذي قيل أن اسبيريدون اشترك فيه، أفحم القديس أحد الآريوسيين البارزين لما أثبت له، بالبرهان الحسي، كيف يمكن لله أن يكون واحداً في ثلاثة أقانيم، آباً وابناً وروحاً قدساً. فلقد ذُكر أن القديس أخذ قطعة فخار بيساره وعمل إشارة الصليب بيمينه قائلاً
- "باسم الآب" ، فخرجت للحال من الفخار، من فوق، نار
- " والابن"، فخرجت من الفخار، من تحت، مياه
- " والروح القدس"، فاتحاً يده، فبان الفخار بعد فخاراً من تراب
إثر ذلك، على ما قيل، أكبر الآباء القدّيسون رجل الله اسبيريدون على ما فعل، ولم يسع الآريوسي إلا التسليم بالأمر الواقع والإقرار بصحّة إيمان رجل الله بالثالوث القدّوس
القديس سابا المتقدس المتوشح بالله
قديس اليوم 5 كانون الأول
† القديس سابا المتقدس المتوشح بالله
وُلِد القدِّيس سابا عام 439 في قيصريّة كبادوكية، ورقد عام 533 عن عمر 94 سنة. حياتُه المديدة التي صادفت عصرَ الرهبنة الذهبي امتلأت صلواتٍ وجهاداتٍ من أجل الكنيسة ومن أجل مُتَوَحَّده (تعريب كلمة لافرا اليونانية وكناية عن دير أشبه بقرية رَهبانيّة يعيش فيه المتوحِّدون). ولقد استخدم الله هذا الإنسان المتقدّس ليحفظ سلامة استقامة الرأي (الأرثوذكسية) في عصر متأزِّم
عاش القدّيس منذ سني الطفولة في دير التجأ إليه زاهداً في الدنيا وهو بعدُ في سنته الثامنة، إذ عاين انغماسَ الناس في الدنيويّات لمّا تجادل خالُه وعمُّه على ميراثه إثرَ سفر أبويه قسراً إلى الإسكندريّة عاهدين تربيتَه إلى عمّه. في الثامنة عشرة، ذهب إلى الأرض المقدّسة وفي نفسه رغبةٌ أن يصير من أتباع القدّيس أفثميُس. هذا رفضَه لصغر سنّه لكنّه عاد فقبله بعد 10 سنوات من الرياضة النسكيّة في دير الشركة الذي للقدّيس ثِئُكتيستُس. بساطة القدّس سابا وقداسته أدهشتا البارَّ أفثيميُس فلقَّبه "بالفتى الشيخ"
في السنة 43 من عمره تنسّك لفترة طويلة في الصحراء قرب القدّيس جِراسِمُس الأردنيّ. انسحب بعدها وعاش وحده لخمس سنوات في كهفٍ منيعٍ في رّيْدِ جبل قَدرون قبالةَ الدير الحاليّ بالتمام. لذا، فإنّ ناسكاً كهذا صارماً وملتهباً حبُّه لحياة الرَّهبانيّة في المسيح كان مبتغى شبّان كثيرين. في عمر 45 سنة كان قد أحاط به 70 من نسّاك البراري الذين يعيشون في المغاور المجاورة. ولمّا صاروا 150 شخصاً، اضطُرَّ القدّيس أن يبني مُتَوَحَّده شمالَ مجرى النهر في وادي قدرون. ذاعت شهرة القدّيس، فالتجأ إليه رهبان كثيرون شبّان، من جنسيّات مختلفة من بينهم أسقفُ قُلُنِيُّةَ يوحنّا الهدوئيّ. لما بلغ 63 من العمر، صارت حاشيته تضمّ 5000 راهب
غير أنّه، وبينما كان عدد الرهبان يزداد، بدأت الجدالاتُ الأُرِجِنّيّة تُعكِّرُ الجوَّ الهادئ، إذ عصى بعض الرهبان رئيسَهم. أفسح القدّيس مجالاً للغضب مغادراً ديرَه مُؤقَّتاً. إلا أنّ الأوضاعَ ما تحسَّنت. فرجَع حاملاً رسائلَ تحذيرٍ من البطريرك إيليّا للرهبان العاصيين. أولئك ازدادوا تعصّباً فشاغبوا ثمّ ارتحلوا
عام 508 استقرّوا في المُتَوَحَّد الجديد. وهناك أيضاً استمرَّت الجدالات وتفاقمت المشاكل، أمّا سلام الله المُفتَرّض في حياة روحانيّة فقد فُقِد. والبار، بداعي محبّة كثيرة، ذهب إليهم وأسّس هيكلاً ومخبزاً وحدّد لهم رئيساً. وبعد رَدحٍ من الزمن أعادت صلواتُه غيرُ المنقطعة نعمةَ الله، فإنّ شرعيّة حضورِ القدّيس سابا تُضعِف المبتدعين
لعقودٍ كثيرة في القرن الخامس، بلبلت الكنيسةَ بدعةُ الطبيعة الواحدة التي تعترف بأنّ طبيعة الرب الإنسانيّة امتصتّها طبيعتُه الإلهية كلّيّاً. فالبدعة إذاً، تُوهِنُ تأنّسَ الربَ وبالتالي خلاصَنا. عام 451 دعت الإمبراطورة بُلخَريّة إلى المجمع المسكونيّ الرابع في خَلقِدونية، الذي حرم المبتدعين وأعلن "طبيعتَي الربَ الكاملتَين في شخص واحد بلا امتزاج ولا تغيّر ولا انقسام ولا انفصال
لم يهدأ المبتدعون، فأعلن الإمبراطور زينون عام 482، وبهدف إعادة السلام، ما دُعي "مرسومَ الاتحاد" الذي قلّل مفعول المجمع المسكونيّ الرابع. هذا المرسوم عمّم البلبلات فصار ضدَّ السلام! أديار فِلَسطين دافعت عن المواقف المستقيمة الرأي وحَمَت البطريرك سالوستيُس ورئيسي الأديار سابا وثِئُذوسيُس
استمرّ الإمبراطور أنستاسيُس، الذي خَلَفَ زينون، في السياسة نفسها: فنَفَى رؤساءَ الكهنة المستقيمي الرأي (الأرثوذكسيين) وثَبَّت المبتدعين وعقد لهم مجمعاً وأدان فِلافيانُسَ البطريركَ الإنطاكيَّ وإيليّا بطريركَ أورشليم دون سواهما. في هذه الأثناء أرسل بطريرك أورشليم وفدَ رؤساء الأديار، ومعهم القدّيس سابا إلى الإمبراطور. هذا قَبِلَ الوفدَ إلا أنّ الحجّابَ منعوا القدّيس سابا من الدخول إلى البَلاط إذ أنّ جُبَبَه قديمة ومرقّعة. طلب الإمبراطورُ الناسكَ المشهور آمِراً بأن يُدخَل. وحدَها هيئةُ القدّيس كانت كافية لتؤثّر به، فاقتنع للوقت بأنّ يُرجئ مضايقةَ البطريرك المستقيم الرأي إيليّا وأن يُحرَّر هيكل القيامة شيئاً فشيئاً من الضرائب الثقيلة غير العادلة وأن يُعتِقَ منها سكّان أورشليم. غير أنّ موقفَ الإمبراطورِ المتساهلَ لن يستمرّ طويلاً، فقد أُجبِرَ بطريرك أورشليم أن يشترك مع اسفيرو بطريركِ أنطاكية الجديد وهو من أتباع بدعة الطبيعة الواحدة. رفض فنُفِيَ ومات. وكان إلى جنبِه القدّيس سابا. اختير يوحنّا الثالثُ، تلميذُ القدّيس خليفةَ البطريرك إيليّا إذ قد تعهّد بأن يَشجُبَ المجمعَ المسكونيّ الرابع. فأسرع القدّيس سابا وثَناه، وكانت النتيجة أن سُجِنَ يوحنّا الثالث. أجبره الإمبراطور وهو في السجن أن يشترك مع أسفيرو بطريركِ أنطاكية. فتَظاهَرَ، بالتوافُقِ مع القدّيس سابا، بأنّه يتعهّد أن يشجب المجمعَ المسكونيّ الرابع وأن يَعترفَ باسفيرو إنّما في اجتماع رسميّ فقط بمرأى من الكنائس وتُجاه كلّ السلطات. حضر إلى الاجتماع آلافُ الرهبان والمؤمنون، فحرم البطريركُ المبتدعين واعترف بالمجامع الأربعة وهو على عرشه في كنيسة القدّيس استفانُس. إذّاك صَفَّقَ المؤمنون لبطريركهم القويّ بينما انسحب ممثِّلُ الإمبراطور مستسلماً. حَنِقَ الإمبراطور وقرَّر أن ينفي البطريرك يوحنّا الثالث مع سابا وثِئُذوسيُس. فألَّف الآباءُ الثلاثة رسالةً للإمبراطور عام 516 اعتبرها بعدَ صلواتٍ كثيرة فغيَّرت رأيه
عام 518، خَلَفَ أنستاسيُسَ الإمبراطورُ المستقيمُ الرأي يُستينُسُ وتَبِعَه يُستِنيانُس عام 527، هذان ثَبَّتا استقامةَ الرأي والسلامَ في الكنيسة. من خلال ردّة الفعل هذه على جدالات بدعة الطبيعة الواحدة، يمكن لأيِّ كان أن يَعِيَ قيمةَ حضور القدّيس سابا في القرن الخامس الكثير الاضطراب! لكنّ جهاداتِه لم تتوقَّف هنا، فقد ارتبط اسمُه بالثورة السامريّة، إذ تمرَّد السامريّون وأعلنوا مَلِكاً آخَر، وأغاروا ليَنهَبوا زارعين الرعبَ، وقتلوا أساقفةَ المسيحيّين، وأحرقوا ذخائرَ الشهداء. أخيراً قَمَعَ يُستِنيانُسُ الثورةَ، لكنّه حَقَدَ كذلك على مسيحيّي فِلَسطين الذين احتَفَظوا للسامريّين بآثار قاسية. فلجأ البطريرك من جديد إلى الشيخ القدّيس سابا الذي أربى على 90 من السنين. أرسلَه إلى القسطنطينيّة ليُسَكِّنَ غضبَ الإمبراطور. هذا كان يعرف حياة البارّ المعمّر وجهاداتِه فاستقبلّه بالتكريمات: سجد له سجدةً وعانقه وقَبَّلَ رأسه. بدورها انحنَت له الإمبراطورةُ ثِئُذورة وطلبت بركته. لقد حَظِيَ الناسكُ الأشيبُ بتقديرهم! بمرسوم إمبراطوريّ حدّ من التطرّف السامريّ وحرّر فِلَسطين من كل جباية كما حسّن ترميم الهياكل الجليلة في أماكن الحجّ المدمّرة، بالإضافة إلى تحصين ديره الكبير
وليس كتاب الأصول (التيبيكون) إلا تقدمةُ أخرى من تَقَادِم القدّيس سابا لذلك يُعرَف باسمه، مثلما يُعرَف "بالأورشليميّ". بالاشتراك مع القدّيس ثِئُذوسيُس رئيس أديار الشركة، سنّ القوانين والتقاليد الطقسيّة التي نشأت في مصر وحافظت عليها أديار كثيرة في فِلَسطين. في أصوله، حدّد القدّيس سابا أيضاً ترتيب الخِدَم وتفاصيلها وتوزيعها على الأيّام المختلفة ولائحة بالأعياد والتقويم الذي تتّبعه. راجَعَ الكتابَ صفرونيُسُ بطريركُ أورشليم وتَلاه يوحنّا الدمشقيّ. ثمّ، في القرن الثاني عشر، أعاد النظر فيه بطريركُ القسطنطينيّة نيقولَوس الكاتب وفي القرن الخامس عشر راجَعَه سمعانُ التِسلوّنيكيّ
إشعاع القدّيس لم يقتصر فقط على ديره، فقد أسّس أدياراً غيره منها ثلاث متوحَّدات (المتوحَّد الجديد علم 508، متوحَّد الأفواه السبعة عام 512، متوحَّد إرمياء عام 531) وستّة أديار شركة (دير القلعة عام 492، دير مبتدئي المتوحَّد الكبير عام 493، دير غاذارِيَة عام 503، دير نِقوبُلي عام 508، دير المغارة عام 509، دير يوحنّا الاسخُلاري عام 512). كذلك أسّس خمسة مآوي فقراءٍ وفنادق لاستضافة الغرباء والآباء العابرين.
الشيخ الأزهر، بل القدّيس، رأى دُنُوَّ أجَلِه، فسجد للقبر الفائق القداسة وانكفَأ إلى هدوء مُتَوَحَّده الحبيب. هرع البطريركُ بطرس الذي كان ابنه الروحيّ وبكثيرِ التوسُلات أحضّرّه إلى الدار البطريركيّة وهناك خدمه بنفسه. لكنّ البارّ رجاه أن ينقلوه إلى ديره ليرتاح في توبته. بعد أن حدّد مِليتاسَ البيروتيّ خليفتَه وترك له ترتيبات مكتوبة لطقوس مُتَوَحَّده وباقي أدياره، تناول القدّيس الأسرار الطاهرة ورقد في 5 كانون الأول عام533 عن عمر 94 سنة، وأُودِعَ اللحدَ في مُتَوَحَّده
فيما بعد، لأجل حماية جثمانه الذي حُفِظَ كلّيّاً بلا انحلال، نقله رهبانُه إلى القسطنطينية. وفي القرن الثالث عشر نقله الصليبيّون إلى البندقية. وبين الثالث عشر والسادس والعشرين من شهر تشرين الأوّل عام 1965 أعادت الكنيسةُ الغربيّةُ جثمانَه إلى ديره. والقدّيس من ذلك الحين في بيته يتشفّع إلى الربّ بكلّ الذين يطلبون وَساطَته. دوّن الكثير من معجزاته في حياته وبعد الموت، يضيق المجال بإيرادها. وختاماً، نسأله، أن يشفع بنا إلى الربّ ليُنعِم علينا بالجرأة لنحفظ استقامة الرأي بلا لوم في أفعالنا والأقوال، فلا نرميّها لغير المستحقّين
طروبارية للقديس سابا باللحن الأول
ظَهرتَ رأسَ الأبرارِ وَمُساويَ الملائكة, وَمُتقدِّساً مُنذُ الطُفولةِ أيها البارُ سابا, وبما أنكَ عِشتَ عَيشاً سَماوِياً, قُدتَ إلى الحياةِ بالله, بالأقوالِ والأفعال الحقّة, الصارخينَ بإيمانٍ, المجدُ لِمنْ قوّاكَ, المَجدُ لِمنْ كَلَّلكَ, المجدُ لِلفاعِلِ بِكَ الأشفِيَةَ لِلجميعْ
طروبارية للقديس سابا باللحن الثامن
للبرّية غير المثمرة بمجاري دموعك أمرعتَ، وبالتنهُّدات التي من الأعماق أثمرتَ بأتعابك إلى مئة ضعفٍ. فصرتَ كوكباً للمسكونة متلألئاً بالعجائب، يا أبانا البار سابا، فتشفع إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا
قنداق باللحن الثامن
أيها المغبوط سابا، بما أنك منذ الطفولية قُدّمت بالفضيلة ذبيحةً لا عيب فيها، لله العارف بك قبل أن تولد، غدوتَ جمالاً للأبرار، وساكناً في القفر، تستحق المديح، فلذلك أهتف نحوك قائلاً: السلام عليك أيها الأب الدائِم الذكر
القديسة العظيمة في الشهيدات بربارة
قديس اليوم 4 كانون الأول
† القديسة العظيمة في الشهيدات بربارة
لا نعرف تماماً لا تاريخ استشهاد القديسة بربارة ولا مكان استشهادها. بعض المصادر يجعل ذلك في مصر أو روما أو توسكانا (إيطاليا) أو آسيا الصغرى أو سواها. وفي تاريخ يتراوح بين العامين 235 – 313 للميلاد. أما عندنا فهي من بعلبك
والرواية التي تناقلتها الأجيال عنها تفيد بأنها كانت ابنة رجل وثني متعصب ذي ثروة ومجد وجاه. اسمه ديوسفوروس. وإذ كانت بربارة جميلة الطلعة فقد غار عليها أبوها من العيون، فأقفل عليها في قصره وجعل لها كل ما تحتاج إليه وما يسليها. وإذ كان الله قد اصطفاها، كما تقول خدمتنا الليتورجية اليوم (قطعة على الأبنوس)، فقد تحرك قلبها إلى التأمل في الخليقة إلى أن بلغت الخالق وأدركت خواء الأصنام وضلال عبادتها. وبتدبير من الله التقت بربارة من بشرها بالمسيح فآمنت به ونذرت له بتولية نفسها لكي لا تلهو عنه بعريس أرضي أو تُفرض عليها الوثنية فرضاً تحت ستر الزواج. فلما اكتشف أبوها أنها قد صارت مسيحية جنّ جنونه وأسلمها إلى مرقيانوس الحاكم
حاول مرقيانوس، باللطف أولاً، أن يستعيد بربارة إلى الوثنية فخاب قصده. وإذ تهددها وتوعدها لم تتزحزح عن رأيها، فأسلمها إلى عذابات مرّة، جلداً وتمزيقاً بالحديد وسجناً فلم يلق غبر الفشل نصيباً. إذ ذاك أسلمها إلى الموت. وقد أبى والداها، بعدما امتلأ حماقة وغيظاً، ألا أن يكون هو نفسه جلادها، فقطع رأسها بالسيف
وقد ارتبط باسم الشهيدة بربارة، اليوم، اسم شهيدة أخرى هي إليانا (يولياني). هذه لما تأملت في الميدان الرهيب الشهيدة المجيدة بربارة مجاهدة بالجلد والتعذيبات المتنوعة وقد تقطع جسدها بجملته تحرك قلبها، وكانت وثنية، فتقدمت واعترفت بأنها هي أيضاً للمسيح فقبض عليها الجنود وعذبوها حتى الموت فحظيت بإكليل الشهادة
هذا وللقديسة بربارة إكرام مميز في الشرق والغرب معاً. الكل يعيد لها اليوم. وقد شاع إكرامها منذ القرن الثامن أو التاسع للميلاد بعدما بانت سيرتها، كما نألفها اليوم، في القرن السابع
كتب قانون صلاة السحر لها، عندنا، القديس استفانوس الساباوي (28 تشرين الأول). ابن أخي القديس يوحنا الدمشقي. وللقديس يوحنا الدمشقي نفسه عظة فيها
والقديسة الشهيدة بربارة شفيعة الذين في الشدائد والأخطار. خدمتنا الليتورجية تقول عنها، وعن القديسة إليانا في آن، أنهما تلاشيان مضرة الأمراض الوبائية (إحدى قطع على يا رب إليك صرخت في صلاة المساء). ويستجير بها المعرضون لخطر الصواعق، ربما لأن أباها، كما جاء في خبرها، قتلته صاعقة إذ قفل راجعاً إلى بيته بعدما فتك بابنته. كذلك يستعين بالقديسة بربارة ذوو المهن الخطرة، كفرق المدفعية في الجيش وصناع الأسلحة وعمال المناجم والبناؤون والنجارون
يذكر أن كنائس كثيرة بنيت على اسم القديسة بربارة واتخذت اسمها مدن عدة
بالنسبة لرفاتها، يذكر البطريرك مكاريوس الزعيم أن جسدها نقله الملوك المسيحيون من بعلبك إلى مدينة القسطنطينية وبقي هناك. ثم لما آمن الروس بالمسيح في زمن الإمبراطور البيزنطي باسيليوس الثاني (976 -1025م). وأزوج هذا الملك أخته لفلاديمير، أمير كييف، أعطى باسيليوس أخته رفات القديسة بربارة هدية. فأخذتها معها إلى كييف. ويقول البطريرك مكاريوس أن الرفات موجودة في دير القديس ميخائيل خارج مدينة كييف. وأن جسدها باق على حاله. ناقص منه بعض الأعضاء. ويقول إنه شاهد الرفات هناك وتبرك بها
وترنم الكنيسة للقديسة بربارة، في صلاة السحر، هذه الأنشودة المعبرة
"يا بربارة الكلية الوقار، لما جزت سبيل الجهاد، فررت من رأي أجدادك، وكبتول حكيمة دخلت إلى ديار ربك حاملة مصباحك. وبما أنك شهيدة شجاعة، نلت نعمة لتشفي الأمراض الجسدية. فأنقذينا، نحن مادحيك، من أسواء النفس بصلواتك إلى الرب إلهنا"
(صلاة السحر – على ذكصا الاينوس)
طروبارية القديسة بربارة باللحن الرابع
لنكرّمنَّ القديسة بربارة الكلية الوقار، لأنها حطمت فخاخ العدوّ، ونجَتْ منها كالعصفور، بمعونة الصليب وسلاحه
قنداق للقديسة بربارة باللحن الرابع
أيتها الشربفة بربارة اللابسة الجهاد، لقد تبعتِ الثالوث المسبَّح بحسن العبادة، فأهملتِ المعبودات الوثنية، ولما جاهدتِ في وسط الميدان بعزمٍ ثابت، لم تجزع من تهديدات المغتصبين، صارخةً بصوتٍ عظيم أيتها النقية: أني أعبد ثالوثاً بلاهوتٍ واحد
أبينا البارّ يوحنّا الدّمشقيّ
(+ 749 م)
تعيد له الكنيسة المقدسة في 4 كانون الأول
خدمتنا الليتورجيّة، في هذا اليوم المبارك، تكرمه راهبًا ٱفتقر كمعلّمه، وهو رجل الغنى والمجد العالميَّين، وانصرف عن الدّنيا تاركًا اضطراب هذه الحياة وشواشها وجادًا في طلب سكون المسيح. أخضع جسده بأعراق النّسك الكثيرة وطهّر مشاعره بمخافة الله فأضحى مواطن الصّحراء وقاهر الشّرّير وارتقى إلى المعالي السّماويّة مستغنيًا بالعمل والثّاوريا (المعاينة الإلهيّة). وقد جارى بأناشيده الأجواق السّماويّة، ووضع نظام أنغام الموسيقى، فاستحقّ ٱسم داود، صاحب المزامير.
كما نقض البدع ودافع عن الإيمان وسلّم الكنيسة المعتقد القويم، وبسط التعليم الصّحيح بشأن الإيقونات المقدّسة فٱستحقّ كلاهوتيّ، أن يُدعى رسولاً حبيبًا. ولقوّة مؤلّفاته فاق كلّ الحكماء الّذين سبقوه. وهو كموسى ولج غيمة الرّوح القدس وٱخترق الأسرار الإلهيّة ومدّها لنا بلغة متناغمة. لذا أضحى مستحق التّعجّب لأنّنا به عرفنا أن نمجّد الإله الكليّ الصّلاح
أعرق الشهادات بشأن القدّيس البارّ يوحنّا الدّمشقيّ تُفيد أنّ أوّل جامع لسيرته هو الرّاهب الكاهن ميخائيل السّمعانيّ الأنطاكي. وقد أخرجها بالعربيّة سنة ۱٠۸٥ م. فيما تُنسب النّسخة اليونانيّة إلى بطريرك ٱسمه يوحنّا، لعلّه السّابع الأنطاكي (۱٠۸۸- ۱۱٠٦م
† أصله
لا نعرف بالتأكيد أصل عائلة القدّيس يوحنّا. بعض المصارد يقول إنّه بيزنطي وبعضها سريانيّ فيما تبرز أهمّ الدّراسات أنّه عربيّ ٱبن عربيّ. دعي في الأساس منصور بن سرجون. ولعلّه أصلاً من بني تغلب
استوطنت عائلته دمشق قبل القرن السّادس للميلاد وكانت على رفعة في المقام والمنصب. شغل جدّه منصور مركز مدير الماليّة العام وتبوّأ حاكميّة دمشق في زمن الأمبراطور البيزنطيّ موريس (موريق) (٥٨۲-٦٠۲م) وحتّى هرقل (٦۱٠-٦٤۱م
ويبدو أنّه هو الّذي فاوض العرب على تسليم دمشق بعدما هجرت الحاكمية البيزنطيّة مواقعها وتركت الدمشقيّين لمصيرهم* . أما والده سرجون فولّاه معاوية بن أبي سفيان ديوان الماليّة، في سورية أوّلاً ثم في سائر أرجاء الدولة الأمويّة. وقد استمرّ في وظيفته إلى خلافة عبد الملك بن مروان (٦۸٥-۷۰٥م)، أي ما يزيد على الثّلاثين عامًا كان خلالها زعيم المسيحيّين في دمشق
إلى ذلك يبدو أنّ ٱثنين من عائلة منصور شغلا الكرسيّ الأورشليميّ في القرن التاسع للميلاد بشهادة سعيد بن البطريق (۸۷۷-٩٤۱م
† نشأته وأيام صباه
كان مولد يوحنّا في مدينة دمشق ما بين العامَين ٦٥٥ و٦٦٠ للميلاد** . دُعي منذ القرن التاسع "دفّاق الذهب" أو "مجرى الذهب" – وهو ٱسم نهر بردى في الأساس – بسبب النّعمة المتألّقة في كلامه وحياته. تتلمذ هو وأخ له بالتبني، ٱسمه قزما*** ، أيضًا، فكَّ سرجون، والد يوحنّا، أسره من قراصنة أتوا له إلى دمشق
ملك يوحنّا الفلسفة اليونانيّة فطوّعها، فيما بعد، لإيضاح الإيمان الأرثوذكسي. عاش، أوّل أمره، عيشة الدّمشقيّين الأثرياء السّهلة وكان من رواد البلاط الأمويّ بالنّظر إلى مكانة والده عند الخلفاء. ربطته بيزيد بن معاوية صداقة حميمة وكان يتحسّس الشعر ويتذوقه وتهتز مشاعره لدى احتكاكه بشعراء الصّحراء. ويرى عدد من الدّارسين أنّ بعض تآليفه تأثّرت بهذا الاحتكاك، لا سيّما أناشيده وقوانينه. كما اكتسب من رفقته بيزيد معرفة القرآن والديانة الإسلامية
هذا ويظهر أنّ يوحنّا شغل منصبًا إداريًا رفيعًا في زمن الأمويّين، وإنْ كنّا لا نعرف تمامًا ما هو. قد يكون أمينًا للأسرار أو مستشارًا أوّلاً. وقد أقام على هذا النّحو زمانًا إلى أن نفخت رياح التغيير فأخذ الحكّام يضيّقون على النّصارى. ولما اصدر الخليفة عمر الثّاني (۷۱۷-۷۲٠م) قانونًا حظّر فيه على المسيحيّين أن يتسلّموا وظائف رفيعة في الدولة ما لم يُسلموا، تمسّك يوحنّا بإيمانه وتخلّى عن مكانته. ولعلّ هذا هو السّبب الأوّل في زهده في الدنيا وانصرافه عنها إلى الحياة الرّهبانيّة في دير القدّيس سابا القريب من أورشليم
† اليد المقطوعة
هذا ويُحكى أنّه لمّا ٱندلعت حرب الصّور الكنسيّة في الأمبراطوريّة البيزنطيّة، واتخذت الدولة منها، بشخص الأمبراطور لاون الإيصوريّ (۷۱۷-۷٤۱م)، موقفًا معاديًا، باشرت حملة واسعة لتحطيمها وإزالة معالمها وإشاعة موقف لاهوتي رافض لها. وقد سعى الأمبراطور جهده لحمل الأساقفة، بالترغيب والترهيب، على الإذعان لرغبته
وكانت النّتيجة أن خفتت أكثر الأصوات المعارضة، المتمسّكة بالإيقونات. يومذاك هبّ القدّيس يوحنّا الدّمشقي – وكان، حسبما نقل مترجمه، ما يزال بعد في العالم**** - مدافعًا عن الإيقونات وإكرامها فكتب وبعث برسائل عديدة في كلّ اتجاه، حتّى قيل إنّه ٱشترك في أعمال المجمع الأورشليميّ المُنعقد لهذه الغاية، وحضّ على المجاهرة بهراطقة الأمبراطور وقطعه*****
ولما كانت سوريا وفلسطين خارج الفلك البيزنطي فقد حاول لاون الملك أن يخنق صوت الدّمشقي عن بعد وبالحيلة. لهذا استدعى أمهر الخطّاطين لديه وطلب منهم أن ينسخوا له رسالة كتبها زورًا كما من القدّيس إليه وأن يجعلوا الخط في الرّسالة مطابقًا، قدر الإمكان لخط الدّمشقيّ. مضمون الرّسالة كان الاستعانة بالأمبراطور على الخليفة. وأرفق لاون الرّسالة المزوّرة بأخرى شخصيّة عبّر فيها للخليفة عمّا أسماه "صفاء المحبّة بينهما وشرف قدر منزلته عنده". وأردف بالقول إنّه إذ يرغب في تأكيد المحبّة والصّلح بينه وبين الخليفة يرسل إليه صورة الرّسالة الّتي أنفذها إليه عامل الخليفة يوحنّا
فلمّا اطّلع الخليفة عمر بن عبد العزيز على الرّسالتين استبدّ به الغضب الشديد وأرسل في طلب يوحنّا وواجهه بهما، فدافع قديسنا عن نفسه، ولكن دون جدوى، فأمر الخليفة السّيّاف بقطع يد القدّيس اليُمنى وتعليقها في ساحة المدينة العامة
وبالحيلة استردّ يوحنّا يده المقطوعة متذرّعًا بضرورة دفنها لتهدأ آلامه الّتي لا تطاق. فأخذها ودخل بها إلى بيته عند أيقونة لوالدة الإله جاعلاً اليد المقطوعة على مفصلها، وصلّى بدموع غزيرة لتردّها له والدة الإله سالمة، وفيما هو مستغرق في صلاته غفا، وإذا بوالدة الإله تتراءى له في الحلم قائلة: "ها إنّ يدك قد عوفيت الآن، فاجتهد أن تحقّق ما وعدت به بدون تأخير^ ". فاستيقظ يوحنا من النّوم ليكتشف أن يده قد عادت بالفعل صحيحة وموضع القطع ظاهر عليها كخطٍ أحمر
يذكر أن سائحًا ^^ مرّ بدمشق في القرن السّابع عشر ونقل ما يبدو أنّه كان متداولاً في ذلك الزمان أنّ المعجزة قد تمّت بواسطة أيقونة سيدة صيدنايا العجائبيّة
إثر الأعجوبة، كما ورد في التراث، حاول الخليفة ٱستعادة يوحنّا ووعده بإكرامات جزيلة، لكنّ قديسنا كان قد زهد في الدّنيا وتشوّف إلى الحياة الملائكيّة. وقد ترك هو وأخوه بالتّبنيّ، قزما، دمشق ووجّها طرفهما ناحية دير البارّ سابا المتقدّس، بعدما وزّع أمواله على الفقراء والمحتاجين وصرّف سائر شؤونه الدّنيا.
† يوحنّا راهبًا
كان يوحنّا، في ذلك الزمان، رجلاً ذائع الصّيت، لهذا استقبله رهبان دير القدّيس سابا بفرح، لكنّهم خشوا أن يكون إقباله على الحياة الرّهبانيّة مجرّد نزوة
ولمّا كانوا عارفين بعمق ثقافته العالميّة فقد تردّدوا الواحد تلو الآخر في تحمّل مسؤولية رعايته على السّيرة النّسكيّة. أخيرًا قبله شيخ جليل متقدّم في السّنّ. فلمّا أقبل يوحنّا إليه بادره الشيخ بالقول: "يا ٱبني الرّوحي، أرغب إليك أن تُقصي عنك كلّ فكر دنيويّ وكلّ تصرّف أرضيّ. اعمل ما تراني أعمله، ولا تتباه بعلومك. إنّ العلوم الرّهبانيّة والنّسكيّة لا تقلّ أهميّة عنها، لا بل تعلوها مقامًا وفلسفة
أمت ميولك المنحرفة وتصرّف بخلاف ما يرضيك، ولا تقدِم على عمل دون موافقتي وطلب نصيحتي
لا تراسل أحدًا. إنسَ العلوم البشريّة الّتي تعلمتها كلّها ولا تتحدّث عنها مطلقًا ^^^"
فسجد له يوحنّا وطلب صلاته وبركته ليكون له الله على ما ذكر معينًا
سلك قدّيسنا في ما وعد به بكلّ غيرة وأمانة إلى أن رغب معلّمه في ٱمتحانه يومًا ليرى مقدار تمسّكه بنذر الطّاعة، فقال له: "يا ولدي الرّوحانيّ، قد بلغني أن عمل أيدينا الّذي هو الزنابيل^^^^ مطلوب بدمشق. وقد ٱجتمع عندنا منها شيء كثير
فقم ٱذهب إلى مدينتك وخذها معك لتبيعها وتحضر لنا ثمنها لاحتياجنا إليه في النّفقة
فحمّله إيّاها ورسم له ضعفي ثمنها لئلا يتيسّر له بيعها بسرعة
فلمّا خرج أرسل له الرّب راهبين آخرين منطلقين إلى دمشق فساعداه على حمل الزنابيل. ولما وصل إلى السّوق لم يصادف من يشتريها منه لغلاء ثمنها. وفيما هو جائل حائر في أمره، رآه بعض خدمه ممن كانوا له في العالم، فعرفوه ولم يعرفهم، فرقّوا له وأخذوا منه زنابيله بالثّمن الّذي طلبه. فعاد يوحنّا إلى معلّمه وقد ظفر بإكليل الغلبة على شيطان الكبر والعظمة
وحدث مرّة أن رقد بالرّب أحد الشيوخ الرّهبان وكان جارًا ليوحنّا، فحزن أخوه في الجسد عليه حزنًا شديدًا، وكان هو أيضًا راهبًا
فجاء إلى يوحنّا وسأله أن ينظم له طروباريّة تسليه عن غمّه، فاعتذر يوحنّا لأنّه لم يشأ أن يخالف الشيخ معلّمه في ما وضعه عليه. لكنّ الرّاهب أصرّ بالقول: "ثق أنّي لن أبوح بها ولن أرتلها إلا وأنا وحدي". وظلّ عليه حتّى أخرج له طروباريّة ^^^^^. وفيما كان يلحّنها، أدركه معلّمه الشيخ فقال له: "أبهذا أوصيتك؟! هل أمرتك أن تزمّر أم أن تنوح وتبكي؟! فأخبره يوحنّا بما جرى له وسأله الصّفح فامتنع قائلاً: "إنّك منذ الآن لا تصلح للسّكنى معي، فانصرف عني بسرعة". فخرج قدّيسنا من عند الشيخ حزينًا وجال على الرّهبان يتوسّط لديهم
فلمّا أتوا إلى الشيخ سألوه أن يسامحه فأبى، فقالوا له: "أما عندك قانون تؤدّبته به لتصفح عنه" فقال: "أجل، إذا ما حرّر مستخدمات [مراحض] مشايخ الرّهبان ونظّفها"، فانصرف الآباء من عنده مغمومين لأنّه لم يسبق لهم أن سمعوا بقصاص كهذا
فلمّا أتوا إلى يوحنّا، استوضحهم الأمر فأجابوه، بعد لأي، بما قاله لهم الشيخ. فقام لتوّه قائلاً: "هذا الأمر سهل فعله عندي، متيسّر عليّ
ثم أخذ قفة ومجرفة وبدأ بالقلاية الملاصقة لقلايّته. فلما بلغ الشيخ ما صنعه تلميذه بادر إليه على عجل وأمسكه بكلتا يديه وقبّل رأسه وعينيه وقال له: "ثق يا بني لقد أكملت الطّاعة وزدت عليها وليست بك حاجة بعد إلى أكثر من ذلك، فهيّا إلى قلايتك على الرّحب والسّعة
ومرّت أيام ظهرت بعدها والدة الإله القدّيسة لمعلّم يوحنّا في الحلم وقالت له: "لماذا، أيّها الشيخ، تمنع الينبوع عن أن يفيض ويجري؟! فإنّ تلميذك يوحنّا عتيد أن يجمّل كنيسة المسيح بأقواله ويزيّن أعياد الشهداء وكافة القدّيسين بترنيماته الإلهيّه فأطلقه... لأنّ الرّوح القدس المعزي يجري على لسانه
فلمّا أطلّ الصّباح قال الشيخ لتلميذه: "يا ٱبني الحبيب الرّوحانيّ، إذا ما حضرك منذ الآن قول تتكلّم به فلا مانع يمنعك لأنّ الله سبحانه يرضاه ويهواه. فافتح فمك وقل ما تلقنّك إيّاه النّعمة الإلهيّة". من ذلك اليوم صار القدّيس يضع القوانين الليتورجيّة والاستيشيرات والطروباريّات وسواها
ربيبه في عمله هذا كان أخاه بالتبنيّ قزما. ويبدو، كما يؤكّد كاتب سيرته، أنّ المحبّة الإلهيّة كانت وافرة بين الإثنين وأنّه لم يعرض لهما أن غلبهما الحسد مدة حياتهما
† يوحنّا كاهنًا وواعظًا ومعلّمًا
يستفاد من أخبار القدّيس يوحنّا أن بطريرك أورشليم ' استدعاه بعد سنوات من حياته الديريّة ثبت خلالها في الاتضاع والطاعة وسامه كاهنًا رغم تمنّعه'' . فلمّا عاد إلى الدّير زاد على نسكه نسكًا
يُذكر أن يوحنّا تلقى العلوم المقدّسة لا في دمشق بل في الدّير ولدى بطريرك أورشليم أيضًا. هو نفسه ذكر أن معلّميه كانوا من رعاة الكنيسة
مذ ذاك أصبح يوحنّا واعظ المدينة المقدّسة، يقيم في ديره ثم يخرج إلى القدس وهي قريبة''' ، ليتمّم خدمته في كنيسة القيامة. وقد بقي لنا من مواعظه تسع'''' امتاز فيها بالبلاغة والإبداع وقوّة المنطق واقتدار الحجّة وغنى العقيدة
وإلى جانب الكهانة والوعظ اهتمّ قديسنا بالتدريس. وثمة ما يشير، في تآليفه العقائديّة والجدلية، إلى أنّ بعضها على الأقلّ دروس شفهيّة التقطها الكتّاب ودوّنوها
† اسهامه الكنسيّ
هناك أربعة مجالات كنسية أساسيّة كانت للقدّيس يوحنّا الدّمشقي فيها إسهامات جليلة جزيلة القيمة
الأوّل عقائديّ للقدّيس فيه بضع مؤلفات أهمّها كتاب "ينبوع المعرفة" الّذي يشتمل على ثلاثة أبواب، أحدها فصول فلسفية هي بمثابة توطئة للعرض اللاهوتيّ وتحديدات لبعض الفلاسفة الأقدمين وآباء الكنيسة. يلي ذلك باب الهرطقات الّذي هو عبارة عن توطئة لاهوتيّة تاريخيّة يتناول فيها مئة وثلاثة تعاليم دينية زائفة وٱنتشارها. وأخيرًا بيان الإيمان الأرثوذكسيّ الّذي قسمه إلى مئة فصل أو مقال
الثّاني جدلي دفاعيّ هنا كتب قدّيسنا ضد هرطقات زمانه كلّها: "النّسطوريّة والطبيعة الواحدة والمشيئة الواحدة والمانوية وبدعة محطمي الإيقونات. كما وضع الخطوط العريضة لطريقة الجدل مع المسلمين وترك نبذة ضد الخرافات الشعبيّة''''' ". أهمّ هذه الكتابات مباحثه الثّلاثة الدّفاعيّة ضدّ الّذين يرذلون الإيقونات المقدّسة
الثّالث ليتورجيّ هنا يُعزى إليه'''''' إرساء أسس كتاب المعزّي وتأليف العديد من السّتيشيرات والبروصوميّات والإذيوميلات والكاثسماتات والطروباريّات والقناديق والقوانين الكنسيّة بالإضافة إلى دور أكيد في تحرير تيبيكون دير القدّيس سابا
الرّابع موسيقيّ فيه نظّم ووضع قسمًا كبيرًا من موسيقى كتاب المعزّي ولحّن العديد من القوانين والطروباريّات وساهم في وضع نظام العلامات الموسيقيّة
† لاهوت الإيقونة عنده
ولا بدّ من كلمة بشأن دفاع القدّيس يوحنّا عن الإيقونات لاهوتًا. فالحقّ أنّ قدّيسنا هو الّذي وضع الأسس اللاهوتيّة للدّفاع عن إكرام الإيقونات، وهو ما تبنّته الكنيسة وبنت عليه عبر العصور. يستند لاهوت الإيقونة عنده إلى ثلاث قواعد أساسيّة
- لا نقدر أن نمثّل الله حسيًّا لأنّه روح محض لكنّنا نقدر أن نمثّل الرّب يسوع المسيح ووالدة الإله والقدّيسين وحتّى الملائكة الّذين ظهروا على الأرض بأجساد. فالكتاب المقدّس لا يمنع تكريم الصّور بل عبادة الأوثان
- إنّ الإكرام الّذي نقدّمه للإيقونات إنّما نقدّمه لأصحابها المرسومين عليها، لا إلى الخشب والألوان، وهو يرجع في كلّ حال إلى الله الّذي هو مصدر كلّ خير في القدّيسين. ونؤكّد كلمة "إكرام" لأنّنا نميّز بين الإكرام والعبادة الّتي لا تليق إلا بالله وحده
- ثم إنّ لإكرام الإيقونات منافع جزيلة. فالصّور ظاهرة إنسانيّة نذكر من خلالها نعم الله علينا، وهي بمنزلة كتاب للعامّة تمدّ إليهم أسرار الله وإحساناته وحضوره، وتحرّض على اقتفاء سير القدّيسين
† رقاده
أمضى القدّيس يوحنّا ثلاثين سنة من عمره في الدّير
ولعلّه لم يعد إلى دمشق خلال ذلك إلا مرّة واحدة
كان رقاده بسلام ^^^^^^ في الرّب، في شيخوخة مخصبة بالصّالحات، أغلب الظنّ، بين العامين ۷٤٩ و ۷٥٠ للميلاد
جمع في نفسه، على نحو متناغم، قداسة الرّاهب وعمق اللاهوتيّ وغيرة الرّسول وإلهام المنشد وموهبة الموسيقى، فاستحقّ إكرام الكنيسة له جيلاً بعد جيل، أبًا ومعلّمًا
بقيت رفاته في الدّير إلى القرن الثاني عشر حين جرى نقلها إلى القسطنطينية حيث أودعت كنيسة جميع القدّيسين القدّيمة بحانب القدّيسين يوحنّا الذهبي الفم وغريغوريوس اللاهوتي. يذكر أن اللاتين نهبوا هذه الكنيسة عندما دخلوا القسطنطينية سنة ۱۲٠٤. كما هدّمها الأتراك سنة ۱٤٦٣.
وقد أعلن المجمع المقدّس السّابع (۷۸۷م) قداسة يوحنّا واعتبره "بطل الحقيقة
تُعيّد له الكنيسة المارونيّة معنا اليوم وكذلك الكنائس السّريانيّة والأرمنيّة، فيما تُعيّد له الكنيسة اللاتينيّة في ۲۷ آذار و٦ أيّار. أمّا الكنيسة الرّوسيّة فتُضيف إلى اليوم ذكرى اليد المقطوعة في ۲۸ حزيران و۱۲ تموز، كما تُكرم أيقونة البتول ذات الأيدي الثّلاث الّتي ٱرتبطت تراثيًا بشفاء القدّيس يوحنّا
-------------------------------------------------------------------------------------------
حواشي
* انظر لهذا الأمر وسواه عن القدّيس يوحنّا كتاب "منصور بن سرجون" للأكسرخوس جوزف نصرالله طبعة ۱٩٩۱ بالعربيّة (منشورات المكتبة البولسيّة
** وفق بعض الدّراسات
*** صار، فيما بعد، أسقفًا على مايومة القريبة من غزة فلسطين، وتُعيّد له الكنيسة في ۱٤ تشرين الأوّل
**** مصار أخرى تذكر أنّه كان راهبًا في دير القدّيس سابا، وهذا، فيما يبدو، هو الرّأي الأصوب
***** أنظر أسد رستم "كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى" الجزء الثّاني ص ۷٣
^ كان يوحنّا قد وعد بأن يكرّس يمناه من الآن فصاعدًا لكتابة الأناشيد والتسابيح للرّب يسوع المسيح ووالدته
^^ أورد ذكره الأكسرخوس يوسف نصر الله، واسم السّائح الأب برنردان سويروس وكتابه "السّائح التّقي أو رحلة القدس
^^^ أورد هذه القولة مترجمه بالعربية، الرّاهب ميخايل السّمعاني الأنطاكي
^^^^ الزنبيل أو الزّبّيل هو القفّة أو الجراب أو الوعاء وكان من صناعة الرّهبان، من القشّ أو القصب
^^^^^ ما زلنا نرتّل هذه الطروبارية إلى يومنا هذا: "بالحقيقة باطل هو كلّ ما في العالم. والعيشة ظلّ ومنام فباطلاً يضطرب كلّ ترابيّ كما قال الكتاب. لأنّنا إذا ربحنا العالم فحينئذ نسكن القبر حيث الملوك والفقراء معًا. فلذلك أيّها المسيح أرح عبدك المنتقل بما أنّك محبّ للبشر" (خدمة صلاة جنّاز العلمانيّين – كاثسما باللحن السّادس)
' لعلّه يوحنّا الرّابع أو الخامس (۷۰٦-۷٣٥م
'' كان القدّيس سابا، منشئ الدّير، يمنع رهبانه من الكهنوت إلا في حالات خاصّة متى تثبّت من كمال سيرة المزمع سيامته، والفكرة كانت أنّ الكهنوت "يلعب برؤوس الرّهبان". من هنا تمنّع الكثيرون شعورًا منهم بالنّقص واتقاء للتجربة
''' الدّير على بعد حوالي ستة كيلومترات من أورشليم
'''' بينها واحدة عن ميلاد والدة الإله وثلاث عن رقادها وواحدة عن القدّيسة بربارة الشهيدة
''''' انظر كتاب الأكسرخوس يوسف نصر الله "منصور بن سرجون" ص ۱۷٥
'''''' وربما إلى أخيه بالتبنيّ قزما بنفس المقدار
^^^^^^ مع أنّ بعض المصادر القديمة تقول إنّه قضى شهيدًا بيد محاربي الإيقونات
****** البعض يقول إنّه رقد حوالي العام ۷۸٠م بعدما بلغ مئة سنة وأربع
-------------------------------------------------------------------------------------------
المرجع:
الأرشمندريت توما (بيطار) (1997)، لبنان ، سير القدّيسين وسائر الأعياد في الكنيسة الأرثوذكسية (السنكسار) –
الجزء الثّاني، عائلة الثالوث القدوس – دير القديس يوحنا المعمدان – دوما
† † †
طروبارية للقديس يوحنا الدمشقي باللحن الثامن
ظهرتَ أيها اللاهج بالله يوحنا، مرشداً إلى الإيمان المستقيم، ومعلّماً لحسن العبادة والنقاوة، يا كوكبَ المسكونة، وجمال رؤساء الكهنة الحكيم، وبتعاليمكَ أنرتَ الكل، يا معزفة الروح، فتشفعْ إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا.
طروبارية للقديس يوحنا الدمشقي باللحن الثامن
هلموا نمتدح البلبلّ الغرّيد، الشجي النغم، الذي أطرب كنيسةَ المسيح وأبهجها بأناشيده الحسنةِ الإيقاع الطلية أعني به يوحنا الدمشقي الكلي الحكمة، زعيم ناظمي التسابيح الذي كان مملوءاً حكمةً إلهية وعالمية.
قنداق للقديس يوحنا الدمشقي باللحن الرابع
لنسبّح أيها المؤمنون كاتب التسابيح معلّم الكنيسة ومصباحها، يوحنا الموقَّر، المقاوم الأعداءَ، لأنهُ حمل سلاح صليب الرب، فصادم بهِ ضلالة المبتدعين كلها، وبما أنه شفيعٌ حارّ عند الله، فهو يمنح الكل غفران الزلاَّت
قنداق للقديس يوحنا الدمشقي باللحن الثاني
لقد روضتَ جسدكَ وذللته بالكد في أتعابِ النسك الكثيرة أيها الأب البار فحلّقتَ مرتقياً إلى العلو السماوي وفيه أعطيتَ الألحانَ الإلهية فرنمتَ بها علانية لأحباءِ الرب
تعيد له الكنيسة المقدسة في 4 كانون الأول
خدمتنا الليتورجيّة، في هذا اليوم المبارك، تكرمه راهبًا ٱفتقر كمعلّمه، وهو رجل الغنى والمجد العالميَّين، وانصرف عن الدّنيا تاركًا اضطراب هذه الحياة وشواشها وجادًا في طلب سكون المسيح. أخضع جسده بأعراق النّسك الكثيرة وطهّر مشاعره بمخافة الله فأضحى مواطن الصّحراء وقاهر الشّرّير وارتقى إلى المعالي السّماويّة مستغنيًا بالعمل والثّاوريا (المعاينة الإلهيّة). وقد جارى بأناشيده الأجواق السّماويّة، ووضع نظام أنغام الموسيقى، فاستحقّ ٱسم داود، صاحب المزامير.
كما نقض البدع ودافع عن الإيمان وسلّم الكنيسة المعتقد القويم، وبسط التعليم الصّحيح بشأن الإيقونات المقدّسة فٱستحقّ كلاهوتيّ، أن يُدعى رسولاً حبيبًا. ولقوّة مؤلّفاته فاق كلّ الحكماء الّذين سبقوه. وهو كموسى ولج غيمة الرّوح القدس وٱخترق الأسرار الإلهيّة ومدّها لنا بلغة متناغمة. لذا أضحى مستحق التّعجّب لأنّنا به عرفنا أن نمجّد الإله الكليّ الصّلاح
أعرق الشهادات بشأن القدّيس البارّ يوحنّا الدّمشقيّ تُفيد أنّ أوّل جامع لسيرته هو الرّاهب الكاهن ميخائيل السّمعانيّ الأنطاكي. وقد أخرجها بالعربيّة سنة ۱٠۸٥ م. فيما تُنسب النّسخة اليونانيّة إلى بطريرك ٱسمه يوحنّا، لعلّه السّابع الأنطاكي (۱٠۸۸- ۱۱٠٦م
† أصله
لا نعرف بالتأكيد أصل عائلة القدّيس يوحنّا. بعض المصارد يقول إنّه بيزنطي وبعضها سريانيّ فيما تبرز أهمّ الدّراسات أنّه عربيّ ٱبن عربيّ. دعي في الأساس منصور بن سرجون. ولعلّه أصلاً من بني تغلب
استوطنت عائلته دمشق قبل القرن السّادس للميلاد وكانت على رفعة في المقام والمنصب. شغل جدّه منصور مركز مدير الماليّة العام وتبوّأ حاكميّة دمشق في زمن الأمبراطور البيزنطيّ موريس (موريق) (٥٨۲-٦٠۲م) وحتّى هرقل (٦۱٠-٦٤۱م
ويبدو أنّه هو الّذي فاوض العرب على تسليم دمشق بعدما هجرت الحاكمية البيزنطيّة مواقعها وتركت الدمشقيّين لمصيرهم* . أما والده سرجون فولّاه معاوية بن أبي سفيان ديوان الماليّة، في سورية أوّلاً ثم في سائر أرجاء الدولة الأمويّة. وقد استمرّ في وظيفته إلى خلافة عبد الملك بن مروان (٦۸٥-۷۰٥م)، أي ما يزيد على الثّلاثين عامًا كان خلالها زعيم المسيحيّين في دمشق
إلى ذلك يبدو أنّ ٱثنين من عائلة منصور شغلا الكرسيّ الأورشليميّ في القرن التاسع للميلاد بشهادة سعيد بن البطريق (۸۷۷-٩٤۱م
† نشأته وأيام صباه
كان مولد يوحنّا في مدينة دمشق ما بين العامَين ٦٥٥ و٦٦٠ للميلاد** . دُعي منذ القرن التاسع "دفّاق الذهب" أو "مجرى الذهب" – وهو ٱسم نهر بردى في الأساس – بسبب النّعمة المتألّقة في كلامه وحياته. تتلمذ هو وأخ له بالتبني، ٱسمه قزما*** ، أيضًا، فكَّ سرجون، والد يوحنّا، أسره من قراصنة أتوا له إلى دمشق
ملك يوحنّا الفلسفة اليونانيّة فطوّعها، فيما بعد، لإيضاح الإيمان الأرثوذكسي. عاش، أوّل أمره، عيشة الدّمشقيّين الأثرياء السّهلة وكان من رواد البلاط الأمويّ بالنّظر إلى مكانة والده عند الخلفاء. ربطته بيزيد بن معاوية صداقة حميمة وكان يتحسّس الشعر ويتذوقه وتهتز مشاعره لدى احتكاكه بشعراء الصّحراء. ويرى عدد من الدّارسين أنّ بعض تآليفه تأثّرت بهذا الاحتكاك، لا سيّما أناشيده وقوانينه. كما اكتسب من رفقته بيزيد معرفة القرآن والديانة الإسلامية
هذا ويظهر أنّ يوحنّا شغل منصبًا إداريًا رفيعًا في زمن الأمويّين، وإنْ كنّا لا نعرف تمامًا ما هو. قد يكون أمينًا للأسرار أو مستشارًا أوّلاً. وقد أقام على هذا النّحو زمانًا إلى أن نفخت رياح التغيير فأخذ الحكّام يضيّقون على النّصارى. ولما اصدر الخليفة عمر الثّاني (۷۱۷-۷۲٠م) قانونًا حظّر فيه على المسيحيّين أن يتسلّموا وظائف رفيعة في الدولة ما لم يُسلموا، تمسّك يوحنّا بإيمانه وتخلّى عن مكانته. ولعلّ هذا هو السّبب الأوّل في زهده في الدنيا وانصرافه عنها إلى الحياة الرّهبانيّة في دير القدّيس سابا القريب من أورشليم
† اليد المقطوعة
هذا ويُحكى أنّه لمّا ٱندلعت حرب الصّور الكنسيّة في الأمبراطوريّة البيزنطيّة، واتخذت الدولة منها، بشخص الأمبراطور لاون الإيصوريّ (۷۱۷-۷٤۱م)، موقفًا معاديًا، باشرت حملة واسعة لتحطيمها وإزالة معالمها وإشاعة موقف لاهوتي رافض لها. وقد سعى الأمبراطور جهده لحمل الأساقفة، بالترغيب والترهيب، على الإذعان لرغبته
وكانت النّتيجة أن خفتت أكثر الأصوات المعارضة، المتمسّكة بالإيقونات. يومذاك هبّ القدّيس يوحنّا الدّمشقي – وكان، حسبما نقل مترجمه، ما يزال بعد في العالم**** - مدافعًا عن الإيقونات وإكرامها فكتب وبعث برسائل عديدة في كلّ اتجاه، حتّى قيل إنّه ٱشترك في أعمال المجمع الأورشليميّ المُنعقد لهذه الغاية، وحضّ على المجاهرة بهراطقة الأمبراطور وقطعه*****
ولما كانت سوريا وفلسطين خارج الفلك البيزنطي فقد حاول لاون الملك أن يخنق صوت الدّمشقي عن بعد وبالحيلة. لهذا استدعى أمهر الخطّاطين لديه وطلب منهم أن ينسخوا له رسالة كتبها زورًا كما من القدّيس إليه وأن يجعلوا الخط في الرّسالة مطابقًا، قدر الإمكان لخط الدّمشقيّ. مضمون الرّسالة كان الاستعانة بالأمبراطور على الخليفة. وأرفق لاون الرّسالة المزوّرة بأخرى شخصيّة عبّر فيها للخليفة عمّا أسماه "صفاء المحبّة بينهما وشرف قدر منزلته عنده". وأردف بالقول إنّه إذ يرغب في تأكيد المحبّة والصّلح بينه وبين الخليفة يرسل إليه صورة الرّسالة الّتي أنفذها إليه عامل الخليفة يوحنّا
فلمّا اطّلع الخليفة عمر بن عبد العزيز على الرّسالتين استبدّ به الغضب الشديد وأرسل في طلب يوحنّا وواجهه بهما، فدافع قديسنا عن نفسه، ولكن دون جدوى، فأمر الخليفة السّيّاف بقطع يد القدّيس اليُمنى وتعليقها في ساحة المدينة العامة
وبالحيلة استردّ يوحنّا يده المقطوعة متذرّعًا بضرورة دفنها لتهدأ آلامه الّتي لا تطاق. فأخذها ودخل بها إلى بيته عند أيقونة لوالدة الإله جاعلاً اليد المقطوعة على مفصلها، وصلّى بدموع غزيرة لتردّها له والدة الإله سالمة، وفيما هو مستغرق في صلاته غفا، وإذا بوالدة الإله تتراءى له في الحلم قائلة: "ها إنّ يدك قد عوفيت الآن، فاجتهد أن تحقّق ما وعدت به بدون تأخير^ ". فاستيقظ يوحنا من النّوم ليكتشف أن يده قد عادت بالفعل صحيحة وموضع القطع ظاهر عليها كخطٍ أحمر
يذكر أن سائحًا ^^ مرّ بدمشق في القرن السّابع عشر ونقل ما يبدو أنّه كان متداولاً في ذلك الزمان أنّ المعجزة قد تمّت بواسطة أيقونة سيدة صيدنايا العجائبيّة
إثر الأعجوبة، كما ورد في التراث، حاول الخليفة ٱستعادة يوحنّا ووعده بإكرامات جزيلة، لكنّ قديسنا كان قد زهد في الدّنيا وتشوّف إلى الحياة الملائكيّة. وقد ترك هو وأخوه بالتّبنيّ، قزما، دمشق ووجّها طرفهما ناحية دير البارّ سابا المتقدّس، بعدما وزّع أمواله على الفقراء والمحتاجين وصرّف سائر شؤونه الدّنيا.
† يوحنّا راهبًا
كان يوحنّا، في ذلك الزمان، رجلاً ذائع الصّيت، لهذا استقبله رهبان دير القدّيس سابا بفرح، لكنّهم خشوا أن يكون إقباله على الحياة الرّهبانيّة مجرّد نزوة
ولمّا كانوا عارفين بعمق ثقافته العالميّة فقد تردّدوا الواحد تلو الآخر في تحمّل مسؤولية رعايته على السّيرة النّسكيّة. أخيرًا قبله شيخ جليل متقدّم في السّنّ. فلمّا أقبل يوحنّا إليه بادره الشيخ بالقول: "يا ٱبني الرّوحي، أرغب إليك أن تُقصي عنك كلّ فكر دنيويّ وكلّ تصرّف أرضيّ. اعمل ما تراني أعمله، ولا تتباه بعلومك. إنّ العلوم الرّهبانيّة والنّسكيّة لا تقلّ أهميّة عنها، لا بل تعلوها مقامًا وفلسفة
أمت ميولك المنحرفة وتصرّف بخلاف ما يرضيك، ولا تقدِم على عمل دون موافقتي وطلب نصيحتي
لا تراسل أحدًا. إنسَ العلوم البشريّة الّتي تعلمتها كلّها ولا تتحدّث عنها مطلقًا ^^^"
فسجد له يوحنّا وطلب صلاته وبركته ليكون له الله على ما ذكر معينًا
سلك قدّيسنا في ما وعد به بكلّ غيرة وأمانة إلى أن رغب معلّمه في ٱمتحانه يومًا ليرى مقدار تمسّكه بنذر الطّاعة، فقال له: "يا ولدي الرّوحانيّ، قد بلغني أن عمل أيدينا الّذي هو الزنابيل^^^^ مطلوب بدمشق. وقد ٱجتمع عندنا منها شيء كثير
فقم ٱذهب إلى مدينتك وخذها معك لتبيعها وتحضر لنا ثمنها لاحتياجنا إليه في النّفقة
فحمّله إيّاها ورسم له ضعفي ثمنها لئلا يتيسّر له بيعها بسرعة
فلمّا خرج أرسل له الرّب راهبين آخرين منطلقين إلى دمشق فساعداه على حمل الزنابيل. ولما وصل إلى السّوق لم يصادف من يشتريها منه لغلاء ثمنها. وفيما هو جائل حائر في أمره، رآه بعض خدمه ممن كانوا له في العالم، فعرفوه ولم يعرفهم، فرقّوا له وأخذوا منه زنابيله بالثّمن الّذي طلبه. فعاد يوحنّا إلى معلّمه وقد ظفر بإكليل الغلبة على شيطان الكبر والعظمة
وحدث مرّة أن رقد بالرّب أحد الشيوخ الرّهبان وكان جارًا ليوحنّا، فحزن أخوه في الجسد عليه حزنًا شديدًا، وكان هو أيضًا راهبًا
فجاء إلى يوحنّا وسأله أن ينظم له طروباريّة تسليه عن غمّه، فاعتذر يوحنّا لأنّه لم يشأ أن يخالف الشيخ معلّمه في ما وضعه عليه. لكنّ الرّاهب أصرّ بالقول: "ثق أنّي لن أبوح بها ولن أرتلها إلا وأنا وحدي". وظلّ عليه حتّى أخرج له طروباريّة ^^^^^. وفيما كان يلحّنها، أدركه معلّمه الشيخ فقال له: "أبهذا أوصيتك؟! هل أمرتك أن تزمّر أم أن تنوح وتبكي؟! فأخبره يوحنّا بما جرى له وسأله الصّفح فامتنع قائلاً: "إنّك منذ الآن لا تصلح للسّكنى معي، فانصرف عني بسرعة". فخرج قدّيسنا من عند الشيخ حزينًا وجال على الرّهبان يتوسّط لديهم
فلمّا أتوا إلى الشيخ سألوه أن يسامحه فأبى، فقالوا له: "أما عندك قانون تؤدّبته به لتصفح عنه" فقال: "أجل، إذا ما حرّر مستخدمات [مراحض] مشايخ الرّهبان ونظّفها"، فانصرف الآباء من عنده مغمومين لأنّه لم يسبق لهم أن سمعوا بقصاص كهذا
فلمّا أتوا إلى يوحنّا، استوضحهم الأمر فأجابوه، بعد لأي، بما قاله لهم الشيخ. فقام لتوّه قائلاً: "هذا الأمر سهل فعله عندي، متيسّر عليّ
ثم أخذ قفة ومجرفة وبدأ بالقلاية الملاصقة لقلايّته. فلما بلغ الشيخ ما صنعه تلميذه بادر إليه على عجل وأمسكه بكلتا يديه وقبّل رأسه وعينيه وقال له: "ثق يا بني لقد أكملت الطّاعة وزدت عليها وليست بك حاجة بعد إلى أكثر من ذلك، فهيّا إلى قلايتك على الرّحب والسّعة
ومرّت أيام ظهرت بعدها والدة الإله القدّيسة لمعلّم يوحنّا في الحلم وقالت له: "لماذا، أيّها الشيخ، تمنع الينبوع عن أن يفيض ويجري؟! فإنّ تلميذك يوحنّا عتيد أن يجمّل كنيسة المسيح بأقواله ويزيّن أعياد الشهداء وكافة القدّيسين بترنيماته الإلهيّه فأطلقه... لأنّ الرّوح القدس المعزي يجري على لسانه
فلمّا أطلّ الصّباح قال الشيخ لتلميذه: "يا ٱبني الحبيب الرّوحانيّ، إذا ما حضرك منذ الآن قول تتكلّم به فلا مانع يمنعك لأنّ الله سبحانه يرضاه ويهواه. فافتح فمك وقل ما تلقنّك إيّاه النّعمة الإلهيّة". من ذلك اليوم صار القدّيس يضع القوانين الليتورجيّة والاستيشيرات والطروباريّات وسواها
ربيبه في عمله هذا كان أخاه بالتبنيّ قزما. ويبدو، كما يؤكّد كاتب سيرته، أنّ المحبّة الإلهيّة كانت وافرة بين الإثنين وأنّه لم يعرض لهما أن غلبهما الحسد مدة حياتهما
† يوحنّا كاهنًا وواعظًا ومعلّمًا
يستفاد من أخبار القدّيس يوحنّا أن بطريرك أورشليم ' استدعاه بعد سنوات من حياته الديريّة ثبت خلالها في الاتضاع والطاعة وسامه كاهنًا رغم تمنّعه'' . فلمّا عاد إلى الدّير زاد على نسكه نسكًا
يُذكر أن يوحنّا تلقى العلوم المقدّسة لا في دمشق بل في الدّير ولدى بطريرك أورشليم أيضًا. هو نفسه ذكر أن معلّميه كانوا من رعاة الكنيسة
مذ ذاك أصبح يوحنّا واعظ المدينة المقدّسة، يقيم في ديره ثم يخرج إلى القدس وهي قريبة''' ، ليتمّم خدمته في كنيسة القيامة. وقد بقي لنا من مواعظه تسع'''' امتاز فيها بالبلاغة والإبداع وقوّة المنطق واقتدار الحجّة وغنى العقيدة
وإلى جانب الكهانة والوعظ اهتمّ قديسنا بالتدريس. وثمة ما يشير، في تآليفه العقائديّة والجدلية، إلى أنّ بعضها على الأقلّ دروس شفهيّة التقطها الكتّاب ودوّنوها
† اسهامه الكنسيّ
هناك أربعة مجالات كنسية أساسيّة كانت للقدّيس يوحنّا الدّمشقي فيها إسهامات جليلة جزيلة القيمة
الأوّل عقائديّ للقدّيس فيه بضع مؤلفات أهمّها كتاب "ينبوع المعرفة" الّذي يشتمل على ثلاثة أبواب، أحدها فصول فلسفية هي بمثابة توطئة للعرض اللاهوتيّ وتحديدات لبعض الفلاسفة الأقدمين وآباء الكنيسة. يلي ذلك باب الهرطقات الّذي هو عبارة عن توطئة لاهوتيّة تاريخيّة يتناول فيها مئة وثلاثة تعاليم دينية زائفة وٱنتشارها. وأخيرًا بيان الإيمان الأرثوذكسيّ الّذي قسمه إلى مئة فصل أو مقال
الثّاني جدلي دفاعيّ هنا كتب قدّيسنا ضد هرطقات زمانه كلّها: "النّسطوريّة والطبيعة الواحدة والمشيئة الواحدة والمانوية وبدعة محطمي الإيقونات. كما وضع الخطوط العريضة لطريقة الجدل مع المسلمين وترك نبذة ضد الخرافات الشعبيّة''''' ". أهمّ هذه الكتابات مباحثه الثّلاثة الدّفاعيّة ضدّ الّذين يرذلون الإيقونات المقدّسة
الثّالث ليتورجيّ هنا يُعزى إليه'''''' إرساء أسس كتاب المعزّي وتأليف العديد من السّتيشيرات والبروصوميّات والإذيوميلات والكاثسماتات والطروباريّات والقناديق والقوانين الكنسيّة بالإضافة إلى دور أكيد في تحرير تيبيكون دير القدّيس سابا
الرّابع موسيقيّ فيه نظّم ووضع قسمًا كبيرًا من موسيقى كتاب المعزّي ولحّن العديد من القوانين والطروباريّات وساهم في وضع نظام العلامات الموسيقيّة
† لاهوت الإيقونة عنده
ولا بدّ من كلمة بشأن دفاع القدّيس يوحنّا عن الإيقونات لاهوتًا. فالحقّ أنّ قدّيسنا هو الّذي وضع الأسس اللاهوتيّة للدّفاع عن إكرام الإيقونات، وهو ما تبنّته الكنيسة وبنت عليه عبر العصور. يستند لاهوت الإيقونة عنده إلى ثلاث قواعد أساسيّة
- لا نقدر أن نمثّل الله حسيًّا لأنّه روح محض لكنّنا نقدر أن نمثّل الرّب يسوع المسيح ووالدة الإله والقدّيسين وحتّى الملائكة الّذين ظهروا على الأرض بأجساد. فالكتاب المقدّس لا يمنع تكريم الصّور بل عبادة الأوثان
- إنّ الإكرام الّذي نقدّمه للإيقونات إنّما نقدّمه لأصحابها المرسومين عليها، لا إلى الخشب والألوان، وهو يرجع في كلّ حال إلى الله الّذي هو مصدر كلّ خير في القدّيسين. ونؤكّد كلمة "إكرام" لأنّنا نميّز بين الإكرام والعبادة الّتي لا تليق إلا بالله وحده
- ثم إنّ لإكرام الإيقونات منافع جزيلة. فالصّور ظاهرة إنسانيّة نذكر من خلالها نعم الله علينا، وهي بمنزلة كتاب للعامّة تمدّ إليهم أسرار الله وإحساناته وحضوره، وتحرّض على اقتفاء سير القدّيسين
† رقاده
أمضى القدّيس يوحنّا ثلاثين سنة من عمره في الدّير
ولعلّه لم يعد إلى دمشق خلال ذلك إلا مرّة واحدة
كان رقاده بسلام ^^^^^^ في الرّب، في شيخوخة مخصبة بالصّالحات، أغلب الظنّ، بين العامين ۷٤٩ و ۷٥٠ للميلاد
جمع في نفسه، على نحو متناغم، قداسة الرّاهب وعمق اللاهوتيّ وغيرة الرّسول وإلهام المنشد وموهبة الموسيقى، فاستحقّ إكرام الكنيسة له جيلاً بعد جيل، أبًا ومعلّمًا
بقيت رفاته في الدّير إلى القرن الثاني عشر حين جرى نقلها إلى القسطنطينية حيث أودعت كنيسة جميع القدّيسين القدّيمة بحانب القدّيسين يوحنّا الذهبي الفم وغريغوريوس اللاهوتي. يذكر أن اللاتين نهبوا هذه الكنيسة عندما دخلوا القسطنطينية سنة ۱۲٠٤. كما هدّمها الأتراك سنة ۱٤٦٣.
وقد أعلن المجمع المقدّس السّابع (۷۸۷م) قداسة يوحنّا واعتبره "بطل الحقيقة
تُعيّد له الكنيسة المارونيّة معنا اليوم وكذلك الكنائس السّريانيّة والأرمنيّة، فيما تُعيّد له الكنيسة اللاتينيّة في ۲۷ آذار و٦ أيّار. أمّا الكنيسة الرّوسيّة فتُضيف إلى اليوم ذكرى اليد المقطوعة في ۲۸ حزيران و۱۲ تموز، كما تُكرم أيقونة البتول ذات الأيدي الثّلاث الّتي ٱرتبطت تراثيًا بشفاء القدّيس يوحنّا
-------------------------------------------------------------------------------------------
حواشي
* انظر لهذا الأمر وسواه عن القدّيس يوحنّا كتاب "منصور بن سرجون" للأكسرخوس جوزف نصرالله طبعة ۱٩٩۱ بالعربيّة (منشورات المكتبة البولسيّة
** وفق بعض الدّراسات
*** صار، فيما بعد، أسقفًا على مايومة القريبة من غزة فلسطين، وتُعيّد له الكنيسة في ۱٤ تشرين الأوّل
**** مصار أخرى تذكر أنّه كان راهبًا في دير القدّيس سابا، وهذا، فيما يبدو، هو الرّأي الأصوب
***** أنظر أسد رستم "كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى" الجزء الثّاني ص ۷٣
^ كان يوحنّا قد وعد بأن يكرّس يمناه من الآن فصاعدًا لكتابة الأناشيد والتسابيح للرّب يسوع المسيح ووالدته
^^ أورد ذكره الأكسرخوس يوسف نصر الله، واسم السّائح الأب برنردان سويروس وكتابه "السّائح التّقي أو رحلة القدس
^^^ أورد هذه القولة مترجمه بالعربية، الرّاهب ميخايل السّمعاني الأنطاكي
^^^^ الزنبيل أو الزّبّيل هو القفّة أو الجراب أو الوعاء وكان من صناعة الرّهبان، من القشّ أو القصب
^^^^^ ما زلنا نرتّل هذه الطروبارية إلى يومنا هذا: "بالحقيقة باطل هو كلّ ما في العالم. والعيشة ظلّ ومنام فباطلاً يضطرب كلّ ترابيّ كما قال الكتاب. لأنّنا إذا ربحنا العالم فحينئذ نسكن القبر حيث الملوك والفقراء معًا. فلذلك أيّها المسيح أرح عبدك المنتقل بما أنّك محبّ للبشر" (خدمة صلاة جنّاز العلمانيّين – كاثسما باللحن السّادس)
' لعلّه يوحنّا الرّابع أو الخامس (۷۰٦-۷٣٥م
'' كان القدّيس سابا، منشئ الدّير، يمنع رهبانه من الكهنوت إلا في حالات خاصّة متى تثبّت من كمال سيرة المزمع سيامته، والفكرة كانت أنّ الكهنوت "يلعب برؤوس الرّهبان". من هنا تمنّع الكثيرون شعورًا منهم بالنّقص واتقاء للتجربة
''' الدّير على بعد حوالي ستة كيلومترات من أورشليم
'''' بينها واحدة عن ميلاد والدة الإله وثلاث عن رقادها وواحدة عن القدّيسة بربارة الشهيدة
''''' انظر كتاب الأكسرخوس يوسف نصر الله "منصور بن سرجون" ص ۱۷٥
'''''' وربما إلى أخيه بالتبنيّ قزما بنفس المقدار
^^^^^^ مع أنّ بعض المصادر القديمة تقول إنّه قضى شهيدًا بيد محاربي الإيقونات
****** البعض يقول إنّه رقد حوالي العام ۷۸٠م بعدما بلغ مئة سنة وأربع
-------------------------------------------------------------------------------------------
المرجع:
الأرشمندريت توما (بيطار) (1997)، لبنان ، سير القدّيسين وسائر الأعياد في الكنيسة الأرثوذكسية (السنكسار) –
الجزء الثّاني، عائلة الثالوث القدوس – دير القديس يوحنا المعمدان – دوما
† † †
طروبارية للقديس يوحنا الدمشقي باللحن الثامن
ظهرتَ أيها اللاهج بالله يوحنا، مرشداً إلى الإيمان المستقيم، ومعلّماً لحسن العبادة والنقاوة، يا كوكبَ المسكونة، وجمال رؤساء الكهنة الحكيم، وبتعاليمكَ أنرتَ الكل، يا معزفة الروح، فتشفعْ إلى المسيح الإله أن يخلص نفوسنا.
طروبارية للقديس يوحنا الدمشقي باللحن الثامن
هلموا نمتدح البلبلّ الغرّيد، الشجي النغم، الذي أطرب كنيسةَ المسيح وأبهجها بأناشيده الحسنةِ الإيقاع الطلية أعني به يوحنا الدمشقي الكلي الحكمة، زعيم ناظمي التسابيح الذي كان مملوءاً حكمةً إلهية وعالمية.
قنداق للقديس يوحنا الدمشقي باللحن الرابع
لنسبّح أيها المؤمنون كاتب التسابيح معلّم الكنيسة ومصباحها، يوحنا الموقَّر، المقاوم الأعداءَ، لأنهُ حمل سلاح صليب الرب، فصادم بهِ ضلالة المبتدعين كلها، وبما أنه شفيعٌ حارّ عند الله، فهو يمنح الكل غفران الزلاَّت
قنداق للقديس يوحنا الدمشقي باللحن الثاني
لقد روضتَ جسدكَ وذللته بالكد في أتعابِ النسك الكثيرة أيها الأب البار فحلّقتَ مرتقياً إلى العلو السماوي وفيه أعطيتَ الألحانَ الإلهية فرنمتَ بها علانية لأحباءِ الرب
القدّيسة العظيمة في الشهيدات كاترينا عروس المسيح
11-25"أيها المحبّو الشهداء، لنبادر معاً بابتهاج إلى احتفال عيد كاترينا الشهيدة التي فقّهها الله، ولنكلّلها بالمدائح كما بالأزهار... افرحي يا من وبّخت الخطباء الهاذرين على حماقتهم... واقتدتهم إلى الإيمان الإلهي. افرحي يا من دفعت جسدك للتعذيبات الكثيرة الأنواع لأجل محبة خالقك ولم تنصدعي كسندان غير منثلم. افرحي يا من اعتضت عن الأوجاع بالسكنى في المقامات العلوية متنعمة بالمجد الأبدي. فإذا نصبو إليه، نحن مادحيك، اجعلينا لا نيأس من الرجاء". (صلاة المساء - ذكصا على يا رب إليك صرخت)
علومها والزواج
ولدت القديسة كاترينا وعاشت في مدينة الإسكندرية في زمن الإمبراطورين ذيوكليسيانوس ومكسيميانوس بين أواخر القرن الثالث وأوائل القرن الرابع للميلاد. ويبدو أنها كانت من فئة النبلاء، جميلة جداً وذكية جداّ. وقد سهّل لها موقعها الاجتماعي الانكباب على دراسة العلوم الكلاسيكية كالفلسفة والبلاغة والشعر والعلوم الطبيعية واللغات. طاقتها على الاستيعاب وتفتيق المسائل الذهنية الغامضة أو المعقّدة كانت غير عادية. كل ذلك ولم يتجاوز عمرها العشرين ربيعاً. كثيرون جاءوا يطلبون ودّها فلم ترض بأحد منهم. ثمة دافع في نفسها كان يدفعها عن الزواج. لسان حالها، لترد ضغط ذويها عنها، كان أنها ما لم تلق رجلاً يساويها نبلاً وغنى وعلماً فلن ترضى به عريساً لنفسها.
العريس الأمثل
إلى هنا لا نعرف تماماً ما إذا كانت كاترينا قد نشأت مسيحية أم لا، لكن والدتها كانت كذلك. فلما عيل صبر أمها واحتارت في أمر ابنتها استعانت بناسك قدّيس كان يقيم خارج المدينة. قال الناسك لكاترينا إنه يعرف رجلاً يتمتع بالمزايا التي تطلب، وان حكمة هذا الرجل تفوق حدود التصوّر، فحكمته مبدأ الكائنات المنظورة وغير المنظورة. وهو لم يتعلم الحكمة من أحد لأنها عنده منذ الأزل. من جهة أخرى، هذا الإنسان أنبل من كل أهل الأرض بما لا يقاس، وله سلطان على الكون برمته وقد خلق العالم بقدرته الذاتية. لا أجمل منه في بني البشر لأنه الإله متجسداً: الابن والكلمة الأزلي للآب، وقد صار إنساناً لأجل خلاصنا. هو أيضا يلتمس العروس، وعروسه النفس البتول ولا يرضى عن النفس البتول بديلاً. قال لها الناسك ذلك وصرفها. وعادت كاترينا إلى بيتها متحيّرة، متأملة، في قلبها فرح وفي نفسها شوق ولهف للقاء الختن كما وصفه لها الناسك. وفي الليلة عينها رأت كاترينا والدة الإله مريم وابنها يسوع المسيح. لكن الرب يسوع أبى أن ينظر إليها لأنها، كما قال، بشعة وكلها ملوّثة طالما أنها تحت الموت والخطيئة. اضطربت كاترينا لهذا الحلم - وعادت في اليوم التالي إلى الناسك تسأله العون فعلّمها أسرار الإيمان وعمّدها. ومن جديد ظهرت لها والدة الإله والرب يسوع فقال عنها السيد: "ها هي الآن كاترينا مشرقة، جميلة، غنية و مزدانة بالحكمة والحق. الآن أقبلها عروساً نقية!". ولكي تختم والدة الإله خطبة كاترينا السماوية أخذت خاتماً ووضعته في إصبعها وأوصتها بألا تقبل عريساً آخر لنفسها على الأرض.
أمام الإمبراطور
وحدث في ذلك الزمان أن قدم الإمبراطور مكسيميانوس (305-311) إلى مدينة الإسكندرية ورغب في أن يضحي كل أهل المدينة للأوثان للدلالة على خضوعهم لسلطانه وولائهم لدولته تحت طائلة التعذيب والموت. وفيما باشر كهنة الأوثان بإقامة الطقوس ونحر البهائم، وفيما كان الناس يتدفقون على المكان لتقديم الطاعة للإمبراطور والاشتراك في رفع الذبائح للأصنام، احتدت روح كاترينا فيها فجاءت ووقفت أمام الإمبراطور. وبعدما أبدت التحية المعهودة وطلبت الإذن بالكلام، شرعت تقول له إن عبادة الأوثان مفسدة لا يجيزها العقل السليم، والأوثان لا وجود لها، بل المنطق يظهر أنه لا يمكن أن يكون هناك غير إله واحد هو أصل الموجودات وعلّتها. وهذا سلّم به كبار الفلاسفة الوثنيين وبيّنوا، في المقابل، فساد الاعتقاد بكثرة الآلهة. ونزل كلام كاترينا في نفس الإمبراطور نزول الصاعقة، فبدا مأخوذاً بجسارتها ووضوح بيانها وقوة كلامها. وأخذ أكثر من ذلك بفتنتها وطلعتها وشبابها، فأبدى مرونة من نحوها. ثم ان أفكاراً تحرّكت في نفسه وقد رغب فيها. وخطر بباله أن يستدعيها إلى قصره ويجعل مناظرة بينها وبين حكمائه. وهكذا جرى استدعاء أبرز الحكماء والفلاسفة والخطباء، فاجتمع خمسون منهم، والبعض يقول مئة وخمسين.
المناظرة الكبرى
وحضرت الساعة وواجهت كاترينا، بنعمة الله، محفل الحكماء والفهماء فأفحمتهم جميعاً. كشفت أمام الجميع ضلالات الكهّان والشعراء والفلاسفة الوثنيين وبيّنت، بالشواهد، التناقضات في أقوالهم وتعاليمهم كما أكدّت أن ما يسميه القوم آلهة إن هو سوى أبالسة مضلّلة تتخذ من شهوات الناس ورغائبهم ستاراً لها. ولكي تدعم أقوالهم بحجة أكبر عرضت لبعض ما ورد في نبوءات ما يعرف بـ "السيبلّلا" - وهي التي اعتبرها المسيحيون الأوائل إشارات ولو غامضة إلى التجسّد الإلهي وآلام الابن الخلاصية - وأبرزت بطلان الخرافات والأساطير الوثنية بشأن تكوين العالم، قائلة بأن العالم خلقه من العدم الإله الواحد الأزلي وأن الإنسان قد أعطي الخلاص من الخوف والموت بتجسّد ابن الله الوحيد. ثم بعد أخذ ورد لم يجد الحكماء والفلاسفة والمشتركون في المناظرة بداً من التسليم بصوابية ما نطقت به الصبية الصغيرة. ويبدو أن الروح القدس الذي تكلّم في كاترينا سمع فيهم، فكان أن أعلنوا كلهم الإيمان بالمسيح الذي تؤمن به أمة الله. ويقال إن الإمبراطور أمر بإلقائهم طعاماً للنار. والكنيسة تحصيهم اليوم في عداد قديسيها.
نحو الشهادة
أما كاترينا فعلق الإمبراطور بهواها ولعله كان مستعداً أن يغضّ الطرف عن إيمانها لو رضخت له وقبلت الزواج منه، لكنها صدّته. إذ ذاك غضب لكرامته الجريح وأمر بها جنده فجلدوها وألقوها في السجن علّها تلين. وسمعت الإمبراطورة بكاترينا فتحرّك قلبها، فأتتها زائرة برفقة ضابط اسمه برفيريوس. فلما تعرفت بها وبانت لها نعمة الله عليها آمنت بالمسيح، وآمن معها برفيريوس والجنود الذين كانوا في إمرته. ثم أن الإمبراطور عاد إلى المدينة بعد سفر قصير ليكتشف أن امرأته قد وقعت هي أيضاً في ضلالات المسيحيين فأمر بقطع هامتها، هي وبرفيريوس الضابط وسائر الجنود الذين معه. فعل ذلك مخافة أن يفلت زمام الأمر من يده ولأنه رغب في أن يتخلص من زوجته السابقة ليصفو له الجو مع كاترينا. وحاول الإمبراطور ثانية وثالثة أن يستميل فتاة الله بالحسنى فلم تشأ. إذ ذاك تحوّل كل ميله إليها إلى حقد عليها. ويقال أنه ابتدع دولاباً مسنناً بشفرات حادة لتعذيبها. ولما شاء جعل كاترينا على الدولاب تفكّك وتكّسر وتناثرت قطعه. وإذ ظن الإمبراطور أن ذلك كان بتأثير السحر الذي كانت الفتاة تتعاطاه أمر بإعدامها، فقطع الجلاّد رأسها. هذا وقد وجد نسّاك رفاتها على قمة جبل سيناء في أوائل القرن الثامن للميلاد. ومنذ ذلك الحين صار دير سيناء يعرف بدير القدّيسة كاترينا. أما كيف انتقلت رفاة القديسة إلى قمة الجبل فليس واضحاً تماماً. ثمة من يقول إن النسّاك عرفوا بأمرها إثر رؤيا وأنها انتقلت إلى هناك من الإسكندرية، حيث استشهدت، بواسطة ملائكة. من جهة أخرى، يُذكر أنه لا سجلات باقية بشأن القديسة كاترينا ولا ذكر لها قبل القرن الثامن للميلاد. والقديس سمعان المترجم، في القرن العاشر للميلاد، هو من كتب السيرة التي نعرف.
عيد جامع لرئيسي الملائكة ميخائيل وغفرئيل وسائر الطغمات العادمي الأجساد
يعود تاريخ هذا العيد إلى القرن الرابع الميلادي، في زمن سلفستروس بابا رومية وألكسندروس بطريرك الإسكندرية
كلمة ملاك كنعانية وآرامية الأصل، موجودة في النصوص الأسطوريّة الأوغاريتية، وهي تعني المُرسَل أو المبعوث
وجدت هذه الكلمة لاحقًا في النصوص العبرانية بالمعنى ذاته، إذ نرى الله في العهد القديم يرسل ملاكًا إلى هذا أو ذاك من الآباء والأنبياء ليبلّغه مشيئته أو يرشده أو يعينه
فعل هذه الكلمة "لأك" وما زال هذا الفعل مستعمل باللغة العربية الشعبية بمعنى إلتقى بك. لاءاك
يظهر هذا المعنى جليًا في حادثة هروب هاجر من أمام وجه ساراي إمرأة ابرام أي ابراهيم، "فوجدها ملاك الرّب على عين الماء في البرية. على العين التي في طريق شور(تكوين 7:16)
جمع ملاك ملائكة، وهذا ما ينشده المزمور القائل: "فمن هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده. وتنقصه قليلًا عن الملائكة وبمجد وبهاء تكلله" (مزامير4:8-5) يذكر الكتاب المقدّس ملائكة الله (تك 12:28
نلفت إلى أنّ كلمة "ملاك" ترد في المفرد في الكتاب المقدّس في حالتَين
في عبارة "ملاك الربّ" أو "ملاك الله
في حال يرسل الله ملاكًا ليعلن كلمة الله أو ليشدّد أحد الآباء أو يرشده، وحتّى ليشدّد الربّ يسوع في البستان قبل الصلب (لو22: 43
وترد كلمة "ملائكة" بصيغة الجمع عندما يمثّلون العالم العلويّ. فهم ينظرون وجه الله ويمجّدونه ويطيرون حول عرشه مسبّحين لاسمه القدّوس وفرحين بكلّ خاطىء يتوب (أش2:6، مز 91و 103، متى10:18 ، لوقا10:15
نقرأ في حادثة سلّم يعقوب: "ورأى حلمًا واذا سلّم منصوبة على الأرض ورأسها يمسّ السماء. وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها ". (تك 12:28
ونقرأ في سفر المزامير: "لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرُقِكَ" (91: 11
طبيعة الملائكة وأشكالها
في العهد القديم
هي أجساد روحيّة غير هيوليّة. تُشبّه بطريقة (Anthropomorphic). فنقرأ في الرسالة إلى العبرانيين :"أليس جميعهم أرواحًا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 14:1
من مميّزات الملائكة أنّهم لا يتزوجون إذ قال يسوع في (متى30:22) " لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء
وظائف الملائكة
نقرأ في حادثة سلّم يعقوب: "ورأى حلمًا واذا سلّم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء. وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها ".(تك 12:28
إذًا هم يمثّلون العالم العلوي. فهم ينظرون وجه الله ويمجّدونه ويطيرون حول عرشه مسبّحين لاسمه القدّوس وفرحين بكلّ خاطىء يتوب (أش2:6، متى10:18 ، لوقا10:15
إضافة إلى ذلك رأيناهم يقومون بمهمّات خاصة بشارية وخلاصيّة وقيامية ويساعدون بالإيمان بيسوع وببعث الأمل والفرح وبكلام عن المجيء الثاني
وأيضًا هم ينطقون بأوامر الله العاجلة، فالملاك قال لبطرس الرسول: قم عاجلاً (أع7:12) وقال ليوسف: قم خذ الصبي وأمّه ..." (متى13:2) وقال لفيليبس "قم واذهب...." (أع26:8
كذلك سفر الرؤيا مليء بالملائكة الذين يسبّحون الله وينفّذون أحكامه وإرادة الله دون أي تردد. "الصانع ملائكته رياحًا وخدّامه لهيب نار" (عب7:1) وربما من أجمل ما سمعناه منهم ترنيمتهم بولادة المخلّص : "المجد لله في الأعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرّة" (لو14:2
ملاحظة: الملائكة لا تشهد أبدًا لنفسها بل للذي أوجدها وأوجدنا وهكذا يجب نحن أن نكون
يتّضح من الكتاب المقدّس أنّ الملائكة خُلقَت في مرحلة معيّنة، لا يعرف زمنها إلاّ الله. ولكن يمكن الاستدلال عليها من خلال بعض الآيات الكتابيّة
1. في سفر التكوين
يكلّمنا سفر التكوين على خلق الإنسان، ولا يكلّمنا على خلق الملائكة. ولكنّ كلمة "سموات" في الآية الأولى "في البدء خلق الله السموات والأرض تشير في العبريّة إلى حقائق لامتناهية ولها أصداء في الكتاب المقدّس كلّه تدلّ على السموات كعالم الملائكة. إلى ذلك، يفاجئنا في قصّة آدم وحوّاء وجود كائنات لم توصَف في قصّة الخلق
1-: الحيّة: (تك3: 14-15) تظهر الحيّة كشخصيّة ناطقة، ويقول عنها الكتاب "أحكم حيوانات الأرض
وتفيد إحدى الدراسات أنّ كلمة "نشاش" المستخدمة للحيّة (كالسريانيّة "نحاش") تعني أيضًا النحاس أو ما هو برّاق. وهي تشير إلى كائن نورانيّ، لاسيّما أنّ كلمة "حيّ" المترجمة في اليونانيّة Ζωα تعني "كائن حيّ" وأيضًا حيوان، حسب السياق. ويبدو مناقضًا للسياق أن نرى الله يخلق الإنسان على صورته ومثاله، ويعطيه السيادة على الحيوانات، ثمّ تأتي "حيّة" وتكون أحكم الحيوانات. ما معنى الحكمة هنا؟ المقصود هو الدهاء والحنكة، ويقول بولس الرسول إنّ "وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ! (2كو11: 14). فمتى فهمنا أنّ حوّاء كانت تكلّم كائنًا نورانًّا، يسهل علينا أن نفهم سهولة خداعه
في الخلاصة، يذكر سفر الرؤيا صريحًا أنّ "الحيّة القديمة" هي الشيطان (20: 2
وما نعرفه أيضًا عن الشيطان هو قول الربّ: "رأت الشيطان ساقطًا مثل البرق" (لو10: 18). وهنا أيضًا نرى "نشاش"، البرق والنحاس والحيّة. وتفسير هذا السقوط في رسالة بطرس: "إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ" (2بط2: 4
من هذا يستنتج الآباء أنّ الشيطان كان ملاك نور وسقط وجرّ معه ملائكة آخرين
2-الكَروبيم (3: 24): تظهر كائنات أخرى هي الكاروبيم. كلمة كاروبيم هي جمع "كاروب". والكلمة العبريّة تأتي من "كرب"، وتعني ما يلتقط أو يمسك بالشيء بمعنى العناية، ولذا نراها في الحروج "تمسك بعرش الرحمة" وصنعت صورة ذهبيّة منها في خيمة العهد "الكاروبين" (خر18: 23
الكاروبيم جعلها الربّ لتحرس باب عدن، على رجاء الرحمة. ونرى وصفها في رؤيا حزقيال (41)، ونرى الربّ راكبًا عليها في المزامير: "وركب على الشاروبيم وطار
ونرى فيما بعد الملائكة تظهر هنا وهناك، ولا نعرف شيئًا عن طبيعتها إلاّ أنّ الله "صانع ملائكته أرياحًا (أو أرواحًا) وخدّامه لهيب نار" (مز 103). وفي هاتَين الكلمتَين يختصر صاحب المزمور وظيفة الملائكة
1- "ملائكة" تعني "مرسلين": هي أوراح سريعة كالريح لتنقل كلمة الربّ
2- "خدّامه" الكاروبيم التي تمسك بعرشه والسارافيم التي تعني كائنات برّاقة لسعتها تحرق كالنار
- السيرافيم: الكلمة بصيغة الجمع مشتقة في العبرية من كلمة تعني المحبة. وبعضهم يقول إن معناها الملتهبين. فالسارافيم هي "المشتعلة" والشاروبيم تشير إلى معرفة الله وتصوّر ممتلئة عيوناً من كلّ صوب
ذكروا في أشعيا (1:6-6) " فطار إليّ واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح
- الكروبيم: كلمة عبرية بصيغة الجمع مفردها (ك ر وب) كروب وتجمع بالعربية كروبون، وهم حملة عرش "الخالق
نقرأ عنهم في
- سفر التكوين: "طرد الانسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة " (تكوين24:3
- في خيمة الاجتماع في البرية يظهر الكروبيم فوق الغطاء الذهبي لتابوت العهد (خروج18:25). وفي الحجاب الفاصل بين القدس وقدس الأقداس (خروج31:26) فكأنهم يقومون بحراسة الطريق إلى حضرة الله كونهم يُوصفون ذوات العيون الكثيرة
- المزامير
ركب على كروب وطار وهف على أجنحة الرياح (10:18
يا راعي اسرائيل اصغ يا قائد يوسف كالضان يا جالسا على الكروبيم
اشرق (1:80
الرّب قد ملك. ترتعد الشعوب.هو جالس على الكروبيم. تتزلزل الأرض(1:99
صموئيل الثاني11:22: ركب على كروب وطار ورائي على أجنحة الريح
حزقيال16:28: بكثرة تجارتك ملأوا جوفك ظلما فاخطأت. فأطرحك من جبل الله وأبيدك أيها الكروب المظلل من بين حجارة النار
العبرانيين5:9: وفوقه كروبا المجد مظللين الغطاء. أشياء ليس لنا الآن ان نتكلم عنها بالتفصيل
أمثلة الملائكة في الكتاب المقدّس
في العهد القديم
- ملائكة تحرس شجرة الحياة: نقرأ بعد سقوط آدم وحواء كيف أن الله أقام ملائكةً للحراسة: " فطرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلّب لحراسة طريق شجرة الحياة " (تكوين24:3
- ملاك يلقى هاجر في الصحراء (تك 16
- ملاكان يخلّصان لوط (تك 19- ملاك يخلّص دانيال النبي والفتية الثلاثة: "إلهي أرسل ملاكه وسد أفواه الأسود فلم تضرّني لأني وجدت بريئًا قدّامه وقدامك أيضًا أيّها الملك لم أفعل ذنبًا "(22:6)، كذلك في حادثة إلقاء الفتية الثلاثة في أتون النار، جاء الملاك إليهم وسط اللهيب وأنقذهم، " ها أنا ناظر أربعة رجال محلولين يتمشون في وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بابن الآلهة " (دانيال25:3
في العهد الجديبد
- ملاك يظهر لزكريا النبي : أنا جبرائيل الواقف قدام الله وأرسلت لاكلّمك وأبشرّك بهذا " وهنا يظهر الملاك جبرائيل لزكرّيا في الهيكل ليبشرّه بحبل زوجته اليصابات، ويخبره عن نوع خدمة المولود يوحنا الذي سيرد كثيرين من بني اسرائيل الى الرّب إلههم ويُهيئ للرّب شعباً مستعدّاً (لوقا11:1-22
- البشارة الإلهيّة: البشارة الإلهيّة: الملاك جبرائيل يبشّر مريم العذراء بأنها ستلد ابنًا "ابن العلي يُدعى" ولا يكون لملكه نهاية. (لوقا26:1-38
- ملاك يتكلّم مع يوسف: يزيل الملاك ارتباك يوسف خطيب مريم ويعلن له حقيقة يسوع: " ولكن فيما هو متفكر في هذه الأمور اذا ملاك الرّب قد ظهر له في حلمٍ قائلاً: «يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم»" (متى20:1-22
- ملاك يتكلّم مع الرعاة: يعلن الملاك للرعاة ولادة الطفل يسوع: "ها أنا أبشّركم بفرحٍ عظيم يكون لجميع الشعب أنّه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلّص هو المسيح الرّب". (لوقا 10:2-11
- حماية يسوع: يسهر الملاك على تنبيه يوسف من المخاطر التي تحيط بالمولود الإلهيّ ويسهر على رعاية الطفل وحماية مريم ويوسف. (متى2
- ملاك يُرشد فيلبس الرسول: "قم اذهب نحو الجنوب على الطريق المنحدرة من أورشليم إلى غزة التي هي بريّة ". فعمل فيليبس بما قاله له الملاك والتقى الوزير الحبشي وهو يستقل مركبته فتحدث إليه وفسرّ له ما يقوله أشعيا عن المسيح فآمن وحصل على الخلاص وبعد أن عمّد فيليبس الحبشي خطف روح الرّب فيليبس ونقله من هناك. (أع26:8-40
- ملائكة يشهدون للقيامة ويبعثون الأمل والفرح: وإذا زلزلة عظيمة حدثت لأن ملاك الرّب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه. وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات. (متى1:28-4
وفي مكان آخر في بشارة يوحنا (12:20) يقول: لما نظرت مريم المجدلية إلى القبر رأت "ملاكين بثياب بيض جالسين واحد عند الرأس والآخر عند الرجلين حيث كان يسوع موضوعاً " "ثم فإن ملاكين وقفا خارج القبر وأعلنا "ليس هو ههنا لكنه قام" (لوقا6:24
- ملاكان يشهدان لصعود الرّب: "ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم. وفيما كانوا يشخصون الى السماء وهو منطلق اذا رجلان قد وقفا بهم بلباس ابيض وقالا ايها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون الى السماء. ان يسوع هذا الذي ارتفع عنكم الى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا الى السماء" (أع11:1
- الملائكة والمجيء الثاني: "لأن الرّب نفسه بهتاف، بصوت رئيس الملائكة وبوق الله، سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً" (1تسالونيكي16:4
مراتب الملائكة وعددها
يذكر بولس الرسول في رسائله عن
- أربع مراتب ملائكيّة (رسالته إلى أهل كولوسي): العروش، الأرباب، الرئاسات والسيادات (كول16:1
- رئيس ملائكة (رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي 1تس16:4
- ملائكة ورؤساء وقوات في رسالته إلى أهل رومية (رو38:8
بالمقابل يُخبرنا القدّيس ديونيسيوس الأريوباغي أن الملائكة هي رئاسات مثلّثة الأجواق
سيرافيم، شيروبيم، عروش وأرباب، قوات، سلطات ورئاسات، رؤساء ملائكة، ملائكة.
أي تسع طغمات. فيقول القدّيس يوحنا الدمشقي في ذلك: هي «أنوار عقليّة ثانيّة من النور الأوّل الّذي لا بدءَ له الحاوي النور
العدد
- عدد الملائكة غير محدود. رأى دانيال النبيّ في إحدى رؤاه "القديم الأيام" يجلس على عرشٍ ناريّ وحوله جنود الملائكة التي لا عدَّ لها: «ألوفٌ ألوفٌ يخدمونه وربواتٌ يقفون حوله» (دانيال 10:7
- في ميلاد المسيح «ظهرَ حشدٌ من الجنود السماويّة يسبِّحون الله» (لو13:2
- في سفر الرؤيا يكتب يوحنا الإنجيليّ بأنّه رأى وسمع جوقاً ملائكياً حول عرش الله كان عدد أعضائها ربوات ربوات وألوف ألوف (رؤ11:5
- وبتجسّد الرّب يسوع المسيح، تخطت بشريتنا المراتب الملائكية بأسرها، وسيجلس المؤمنون في الحياة الأخرى ليدينوا الملائكة الذين تبعوا ابليس (1كورنثوس 3:6
"ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة
فقدوسٌ قدوسٌ قدوسٌ رّب الجنود مجده ملء كلّ الأرض (أشعياء3:6
الملائكة الذين ذكرهم الكتاب المقدّس ومعنى أسمائهم
1- ميخائيل: معنى اسمه بالعبرية "من مثل الله؟" أو "من يعادل الله؟
- ميخائيل الرئيس العظيم: يُشار إليه في سفر دانيال النبي بالقول "ميخائيل رئيسكم" (21:10) وبالرئيس العظيم "وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة الى ذلك الوقت وفي ذلك الوقت ينجى شعبك كل من يوجد مكتوبا في السفر" (1:12
- هو الذي رأه يشوع بن نون وتكلّم معه في المعركة، والذي عرّف عن نفسه بأنّه رئيس جند الرّب، وهذا ما يدوّن على أيقونته داخل كرة أرضية يحملها بيده وعلى رأسها صليب. (يش14:5
- مذكور في رسالة يهوذا أنّه خاصم إبليس كرئيس الملائكة (يهوذا9).
- في سفر الرؤيا خاض حربًا ضد الشيطان وأبالسته (7:12-8
ملاحظة
صحيح أن كلمة رئيس الملائكة ترد في الكتاب المقدّس بصيغة المفرد، أي لا يأتي على ذكر «رؤساء الملائكة»، ولكن بالمقابل نقرأ في سفر دانيال أن ميخائيل هو واحد من الرؤساء الأوّلين " وهوذا ميخائيل واحد من الرؤساء الأوّلين" (دا13:10
2- جبرائيل:
3- روفائيل: معناه "شفاءُ الله" أو"الله الشافي
ورد ذكره في سفر طوبيا في الإصحاح الثالث هكذا: " فأرسل الرّب ملاكه القدّيس رافائيل ليشفي كلا الاثنين اللذين رفعت صلواتهما في وقت واحد الى حضرة الرّب (طو25:3) ليُزيل البقع البيضاء عن عيني طوبيت فيرى بعينيه نور الله... ويطرد عنها أزموداوس الشيطان الخبيث
يصوّر التراث روفائيل يقود طوبيا بيمينه وطوبيا حاملاً سمكةً التقطها من نهر دجلة وفي يسراه إناء طبّي
4- السيرافيم: الكلمة بصيغة الجمع مشتقة في العبرية من كلمة تعني المحبة. وبعضهم يقول إن معناها الملتهبين. فالسارافيم هي "المشتعلة" والشاروبيم تشير إلى معرفة الله وتصوّر ممتلئة عيوناً من كلّ صوب
ذكروا في أشعيا (1:6-6) " فطار إليّ واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح
5- الكروبيم: كلمة عبرية بصيغة الجمع مفردها (ك ر وب) كروب وتجمع بالعربية كروبون، وهم حملة عرش "الخالق
نقرأ عنهم في
- سفر التكوين: " طرد الانسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة " (تكوين24:3
- في خيمة الاجتماع في البرية يظهر الكروبيم فوق الغطاء الذهبي لتابوت العهد (خروج18:25). وفي الحجاب الفاصل بين القدس وقدس الأقداس (خروج31:26) فكأنهم يقومون بحراسة الطريق إلى حضرة الله كونهم يُوصفون ذوات العيون الكثيرة
- المزامير
- ركب على كروب وطار وهف على أجنحة الرياح (10:18
- يا راعي اسرائيل اصغ يا قائد يوسف كالضان يا جالسا على الكروبيم
اشرق (1:80
- الرّب قد ملك. ترتعد الشعوب.هو جالس على الكروبيم. تتزلزل الأرض (1:99
- صموئيل الثاني11:22: ركب على كروب وطار ورائي على أجنحة الريح
- حزقيال16:28: بكثرة تجارتك ملأوا جوفك ظلما فاخطأت. فأطرحك من جبل الله وأبيدك أيها الكروب المظلل من بين حجارة النار
- العبرانيين5:9: وفوقه كروبا المجد مظللين الغطاء. أشياء ليس لنا الآن ان نتكلم عنها بالتفصيل
سقوط الملائكة
- "لا عجب لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور" (2كو14:11). يشرح لوقا الإنجيلي فرحة التلامذة فيقول:" فرجع السبعون بفرحٍ قائلين يا رّب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم (يسوع) رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء." (لوقا 17:10-18
- كذلك يؤكّد بطرس الرسول في رسالته الثانية عقاب الشيطان:" لأنّه إن كان الله لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلّمهم محروسين للقضاء" (2بطرس4:2). المسؤولية تقع على عاتق الملائكة أنفسهم
- ونقرأ في رسالة يهوذا: "فأريد أن أذكّركم ولو علمتم هذا مرّة أن الرّب بعدما خلّص الشعب من أرض مصر أهلك أيضًا الذين لم يؤمنوا، والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم الى دينونة اليوم العظيم بقيود أبديّة تحت الظلام". (يهوذا6). خطيئتهم عظيمة: الكبرياء والطمع
- كذلك يؤكّد بولس الرسول من أن حربنا هي مع الشياطين "فان مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم عالم ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات."من اجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير وبعد ان تتمموا كل شيء أن تثبتوا" (أفسس12:6) ويدعونا أن نلبس سلاح البر. (تتمة الرسالة
ويشاركه في هذا الجهاد بطرس الرسول بقوله لنا: "أصحوا واسهروا لأن ابليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو، فقاوموه راسخين في الإيمان"(1بطرس8:5-9
كذلك يعقوب الرسول :" فاخضعوا لله. قاوموا ابليس فيهرب منكم." (يعقوب7:4
- الإنسان بقوّة الرّب يسوع ظافر ولا غلبة للملائكة الساقطة عليه. و" كلّ ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض " "تجثو باسم يسوع" (فيليبي 10:2
تاريخيّة أعياد الملائكة:
- بدأ التعييد لهذا العيد من القرن الرابع ميلادي وحدد في 8 تشرين الثاني
- هناك أعياد أخرى للملائكة نذكر منها عيد أعجوبة الملاك ميخائيل في كولوسي في 6 أيلول
- العيدُ الجامعُ لرئيس الملائكة جبرائيل يقع في اليوم التالي لعيد البشارة أي في 26 آذار
- إحتفال للملاك جبرائيل في 13 تموز
الملائكة في الليتورجيّة والصلوات
- أفشين الملاك الحارس في صلاة النوم الصغرى
- ترد الملائكة كثيرًا في الصلوات المختلفة
- يوم الاثنين من كلّ أسبوع هو مكرّس للملائكة
الملائكة في الفن الكنسي
- تشاهد الملائكة بشكل فتيان شابة مع أجنحة. - الأجنحة تشير إلى سرعة التنقّل والجسد اللاهيولي
- ملامح التأهّب والخدمة والقوة والرجولة بارزة على وجوههم. - الشعر مشدود ومربوط بشكل ظاهر وهي من علامات المحارب
- الصولجان في اليد اليمنى هو إمتداد للسلطة الإلهية. فهم رسل أصحاب سلطة
- نشاهد أحيانًا خاتمًا في اليد اليسرى عليه الحرف الأوَّل من اسم المسيح باللغة اليونانية.
- نشاهد أيقونات لرئيس الملائكة ميخائيل يحمل بيده اليسرى كرة أرضية على رأسها صليب وفي داخلها ثلاثة أحرف يونانية تعني رئيس ملائكة الرّب كما جاء في سفر يشوع بن نون (يش14:5
- هناك أيقونات لرئيس الملائكة ميخائيل يظهر فيها بشكل محاربٍ ويحمل بيده اليمنى سيفًا وفي يده اليسرى يافطة تعلن ضرورة التوبة والرجوع عن الخطأ
- تتنوّع لون ثيابها بين اللون الأبيض رمزاً للطهارة والنقاء وبين ألوان مختلفة بحسب الحدث الموجودة فيه. - تصوَّر السيرافيم بحسب ما جاء عند النبي أشعياء أي بستة أجنحة
- تصوّر الشيروبيم والعروش كدواليب ناريّة مجنحّة وفوقها عيون تماشيًا مع رؤية حزقيال النبيَ
يمكن تصوير الملائكة داخل الكنائس في الجداريات في أماكن مختلفة
* حول أيقونة الرّب يسوع الضابط الكل في قبة الكنيسة. * داخل الهيكل: في الحنية أي على يمين أيقونة والدة الإله ويسارها. (الأرحب من السموات) * في أي مشهد يمثّل أحداثًا إنجيليّة
الطروباريّة
أيٌّها المتَقَدِّمونَ على الجُندِ السماويِّين. نَتوسَّلُ إليكم نحنُ غيرَ الُمستحقِّين. حتى إنَّكم بطَلِباتِكم تكتَنِفونا. بِظلِّ أجنحَةِ مَجدِكُمُ اللاَّهيولي. حافظينَ إيَّانا نحنُ الجاثينَ والصّارخينَ بغيرِ فتورٍ. أنقِذونا مِنَ الشدائِد. بما أنَّكم رُؤساءُ مَراتِبِ القُوَّاتِ العُلويَّة
كلمة ملاك كنعانية وآرامية الأصل، موجودة في النصوص الأسطوريّة الأوغاريتية، وهي تعني المُرسَل أو المبعوث
وجدت هذه الكلمة لاحقًا في النصوص العبرانية بالمعنى ذاته، إذ نرى الله في العهد القديم يرسل ملاكًا إلى هذا أو ذاك من الآباء والأنبياء ليبلّغه مشيئته أو يرشده أو يعينه
فعل هذه الكلمة "لأك" وما زال هذا الفعل مستعمل باللغة العربية الشعبية بمعنى إلتقى بك. لاءاك
يظهر هذا المعنى جليًا في حادثة هروب هاجر من أمام وجه ساراي إمرأة ابرام أي ابراهيم، "فوجدها ملاك الرّب على عين الماء في البرية. على العين التي في طريق شور(تكوين 7:16)
جمع ملاك ملائكة، وهذا ما ينشده المزمور القائل: "فمن هو الإنسان حتى تذكره وابن آدم حتى تفتقده. وتنقصه قليلًا عن الملائكة وبمجد وبهاء تكلله" (مزامير4:8-5) يذكر الكتاب المقدّس ملائكة الله (تك 12:28
نلفت إلى أنّ كلمة "ملاك" ترد في المفرد في الكتاب المقدّس في حالتَين
في عبارة "ملاك الربّ" أو "ملاك الله
في حال يرسل الله ملاكًا ليعلن كلمة الله أو ليشدّد أحد الآباء أو يرشده، وحتّى ليشدّد الربّ يسوع في البستان قبل الصلب (لو22: 43
وترد كلمة "ملائكة" بصيغة الجمع عندما يمثّلون العالم العلويّ. فهم ينظرون وجه الله ويمجّدونه ويطيرون حول عرشه مسبّحين لاسمه القدّوس وفرحين بكلّ خاطىء يتوب (أش2:6، مز 91و 103، متى10:18 ، لوقا10:15
نقرأ في حادثة سلّم يعقوب: "ورأى حلمًا واذا سلّم منصوبة على الأرض ورأسها يمسّ السماء. وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها ". (تك 12:28
ونقرأ في سفر المزامير: "لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرُقِكَ" (91: 11
طبيعة الملائكة وأشكالها
في العهد القديم
هي أجساد روحيّة غير هيوليّة. تُشبّه بطريقة (Anthropomorphic). فنقرأ في الرسالة إلى العبرانيين :"أليس جميعهم أرواحًا خادمة مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 14:1
من مميّزات الملائكة أنّهم لا يتزوجون إذ قال يسوع في (متى30:22) " لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون بل يكونون كملائكة الله في السماء
وظائف الملائكة
نقرأ في حادثة سلّم يعقوب: "ورأى حلمًا واذا سلّم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء. وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها ".(تك 12:28
إذًا هم يمثّلون العالم العلوي. فهم ينظرون وجه الله ويمجّدونه ويطيرون حول عرشه مسبّحين لاسمه القدّوس وفرحين بكلّ خاطىء يتوب (أش2:6، متى10:18 ، لوقا10:15
إضافة إلى ذلك رأيناهم يقومون بمهمّات خاصة بشارية وخلاصيّة وقيامية ويساعدون بالإيمان بيسوع وببعث الأمل والفرح وبكلام عن المجيء الثاني
وأيضًا هم ينطقون بأوامر الله العاجلة، فالملاك قال لبطرس الرسول: قم عاجلاً (أع7:12) وقال ليوسف: قم خذ الصبي وأمّه ..." (متى13:2) وقال لفيليبس "قم واذهب...." (أع26:8
كذلك سفر الرؤيا مليء بالملائكة الذين يسبّحون الله وينفّذون أحكامه وإرادة الله دون أي تردد. "الصانع ملائكته رياحًا وخدّامه لهيب نار" (عب7:1) وربما من أجمل ما سمعناه منهم ترنيمتهم بولادة المخلّص : "المجد لله في الأعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرّة" (لو14:2
ملاحظة: الملائكة لا تشهد أبدًا لنفسها بل للذي أوجدها وأوجدنا وهكذا يجب نحن أن نكون
يتّضح من الكتاب المقدّس أنّ الملائكة خُلقَت في مرحلة معيّنة، لا يعرف زمنها إلاّ الله. ولكن يمكن الاستدلال عليها من خلال بعض الآيات الكتابيّة
1. في سفر التكوين
يكلّمنا سفر التكوين على خلق الإنسان، ولا يكلّمنا على خلق الملائكة. ولكنّ كلمة "سموات" في الآية الأولى "في البدء خلق الله السموات والأرض تشير في العبريّة إلى حقائق لامتناهية ولها أصداء في الكتاب المقدّس كلّه تدلّ على السموات كعالم الملائكة. إلى ذلك، يفاجئنا في قصّة آدم وحوّاء وجود كائنات لم توصَف في قصّة الخلق
1-: الحيّة: (تك3: 14-15) تظهر الحيّة كشخصيّة ناطقة، ويقول عنها الكتاب "أحكم حيوانات الأرض
وتفيد إحدى الدراسات أنّ كلمة "نشاش" المستخدمة للحيّة (كالسريانيّة "نحاش") تعني أيضًا النحاس أو ما هو برّاق. وهي تشير إلى كائن نورانيّ، لاسيّما أنّ كلمة "حيّ" المترجمة في اليونانيّة Ζωα تعني "كائن حيّ" وأيضًا حيوان، حسب السياق. ويبدو مناقضًا للسياق أن نرى الله يخلق الإنسان على صورته ومثاله، ويعطيه السيادة على الحيوانات، ثمّ تأتي "حيّة" وتكون أحكم الحيوانات. ما معنى الحكمة هنا؟ المقصود هو الدهاء والحنكة، ويقول بولس الرسول إنّ "وَلاَ عَجَبَ. لأَنَّ الشَّيْطَانَ نَفْسَهُ يُغَيِّرُ شَكْلَهُ إِلَى شِبْهِ مَلاَكِ نُورٍ! (2كو11: 14). فمتى فهمنا أنّ حوّاء كانت تكلّم كائنًا نورانًّا، يسهل علينا أن نفهم سهولة خداعه
في الخلاصة، يذكر سفر الرؤيا صريحًا أنّ "الحيّة القديمة" هي الشيطان (20: 2
وما نعرفه أيضًا عن الشيطان هو قول الربّ: "رأت الشيطان ساقطًا مثل البرق" (لو10: 18). وهنا أيضًا نرى "نشاش"، البرق والنحاس والحيّة. وتفسير هذا السقوط في رسالة بطرس: "إِنْ كَانَ اللهُ لَمْ يُشْفِقْ عَلَى مَلاَئِكَةٍ قَدْ أَخْطَأُوا، بَلْ فِي سَلاَسِلِ الظَّلاَمِ طَرَحَهُمْ فِي جَهَنَّمَ، وَسَلَّمَهُمْ مَحْرُوسِينَ لِلْقَضَاءِ" (2بط2: 4
من هذا يستنتج الآباء أنّ الشيطان كان ملاك نور وسقط وجرّ معه ملائكة آخرين
2-الكَروبيم (3: 24): تظهر كائنات أخرى هي الكاروبيم. كلمة كاروبيم هي جمع "كاروب". والكلمة العبريّة تأتي من "كرب"، وتعني ما يلتقط أو يمسك بالشيء بمعنى العناية، ولذا نراها في الحروج "تمسك بعرش الرحمة" وصنعت صورة ذهبيّة منها في خيمة العهد "الكاروبين" (خر18: 23
الكاروبيم جعلها الربّ لتحرس باب عدن، على رجاء الرحمة. ونرى وصفها في رؤيا حزقيال (41)، ونرى الربّ راكبًا عليها في المزامير: "وركب على الشاروبيم وطار
ونرى فيما بعد الملائكة تظهر هنا وهناك، ولا نعرف شيئًا عن طبيعتها إلاّ أنّ الله "صانع ملائكته أرياحًا (أو أرواحًا) وخدّامه لهيب نار" (مز 103). وفي هاتَين الكلمتَين يختصر صاحب المزمور وظيفة الملائكة
1- "ملائكة" تعني "مرسلين": هي أوراح سريعة كالريح لتنقل كلمة الربّ
2- "خدّامه" الكاروبيم التي تمسك بعرشه والسارافيم التي تعني كائنات برّاقة لسعتها تحرق كالنار
- السيرافيم: الكلمة بصيغة الجمع مشتقة في العبرية من كلمة تعني المحبة. وبعضهم يقول إن معناها الملتهبين. فالسارافيم هي "المشتعلة" والشاروبيم تشير إلى معرفة الله وتصوّر ممتلئة عيوناً من كلّ صوب
ذكروا في أشعيا (1:6-6) " فطار إليّ واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح
- الكروبيم: كلمة عبرية بصيغة الجمع مفردها (ك ر وب) كروب وتجمع بالعربية كروبون، وهم حملة عرش "الخالق
نقرأ عنهم في
- سفر التكوين: "طرد الانسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة " (تكوين24:3
- في خيمة الاجتماع في البرية يظهر الكروبيم فوق الغطاء الذهبي لتابوت العهد (خروج18:25). وفي الحجاب الفاصل بين القدس وقدس الأقداس (خروج31:26) فكأنهم يقومون بحراسة الطريق إلى حضرة الله كونهم يُوصفون ذوات العيون الكثيرة
- المزامير
ركب على كروب وطار وهف على أجنحة الرياح (10:18
يا راعي اسرائيل اصغ يا قائد يوسف كالضان يا جالسا على الكروبيم
اشرق (1:80
الرّب قد ملك. ترتعد الشعوب.هو جالس على الكروبيم. تتزلزل الأرض(1:99
صموئيل الثاني11:22: ركب على كروب وطار ورائي على أجنحة الريح
حزقيال16:28: بكثرة تجارتك ملأوا جوفك ظلما فاخطأت. فأطرحك من جبل الله وأبيدك أيها الكروب المظلل من بين حجارة النار
العبرانيين5:9: وفوقه كروبا المجد مظللين الغطاء. أشياء ليس لنا الآن ان نتكلم عنها بالتفصيل
أمثلة الملائكة في الكتاب المقدّس
في العهد القديم
- ملائكة تحرس شجرة الحياة: نقرأ بعد سقوط آدم وحواء كيف أن الله أقام ملائكةً للحراسة: " فطرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلّب لحراسة طريق شجرة الحياة " (تكوين24:3
- ملاك يلقى هاجر في الصحراء (تك 16
- ملاكان يخلّصان لوط (تك 19- ملاك يخلّص دانيال النبي والفتية الثلاثة: "إلهي أرسل ملاكه وسد أفواه الأسود فلم تضرّني لأني وجدت بريئًا قدّامه وقدامك أيضًا أيّها الملك لم أفعل ذنبًا "(22:6)، كذلك في حادثة إلقاء الفتية الثلاثة في أتون النار، جاء الملاك إليهم وسط اللهيب وأنقذهم، " ها أنا ناظر أربعة رجال محلولين يتمشون في وسط النار وما بهم ضرر ومنظر الرابع شبيه بابن الآلهة " (دانيال25:3
في العهد الجديبد
- ملاك يظهر لزكريا النبي : أنا جبرائيل الواقف قدام الله وأرسلت لاكلّمك وأبشرّك بهذا " وهنا يظهر الملاك جبرائيل لزكرّيا في الهيكل ليبشرّه بحبل زوجته اليصابات، ويخبره عن نوع خدمة المولود يوحنا الذي سيرد كثيرين من بني اسرائيل الى الرّب إلههم ويُهيئ للرّب شعباً مستعدّاً (لوقا11:1-22
- البشارة الإلهيّة: البشارة الإلهيّة: الملاك جبرائيل يبشّر مريم العذراء بأنها ستلد ابنًا "ابن العلي يُدعى" ولا يكون لملكه نهاية. (لوقا26:1-38
- ملاك يتكلّم مع يوسف: يزيل الملاك ارتباك يوسف خطيب مريم ويعلن له حقيقة يسوع: " ولكن فيما هو متفكر في هذه الأمور اذا ملاك الرّب قد ظهر له في حلمٍ قائلاً: «يا يوسف ابن داود لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لان الذي حبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابنًا وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم»" (متى20:1-22
- ملاك يتكلّم مع الرعاة: يعلن الملاك للرعاة ولادة الطفل يسوع: "ها أنا أبشّركم بفرحٍ عظيم يكون لجميع الشعب أنّه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلّص هو المسيح الرّب". (لوقا 10:2-11
- حماية يسوع: يسهر الملاك على تنبيه يوسف من المخاطر التي تحيط بالمولود الإلهيّ ويسهر على رعاية الطفل وحماية مريم ويوسف. (متى2
- ملاك يُرشد فيلبس الرسول: "قم اذهب نحو الجنوب على الطريق المنحدرة من أورشليم إلى غزة التي هي بريّة ". فعمل فيليبس بما قاله له الملاك والتقى الوزير الحبشي وهو يستقل مركبته فتحدث إليه وفسرّ له ما يقوله أشعيا عن المسيح فآمن وحصل على الخلاص وبعد أن عمّد فيليبس الحبشي خطف روح الرّب فيليبس ونقله من هناك. (أع26:8-40
- ملائكة يشهدون للقيامة ويبعثون الأمل والفرح: وإذا زلزلة عظيمة حدثت لأن ملاك الرّب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه. وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات. (متى1:28-4
وفي مكان آخر في بشارة يوحنا (12:20) يقول: لما نظرت مريم المجدلية إلى القبر رأت "ملاكين بثياب بيض جالسين واحد عند الرأس والآخر عند الرجلين حيث كان يسوع موضوعاً " "ثم فإن ملاكين وقفا خارج القبر وأعلنا "ليس هو ههنا لكنه قام" (لوقا6:24
- ملاكان يشهدان لصعود الرّب: "ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم. وفيما كانوا يشخصون الى السماء وهو منطلق اذا رجلان قد وقفا بهم بلباس ابيض وقالا ايها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون الى السماء. ان يسوع هذا الذي ارتفع عنكم الى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقًا الى السماء" (أع11:1
- الملائكة والمجيء الثاني: "لأن الرّب نفسه بهتاف، بصوت رئيس الملائكة وبوق الله، سوف ينزل من السماء والأموات في المسيح سيقومون أولاً" (1تسالونيكي16:4
مراتب الملائكة وعددها
يذكر بولس الرسول في رسائله عن
- أربع مراتب ملائكيّة (رسالته إلى أهل كولوسي): العروش، الأرباب، الرئاسات والسيادات (كول16:1
- رئيس ملائكة (رسالته الأولى إلى أهل تسالونيكي 1تس16:4
- ملائكة ورؤساء وقوات في رسالته إلى أهل رومية (رو38:8
بالمقابل يُخبرنا القدّيس ديونيسيوس الأريوباغي أن الملائكة هي رئاسات مثلّثة الأجواق
سيرافيم، شيروبيم، عروش وأرباب، قوات، سلطات ورئاسات، رؤساء ملائكة، ملائكة.
أي تسع طغمات. فيقول القدّيس يوحنا الدمشقي في ذلك: هي «أنوار عقليّة ثانيّة من النور الأوّل الّذي لا بدءَ له الحاوي النور
العدد
- عدد الملائكة غير محدود. رأى دانيال النبيّ في إحدى رؤاه "القديم الأيام" يجلس على عرشٍ ناريّ وحوله جنود الملائكة التي لا عدَّ لها: «ألوفٌ ألوفٌ يخدمونه وربواتٌ يقفون حوله» (دانيال 10:7
- في ميلاد المسيح «ظهرَ حشدٌ من الجنود السماويّة يسبِّحون الله» (لو13:2
- في سفر الرؤيا يكتب يوحنا الإنجيليّ بأنّه رأى وسمع جوقاً ملائكياً حول عرش الله كان عدد أعضائها ربوات ربوات وألوف ألوف (رؤ11:5
- وبتجسّد الرّب يسوع المسيح، تخطت بشريتنا المراتب الملائكية بأسرها، وسيجلس المؤمنون في الحياة الأخرى ليدينوا الملائكة الذين تبعوا ابليس (1كورنثوس 3:6
"ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة
فقدوسٌ قدوسٌ قدوسٌ رّب الجنود مجده ملء كلّ الأرض (أشعياء3:6
الملائكة الذين ذكرهم الكتاب المقدّس ومعنى أسمائهم
1- ميخائيل: معنى اسمه بالعبرية "من مثل الله؟" أو "من يعادل الله؟
- ميخائيل الرئيس العظيم: يُشار إليه في سفر دانيال النبي بالقول "ميخائيل رئيسكم" (21:10) وبالرئيس العظيم "وفي ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبني شعبك ويكون زمان ضيق لم يكن منذ كانت أمة الى ذلك الوقت وفي ذلك الوقت ينجى شعبك كل من يوجد مكتوبا في السفر" (1:12
- هو الذي رأه يشوع بن نون وتكلّم معه في المعركة، والذي عرّف عن نفسه بأنّه رئيس جند الرّب، وهذا ما يدوّن على أيقونته داخل كرة أرضية يحملها بيده وعلى رأسها صليب. (يش14:5
- مذكور في رسالة يهوذا أنّه خاصم إبليس كرئيس الملائكة (يهوذا9).
- في سفر الرؤيا خاض حربًا ضد الشيطان وأبالسته (7:12-8
ملاحظة
صحيح أن كلمة رئيس الملائكة ترد في الكتاب المقدّس بصيغة المفرد، أي لا يأتي على ذكر «رؤساء الملائكة»، ولكن بالمقابل نقرأ في سفر دانيال أن ميخائيل هو واحد من الرؤساء الأوّلين " وهوذا ميخائيل واحد من الرؤساء الأوّلين" (دا13:10
2- جبرائيل:
3- روفائيل: معناه "شفاءُ الله" أو"الله الشافي
ورد ذكره في سفر طوبيا في الإصحاح الثالث هكذا: " فأرسل الرّب ملاكه القدّيس رافائيل ليشفي كلا الاثنين اللذين رفعت صلواتهما في وقت واحد الى حضرة الرّب (طو25:3) ليُزيل البقع البيضاء عن عيني طوبيت فيرى بعينيه نور الله... ويطرد عنها أزموداوس الشيطان الخبيث
يصوّر التراث روفائيل يقود طوبيا بيمينه وطوبيا حاملاً سمكةً التقطها من نهر دجلة وفي يسراه إناء طبّي
4- السيرافيم: الكلمة بصيغة الجمع مشتقة في العبرية من كلمة تعني المحبة. وبعضهم يقول إن معناها الملتهبين. فالسارافيم هي "المشتعلة" والشاروبيم تشير إلى معرفة الله وتصوّر ممتلئة عيوناً من كلّ صوب
ذكروا في أشعيا (1:6-6) " فطار إليّ واحد من السرافيم وبيده جمرة قد أخذها بملقط من على المذبح
5- الكروبيم: كلمة عبرية بصيغة الجمع مفردها (ك ر وب) كروب وتجمع بالعربية كروبون، وهم حملة عرش "الخالق
نقرأ عنهم في
- سفر التكوين: " طرد الانسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة " (تكوين24:3
- في خيمة الاجتماع في البرية يظهر الكروبيم فوق الغطاء الذهبي لتابوت العهد (خروج18:25). وفي الحجاب الفاصل بين القدس وقدس الأقداس (خروج31:26) فكأنهم يقومون بحراسة الطريق إلى حضرة الله كونهم يُوصفون ذوات العيون الكثيرة
- المزامير
- ركب على كروب وطار وهف على أجنحة الرياح (10:18
- يا راعي اسرائيل اصغ يا قائد يوسف كالضان يا جالسا على الكروبيم
اشرق (1:80
- الرّب قد ملك. ترتعد الشعوب.هو جالس على الكروبيم. تتزلزل الأرض (1:99
- صموئيل الثاني11:22: ركب على كروب وطار ورائي على أجنحة الريح
- حزقيال16:28: بكثرة تجارتك ملأوا جوفك ظلما فاخطأت. فأطرحك من جبل الله وأبيدك أيها الكروب المظلل من بين حجارة النار
- العبرانيين5:9: وفوقه كروبا المجد مظللين الغطاء. أشياء ليس لنا الآن ان نتكلم عنها بالتفصيل
سقوط الملائكة
- "لا عجب لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور" (2كو14:11). يشرح لوقا الإنجيلي فرحة التلامذة فيقول:" فرجع السبعون بفرحٍ قائلين يا رّب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك. فقال لهم (يسوع) رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء." (لوقا 17:10-18
- كذلك يؤكّد بطرس الرسول في رسالته الثانية عقاب الشيطان:" لأنّه إن كان الله لم يشفق على ملائكة قد أخطأوا بل في سلاسل الظلام طرحهم في جهنم وسلّمهم محروسين للقضاء" (2بطرس4:2). المسؤولية تقع على عاتق الملائكة أنفسهم
- ونقرأ في رسالة يهوذا: "فأريد أن أذكّركم ولو علمتم هذا مرّة أن الرّب بعدما خلّص الشعب من أرض مصر أهلك أيضًا الذين لم يؤمنوا، والملائكة الذين لم يحفظوا رياستهم بل تركوا مسكنهم حفظهم الى دينونة اليوم العظيم بقيود أبديّة تحت الظلام". (يهوذا6). خطيئتهم عظيمة: الكبرياء والطمع
- كذلك يؤكّد بولس الرسول من أن حربنا هي مع الشياطين "فان مصارعتنا ليست مع دم ولحم بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم عالم ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات."من اجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير وبعد ان تتمموا كل شيء أن تثبتوا" (أفسس12:6) ويدعونا أن نلبس سلاح البر. (تتمة الرسالة
ويشاركه في هذا الجهاد بطرس الرسول بقوله لنا: "أصحوا واسهروا لأن ابليس خصمكم كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو، فقاوموه راسخين في الإيمان"(1بطرس8:5-9
كذلك يعقوب الرسول :" فاخضعوا لله. قاوموا ابليس فيهرب منكم." (يعقوب7:4
- الإنسان بقوّة الرّب يسوع ظافر ولا غلبة للملائكة الساقطة عليه. و" كلّ ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض " "تجثو باسم يسوع" (فيليبي 10:2
تاريخيّة أعياد الملائكة:
- بدأ التعييد لهذا العيد من القرن الرابع ميلادي وحدد في 8 تشرين الثاني
- هناك أعياد أخرى للملائكة نذكر منها عيد أعجوبة الملاك ميخائيل في كولوسي في 6 أيلول
- العيدُ الجامعُ لرئيس الملائكة جبرائيل يقع في اليوم التالي لعيد البشارة أي في 26 آذار
- إحتفال للملاك جبرائيل في 13 تموز
الملائكة في الليتورجيّة والصلوات
- أفشين الملاك الحارس في صلاة النوم الصغرى
- ترد الملائكة كثيرًا في الصلوات المختلفة
- يوم الاثنين من كلّ أسبوع هو مكرّس للملائكة
الملائكة في الفن الكنسي
- تشاهد الملائكة بشكل فتيان شابة مع أجنحة. - الأجنحة تشير إلى سرعة التنقّل والجسد اللاهيولي
- ملامح التأهّب والخدمة والقوة والرجولة بارزة على وجوههم. - الشعر مشدود ومربوط بشكل ظاهر وهي من علامات المحارب
- الصولجان في اليد اليمنى هو إمتداد للسلطة الإلهية. فهم رسل أصحاب سلطة
- نشاهد أحيانًا خاتمًا في اليد اليسرى عليه الحرف الأوَّل من اسم المسيح باللغة اليونانية.
- نشاهد أيقونات لرئيس الملائكة ميخائيل يحمل بيده اليسرى كرة أرضية على رأسها صليب وفي داخلها ثلاثة أحرف يونانية تعني رئيس ملائكة الرّب كما جاء في سفر يشوع بن نون (يش14:5
- هناك أيقونات لرئيس الملائكة ميخائيل يظهر فيها بشكل محاربٍ ويحمل بيده اليمنى سيفًا وفي يده اليسرى يافطة تعلن ضرورة التوبة والرجوع عن الخطأ
- تتنوّع لون ثيابها بين اللون الأبيض رمزاً للطهارة والنقاء وبين ألوان مختلفة بحسب الحدث الموجودة فيه. - تصوَّر السيرافيم بحسب ما جاء عند النبي أشعياء أي بستة أجنحة
- تصوّر الشيروبيم والعروش كدواليب ناريّة مجنحّة وفوقها عيون تماشيًا مع رؤية حزقيال النبيَ
يمكن تصوير الملائكة داخل الكنائس في الجداريات في أماكن مختلفة
* حول أيقونة الرّب يسوع الضابط الكل في قبة الكنيسة. * داخل الهيكل: في الحنية أي على يمين أيقونة والدة الإله ويسارها. (الأرحب من السموات) * في أي مشهد يمثّل أحداثًا إنجيليّة
الطروباريّة
أيٌّها المتَقَدِّمونَ على الجُندِ السماويِّين. نَتوسَّلُ إليكم نحنُ غيرَ الُمستحقِّين. حتى إنَّكم بطَلِباتِكم تكتَنِفونا. بِظلِّ أجنحَةِ مَجدِكُمُ اللاَّهيولي. حافظينَ إيَّانا نحنُ الجاثينَ والصّارخينَ بغيرِ فتورٍ. أنقِذونا مِنَ الشدائِد. بما أنَّكم رُؤساءُ مَراتِبِ القُوَّاتِ العُلويَّة
القدّيس الرسول لوقا الإنجيلي
القدّيس الرسول لوقا الإنجيلي
هو كاتب الإنجيل الثالث وسفر أعمال الرسل
هو لوقا الطبيب (كولوسي ١٤:٤) معاون بولس الرسول ورفيقه في عدد من أسفاره
هو من أنطاكية، وكتبنا الليتورجية تصفه بأنّه "جمال الانطاكيين" صلاة المساء
هو أحد التلميذين اللذين دنا منهما السيّد في الطريق إلى عمواس وسار معهما. لوقا ١٨:٢٤
هو بحسب تقليد الكنيسة كان رساماً وينسبون إليه أوّل أيقونة لوالدة الإله
هو الوحيد من بين كتاب العهد الجديد الذي لم يكن يهوديًا بل كان أمميًا
الإنجيلي لوقا وبولس الرسول
أما لقاؤه ببولس الرسول فيبدو أنه كان في مدينة تراوس. وقد رافق الرسول المصطفى في قسم من رحلته التبشيرية الثانية وفي رحلته الثالثة
ويظهر، كما يذكر تقليد قديم، أنه أقام في فيليبي فترة من الزمن رافق خلالها تيطس في رحلات تبشيرية في المدينة والجوار
مكث لوقا الإنجيلي مع بولس الرسول في قيصرية فلسطين مدة عامين قضاها هذا الأخير مسجوناً. كذلك رافقه إلى روما وبقي بجانبه هناك أيضاً، في فترة سجنه
ثم بعد استشهاد رسول الأمم يظن أنّه انتقل إلى دالماتيا وغالباً مبشّراً بالإنجيل. هذا إذا ما أخذنا بشهادة القديس ابيفانيوس القبرصي٣١٥ -٣٠٤ م
الإنجيلي لوقا وكتاباته
كما هو واضح من في بداية إنجيل لوقا أن القدّيس لوقا يراسل رجل اسمه ثاوفيلوس سبق له أن اقتبل الكلمة
أراد لوقا أن يزوّد هذا الرجل الذي يصفه بـ "العزيز"، بالقول الصحيح عن البشارة، ربما لتمكينه من التمييز بين الشهادة الصحيحة والشهادة المزورة عن المسيح بعدما أخذت كتابات منحولة طريقها إلى التداول
أمّا من هو ثاوفيلوس هذا فليس لدينا قول قاطع بشأنه
بعض المصادر يقول أنه كان رجلاً إيطالياً شريفاً، وبعضها أنه كان حاكم آخائية.
أنى يكن الأمر، فإن أسلوب القدّيس لوقا وطريقته في نظم الأحداث وعرضها يشيران، في نظر العلماء والدارسين، إلى ثقافة يونانية راقية وعقل علمي
فهو أكثر الإنجيليين التصاقاً بالبشارة كتاريخ. إلى ذلك تعتبره صلواتنا الليتورجية "... خطيباً بليغاً للكنيسة الموقّرة..." (صلاة السحر
الصورة التي اهتمّ بإبرازها عن السيّد هي أنّه المخلّّص الإلهيّ للعالم أجمع وطبيب النفوس والأجساد
لوقا هو أكثر الإنجيليين ذكراً للرّب يسوع مصليًّاً، وفي شهادته حثّ على الصلاة المتواصلة
كما يظهر الرّب يسوع في إنجيله عطوفاً على النساء والفقراء والأميين على نحو مميّز.
رقاد القدّيس لوقا الإنجيلي ورفاته
لا نعرف تماماً لا أين ولا متى رقد القدّيس لوقا
بعض المصادر تتكلّم أنّه بلغ الثمانين من العمر، وأنّه رقد في الإسكندرية، ومن هناك نقل إلى مدينة القسطنطينية في القرن الرابع، أيام الإمبراطور قسطنديوس ٣٥٧ م
إلى رفاته تعزى عجائب شفاء عديدة، ويقال أن سائلاً كان يخرج من قبره ويشفي من يدهنون به من ذوي أمراض العيون
هو كاتب الإنجيل الثالث وسفر أعمال الرسل
هو لوقا الطبيب (كولوسي ١٤:٤) معاون بولس الرسول ورفيقه في عدد من أسفاره
هو من أنطاكية، وكتبنا الليتورجية تصفه بأنّه "جمال الانطاكيين" صلاة المساء
هو أحد التلميذين اللذين دنا منهما السيّد في الطريق إلى عمواس وسار معهما. لوقا ١٨:٢٤
هو بحسب تقليد الكنيسة كان رساماً وينسبون إليه أوّل أيقونة لوالدة الإله
هو الوحيد من بين كتاب العهد الجديد الذي لم يكن يهوديًا بل كان أمميًا
الإنجيلي لوقا وبولس الرسول
أما لقاؤه ببولس الرسول فيبدو أنه كان في مدينة تراوس. وقد رافق الرسول المصطفى في قسم من رحلته التبشيرية الثانية وفي رحلته الثالثة
ويظهر، كما يذكر تقليد قديم، أنه أقام في فيليبي فترة من الزمن رافق خلالها تيطس في رحلات تبشيرية في المدينة والجوار
مكث لوقا الإنجيلي مع بولس الرسول في قيصرية فلسطين مدة عامين قضاها هذا الأخير مسجوناً. كذلك رافقه إلى روما وبقي بجانبه هناك أيضاً، في فترة سجنه
ثم بعد استشهاد رسول الأمم يظن أنّه انتقل إلى دالماتيا وغالباً مبشّراً بالإنجيل. هذا إذا ما أخذنا بشهادة القديس ابيفانيوس القبرصي٣١٥ -٣٠٤ م
الإنجيلي لوقا وكتاباته
كما هو واضح من في بداية إنجيل لوقا أن القدّيس لوقا يراسل رجل اسمه ثاوفيلوس سبق له أن اقتبل الكلمة
أراد لوقا أن يزوّد هذا الرجل الذي يصفه بـ "العزيز"، بالقول الصحيح عن البشارة، ربما لتمكينه من التمييز بين الشهادة الصحيحة والشهادة المزورة عن المسيح بعدما أخذت كتابات منحولة طريقها إلى التداول
أمّا من هو ثاوفيلوس هذا فليس لدينا قول قاطع بشأنه
بعض المصادر يقول أنه كان رجلاً إيطالياً شريفاً، وبعضها أنه كان حاكم آخائية.
أنى يكن الأمر، فإن أسلوب القدّيس لوقا وطريقته في نظم الأحداث وعرضها يشيران، في نظر العلماء والدارسين، إلى ثقافة يونانية راقية وعقل علمي
فهو أكثر الإنجيليين التصاقاً بالبشارة كتاريخ. إلى ذلك تعتبره صلواتنا الليتورجية "... خطيباً بليغاً للكنيسة الموقّرة..." (صلاة السحر
الصورة التي اهتمّ بإبرازها عن السيّد هي أنّه المخلّّص الإلهيّ للعالم أجمع وطبيب النفوس والأجساد
لوقا هو أكثر الإنجيليين ذكراً للرّب يسوع مصليًّاً، وفي شهادته حثّ على الصلاة المتواصلة
كما يظهر الرّب يسوع في إنجيله عطوفاً على النساء والفقراء والأميين على نحو مميّز.
رقاد القدّيس لوقا الإنجيلي ورفاته
لا نعرف تماماً لا أين ولا متى رقد القدّيس لوقا
بعض المصادر تتكلّم أنّه بلغ الثمانين من العمر، وأنّه رقد في الإسكندرية، ومن هناك نقل إلى مدينة القسطنطينية في القرن الرابع، أيام الإمبراطور قسطنديوس ٣٥٧ م
إلى رفاته تعزى عجائب شفاء عديدة، ويقال أن سائلاً كان يخرج من قبره ويشفي من يدهنون به من ذوي أمراض العيون
عيد ميلاد سيّدتنا والدة الإله الفائقة القداسة
لقد خلق الله الإنسان ووضعه في الفردوس لكي لا ينشغل بغير زرع الخير والتأمل في أعمال الله وتسبيحه، لكن, بحسد الشيطان الذي أغوى حواء, المرأة الأولى, سقط آدم في الخطيئة وحسم من فردوس النعيم
بعد ذلك, أعطى الله البشر شريعته بواسطة موسى, وأعلن مشيئاته بواسطة أنبيائه، فعل ذلك لأنه أراد الله أن يُعدَّ البشرية لحدث عظيم هو تجسّد ابنه الوحيد، كلمة الله, الذي يخلّصنا من فخاخ العدو ومن الخطيئة والموت
فأعد الله مسكناً لا عيب فيه هي القديسة العذراء مريم (كما أعد البشرية جمعاء). ومع أن مريم، (وسائر البشر)، كانت تحت اللعنة والموت اللذين حلاّ بآدم وحواء نتيجة للخطية الجديّة، فإن الله اختارها، منذ الدهر، لتكون حواء جديدة، وأما للمسيح المخلّص وينبوعاً لخلاصنا ومثالاً لكلّ قداسة
وهنا يجب ان نفهم كيفيّة إختيارها، فكون الله هو فوق الزمان والمكان، فقد نظر مسبقًا روحها وعرف تقيّتها وطهارتها وتواضعها، فكانت هي الكتاب الذي حوى الكلمة الإلهيّة
وبتدبير الهي، ترك الله يواكيم وحنة، والدي مريم، بلا ذريّة إلى أن تجاوزا سن الإنجاب، ثم أعطاهما ما تمنّياه طوال حياتهما، فكانت لهما مريم ثمرة النعمة والبركة والحنان الإلهي
ومع ان الولادة كانت ثمرة علاقة زوجيّة كسائر الناس، إلّا كان فرح يواكيم وحنّة بالعطيّة الإلهية عظيماً جدًا
تقول الترنيمة الخاصة بيوم تقدمة هذا العيد: "تهلّلي أيتها الخليقة كلها لشعورك بورود الفرح من حنّة المتألهة اللّب التي معنى اسمها النعمة ومن يواكيم الإلهي اللذين على غير أمل ولدا مريم الكلية الطهارة والدة الإله النقية
إن ميلاد مريم العذراء هو مصدر فرح وتهليل لكلّ الخليقة
مريم ولدت من يواكيم وحنّة، بعد ان نظر الله إلى عقرهما وترّحم عليهما، لكنها بالحقيقة تخصّ العالم كله، لأنها هي التي ولدت المسيح الإله، مخلّص العالم
مريم هي غاية تاريخ الخلاص وتمامه، وكمآل تاريخ الحب والطاعة، واكتمال تاريخ الاستجابة والرجاء، لهذا السبب، نجد الخدمة الليتورجية، في هذا اليوم، مشّبعة بالتهليل والفرح والحبور، (هذا هو يوم الرب فتهلّلوا يا شعوب...)، (اليوم ظهرت بشائر الفرح لكل العالم...)، (اليوم حدث ابتداء خلاصنا يا شعوب
في المزمور 13 هذه الأقوال التي تعبّر عن حال البشرية قبل ورود المسيح: (...ليس من يعمل صلاحاً، حتى ولا واحد، أطلّ الرب من السماء على بني البشر ليرى هل من فاهم أو طالب الله، ضلّوا كلهم جميعاً وتدنّسو، ليس من يعمل صلاح، كلا ولا واحد)، (مز1:13-3)، طبعا, كان هناك صدّيقون أرضوا الله من قريب أو بعيد، ولكن, وحده الرب يسوع المسيح كان على قلب الآب السماوي, وأرضى الله إرضاء كاملاً غير منقوص، لهذا السبب، كان الرب يسوع الوحيد الذي قال عنه الآب السماوي: (هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا) (مت 5:17)، العالم, إذاً، كان عاقراً عقيماً كيواكيم وحنّة، لذلك تقول إحدى ترانيم صلاة السحر: يا للعجب الباهر، فان الثمرة التي برزت من العاقر بإشارة خالق الكل وضابطهم قد أزالت عقم العالم من الصالحات بشدة بأس
يواكيم وحنة هما صورة العالم العقيم، ومريم هي صورة العالم الجديد المخصب، صورة الكنيسة
كلاهما نعمة من عند الله، فنحن نتحدّث، بصورة تلقائية، عن انحلال عقر يواكيم وحنّة وانحلال عقر طبيعتنا باعتبارهما شأناً واحداً، كما نتحدث،عن ولادة مريم (التي بنتيجتها تألهنا، ومن الموت نجونا) وكأن الأمرين واحد
هذا، ولا بد من تأكيد ما ينبغي أن يكون مبدأ كلّ فرح وغايته، أن فرحنا بمريم وتهليلنا لها هو فرح بالرّب يسوع المسيح وتهليل له، هو الذي جعل مريم أم الحياة، كما يجعل الكنيسة ينبوع الحياة
هذا أمر كثيراً ما ننساه فنتعامل مع مريم وكأنّها قائمة في ذاته
الكنيسة الأرثوذكسية تسمّي مريم والدة الإله
كلّ الترانيم في الكنيسة لا تذكر مريم إلا مقرونةً بابنها، مخلّص نفوسنا
كلّ الخليقة تحيا إذا ما أضحت مسكناً للمسيح، على غرار سكنى الرب يسوع في أحشاء مريم القدّيسة
كل الخليقة تزهو وتتمجّد إذا ما كانت أيقونة للمسيح وشاهدة للمسيح
هذه هي المعاني والحقائق الخلاصيّة التي تؤكّدها الكنيسة في هذا اليوم المبارك، وتفرح بها، وهذا هو الأساس الذي عليه تقيم تذكار ميلاد والدة الإله الفائقة القداسة والدائمة البتولية مريم
فبشفاعة والدة الإله يا مخلّص خلّصنا
بعد ذلك, أعطى الله البشر شريعته بواسطة موسى, وأعلن مشيئاته بواسطة أنبيائه، فعل ذلك لأنه أراد الله أن يُعدَّ البشرية لحدث عظيم هو تجسّد ابنه الوحيد، كلمة الله, الذي يخلّصنا من فخاخ العدو ومن الخطيئة والموت
فأعد الله مسكناً لا عيب فيه هي القديسة العذراء مريم (كما أعد البشرية جمعاء). ومع أن مريم، (وسائر البشر)، كانت تحت اللعنة والموت اللذين حلاّ بآدم وحواء نتيجة للخطية الجديّة، فإن الله اختارها، منذ الدهر، لتكون حواء جديدة، وأما للمسيح المخلّص وينبوعاً لخلاصنا ومثالاً لكلّ قداسة
وهنا يجب ان نفهم كيفيّة إختيارها، فكون الله هو فوق الزمان والمكان، فقد نظر مسبقًا روحها وعرف تقيّتها وطهارتها وتواضعها، فكانت هي الكتاب الذي حوى الكلمة الإلهيّة
وبتدبير الهي، ترك الله يواكيم وحنة، والدي مريم، بلا ذريّة إلى أن تجاوزا سن الإنجاب، ثم أعطاهما ما تمنّياه طوال حياتهما، فكانت لهما مريم ثمرة النعمة والبركة والحنان الإلهي
ومع ان الولادة كانت ثمرة علاقة زوجيّة كسائر الناس، إلّا كان فرح يواكيم وحنّة بالعطيّة الإلهية عظيماً جدًا
تقول الترنيمة الخاصة بيوم تقدمة هذا العيد: "تهلّلي أيتها الخليقة كلها لشعورك بورود الفرح من حنّة المتألهة اللّب التي معنى اسمها النعمة ومن يواكيم الإلهي اللذين على غير أمل ولدا مريم الكلية الطهارة والدة الإله النقية
إن ميلاد مريم العذراء هو مصدر فرح وتهليل لكلّ الخليقة
مريم ولدت من يواكيم وحنّة، بعد ان نظر الله إلى عقرهما وترّحم عليهما، لكنها بالحقيقة تخصّ العالم كله، لأنها هي التي ولدت المسيح الإله، مخلّص العالم
مريم هي غاية تاريخ الخلاص وتمامه، وكمآل تاريخ الحب والطاعة، واكتمال تاريخ الاستجابة والرجاء، لهذا السبب، نجد الخدمة الليتورجية، في هذا اليوم، مشّبعة بالتهليل والفرح والحبور، (هذا هو يوم الرب فتهلّلوا يا شعوب...)، (اليوم ظهرت بشائر الفرح لكل العالم...)، (اليوم حدث ابتداء خلاصنا يا شعوب
في المزمور 13 هذه الأقوال التي تعبّر عن حال البشرية قبل ورود المسيح: (...ليس من يعمل صلاحاً، حتى ولا واحد، أطلّ الرب من السماء على بني البشر ليرى هل من فاهم أو طالب الله، ضلّوا كلهم جميعاً وتدنّسو، ليس من يعمل صلاح، كلا ولا واحد)، (مز1:13-3)، طبعا, كان هناك صدّيقون أرضوا الله من قريب أو بعيد، ولكن, وحده الرب يسوع المسيح كان على قلب الآب السماوي, وأرضى الله إرضاء كاملاً غير منقوص، لهذا السبب، كان الرب يسوع الوحيد الذي قال عنه الآب السماوي: (هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، له اسمعوا) (مت 5:17)، العالم, إذاً، كان عاقراً عقيماً كيواكيم وحنّة، لذلك تقول إحدى ترانيم صلاة السحر: يا للعجب الباهر، فان الثمرة التي برزت من العاقر بإشارة خالق الكل وضابطهم قد أزالت عقم العالم من الصالحات بشدة بأس
يواكيم وحنة هما صورة العالم العقيم، ومريم هي صورة العالم الجديد المخصب، صورة الكنيسة
كلاهما نعمة من عند الله، فنحن نتحدّث، بصورة تلقائية، عن انحلال عقر يواكيم وحنّة وانحلال عقر طبيعتنا باعتبارهما شأناً واحداً، كما نتحدث،عن ولادة مريم (التي بنتيجتها تألهنا، ومن الموت نجونا) وكأن الأمرين واحد
هذا، ولا بد من تأكيد ما ينبغي أن يكون مبدأ كلّ فرح وغايته، أن فرحنا بمريم وتهليلنا لها هو فرح بالرّب يسوع المسيح وتهليل له، هو الذي جعل مريم أم الحياة، كما يجعل الكنيسة ينبوع الحياة
هذا أمر كثيراً ما ننساه فنتعامل مع مريم وكأنّها قائمة في ذاته
الكنيسة الأرثوذكسية تسمّي مريم والدة الإله
كلّ الترانيم في الكنيسة لا تذكر مريم إلا مقرونةً بابنها، مخلّص نفوسنا
كلّ الخليقة تحيا إذا ما أضحت مسكناً للمسيح، على غرار سكنى الرب يسوع في أحشاء مريم القدّيسة
كل الخليقة تزهو وتتمجّد إذا ما كانت أيقونة للمسيح وشاهدة للمسيح
هذه هي المعاني والحقائق الخلاصيّة التي تؤكّدها الكنيسة في هذا اليوم المبارك، وتفرح بها، وهذا هو الأساس الذي عليه تقيم تذكار ميلاد والدة الإله الفائقة القداسة والدائمة البتولية مريم
فبشفاعة والدة الإله يا مخلّص خلّصنا
القديس المجيد النبي اليليا الغيور (القرن 10 ق.م )
تموز غربي 2
هو شيخ الأنبياء في العهد القديم بلا منازع ونموذج الغيرة الإلهية في زمن شحّت فيه عبادة الله وانصرف الأكثرون إلى ما درج من عبادات البعل وعشتروت. لم يكن موقعه في وجدان اليهود، على مدى تسعة قرون، ليُدانى، حتى قيل إنّ أباه، لحظة ولادته، عاين رجالاً اتّّشحوا بالأبيض يشتملونه بأقمطة من نار ويطعمونه لهباً نسبة إلى الغيرة الإلهية التي أكلته مدّة حياته. وفي التلمود اليهودي أنّه الملاك أو رسول الربّ الذي صعد إلى السماء بعدما قدّم لجدعون تقدمته أمامه فمسّها بالعكاز وصعد في لهيبها إلى السماء. موقعه في عبادة إسرائيل لم يسقط البتّة حتى كانوا يضعون له كرسيّاً شاعراً عند ختان كلّ صبيّ في إسرائيل وفي الفصح معلّلين النفس بظهوره بغتة. والعالم اليهودي توسّع في أخبار عجائب النبي الياس واهتّم بمناقشة أصله وصعوده معتبراً إياه بلا خطيئة. وقد حُسب من الملائكة واعتبر كمساعد للمؤمن في أوقات الشدّة
إيليا، الاسم، يعني "إلهي يهوه" أو "إلهي إله العهد". "تِشبه" التي ولد فيها ليس موقعها معروفاًًً تماماً. ثمّة من يقول إنها بلدة في الجليل، في سبط نفتالي، وآخرون أنّها في جلعاد شرقي الأردن، تجاه السامرة أنّى يكن الأمر فقد كان رجلاً يألف حياة الجبال ويتّسم يالصلابة والشجاعة وقوّة الاحتمال. يوصف بأنّه "أشعر متنطق بمنطقة من جلد على حقويه". التقليد القديم يقول عنه إنّه كان قصير القامه، نذيراً، اسود الشعر، يتدلّى شعره على كتفيه في شبه عرف الأسد. والمرجّح أنّ فترة نبوّته امتدّت قرابة العشرين عاماً وأنّه صعد إلى السماء في حدود العام 900 ق م
ظهور إيليا كان في أيام آخاب. هذا ملك على إسرائيل في السامرة اثنتين وعشرين سنة. سفر الملوك يقول عنه إنّه عمل الشرّ في عيني الربّ أكثر من جميع الذين قبله. ومردّ شرّه، بخاصة، اتخاذه إيزبيل، ابنة أتبعل، ملك الصيدونيّين، امرأة. أتبعل، بحسب يوسيفوس، كان كاهناً للبعل. وإيزابيل كانت قوّية الشكيمة. جعلت، في قلبها، أن تمحو، من إسرائيل، عبادة الإله الحيّ. لذا عمدت إلى هدم مذبح الله وقتلت الأنبياء وأحلّت محلّهم أربعمائة وخمسين من أنبياء للبعل، وأربعمائة من أنبياء السواري أو عشتاروت. كما أب الآلهة ومصدر الخصب والقوّة والبهجة، فيما عشتاروت هي إلهة الخصب والشباب والجمال
أيّ هو المصدر الحقّ للخصب: الإله الحيّ أم البعل وعشتاروت؟ لمعرفة ذلك شاء الربّ الإله أن يجعل الشعب أمام الاختبار القاسي فأوفد نبيّه إيليا التشبي إلى آخاب الملك قائلاً: "حيّ هو الربّ إله إسرائيل الذي وقفت أمامه لا يكون طلّ ولا مطر في هذه السنين إلاّ عند قولي". وحلّ الجفاف وامتدّ حتى إلى ثلاث سنوات وستّة أشهر. والجفاف استتبع المجاعة. إيليا، كان عليه، بأمر الله، أن يتوارى فاختباً عند نهر كريت، مقابل الأردن. هناك عالته الغربان وشرب من النهر إلى أن يبس من انقطاع المطر. ثمّة، عند الله وقت للتواري ووقت للظهور. فحين يحلّ غضب الله على قوم تتوارى كلمته وتتصحّر النفوس
وكان لا بدّ لإيليا أن يجوع. النبيّ لا يعاني من وطأة خطيئة الشعب عليه وحسب بل من نتائج هذه الخطيئة أيضاً ولو كان بريئاً لأنّه من الشعب. وكلمة الله كما ارتضى، لا تخرج إلاّ من جوف البريء في قومه الآثمين. على أنّ الله لا يترك نبيّه من دون سند. لذا بُعث إيليا الى صرفة صيدون. هناك بأمر الله، اعتنت بأمره أرملة قدّمته على نفسها وعلى أهل بيتها فأعطته قليل ماء لظمئه وصنعت له كعكة صغيرة لجوعه مستبركة بقول النبيّ: "هكذا قال الربّ إله إسرائيل إن كوار الدقيق لا يفرغ وكور الزيت لا ينقص إلى اليوم الذي يعطي الربّ مطراً على وجه الأرض". فكان للمرأة وأهل بيتها، كما قال النبيّ
حلول إيليا في بيت الأرملة كان للبركة واليقين معاً. طرق الربّ دائماً محيّّرة. النصّ الكتابي يوحي بأنّ المرأة كانت في شيء من الشك من أمر إيليا فكان أن مرض ابنها واشتدّ مرضه حتى لم تبق فيه نسمة. إذ ذاك قالت لإيليا:"ما لي ولك يا رجل الله. هل جئت إليّ لتذكير إثمي وإماتة ابني". الله، في الحسبان، صانع خير، ولكن قلّما يفهم الناس أنّه مفتقد أعزّته بالأوجاع. ولا حتى إيليا فهم، فنسب إلى الله الإساءة: "أيّها الربّ إلهي أيضاً إلى الأرملة التي أنا نازل عندها قد أسأت بإماتتك ابنها". فقط في نهاية المطاف يفهمون. وحتى ذلك الحين عليهم الاعتصام بالصبر والرجاء. إيليا، رغم اتهامه الله زورا ًبالإساءة، رغم قلّة فهمه لبث مؤمناً وصرخ "لترجع نفس هذا الولد إلى جوفه". فسمع الربّ لصوت إيليا ورجعت نفس هذا الولد إلى جوفه فعاش". الله يسمع صوت المؤمن ولو شكّ لأنّه يعرف أنّ في الشكّ ضعفاً ولا يفهم بشري طرق الله. فقط عليهم أن يتعلّموا أن الله يأتيهم جديداً كل حين. ودفع إيليا الولد لأمه فهتفت: "هذا الوقت علمت أنك رجل الله وأنّ كلام الربّ في فمك حقّ". الولد، في تقليد قديم، كبر ليكون يونان النبيّ الذي أرسله الله نينوى
أخيراً حلّت، في شأن الجفاف، ساعة الحسم واستبانت حقّانية الله. الله سيّد الأوقات، يرّتبها كما يليق ولو ضجّ الناس، ولا يأتيهم إلاّ متى استنفدوا قواهم. قال إيليا: اليوم أتراءى لآخاب. آخاب كان قد خرج من بيته بحثاً عن عيون ماء وعشب للخيل والبغال. فلمّا التقى آخاب إيليا بادره بالقول:"أأنت مكدّر إسرائيل؟" كأنّ إيليا وإله إيليا من أتاه الكارثة ظلماً حين تعمى القلوب بخطاياها لا يعود المرء يرى في الضيقات سوى مجرد ظروف سيّئة أو يردّ السبب إلى تصرّف الآخرين وينسب إلى الله قسوة لا مبرّر لها. هذا ما فعله آخاب. فكان جواب الله في إيليا: "لم أكدّر إسرائيل بل أنت وبيت أبيك بترككم وصايا الربّ وبسيرك وراء البعليم". خطاياك جنت عليك لا ربّك
بعد ذلك كانت المواجهة. الشعب يعرج بين الله والبعليم، فقال له إيليا: "حتى متى تعرجون ... إن كان الربّ هوالله فاتبعوه وإن كان البعل فاتبعوه". جواب الشعب كان الصمت. والصمت فرضه الخوف. والخوف يحدث الشكّ. ثمّ قال إيليا للشعب: "أنا بقيت نبيّاً للربّ وحدي وأنبياء البعل أربعمائة وخمسون رجلآً. فليعطونا ثورين فيختاروا لأنفسهم ثوراً واحداً ويقطعوه وبضعوه على الحطب ولكن لا يضعوا ناراً، وأنا أقرّب الثور الآخر وأجعله على الحطب ولكن لا أضع ناراً. ثمّ تدعون باسم آلهتكم وأنا أدعو باسم الربّ. والإالذب يجيب بنار فهو الله". فاستحسن الشعب الآية. وكان أن قرّب أنبياء البعل الثور الذي أعطي لهم. فدعوا باسم البعل من الصباح إلى الظهر، ورقصوا حول المذبح، ولكن لم يكن صوت ولا مجيب. صرخوا بصوت عال وتقطعواحسب عادتهم بالسيوف والرماح حتى سال منهم الدم، ولكن عبثاً. أخيراً جاء دور إيليا، فرمّم مذبح الربّ المنهدم. وبعدما صنع ما ما يلزم صبّ أربع جرّات ماء ثلاثاً على المحرقة والحطب وصلّى هكذا: "أيها الربّ إله ابراهيم وإسحق وإسرائيل ليعلم اليوم أنّك أنت الله في اسرائيل وأنّي أنا عبدك وبأمرك فعلت كل هذه الأمور. استجبني يا ربّ استجبني ليعلم هذا الشعب أنّك أنت الربّ الإله وأنك حوّلت قلوبهم رجوعاً. فإذا بنار الربّ تسقط وتأكل المحرقة والحطب والحجارة والتراب وتلحس المياه في القناة، فصرخ الشعب: "الربّ هو الله، الربّ هو الله". على الأثر نزل إيليا بأنبياء البعل، بمؤازرة الشعب، وذبحهم عند نهر قيشون. ثمّ أعطى الربّ الإله مطراً عظيماً
في ذلك ألأيام طلبت إيزبيل نفس إيليا فقام ومضى لأجل نفسه إلى بئر سبع فإلى البرّية. وبعدما عاله الملاك سار بقوّة ما أكل أربعين نهاراً وأربعين ليلة إلى جبل الله حوريب حيث دخل مغارة وبات فيها
وتراءى الله، بعد ذلك، لإيليا وقال له: "اخرج وقف على الجبل أمام الربّ وهبّت ريح شديدة عظيمة شقّت الجبال وكسّرت الصخور أمام الربّ ولم يكن الربّ في الريح. وبعد الريح زلزلة ولم يكن الربّ في الزلزلة. وبعد الزلزلة نار وليكن الربّ في النار. وبعد النار صوت منخفض خفيف وكان الربّ في الصوت الخفيف. هذا كان درساً لإيليا ولكل من يقرأ إيليا. ولو قتل الناس باسم الله غيرة فما ذلك من شيم الله بل من قسوتهم. الله لا يأتي في عواصف العنف بل في نسائم اللطف. لما قال يعقوب ويوحنا ليسوع إثر امتناع السامريّين عن استقباله: "يا ربّ أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا أيضاً. التفت وانتهرهما وقال: "لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأنّ ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلّص". (لو 54:9 – 56). دورة العنف حلقة مفرغة. ما لم يتغيّر قلب الإنسان بالتوبة والنعمة فلا سبيل إلى خلاصه. ولو عاين آيات فما تنفع الآيات لأنّ الإصرار على الخطيئة يبدّد النعمة الإلهية من النفوس
بعد خمس سنوات أو يكاد عاد إيليا فالتقى آخاب عند كرم نابوت اليزرعيلي. يزرعيل كانت إلى الشمال من السامره، على بعد ثلاثين كيلومتراً منها. لم يرعو آخاب بعد حادثة ذبيحة إيليا. فرصة التوبة أتيحت له فلم ينتهزها. تمادى في غيّه وصنع شرّاً فظيعاً. كانت لنابوت أرض بحانب قصر آخاب. طلب الملك أن يعطيه نابوت أرضه مقابل أرض سواها فلم يشأ لأنّه قال هي ميراث آبائي. فدبّر آخاب مكيذة لنابوت بإيعاز من إيزابيل التي جمعت الشيوخ والأشراف وأقامت لديهم شاهدي زور على نابوت يقولان إنّه جّدف على الله وعلى الملك. فأخرجوه خارج المدينة ورجموه حتى مات. إثر ذلك قام آخاب لينزل إلى كرم نابوت ليرثه، فكان كلام الربّ إلى إيليا التشبي أن ينزل إلى آخاب بكلام. فلمّا لقيه قال له: "هل قتلت وورثت؟... هكذا قال الربّ: في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت تلحس الكلاب دمك أنت أيضاً". فأجاب آخاب: "هل وجدتني يا عدّوي؟" ففال له: "قد وجدتك لأنّك بعت نفسك لعمل الشرّ في عينّي الربّ. هأنذا أجلب عليك شرّاً وأبيد نسلك...". وتكلّم الربّ أيضاً على إيزابيل قائلاً: "الكلاب تأكل إيزابيل عند مترسة يزرعيل".فلمّا سمع آخاب هذا الكلام شقّ ثيابه وجعل مسحاً على جسده صام واضطجع ومشى بسكوت، فكان كلام الربّ لإيليا: "من أجل أنّه اتّضع أمامي لا أجلب الشرّ في أيّامه بل في أيّام ابنه..." وكان بعد حين أن إسرائيل حارب آرام فمات آخاب وأدخل السامره فدفنوا الملك هناك وغُسلت المركبة في بركة السامرة فلحست الكلاب دمه. أما إيزابيل فماتت بدوس أقدام الخيول وأكلت الكلاب لحمها حتى لم يجدوا منها غير الجمجمة والرجلين وكفّي اليدين
نهاية إيليا في مسراه الأراضي، كانت أنّه عبر وتلميذه أليشع الأردن. وفيما هما يسيران ويتكلّمان إذا مركبة من نار وخيل من نار فصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء. وكان إليشع يبصر فصرخ: "يا أبي، يا مركبة إسرائيل وفرسانها". ولم يره بعد ذلك
في الوجدان أنّ إيليا لم يمت. لذلك ظُنّ، على امتداد التاريخخ، أنّه عائد. في نبوءة ملاخي قول للربّ تردّد: "هأنذا أرسل إليكم إيليا النبيّ قبل مجئ يوم الربّ اليوم العظيم المخوف فيردّ قلب الآباء على الأنباء وقلب الأنباء على آبائهم لئلا أضرب الأرض بلعن" (ملا 4: 5 -6). إيليا، بكلام الربّ يسوع، هو إيّاه يوحنّا المعمدان الآتي بروحه. "جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنّا تنبّاوا. وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي"(مت 11: 13 - 14). كذلك ظُنّ أنّ إيليا سيعود ليشهد ويموت. لذلك في الوجدان أنّه أحد النبيّين الوارد ذكرهما في سفر الرؤيا. هذان سيشهان ألفاً ومائتين وستّين يوماً ثمّ يُقتلان ثمّ يدخل فيهما روح حياة من الله فيقومان ويصعدان إلى السماء في السحابة وينظر أعداؤهما (رؤ 11)
أما بقية أخبار إيليا النبيّ فنلقاها بحسب الترجمة السبعينية في سفرالملوك الثالث، بين الإصحاح السابع عشر وسفر الملوك الرابع، الإصحاح الثاني، أي ما يوازي في الطبعات العربية المألوفة سفر الملوك الأول، الإصحاح السابع عشر إلى سفر الملك الثاني، الإصحاح الثاني
لطروباريّة
أيها الملاك بالجسم، قاعدة الأنبياء وركنهم، السابق الثاني لحضور المسيح، إيلياس المجيد الموقر، لقد أرسلت النعمة، من العلى لأليشع، ليطرد الأسقام، ويطهر البرص، لذا يفيض الأشفية لمكرميه دائما
إيليا، الاسم، يعني "إلهي يهوه" أو "إلهي إله العهد". "تِشبه" التي ولد فيها ليس موقعها معروفاًًً تماماً. ثمّة من يقول إنها بلدة في الجليل، في سبط نفتالي، وآخرون أنّها في جلعاد شرقي الأردن، تجاه السامرة أنّى يكن الأمر فقد كان رجلاً يألف حياة الجبال ويتّسم يالصلابة والشجاعة وقوّة الاحتمال. يوصف بأنّه "أشعر متنطق بمنطقة من جلد على حقويه". التقليد القديم يقول عنه إنّه كان قصير القامه، نذيراً، اسود الشعر، يتدلّى شعره على كتفيه في شبه عرف الأسد. والمرجّح أنّ فترة نبوّته امتدّت قرابة العشرين عاماً وأنّه صعد إلى السماء في حدود العام 900 ق م
ظهور إيليا كان في أيام آخاب. هذا ملك على إسرائيل في السامرة اثنتين وعشرين سنة. سفر الملوك يقول عنه إنّه عمل الشرّ في عيني الربّ أكثر من جميع الذين قبله. ومردّ شرّه، بخاصة، اتخاذه إيزبيل، ابنة أتبعل، ملك الصيدونيّين، امرأة. أتبعل، بحسب يوسيفوس، كان كاهناً للبعل. وإيزابيل كانت قوّية الشكيمة. جعلت، في قلبها، أن تمحو، من إسرائيل، عبادة الإله الحيّ. لذا عمدت إلى هدم مذبح الله وقتلت الأنبياء وأحلّت محلّهم أربعمائة وخمسين من أنبياء للبعل، وأربعمائة من أنبياء السواري أو عشتاروت. كما أب الآلهة ومصدر الخصب والقوّة والبهجة، فيما عشتاروت هي إلهة الخصب والشباب والجمال
أيّ هو المصدر الحقّ للخصب: الإله الحيّ أم البعل وعشتاروت؟ لمعرفة ذلك شاء الربّ الإله أن يجعل الشعب أمام الاختبار القاسي فأوفد نبيّه إيليا التشبي إلى آخاب الملك قائلاً: "حيّ هو الربّ إله إسرائيل الذي وقفت أمامه لا يكون طلّ ولا مطر في هذه السنين إلاّ عند قولي". وحلّ الجفاف وامتدّ حتى إلى ثلاث سنوات وستّة أشهر. والجفاف استتبع المجاعة. إيليا، كان عليه، بأمر الله، أن يتوارى فاختباً عند نهر كريت، مقابل الأردن. هناك عالته الغربان وشرب من النهر إلى أن يبس من انقطاع المطر. ثمّة، عند الله وقت للتواري ووقت للظهور. فحين يحلّ غضب الله على قوم تتوارى كلمته وتتصحّر النفوس
وكان لا بدّ لإيليا أن يجوع. النبيّ لا يعاني من وطأة خطيئة الشعب عليه وحسب بل من نتائج هذه الخطيئة أيضاً ولو كان بريئاً لأنّه من الشعب. وكلمة الله كما ارتضى، لا تخرج إلاّ من جوف البريء في قومه الآثمين. على أنّ الله لا يترك نبيّه من دون سند. لذا بُعث إيليا الى صرفة صيدون. هناك بأمر الله، اعتنت بأمره أرملة قدّمته على نفسها وعلى أهل بيتها فأعطته قليل ماء لظمئه وصنعت له كعكة صغيرة لجوعه مستبركة بقول النبيّ: "هكذا قال الربّ إله إسرائيل إن كوار الدقيق لا يفرغ وكور الزيت لا ينقص إلى اليوم الذي يعطي الربّ مطراً على وجه الأرض". فكان للمرأة وأهل بيتها، كما قال النبيّ
حلول إيليا في بيت الأرملة كان للبركة واليقين معاً. طرق الربّ دائماً محيّّرة. النصّ الكتابي يوحي بأنّ المرأة كانت في شيء من الشك من أمر إيليا فكان أن مرض ابنها واشتدّ مرضه حتى لم تبق فيه نسمة. إذ ذاك قالت لإيليا:"ما لي ولك يا رجل الله. هل جئت إليّ لتذكير إثمي وإماتة ابني". الله، في الحسبان، صانع خير، ولكن قلّما يفهم الناس أنّه مفتقد أعزّته بالأوجاع. ولا حتى إيليا فهم، فنسب إلى الله الإساءة: "أيّها الربّ إلهي أيضاً إلى الأرملة التي أنا نازل عندها قد أسأت بإماتتك ابنها". فقط في نهاية المطاف يفهمون. وحتى ذلك الحين عليهم الاعتصام بالصبر والرجاء. إيليا، رغم اتهامه الله زورا ًبالإساءة، رغم قلّة فهمه لبث مؤمناً وصرخ "لترجع نفس هذا الولد إلى جوفه". فسمع الربّ لصوت إيليا ورجعت نفس هذا الولد إلى جوفه فعاش". الله يسمع صوت المؤمن ولو شكّ لأنّه يعرف أنّ في الشكّ ضعفاً ولا يفهم بشري طرق الله. فقط عليهم أن يتعلّموا أن الله يأتيهم جديداً كل حين. ودفع إيليا الولد لأمه فهتفت: "هذا الوقت علمت أنك رجل الله وأنّ كلام الربّ في فمك حقّ". الولد، في تقليد قديم، كبر ليكون يونان النبيّ الذي أرسله الله نينوى
أخيراً حلّت، في شأن الجفاف، ساعة الحسم واستبانت حقّانية الله. الله سيّد الأوقات، يرّتبها كما يليق ولو ضجّ الناس، ولا يأتيهم إلاّ متى استنفدوا قواهم. قال إيليا: اليوم أتراءى لآخاب. آخاب كان قد خرج من بيته بحثاً عن عيون ماء وعشب للخيل والبغال. فلمّا التقى آخاب إيليا بادره بالقول:"أأنت مكدّر إسرائيل؟" كأنّ إيليا وإله إيليا من أتاه الكارثة ظلماً حين تعمى القلوب بخطاياها لا يعود المرء يرى في الضيقات سوى مجرد ظروف سيّئة أو يردّ السبب إلى تصرّف الآخرين وينسب إلى الله قسوة لا مبرّر لها. هذا ما فعله آخاب. فكان جواب الله في إيليا: "لم أكدّر إسرائيل بل أنت وبيت أبيك بترككم وصايا الربّ وبسيرك وراء البعليم". خطاياك جنت عليك لا ربّك
بعد ذلك كانت المواجهة. الشعب يعرج بين الله والبعليم، فقال له إيليا: "حتى متى تعرجون ... إن كان الربّ هوالله فاتبعوه وإن كان البعل فاتبعوه". جواب الشعب كان الصمت. والصمت فرضه الخوف. والخوف يحدث الشكّ. ثمّ قال إيليا للشعب: "أنا بقيت نبيّاً للربّ وحدي وأنبياء البعل أربعمائة وخمسون رجلآً. فليعطونا ثورين فيختاروا لأنفسهم ثوراً واحداً ويقطعوه وبضعوه على الحطب ولكن لا يضعوا ناراً، وأنا أقرّب الثور الآخر وأجعله على الحطب ولكن لا أضع ناراً. ثمّ تدعون باسم آلهتكم وأنا أدعو باسم الربّ. والإالذب يجيب بنار فهو الله". فاستحسن الشعب الآية. وكان أن قرّب أنبياء البعل الثور الذي أعطي لهم. فدعوا باسم البعل من الصباح إلى الظهر، ورقصوا حول المذبح، ولكن لم يكن صوت ولا مجيب. صرخوا بصوت عال وتقطعواحسب عادتهم بالسيوف والرماح حتى سال منهم الدم، ولكن عبثاً. أخيراً جاء دور إيليا، فرمّم مذبح الربّ المنهدم. وبعدما صنع ما ما يلزم صبّ أربع جرّات ماء ثلاثاً على المحرقة والحطب وصلّى هكذا: "أيها الربّ إله ابراهيم وإسحق وإسرائيل ليعلم اليوم أنّك أنت الله في اسرائيل وأنّي أنا عبدك وبأمرك فعلت كل هذه الأمور. استجبني يا ربّ استجبني ليعلم هذا الشعب أنّك أنت الربّ الإله وأنك حوّلت قلوبهم رجوعاً. فإذا بنار الربّ تسقط وتأكل المحرقة والحطب والحجارة والتراب وتلحس المياه في القناة، فصرخ الشعب: "الربّ هو الله، الربّ هو الله". على الأثر نزل إيليا بأنبياء البعل، بمؤازرة الشعب، وذبحهم عند نهر قيشون. ثمّ أعطى الربّ الإله مطراً عظيماً
في ذلك ألأيام طلبت إيزبيل نفس إيليا فقام ومضى لأجل نفسه إلى بئر سبع فإلى البرّية. وبعدما عاله الملاك سار بقوّة ما أكل أربعين نهاراً وأربعين ليلة إلى جبل الله حوريب حيث دخل مغارة وبات فيها
وتراءى الله، بعد ذلك، لإيليا وقال له: "اخرج وقف على الجبل أمام الربّ وهبّت ريح شديدة عظيمة شقّت الجبال وكسّرت الصخور أمام الربّ ولم يكن الربّ في الريح. وبعد الريح زلزلة ولم يكن الربّ في الزلزلة. وبعد الزلزلة نار وليكن الربّ في النار. وبعد النار صوت منخفض خفيف وكان الربّ في الصوت الخفيف. هذا كان درساً لإيليا ولكل من يقرأ إيليا. ولو قتل الناس باسم الله غيرة فما ذلك من شيم الله بل من قسوتهم. الله لا يأتي في عواصف العنف بل في نسائم اللطف. لما قال يعقوب ويوحنا ليسوع إثر امتناع السامريّين عن استقباله: "يا ربّ أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليا أيضاً. التفت وانتهرهما وقال: "لستما تعلمان من أي روح أنتما. لأنّ ابن الإنسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلّص". (لو 54:9 – 56). دورة العنف حلقة مفرغة. ما لم يتغيّر قلب الإنسان بالتوبة والنعمة فلا سبيل إلى خلاصه. ولو عاين آيات فما تنفع الآيات لأنّ الإصرار على الخطيئة يبدّد النعمة الإلهية من النفوس
بعد خمس سنوات أو يكاد عاد إيليا فالتقى آخاب عند كرم نابوت اليزرعيلي. يزرعيل كانت إلى الشمال من السامره، على بعد ثلاثين كيلومتراً منها. لم يرعو آخاب بعد حادثة ذبيحة إيليا. فرصة التوبة أتيحت له فلم ينتهزها. تمادى في غيّه وصنع شرّاً فظيعاً. كانت لنابوت أرض بحانب قصر آخاب. طلب الملك أن يعطيه نابوت أرضه مقابل أرض سواها فلم يشأ لأنّه قال هي ميراث آبائي. فدبّر آخاب مكيذة لنابوت بإيعاز من إيزابيل التي جمعت الشيوخ والأشراف وأقامت لديهم شاهدي زور على نابوت يقولان إنّه جّدف على الله وعلى الملك. فأخرجوه خارج المدينة ورجموه حتى مات. إثر ذلك قام آخاب لينزل إلى كرم نابوت ليرثه، فكان كلام الربّ إلى إيليا التشبي أن ينزل إلى آخاب بكلام. فلمّا لقيه قال له: "هل قتلت وورثت؟... هكذا قال الربّ: في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت تلحس الكلاب دمك أنت أيضاً". فأجاب آخاب: "هل وجدتني يا عدّوي؟" ففال له: "قد وجدتك لأنّك بعت نفسك لعمل الشرّ في عينّي الربّ. هأنذا أجلب عليك شرّاً وأبيد نسلك...". وتكلّم الربّ أيضاً على إيزابيل قائلاً: "الكلاب تأكل إيزابيل عند مترسة يزرعيل".فلمّا سمع آخاب هذا الكلام شقّ ثيابه وجعل مسحاً على جسده صام واضطجع ومشى بسكوت، فكان كلام الربّ لإيليا: "من أجل أنّه اتّضع أمامي لا أجلب الشرّ في أيّامه بل في أيّام ابنه..." وكان بعد حين أن إسرائيل حارب آرام فمات آخاب وأدخل السامره فدفنوا الملك هناك وغُسلت المركبة في بركة السامرة فلحست الكلاب دمه. أما إيزابيل فماتت بدوس أقدام الخيول وأكلت الكلاب لحمها حتى لم يجدوا منها غير الجمجمة والرجلين وكفّي اليدين
نهاية إيليا في مسراه الأراضي، كانت أنّه عبر وتلميذه أليشع الأردن. وفيما هما يسيران ويتكلّمان إذا مركبة من نار وخيل من نار فصلت بينهما فصعد إيليا في العاصفة إلى السماء. وكان إليشع يبصر فصرخ: "يا أبي، يا مركبة إسرائيل وفرسانها". ولم يره بعد ذلك
في الوجدان أنّ إيليا لم يمت. لذلك ظُنّ، على امتداد التاريخخ، أنّه عائد. في نبوءة ملاخي قول للربّ تردّد: "هأنذا أرسل إليكم إيليا النبيّ قبل مجئ يوم الربّ اليوم العظيم المخوف فيردّ قلب الآباء على الأنباء وقلب الأنباء على آبائهم لئلا أضرب الأرض بلعن" (ملا 4: 5 -6). إيليا، بكلام الربّ يسوع، هو إيّاه يوحنّا المعمدان الآتي بروحه. "جميع الأنبياء والناموس إلى يوحنّا تنبّاوا. وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليا المزمع أن يأتي"(مت 11: 13 - 14). كذلك ظُنّ أنّ إيليا سيعود ليشهد ويموت. لذلك في الوجدان أنّه أحد النبيّين الوارد ذكرهما في سفر الرؤيا. هذان سيشهان ألفاً ومائتين وستّين يوماً ثمّ يُقتلان ثمّ يدخل فيهما روح حياة من الله فيقومان ويصعدان إلى السماء في السحابة وينظر أعداؤهما (رؤ 11)
أما بقية أخبار إيليا النبيّ فنلقاها بحسب الترجمة السبعينية في سفرالملوك الثالث، بين الإصحاح السابع عشر وسفر الملوك الرابع، الإصحاح الثاني، أي ما يوازي في الطبعات العربية المألوفة سفر الملوك الأول، الإصحاح السابع عشر إلى سفر الملك الثاني، الإصحاح الثاني
لطروباريّة
أيها الملاك بالجسم، قاعدة الأنبياء وركنهم، السابق الثاني لحضور المسيح، إيلياس المجيد الموقر، لقد أرسلت النعمة، من العلى لأليشع، ليطرد الأسقام، ويطهر البرص، لذا يفيض الأشفية لمكرميه دائما
قديس اليوم 17 تموز
† القديسة مارينا العظيمة في الشهيدات القرن 3م
هويّتهُا وزمنها
هي المعروفة في الغرب المسيحي باسم القديسة مرغريتا. عاشت في زمن مُلك الإمبراطور كلوديوس في حدود العام 270م. أصلها من أنطاكية بيسيدية وهي ابنة أحد كهنة الأوثان، المدعو أيديسيموس
اقتبالها المسيحية
بعد وفاة والدتها وهي في الثانية عشرة اعتنت مربّية تقيم بالريف بأمرها. عشرة المسيحيين في تلك الناحية حيث تقيم المربية أدخلت في قلبها الإيمان بالرب يسوع المسيح، وهذا بان جليّاً واضحاً في حياتها ومجاهرتها بإيمانها. مما دفع والدها لحرمانها من الميراث
مسيرتها نحو الشهادة
لمَّا كان يوم اتفق فيه مرور حاكم آسية، المدعو أوليبريوس، في طريقه إلى أنطاكية، أنه التقى القديسة ترعى القطعان هي ونساء أخريات من القرية. أُخذ الحاكم بطلعتها فأمر رجاله بإحضارها إليه ليتخذها لنفسه زوجةً. فلما بلغ بها الحاكم ومن معه القصر سألها من تكون فأجابت بلهجةٍ واثقة: "اسمي مارينا وأنا ابنة أبوين حرّين من بيسيديا، لكنّني خادمة إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الذي خلق السماء والأرض". أودعت السجن ولاقت العذابات
في اليوم التالي لإيداعها السجن، صادف عيدٌ وثنيٌّ كبير. أُحضرت قديسة الله وطُلب منها أن تقدِّم ذبيحة للآلهة الوثنية، رفضت قائلةً: "بل أذبح ذبيحة التسبيح لإلهي لا لأصنامكم الخرساء التي لا حياة فيها". قولها هذا أثار حمية الحاكم الذي أمر بتعريتها وضربها بسياط شائكة وبخدش لحمانها بأظافر حديدية. كل هذا لم يثني عزيمتها بل زادها إيماناً. إلى أن انتهى بها المطاف إلى الاستشهاد بقطع الرأس. جسارتها وصمودها كان نوراً لكثير من الذين عاينوا نعمة الله عليها وهي في العذابات، وقادهم إلى الاعتراف بالمسيح كإله حقيقي
رقدت قديسة الله واضعةً روحها بين يديّ الرب. ثم جاء رجلٌ اسمه تيوتيموس، وأخذ جسد القديسة مارينا وواراها الثرى بلياقة. وقد بقيت رفات القديسة، حتى زمن الصليبيين (1204م) تُكرّم في القسطنطينية
طروبارية القديسة مارينا باللحن الرابع
نعجتك يا يسوع تصرخ نحوك بصوتٍ عظيم قائلة: يا ختني إني أشتاق إليك وأجاهد طالبةً إياك، وأُصلّب وأُدفَن معك بمعموديتك، وأتأَلم لأجلك حتى أملك معك، وأموت عنك لكي أحيا بك. لكن كذبيحة بلا عيب تقبَّل التي بشوقٍ قد ذُبحت لك، فبشفاعاتها بما أنك رحيمٌ خلص نفوسنا
طروبارية باللحن الخامس
لقد ظهرتِ خطيبةً للكلمةِ أيَّتُها المجيدةُ مارينا، وتركتِ كلَّ علاقةٍ أرضيةٍ, وارتفعتِ لامِعَةً كبتولٍ حَسَنة، لأنَّكِ دُسْتِ العَدُوَّ اللا منظور بِشَجاعَةٍ أيَّتُها المجاهِدة والآنَ تُفيضِيْنَ للعالَم مَواهِبَ الأشْفِية
قنداق باللحن الثالث
لقد تزينتِ بمحاسن البتولية أيتها البتول، فتكلَّلتِ بالأكاليل التي لا تضمحل، ولما تدبجتِ بدماءِ الاستشهاد، تلألأتِ بعجائب الأشفيةِ، فنلتِ جوائز الظفر من يد خالقكِ، أيتها الشهيدة ماريناقديس اليوم 17 تموز
- القدّيس يوسف الدمشقي الشهيد في الكهنة
07-10
هويّتُهُ
هو الأب يوسف بن جرجس موسى بن مهنا الحدّاد المعروف، اختصاراً، باسم الخوري يوسف مهنّا الحدّاد
ولادتُهُ ونشأتُهُ
وُلد في دمشق خلال شهر أيار من العام 1793م لعائلة فقيرة تقية. تلقّى بعض التعليم فألمّ باللغة العربية وقليل من اليونانية. انقطع عن التعليم لأنه لم يكن في طاقة أبيه أن يكمل له تعليمه. صار يعمل في نسج الحرير. ولم يطفئ العوز وشغل اليد شوقه إلى العلم والمعرفة. كان لا بدّ له أن يجد حلاً. فكان الحل العمل اليدوي في النهار والدرس ليلاً
درس يوسف على يد علامة عصره الشيخ محمد العطار الدمشقي فأخذ عنه العربية والمناظرة والمنطق والعلوم العقلية
تزوّج يوسف وهو في سن التاسعة عشرة بناءً على إصرار والديه
يوسف كاهناً
بعدما شاع ذكر يوسف بين رعيّة دمشق التي، فطنت له. فرغبوا إلى البطريرك سيرافيم (1813-1823) أن يجعله راعياً لهم، وكان هو أيضاً يكنُّ له اعتباراً طيباً، فسامه شماساً فكاهناً، في خلال أسبوع، وهو في الرابعة والعشرين (1817م). كما أعطاه البطريرك مثوديوس (1824-1850م) لقب مدبّر عظيم بعدما وجد فيه الغيرة والتقى والعلم والإقدام
اهتم يوسف بالوعظ في الكنيسة المريمية سنوات طويلة فذاع صيته حتى اعتبره البعض يوحنّا ذهبي الفم ثاني. وكان إلى الوعظ دؤوباً في مواساة البؤساء وتسلية الحزانى ومعاضدة الفقراء وتقوية المرضى
المدرسة البطريركية
تسلَّم الخوري يوسف المدرسة البطريركية سنة 1836م فضمَّ إليها التلاميذ الذين كان يقوم بتعليمهم في بيته. ولم يلبث أن طوَّرها فعمد إلى توسيعها وجعل عليها وكلاء، واهتمّ بالنظارة فيها، كما عيّن للمعلمين رواتب محدَّدة. وما لبث أن اجتذب طلاب العلم من سورية ولبنان
كان الهم الأول للأب يوسف تثقيف عقول الناشئة من أبناء الرعية الأرثوذكسية وترشيحهم للكهنوت واقتبال درجاته ليخدموا الرعية خدمة نافعة. نفقات التعليم في المدرسة كان يعطيها المؤمنون والبطريركية
الخوري يوسف والروم الكاثوليك والبروتستانت
لمَّا واجهت تأزمت مشكلة الروم الكاثوليك المنشقين عن الكنيسة الأرثوذكسية في قلقلة بعض الأرثوذكسيين، فراح الخوري يوسف يعمل على إعادة هؤلاء إلى الأرثوذكسية بكل لطفٍ ومحبَّة مبتعداً عن الحلول السياسية التي تعالج الأمور بالإكراه والضغط حيث رفض الاتصال بالدولة العثمانية لضرب الروم الكاثوليك كما فعل بعض الروم للتضييق عليهم
كما واجه الخوري يوسف دعاة البروتستانتية، أبرزها في حاصبيا وراشيا، ثمَّ في دمشق بالذات
الخوري يوسف رجل النهضة الأول
إن المدرسة التي أنشأها وعلم فيها رجل الله، جاءت ثمارها خيَّرةً على الرعية الأنطاكية. حيث أن أكثر من خمسين شخصاً درسوا على يد الخوري يوسف واقتدوا بغيرته. فكان منهم البطريرك والمطران، و الأرشمندريت والمدير وصاحب المطبعة... إلخ. كل هؤلاء كان لهم دوراً بارزاً في انتشال الكنيسة الأنطاكية من الانحطاط الروح. فكان البطريرك ملاتيوس الدوماني الذي أعتلى السدة البطريركية عام (1899) إلى يوم انتقاله عام (1906م) أول بطريرك محلي منذ سنة 1743م وكان من تلاميذ الخوري يوسف
استشهاده
بدأت مجزرة العام 1860م، في دمشق، في اليوم التاسع من شهر تموز. يومها لجأ عدد كبير من المؤمنين إلى الكنيسة المريمية، بعدما سدّت دونهم منافذ الهرب
وكان الخوري يوسف يحتفظ في بيته بالذخيرة المقدّسة، كما كانت عادة كهنة دمشق، آنئذٍ، أخذها في عبّه، واتجه باتجاه المريمية فوق سطوح البيوت، إلى أن انتهى إليها. وقد أمضى بقية ذلك النهار والليل بطوله يشدد المؤمنين ويشجعهم على مواجهة المصير إذ كان لابدّ منه وأن لا يخافوا من الذين يقتلون الجسد لأن النفس لا يقدرون أن يقتلوها، وأن أكاليل المجد قد أُعدّت للذين بالإيمان بالرب يسوع المسيح أسلموا أمرهم لله
ثم في صباح اليوم التالي، في العاشر من شهر تموز، حصلت على المريمية هجمة شرسة وأخذ المهاجمون بالسلب، والنهب، والحرق، والقتل فسقط العديدون شهداء، وتمكن آخرون من الخروج إلى الأزقّة والطرقات. وكان من بين هؤلاء الخوري يوسف. كان متستراً بعباءة وسار بضع مئات من الأمتار إلى أن وصل إلى الناحية المعروفة بمئذنة الشحم. هناك عرفه أحد المهاجمين وكان من العلماء، وقد سبق ليوسف أن أفحمه في جدال فضمر له الشر. هذا لمَّا وقع نظره عليه صاح بمن كانوا معه: "هذا إمام النصارى، إن قتلناه قتلنا معه كل النصارى" وإذ صاح الرجل بذلك أدرك الخوري يوسف أن ساعته قد دنت فأخرج الذخيرة المقدسة وابتلعها. وإذ بالمهاجمين ينقضون عليه بالفؤوس والرصاص حتَّى شوَّهوه تشويهاً فظيعاً. ثم ربطوه من رجليه وصاروا يطوفون به في الأزقة والحارات مسحوباً على الأرض إلى أن هشّموه تهشيماً، وأسلم روحه بين يدي ربه راقداً بسلام
قرار مجمعي
المجمع الأنطاكي المقدس
إن المجمع الإنطاكي المقدس المنعقد في دير سيدة البلمند البطريركي بتاريخ الثامن من شهر تشرين الأول عام 1993 قد اتَّخذ بإلهام الروح الكلِّي قدسه القرار التالي
إنَّ الكنيسة الأنطاكية التي عاشت بقداسة القديسين وشهدت لها ترى اليوم نفسها عطشى إلى أن تتجدد بهم وهي تعي نفسها “محاطة بسحابة كثيفة من الشهود” (عبرانيين 1:12)
إنّ كنيسة أنطاكية تحس نفسها مشدودة إلى واحد من هؤلاء الشهود الخوري يوسف مهنا الحداد الذي وعظ وعلّم وأشاع نور معرفة اللّاهوت وكان فقيراً, عميق الإيمان, صبوراً, وديعاً, متواضعاً, شفوقاً, دمثاً وكلّل حياته بمجد الشهادة في دمشق في العاشر من تموز السنة ال1860 فجاء بذل دمه نُطقَ الروح فيه (راجع متى 20:10, مرقس 10:13). وإذ نحن تأملنا سيرته و”هالة مجد الله” عليه (رؤيا 11:21) “حسن لدى الروح القدس ولدينا” (أعمال الرسل 8:15) أن نعلن قداسة الخوري يوسف مهنا الحداد وحددنا تاريخ العاشر من تموز من كلِّ سنة ذكرى “للقديس الشهيد في الكهنة يوسف الدمشقي ورفقته”
ترتيب صلاة الغروب
السبت في 9 تشرين الأول 1993
بعد قرار التطويب يقدِّس كاهن الدير بصمتٍ الأيقونة ويضعها على المائدة في كنيسة السيدة
يستقبل كاهن الدير قبيل صلاة الساعة التاسعة البطريرك عند الباب الغربي حيث يرتدي المنتيه ويستلم العكاز
يدخل إلى الكنيسة ويتقدمه الشمامسة والكهنة ثم الأساقفة وأخيراً المطارنة حسب ترتيب الأقدمية
يقف في الكرسي وتبدأ الساعة التاسعة
تُختم صلاة الساعة التاسعة. ويُعطى البطريرك البطرشيل والأموفوريون وكذلك رؤساء الكهنة ويقيمون التريصاجيون عن روح الخوري يوسف مهنا الحداد. يأخذ البطريرك مكانه عند الباب الملوكي
يقف البطريرك عند الباب الملوكي ويتلو قرار المجمع
تُقام صلاة الغروب مع الليتين والأغريبنية. يُطاف بأيقونة القديس ويقبلها البطريرك. بنهاية الأغريبنية تبقى الأيقونة مصمودة في الوسط ويتقدم رؤساء الكهنة فالكهنة الشمامسة فالشعب لتقبيلها
قديس اليوم 8 أيار
القدّيس يوحنا الإنجيلي الرسول
هويَّتُهُ
هو يوحنا بن زبدي أخو يعقوب، من بيت صيدا في الجليل. دعاه الرب يسوع وأخيه يعقوب فيما كانا في السفينة مع زبدي أبيهما يصلحان الشباك، فتركا السفينة للوقت وأباهما وتبعاه متى 21:4-22
صفاتُهُ
كان يوحنا أكثر تلاميذ الرب يسوع تعلّقاً بالبتولية والنسك، حتى أن الكنيسة وصفته بالرسول: البتول المعادل الملائكة. كما أن محبته للمسيح كانت عظيمة وسيرته ممتازة فعرف بالتلميذ "الحبيب" هو الذي اتكأ على صدره في العشاء الأخير
كُتُبنا الليتورجية تسمّيه صديق المسيح وتقول عنه أنه ساكن المسيح منذُ الطفولة، ربما دلالةً على صلة القربى التي يُظن أنها كانت بينهما من خلال أم يوحنّا المدعوة سالومي والتي قيل إنها كانت إحدى بنات يوسف البار، رجل مريم، من زواجه الأول
تبع الرّب يسوع وحده دون باقي التلاميذ حتى وهو على الصليب فأتمنه حينئذٍ على العذراء مريم كأنّه إبن آخر لها وأخ ليسوع معلّمه
بشارتُهُ
ورد في تقليدنا الكنسي أن بشارة يوحنّا، كانت في أسيا الصغرى حيثُ كانت جذور الوثنية عميقة وحيثُ انتشرت الأفكار والتيارات، على اختلاف توجُّهها، بكثافة وعلى نطاق واسع. أفسس هي المدينة البارزة في أسيا الصغرى التي تركّز فيها عمل الرسول يوحنا الكرازي. وقد لاقىَ هناك مقاومة شديدة وواجه الموت أكثر من مرّة لأن عبادة الآلهة ارتميس وتعلق أهل المدينة بها أثار عليه سخط جماعات كثيرة، كما تحرّك السحرة بكلّ قواهم وأعاجيبهم ضده، لكنّه بنعمة الله وآيات كثيرة حُفظ
سالماً وهدى كثيرين وعمّدهم
يعتقد بأن يوحنا هو كاتب خمسة أسفار من أسفار كتاب العهد الجديد وهي إنجيل يوحنا رسائل يوحنا الثلاث وسفر الرؤيا بحسب التقليد الاتيني وليس الأرثوذكسي فأن يوحنا انتقل وبرفقته مريم والدة يسوع إلى مدينة افسس جنوب آسيا الصغرى، حيث اعتنى يوحنا بالعذراء كابن متفان حتى وفاتها، ويعتقد أنه كتب في تلك المدينة الرسائل الثلاث المنسوبة إليه، بعد ذلك ألقي القبض عليه من قبل السلطات الرومانية ونفي إلى جزيرة بطمس اليونانية ويظن أنه كتب هناك سفر الرؤيا، وبحسب كتابات ترتليانوس فإن الرومان حاولوا تعذيب يوحنا قبل إرساله إلى منفاه وذلك بوضعه في قدر زيت مغلي كبير ولكن ذلك لم يؤذه بشئ، يعتقد أنه الوحيد الذي مات موتا طبيعيا بين التلاميذ الإثني عشر ويعتقد أن قبره موجود في مدينة سيلجوك التركية
في الإيقونات واللوحات والأعمال الفنية يصور القديس يوحنا وهو حامل إنجيله ويوجد نسر أو ملاك خلفه دلالة على فكر يوحنا اللاهوتي الكبير
رُقادُهُ
نُفي الرسول إلى جزيرة بطمس حيث كتب سفر الرؤيا. ثم عاد إلى أفسس بعد موت الإمبراطور المضّطهد دومتيانوس وكتب بشارته ورسالاته الثلاث الجامعة، وهو آخر الإنجيليين الأربعة في الكتابة
رقد بسلامٍ وكان قد بلغ من العمر ما يربو على المئة سنة
هناك تقليدٌ كنسي يقول أن طيباً عطراً كان يخرج من قبره كل عام ويشفي المرضىَ. والكنيسة تعيد لذلك سنوياً في الثامن من أيار
لقبه
لُقب بالثاولوغوس أي المتكلّم باللاهوت لأنّه تكلّم بسمّو المعاني عن الولادة الأزليّة، ولادو الإبن الكلمة من الآب التي لا تفسّر
حلّق باللاهوت فيصّور في أيقوناته مع النسّر الذي هو أحد الحيوانات الأربعة الرمزيّة بحسب رؤية النبيّ حزقيال حز10:1
طروباريته
أيّها الرسول المتكلّم باللاهوت، حبيب المسيح الإله، أسرع وأنقذ شعباً عادم الحجة، لأن الذي تنازل أن تتكىء على صدره يقبلك متوسلاً فإليه ابتهل أن يبدّد سحابة الأمم المعاندة، طالباً السلامة والرحمة العظمى
أعجوبة قبر القدّيس يوحنا الحبيب
بعد وفاة القدّيس يوحنا الحبيب ووري الثرى في أفسس، وهناك روايات في ذلك، كان قبره، في ذلك اليوم كما في كل سنة، يتغطّى فجأة بما يشبه الرماد العطر. وجرى المسيحيون على تسمية هذا الرماد بـ "المنّ". وكان يشفي مرضى النفوس والأجساد، الذين يدّهنون به بإيمان، من أمراضهم
ملاحظة
يُعيّد لانتقاله في ٢٦ أيلول من كلّ عام
القدّيس يوحنا الإنجيلي الرسول
هويَّتُهُ
هو يوحنا بن زبدي أخو يعقوب، من بيت صيدا في الجليل. دعاه الرب يسوع وأخيه يعقوب فيما كانا في السفينة مع زبدي أبيهما يصلحان الشباك، فتركا السفينة للوقت وأباهما وتبعاه متى 21:4-22
صفاتُهُ
كان يوحنا أكثر تلاميذ الرب يسوع تعلّقاً بالبتولية والنسك، حتى أن الكنيسة وصفته بالرسول: البتول المعادل الملائكة. كما أن محبته للمسيح كانت عظيمة وسيرته ممتازة فعرف بالتلميذ "الحبيب" هو الذي اتكأ على صدره في العشاء الأخير
كُتُبنا الليتورجية تسمّيه صديق المسيح وتقول عنه أنه ساكن المسيح منذُ الطفولة، ربما دلالةً على صلة القربى التي يُظن أنها كانت بينهما من خلال أم يوحنّا المدعوة سالومي والتي قيل إنها كانت إحدى بنات يوسف البار، رجل مريم، من زواجه الأول
تبع الرّب يسوع وحده دون باقي التلاميذ حتى وهو على الصليب فأتمنه حينئذٍ على العذراء مريم كأنّه إبن آخر لها وأخ ليسوع معلّمه
بشارتُهُ
ورد في تقليدنا الكنسي أن بشارة يوحنّا، كانت في أسيا الصغرى حيثُ كانت جذور الوثنية عميقة وحيثُ انتشرت الأفكار والتيارات، على اختلاف توجُّهها، بكثافة وعلى نطاق واسع. أفسس هي المدينة البارزة في أسيا الصغرى التي تركّز فيها عمل الرسول يوحنا الكرازي. وقد لاقىَ هناك مقاومة شديدة وواجه الموت أكثر من مرّة لأن عبادة الآلهة ارتميس وتعلق أهل المدينة بها أثار عليه سخط جماعات كثيرة، كما تحرّك السحرة بكلّ قواهم وأعاجيبهم ضده، لكنّه بنعمة الله وآيات كثيرة حُفظ
سالماً وهدى كثيرين وعمّدهم
يعتقد بأن يوحنا هو كاتب خمسة أسفار من أسفار كتاب العهد الجديد وهي إنجيل يوحنا رسائل يوحنا الثلاث وسفر الرؤيا بحسب التقليد الاتيني وليس الأرثوذكسي فأن يوحنا انتقل وبرفقته مريم والدة يسوع إلى مدينة افسس جنوب آسيا الصغرى، حيث اعتنى يوحنا بالعذراء كابن متفان حتى وفاتها، ويعتقد أنه كتب في تلك المدينة الرسائل الثلاث المنسوبة إليه، بعد ذلك ألقي القبض عليه من قبل السلطات الرومانية ونفي إلى جزيرة بطمس اليونانية ويظن أنه كتب هناك سفر الرؤيا، وبحسب كتابات ترتليانوس فإن الرومان حاولوا تعذيب يوحنا قبل إرساله إلى منفاه وذلك بوضعه في قدر زيت مغلي كبير ولكن ذلك لم يؤذه بشئ، يعتقد أنه الوحيد الذي مات موتا طبيعيا بين التلاميذ الإثني عشر ويعتقد أن قبره موجود في مدينة سيلجوك التركية
في الإيقونات واللوحات والأعمال الفنية يصور القديس يوحنا وهو حامل إنجيله ويوجد نسر أو ملاك خلفه دلالة على فكر يوحنا اللاهوتي الكبير
رُقادُهُ
نُفي الرسول إلى جزيرة بطمس حيث كتب سفر الرؤيا. ثم عاد إلى أفسس بعد موت الإمبراطور المضّطهد دومتيانوس وكتب بشارته ورسالاته الثلاث الجامعة، وهو آخر الإنجيليين الأربعة في الكتابة
رقد بسلامٍ وكان قد بلغ من العمر ما يربو على المئة سنة
هناك تقليدٌ كنسي يقول أن طيباً عطراً كان يخرج من قبره كل عام ويشفي المرضىَ. والكنيسة تعيد لذلك سنوياً في الثامن من أيار
لقبه
لُقب بالثاولوغوس أي المتكلّم باللاهوت لأنّه تكلّم بسمّو المعاني عن الولادة الأزليّة، ولادو الإبن الكلمة من الآب التي لا تفسّر
حلّق باللاهوت فيصّور في أيقوناته مع النسّر الذي هو أحد الحيوانات الأربعة الرمزيّة بحسب رؤية النبيّ حزقيال حز10:1
طروباريته
أيّها الرسول المتكلّم باللاهوت، حبيب المسيح الإله، أسرع وأنقذ شعباً عادم الحجة، لأن الذي تنازل أن تتكىء على صدره يقبلك متوسلاً فإليه ابتهل أن يبدّد سحابة الأمم المعاندة، طالباً السلامة والرحمة العظمى
أعجوبة قبر القدّيس يوحنا الحبيب
بعد وفاة القدّيس يوحنا الحبيب ووري الثرى في أفسس، وهناك روايات في ذلك، كان قبره، في ذلك اليوم كما في كل سنة، يتغطّى فجأة بما يشبه الرماد العطر. وجرى المسيحيون على تسمية هذا الرماد بـ "المنّ". وكان يشفي مرضى النفوس والأجساد، الذين يدّهنون به بإيمان، من أمراضهم
ملاحظة
يُعيّد لانتقاله في ٢٦ أيلول من كلّ عام
قديس اليوم 3 أيار
† القدّيسان الشهيدان تيموثاوس ومافرا المصريان القرن 3م
عاش هذان القدّيسان، تيموثاوس ومافرا، وهما من صعيد مصر ومن أنتينوه (أنصنا) بالتحديد، زمن الإمبراطور الروماني ذيوكلسيانوس وحاكمية أريانوس على الصعيد. أما تيموثاوس فكان في قرية بنابيس، من أبوين تقيّين صالحين. دُفع، صغيراً، إلى أحد المعلّمين ليتعلّم الكتب المقدّسة. ولما كان يتمتع بقدرات عقلية جيّدة فإنه تعلّم، في فترة قصيرة، ما هو بحاجة إليه ليعرف خالقه، الإله الحقّ الأوحد. كذلك أدرك بسرعة سمو النفس وخلودها. كما أدرك فساد هذا العالم الحاضر وبطلانه. لما بلغ تيموثاوس الأشدّ اتخذ لنفسه زوجة من عائلة مسيحية. هذه كانت مافرا. عاش الزوجان في سيرة مباركة مقدّسة وكانا موضع إعجاب المؤمنين لسمو فضيلتهما
لاحظ الأسقف سيرة تيموثاوس الحميدة وحميّته وتقواه فقرّر أن يجعله خادماً لكنيسة المسيح. هنا لا نعرف ما إذا كان قدّيسنا قد صُيّر كاهناً أم قارئاً. المعلومات بهذا الشأن متفاوتة سوى أن تيموثاوس صار، بكل تأكيد، معلّماً للكتب المقدّسة. على هذا كان عمل تيموثاوس أن يشدّد المؤمنين، بما جاء في الكتب، على الثبات في الإيمان بيسوع والسلوك في الوصايا الإلهية وحفظ الأمانة. وقد بارك الربّ الإله عمل تيموثاوس حتى أن العديد من الوثنيّين اهتدوا، بمثاله وتعليمه، إلى مسيح الرب
ولم يطل الوقت حتى بلغ خبر تيموثاوس أذني الحاكم أريانوس. هذا كان يضطهد المسيحيّين بعنف، لاسيما بعدما قرر الإمبراطور ذيوكلسانوس (384 – 305) ملاحقة المسيحيّين ومعاملتهم بقسوة آملاً في عودتهم إلى الوثنية
قُبض على تيموثاوس، ولم يكن قد مرّ على زواجه سوى عشرين يوماً، واستيق إلى أمام أريانوس فأمره بإحضار الكتب المقدّسة التي يستعملها لتعليم المسيحيّين. لم يذعن شهيد المسيح للحاكم ولا خشي غضبه بل أجابه بكل جرأة: "مَن تًرى، أيها الحاكم، يُسلم أولاده، إرادياً، للموت؟ إذا كان الأب الذي يحب أولاده يخضع لناموس الطبيعة ولا يُسلم أولاده بالجسد إلى الموت، فكيف يمكنني، أنا، أن أتخلى عن أطفالي الروحيّين، وهم الكتب المقدّسة، فأسلمهم إليك؟ كلا، هذا لن يحدث أبداً! وإني لمستعد أن أموت على أن أطيع أوامرك
فلما سمع الحاكم جواب تيموثاوس أمر بإنزال العقوبات به، فاستبان، بنعمة الله، صبر القدّيس وحُسن اتكاله على الله. وقد جعلوه على دولاب يدور فوق مسامير فمزّقوا لحمانه. في كل ما حدث له كان القدّيس يصلّي. ذهنه كان عند ربّه ولسان حاله: "الرب معيني فلا أخشى ما يصنع بي الإنسان" (مز6:117). "لست أخشى شرّاً لأنك أنت معي" مز4:22
بلغ خبر تيموثاوس مافرا زوجته وعدداً من المسيحيّين فجاؤوا إلى الموضع الذي كان يُعذب فيه
ثم إن ذاك الدولاب توقّف عن الدوران فإذا بجسد القدّيس كتلة من اللحم المدمّى وقد خرجت عيناه من فجوتيهما. كان يحاول أن يلتقط أنفاسه بصعوبة. فجأة، كما ورد، حصل العجب واستعاد رجل الله عافيته بنعمة الله، فإذا بجراحه تلتئم وعينيه تنفتحان. كل الواقفين أصابهم الدهش فساد المكان صمت رهيب ثم حميّة بيّنة لانتصار شهيد المسيح بقدرة الله. العديدون، في تلك الساعة، تحرّكت أفئدتهم إلى الإيمان، أما أريانوس فتكثّفت الظلمة في نفسه بالأكثر فاستبان أكثر اضطراباً وعنفاً من ذي قبل إذ لم يعتد الفشل في تدابيره وأراد أن ينتقم لكرامته الجريح. ردّ الحاكم ما حصل، بصورة تلقائية، وفق نوازع نفسه المعطوبة، إلى قوّة السحر الأسود. على هذا بدا الحاكم الجاهل أكثر تصميماً على التخلّص من شاهد المسيح. فزاد من التعذيب وتفنّن فيه فلم تنفعه محاولاته شيئاً
جواب قدّيس الله كان: لا تظنّن، يا أيها الطاغية أنك بمثل هذه العقوبات تتمكّن من زعزعتي عن إيماني، فإني أتقبل عذاباتك كمرطبات وعقوباتك بفرح لأنها سبيلي إلى الفرح الأبدي والغبطة التي لا تفنى. ليعطك الربّ الإله أن تنفتح عينا نفسك ليتسنى لك أن تعاين الحقيقة فترفض الشيطان وتؤمن بالإله الأوحد الحقيقي، الكليّ القدرة. أُلقي تيموثاوس في حفرة، بمثابة سجن، إلى وقت مناسب وقبض الحاكم على مافرا، بعدما أُشعِر بحضورها، لتكون ورقة في يده يضغط بها على تيموثاوس
حاول أريانوس أن يستميل مافرا بالإطراء والكلام المعسول عساه يغريها إلى تقديم فروض العبادة للأوثان. ثم ختم كلامه بتهديده إن لم تستجب بحيث تلقى نفس المصير كزوجها. أبدت أمة الله بطولة لا تقل عن بطولة تيموثاوس. رفضت أن تسجد للأوثان وأبدت أنها لا تخاف العقاب من حيث أنها تعبد المسيح خالق السماء والأرض والبحر، كل ما يُرى وما لا يُرى. وصرّحت أنها من أجل محبّة مسيحها مستعدّة أن تموت لتحيا معه أبدياً في السماء. وعن الآلهة التي يعبدها الحاكم قالت بتهكّم أنها خشب أصمّ لا حسّ فيه، صنعة أيدي الناس. ثم ختمت بقول جميل بات مثالاً طيِّباً لكل رجل ولكل امرأة في علاقتهما أحدهما بالآخر. قالت: عليك أن تدرك، أيها الحاكم، أن زوجي يرغب في الشهادة، ليس فقط لأن هذا واجبه، بل لأنه يرغب أيضاً في أن يكون آهلاً لمحبّتي له. ما هو بيني وبين زوجي ليس حبّاً جسدياً بل روحياً. ليس حبّنا شعلة مؤقّتة بل نار لا تموت. نحن يحبّ أحدنا الآخر لدرجة أننا نشتهي أن يقيم حبّنا لا على الأرض وحسب بل إلى الأبد أيضاً. الموت من أجل المسيح هو السبيل الأوفق لاستمرار معيّة الزوجين وإخلاصهما أحدهما للآخر. لهذا السبب لا أقول فقط إني لا أشاء إقناع زوجي بإنكار المسيح، بل، بالأكثر، أرغب في أن أموت معه من أجل الله. على هذا ما ألتمسه منك هو أن تتمّم لي هذا الفرح أنك متى شئت أن تتخلّص من زوجي أن تتخلّص مني أنا أيضاً
ردّ فعل الحاكم كان مزيداً من السخط حتى استبان كأنه وحش. أمر بقص شعرها الجميل وأصابع يديها. أمام صبرها الجميل اضطرب اضطراباً شديداً وأشار إلى الجلادين أن يأتوا بقدر معدني كبير يوضع فيه ماء ويغلى إلى التمام. ولما فعلوا ذلك أمر بتعريتها وإلقائها في الماء المغلي. لكن، بنعمة الله الذي حوّل النار التي أُلقي فيها الفتية الثلاثة إلى ندى، حوّل غليان الماء إلى برودة فانحفظت أمة الله ولم يصبها أذى
احتار الحاكم في أمره وأمر بتعليق تيموثاوس ومافرا من رجليهما. وقد بقيا كذلك إلى أن تمّت شهادتهما بعد تسعة أيام. قيل إن ذلك كان في العام 286م
ثم إن مسيحيّين رشوا الجند وأخذوا رفات القدّيسين وواروهم الثرى بإكرام
كذلك ورد أن أريانوس الحاكم في العام 305م، وبعدما كان قد فتك بالعديد من المسيحيّين تاب واقتبل الإيمان فاستُشهد هو أيضاً. والكنيسة تذكره، قدّيساً، في الرابع عشر من شهر كانون الأول جنباً إلى جنب والشهيدين فيليمون وأبولونيوس
يُشار إلى أن القدّيسة مافرا هي إحدى شفيعات زاكنتوس اليونانية حيث بُنيت على اسمها كنيسة قديمة تجدّدت في القرن السابع عشر. وثمّة إيقونة عجائبية لها مرتبطة بالمكان ويُعيَّد لها في الأحد الأول من شهر تموز. ويبدو من المعجزات التي تُنسب إلى القدّيسة مافرا أن بعضها على الأقل ذو علاقة بطرد الأرواح الشريّرة. هذه المعجزات، على مدى الأيام، كما يقولون، لا تُعدّ ولا تُحصى
طروبارية القديسون تيموثاوس ومفرة باللحن الرابع
شهيداكَ يا رب بجهادهِما نالا منكَ الأكاليل غير البالية يا إلهنا، لأنهما أحرز قوَّتك، فحطم المغتصبين، وسحقا بأسَ الشياطين التي لا قوَّة لها، فبتوسلاتهما أيها المسيح الإله خلّص نفوسنا
قنداق باللحن الرابع
بما أنكما احتملتما التعذيبات الكثيرة الأنواع، ونلتما الأكاليل من عند الله، يا تيموثاوس العظيم ومفرة الدائمة الذكر، فتشفعا إلى الرب من أجلنا نحن المقيمين تذكاركما الكلي الشرف، أن يمنح السلام للمدن والشعوب، لأنه هو اعتزاز المؤمنين
† القدّيسان الشهيدان تيموثاوس ومافرا المصريان القرن 3م
عاش هذان القدّيسان، تيموثاوس ومافرا، وهما من صعيد مصر ومن أنتينوه (أنصنا) بالتحديد، زمن الإمبراطور الروماني ذيوكلسيانوس وحاكمية أريانوس على الصعيد. أما تيموثاوس فكان في قرية بنابيس، من أبوين تقيّين صالحين. دُفع، صغيراً، إلى أحد المعلّمين ليتعلّم الكتب المقدّسة. ولما كان يتمتع بقدرات عقلية جيّدة فإنه تعلّم، في فترة قصيرة، ما هو بحاجة إليه ليعرف خالقه، الإله الحقّ الأوحد. كذلك أدرك بسرعة سمو النفس وخلودها. كما أدرك فساد هذا العالم الحاضر وبطلانه. لما بلغ تيموثاوس الأشدّ اتخذ لنفسه زوجة من عائلة مسيحية. هذه كانت مافرا. عاش الزوجان في سيرة مباركة مقدّسة وكانا موضع إعجاب المؤمنين لسمو فضيلتهما
لاحظ الأسقف سيرة تيموثاوس الحميدة وحميّته وتقواه فقرّر أن يجعله خادماً لكنيسة المسيح. هنا لا نعرف ما إذا كان قدّيسنا قد صُيّر كاهناً أم قارئاً. المعلومات بهذا الشأن متفاوتة سوى أن تيموثاوس صار، بكل تأكيد، معلّماً للكتب المقدّسة. على هذا كان عمل تيموثاوس أن يشدّد المؤمنين، بما جاء في الكتب، على الثبات في الإيمان بيسوع والسلوك في الوصايا الإلهية وحفظ الأمانة. وقد بارك الربّ الإله عمل تيموثاوس حتى أن العديد من الوثنيّين اهتدوا، بمثاله وتعليمه، إلى مسيح الرب
ولم يطل الوقت حتى بلغ خبر تيموثاوس أذني الحاكم أريانوس. هذا كان يضطهد المسيحيّين بعنف، لاسيما بعدما قرر الإمبراطور ذيوكلسانوس (384 – 305) ملاحقة المسيحيّين ومعاملتهم بقسوة آملاً في عودتهم إلى الوثنية
قُبض على تيموثاوس، ولم يكن قد مرّ على زواجه سوى عشرين يوماً، واستيق إلى أمام أريانوس فأمره بإحضار الكتب المقدّسة التي يستعملها لتعليم المسيحيّين. لم يذعن شهيد المسيح للحاكم ولا خشي غضبه بل أجابه بكل جرأة: "مَن تًرى، أيها الحاكم، يُسلم أولاده، إرادياً، للموت؟ إذا كان الأب الذي يحب أولاده يخضع لناموس الطبيعة ولا يُسلم أولاده بالجسد إلى الموت، فكيف يمكنني، أنا، أن أتخلى عن أطفالي الروحيّين، وهم الكتب المقدّسة، فأسلمهم إليك؟ كلا، هذا لن يحدث أبداً! وإني لمستعد أن أموت على أن أطيع أوامرك
فلما سمع الحاكم جواب تيموثاوس أمر بإنزال العقوبات به، فاستبان، بنعمة الله، صبر القدّيس وحُسن اتكاله على الله. وقد جعلوه على دولاب يدور فوق مسامير فمزّقوا لحمانه. في كل ما حدث له كان القدّيس يصلّي. ذهنه كان عند ربّه ولسان حاله: "الرب معيني فلا أخشى ما يصنع بي الإنسان" (مز6:117). "لست أخشى شرّاً لأنك أنت معي" مز4:22
بلغ خبر تيموثاوس مافرا زوجته وعدداً من المسيحيّين فجاؤوا إلى الموضع الذي كان يُعذب فيه
ثم إن ذاك الدولاب توقّف عن الدوران فإذا بجسد القدّيس كتلة من اللحم المدمّى وقد خرجت عيناه من فجوتيهما. كان يحاول أن يلتقط أنفاسه بصعوبة. فجأة، كما ورد، حصل العجب واستعاد رجل الله عافيته بنعمة الله، فإذا بجراحه تلتئم وعينيه تنفتحان. كل الواقفين أصابهم الدهش فساد المكان صمت رهيب ثم حميّة بيّنة لانتصار شهيد المسيح بقدرة الله. العديدون، في تلك الساعة، تحرّكت أفئدتهم إلى الإيمان، أما أريانوس فتكثّفت الظلمة في نفسه بالأكثر فاستبان أكثر اضطراباً وعنفاً من ذي قبل إذ لم يعتد الفشل في تدابيره وأراد أن ينتقم لكرامته الجريح. ردّ الحاكم ما حصل، بصورة تلقائية، وفق نوازع نفسه المعطوبة، إلى قوّة السحر الأسود. على هذا بدا الحاكم الجاهل أكثر تصميماً على التخلّص من شاهد المسيح. فزاد من التعذيب وتفنّن فيه فلم تنفعه محاولاته شيئاً
جواب قدّيس الله كان: لا تظنّن، يا أيها الطاغية أنك بمثل هذه العقوبات تتمكّن من زعزعتي عن إيماني، فإني أتقبل عذاباتك كمرطبات وعقوباتك بفرح لأنها سبيلي إلى الفرح الأبدي والغبطة التي لا تفنى. ليعطك الربّ الإله أن تنفتح عينا نفسك ليتسنى لك أن تعاين الحقيقة فترفض الشيطان وتؤمن بالإله الأوحد الحقيقي، الكليّ القدرة. أُلقي تيموثاوس في حفرة، بمثابة سجن، إلى وقت مناسب وقبض الحاكم على مافرا، بعدما أُشعِر بحضورها، لتكون ورقة في يده يضغط بها على تيموثاوس
حاول أريانوس أن يستميل مافرا بالإطراء والكلام المعسول عساه يغريها إلى تقديم فروض العبادة للأوثان. ثم ختم كلامه بتهديده إن لم تستجب بحيث تلقى نفس المصير كزوجها. أبدت أمة الله بطولة لا تقل عن بطولة تيموثاوس. رفضت أن تسجد للأوثان وأبدت أنها لا تخاف العقاب من حيث أنها تعبد المسيح خالق السماء والأرض والبحر، كل ما يُرى وما لا يُرى. وصرّحت أنها من أجل محبّة مسيحها مستعدّة أن تموت لتحيا معه أبدياً في السماء. وعن الآلهة التي يعبدها الحاكم قالت بتهكّم أنها خشب أصمّ لا حسّ فيه، صنعة أيدي الناس. ثم ختمت بقول جميل بات مثالاً طيِّباً لكل رجل ولكل امرأة في علاقتهما أحدهما بالآخر. قالت: عليك أن تدرك، أيها الحاكم، أن زوجي يرغب في الشهادة، ليس فقط لأن هذا واجبه، بل لأنه يرغب أيضاً في أن يكون آهلاً لمحبّتي له. ما هو بيني وبين زوجي ليس حبّاً جسدياً بل روحياً. ليس حبّنا شعلة مؤقّتة بل نار لا تموت. نحن يحبّ أحدنا الآخر لدرجة أننا نشتهي أن يقيم حبّنا لا على الأرض وحسب بل إلى الأبد أيضاً. الموت من أجل المسيح هو السبيل الأوفق لاستمرار معيّة الزوجين وإخلاصهما أحدهما للآخر. لهذا السبب لا أقول فقط إني لا أشاء إقناع زوجي بإنكار المسيح، بل، بالأكثر، أرغب في أن أموت معه من أجل الله. على هذا ما ألتمسه منك هو أن تتمّم لي هذا الفرح أنك متى شئت أن تتخلّص من زوجي أن تتخلّص مني أنا أيضاً
ردّ فعل الحاكم كان مزيداً من السخط حتى استبان كأنه وحش. أمر بقص شعرها الجميل وأصابع يديها. أمام صبرها الجميل اضطرب اضطراباً شديداً وأشار إلى الجلادين أن يأتوا بقدر معدني كبير يوضع فيه ماء ويغلى إلى التمام. ولما فعلوا ذلك أمر بتعريتها وإلقائها في الماء المغلي. لكن، بنعمة الله الذي حوّل النار التي أُلقي فيها الفتية الثلاثة إلى ندى، حوّل غليان الماء إلى برودة فانحفظت أمة الله ولم يصبها أذى
احتار الحاكم في أمره وأمر بتعليق تيموثاوس ومافرا من رجليهما. وقد بقيا كذلك إلى أن تمّت شهادتهما بعد تسعة أيام. قيل إن ذلك كان في العام 286م
ثم إن مسيحيّين رشوا الجند وأخذوا رفات القدّيسين وواروهم الثرى بإكرام
كذلك ورد أن أريانوس الحاكم في العام 305م، وبعدما كان قد فتك بالعديد من المسيحيّين تاب واقتبل الإيمان فاستُشهد هو أيضاً. والكنيسة تذكره، قدّيساً، في الرابع عشر من شهر كانون الأول جنباً إلى جنب والشهيدين فيليمون وأبولونيوس
يُشار إلى أن القدّيسة مافرا هي إحدى شفيعات زاكنتوس اليونانية حيث بُنيت على اسمها كنيسة قديمة تجدّدت في القرن السابع عشر. وثمّة إيقونة عجائبية لها مرتبطة بالمكان ويُعيَّد لها في الأحد الأول من شهر تموز. ويبدو من المعجزات التي تُنسب إلى القدّيسة مافرا أن بعضها على الأقل ذو علاقة بطرد الأرواح الشريّرة. هذه المعجزات، على مدى الأيام، كما يقولون، لا تُعدّ ولا تُحصى
طروبارية القديسون تيموثاوس ومفرة باللحن الرابع
شهيداكَ يا رب بجهادهِما نالا منكَ الأكاليل غير البالية يا إلهنا، لأنهما أحرز قوَّتك، فحطم المغتصبين، وسحقا بأسَ الشياطين التي لا قوَّة لها، فبتوسلاتهما أيها المسيح الإله خلّص نفوسنا
قنداق باللحن الرابع
بما أنكما احتملتما التعذيبات الكثيرة الأنواع، ونلتما الأكاليل من عند الله، يا تيموثاوس العظيم ومفرة الدائمة الذكر، فتشفعا إلى الرب من أجلنا نحن المقيمين تذكاركما الكلي الشرف، أن يمنح السلام للمدن والشعوب، لأنه هو اعتزاز المؤمنين
القديس أثناسيوس الكبير معلّم المسكونة
⁜ في الخدمة الليتورجية: في خدمتنا الليتورجية اليوم تبرز ملامح صورة معبِّرة ترسمها الكنيسة لهذا القديس العظيم. فهو ذوالجلادة والراعي الحقيقي والقاعدة غير المتزعزعة لكنيسة المسيح. وهو الملهم من الله وخادم الأسرار والذهب الخالص الذي كانت لهالأحزان ومصارعات الأعداء بودقة كريمة، والذي صاغته كلمة الله خاتماً ليمينها المقدّسة. وهو بوق الكنيسة وقاطع مواكب البدع بقوةالروح والمتكلّم باللاهوت شاروبيمياً. وهو روْض أقوال الكتب الملهمة من الله الذي نقّى نفسه وجسده من كل دنس فظهر هيكلاً لائقاً بالله.في قانون السحر قال عنه ثاوفانس المرنم: "إنني بتقديمي المديح لأثناسيوس، كأني أمدَحُ الفضيلة، أظهرُ بالحري مقدِّماً النشيد لله،الذي من لدنه قد مُنح هو للبشر موضوعاً مستوجباً الثناء للفضيلة التي أصبح لها مثالاً حيّاً ونموذجاً". وقد أحرز المسيح وتكلّمبلسانه وجلا كلمة الإيمان ونفى الضلالة لما نُفي بتواتر من أجل الثالوث. دافع عن مساواة الابن والروح القدس للآب في الجوهروأقصى ضلالة آريوس ذات الإلحاد. وهو بهجة رؤساء الكهنة وعمود النور وقاعدة الكنيسة والكاتب المدقِّق عن شريعة العيشةالانفرادية. فمن هو، تفصيلاً، هذا الذي استحق أن تسبغ عليه الكنيسة المقدّسة كل هذه الأوصاف الجليلة وأكثر؟
⁜ وسطه ونشأته: لا نعرف تماماً متى كانت ولادته. نعرف فقط إنها كانت في حدود العام 295م. كذلك لا نعرف أين كانت. ثمة ما يبعثعلى الظن إنه ربما ولد في مكان ما بقرب مدينة الإسكندرية، مما يفسِّر إلفته بآباء البرِّية وتعلّقه بمثالهم. أنّى يكن الأمر فالبادي أنهكان قبطياً أكثر مما كان يونانياً. وقد أشار القدامى إلى السمرة غير العادية لبشرته. كان يقرأ ويكتب ويعظ بالقبطية. هذا لا شك فيه. لميعرض لاضطهاد المسيحيّين في سنواته الخمسة العشر الأولى من حياته. حملة ذيوكليسيانوس قيصر على المسيحيّين امتدَّت منالسنة 303 إلى السنة 311 م. ماذا كان وقعها عليه؟ لا نعلم بالتدقيق، لكن، هناك من يميل إلى الربط بعامة بين تشبّث الشهداء بالإيمانوصلابتهم، من ناحية، وما أبداه أثناسيوس في صراعه ضد الآريوسية، من ناحية أخرى، من أمانة وصلابة وطول باع. فالواضح أننفسه كانت مطبوعة على روح الشهادة للرب يسوع. وقد سرى عنه، عبر العصور، في هذا الشأن، قول جرى مجرى المثل الشائع يومكادت الآريوسية تبلع العالم: "أثناسيوس ضد العالم
⁜ ماذا عن علمه وثقافته؟ لا نعرف الكثير. يبدو أنه لم يتثقّف بثقافة اليونانيين نظير كبار القدّيسين كباسيليوس الكبير والذهبي الفموغريغرريوس اللاهوتي. الكنيسة تعلّمها، بصورة خاصة، من الكأس المقدّسة، من المعلّمين المسيحيّين وأوساط المؤمنين والدوائرالأسقفية في الإسكندرية حيث يبدو أنه انضمّ حدثاً إلى حاشية القديس ألكسندروس، أسقف المدينة. بعض معلّميه، على ما أورد هوعبوراً، قضى في زمن الاضطهاد. هذا ربما فسّر حدَّة روح الشهادة لديه
وقد شاعت عن كيفية التصاقه بأسقف الإسكندرية، ألكسندروس، رواية مفادها أنه فيما كان الأسقف، يوماً، في دارته المطلّة على البحر،لاحظ، في المدى المنظور، على الشاطئ، حفنة من الأولاد يلعبون. كان واحد منهم يقف في الماء فيما كان رفاقه يتقدّمون واحداً واحداً كمافي زيّاح، فيصبّ عليهم الماء وينصرفون. فأخذ الأسقف يتساءل: ترى ماذا يفعلون؟ وبدافع الفضول أرسل في طلب الولد وسأله ماذايعمل؟ لماذا يصبّ الماء على رؤوس الأولاد الآخرين؟ فأجابه: أعمّدهم!
- وهل تعلم كيف؟ - نعم! علّمتهم أسرار إيماننا ولقّنتهم الصلواتوكيف يستعدّون لاقتبال المعمودية ثم عمدّتهم! الأولاد، بالمناسبة، كانوا وثنيّين. فتعجّب الأسقف وأكبر ما فعله الصبي. وإذ مال إليهورغب في تبنّيه استأذن والديه وضمّه إليه. وبعد سنوات قليلة أضحى مقدَّماً عنده كابن لأبيه وحافظ سرّه
⁜ ملامحه: كيف بدا للعيان ذاك الذي أبدى من الجرأة والصلابة ما أدهش العالم؟ كان نحيف البنية، قصير القامة. أعداؤه دعوه قزماً.وكان معكوف الأنف، صغير الفم، ذا لحية قصيرة محمرّة وبشرة تميل إلى السواد وعينين صغيرتين... وقد اعتاد أن يمشي بانحناءةبسيطة إلى الأمام ولكن برشاقة ولباقة كأنه أحد أمراء الكنيسة
⁜ أثناسيوس وآريوس: أول الغيث! سنة 318م، وبناء لطلب ألكسندروس، كتب أثناسيوس، وهو بعد في أوائل العشرينات من عمره،مقالتين إحداهما ضدّ الوثنيّين والأخرى بشأن تجسّد كلمة الله. تضمّنت المقالتان لبّ الرسالة التي شاء الرب الإله لأثناسيوس أن يفتّقهاوينقلها إلى العالم. وحدث في السنة 319 أن دعا ألكسندروس إلى اجتماع لكهنته عرض فيه لوحدة الآب والابن والروح القدس فيالجوهر، فلم يرق كلام الأسقف لأحد الكهنة الحاضرين، وهو آريوس، الذي اعترض وطعن في وحدة الجوهر الإلهي قائلاً
"إذا كان الآبقد ولد الابن فلا بد من أن يكون المولود ذا بداءة في الوجود، وهذا معناه أنه كان هناك وقت لم يكن فيه الابن موجوداً. ومعناه أيضاً أنالابن اقتبل جوهراً من العدم". قول آريوس هذا استتبعه اعتبار الابن دون الآب ولو سما على الإنسان، ومن جوهر غير جوهر الآب، وأندوره بين الله والإنسان لا يتعدّى دور الوسيط. وكل ما أُسبغ عليه من تسميات، كالسيّد والمخلّص والإله، إنما أُسبغ عليه مجازاً، من بابالتوسّع. ألكسندروس استفظع وحاول ردّ آريوس عن غيّه عبثاً. كثيرون، محلياً، تدخّلوا ولكن على غير طائل. آريوس عاند وتمادى.وقليلاً قليلاً بدأ أثناسيوس يلعب الدور الأبرز في الصراع. تكلم عن ألكسندروس. واجه آريوس بقوة ودون هوادة. أما ألكسندروسفأطال أناته على آريوس بما فيه الكفاية، ولما تبيّن له أنه لم يعد هناك مجال للعلاج جمع أساقفة مصر وليبيا وحكم بقطع آريوس. كانالموضوع خطيراً. كل وحدة الله كانت مهدّدة. كل التدبير الخلاصي بيسوع المسيح أضحى بلا معنى. استقامة الرأي باتت في خطر!
منكان آريوس؟ كان آريوس ليبياً، راعياً لكنيسة بوكاليس. لا نعرف عنه الكثير. كتاباته أكثرها أتلف أو ضاع. كان حاد الذهن، ضليعاً فيالفلسفة، خبيراً في الاستدلال المنطقي. وقد وُصف بأنه طويل القامة، نحيف، متنسّك، واثق من نفسه، يتكلّم كمن له سلطان. كان فيالثالثة والستين حين قاوم الأسقف ألكسندروس. وقد سبق له أن التصق، لبعض الوقت، بجماعة منشقّة تمتّ إلى أسقف يدعىملاتيوس بلبلت الكنيسة في الإسكندرية. وثمة من يقول إنه كان رجل طموحات ويطلب المعالي، فلما خاب عن بلوغ سدّة الأسقفيةالأولى على مصر، تحوّل إلى مقاوم ومعاند إثباتاً لنفسه. أنّى يكن الأمر فقد تعاطى آريوس الحقائق الإيمانية كما لو كانت مسائلفلسفية. الموضوع بالنسبة إليه كان موضوع منطق واستنتاجات منطقية، على مذهب بعض التيّارات الفلسفية في زمانه. ولكي يجعلآراءه على كل شفة ولسان نظم بعضها على الموسيقى فأضحت أغان تردِّدها العامة في كل مكان.
⁜ البدعة تنتشر: وشاعت البدعة هنا وثمة. كان فيها ما يستهوي. كثيرون تعاطوا المسيحية أو كانوا مستعدّين لأن يتعاطوها كفلسفةجديدة. وكثيرون سعوا إلى المزاوجة بين المسيحية وهذا التيار الفلسفي أو ذاك وفشلوا. عشرات الهرطقات تولّدت وعشرات المذاهبنشأت كان يمكن أن تودي بالكنيسة الفتيّة إلى التهلكة أو تجنح بها إلى الفساد لو لم يكن روح الرب حافظها وعاصمها. هذا إذن كانالمناخ الفكري العام، آنذاك، لاسيما في أوساط المفكّرين المسيحيّين. فلما نزلت هرطقة آريوس إلى سوق الأفكار، وهي أسوأ وأخطر ماظهر، تلقّفها العديدون. تجدر الإشارة، على رأي بعض الدارسين، أن للآريوسية بصورة أساسية، علاقة بالغنوصية التي يبعد فيهاالكائن الأعظم عن المخلوقات، وبالأفلاطونية الجديدة التي تبدو فيها الكلمة في وضع الوسيط بين الواحد والمتعدّد، بين الروح والمادة،وبالمخفضين، أمثال أوريجنيس المعلّم، الذين خفّضوا مرتبة الابن ومرتبة الروح القدس فقالوا بثالوث متدرّج غير متساوٍ في الجوهرالواحد. إلى ذلك احتضن آريوس وقدّمه عددّ من المتنفّذين نظير أفسافيوس، أسقف قيصرية فلسطين، وأفسافيوس أسقف نيقوميذية،العاصمة الشرقية للإمبراطورية قبل القسطنطينية، وبولينوس، أسقف صور، وأثناسيوس، أسقف عين زربة، وغريغوريوس، أسقفبيروت، وماريس، أسقف خلقيدونية. آريوس خرج من مصر إلى قيصرية فلسطين ومنها إلى نيقوميذية. ومن هناك أخذ يبثّ سمومهيميناً ويساراً فاحتدم الصراع. مصر، ليبيا، فلسطين، آسيا الصغرى وسواها كلها اضطربت. قطبا الصراع كانا مصر ونيقوميذية. لكن،شيئاً فشيئاً كل الأساقفة دخلوا في جدل فيما بينهم. دخلوا في صراع. والصراع طال الشعب. في بعض الأمكنة تحوّل الجدل إلى صدامفتضارب الناس وتقاتلوا وسالت الدماء. هكذا لاح في الأفق، بصورة جدّية، خطر الحرب الأهلية، فكان لا بد للسلطة الحاكمة من أنتتحرّك لتحسم الأمر وتضع حدّاً للجدل
⁜ مجمع نيقية: بلغت أصداء الصراع الناشب أسماع قسطنطين الملك فتنبّه وتخوّف. لم يدرِ تماماً ما الذي كان القوم يتجادلون فيشأنه. استعان ببعض أصدقائه ومستشاريه العارفين أمثال هوسيوس، أسقف قرطبة. وبعد التداول معهم استقرّ رأيه على الدعوة إلىمجمع يضمّ أساقفة المعمورة يكون دورهم، بصورة أساسية، أن يحدِّدوا له موقف الكنيسة الجامعة من المسائل المطروحة وهو يلتزمهويكفل فرضه بالقوّة. همّ قسطنطين الأول كان الحفاظ على الهدوء والنظام ووحدة الإمبراطورية. على هذا الأساس، تقرّر أن يكون مكانالاجتماع مدينة صغيرة تدعى نيقية، وهي إزنيق الحديثة، في القسم الشمالي من آسيا الصغرى، على بعد أميال قليلة من مدينةنيقوميذية. كما وجِّهت الدعوة إلى ألف وثمانمائة أسقف لحضور المجمع، ووضعت وسائل النقل الرسمية في تصرّفهم. لا نعرف تماماًعدد الذين لبّوا. في تراثنا إنهم 318 على عدد الخدّام الذين تمكّن إبراهيم الخليل بهم من فك أسر ابن أخيه لوط، في سفر التكوين(14:14
التأم المجمع في 14حزيران سنة 325م. عدد كبير من الكهنة والشمامسة رافقوا الأساقفة. ستة أساقفة وكاهنان أتوا من الغرب والباقونكانوا شرقيين. بعض الذين حضروا كانوا معترفين حملوا في أجسادهم سمات الآلام لأجل اسم الرب يسوع: بولس أسقف قيصرية مابين النهرين، ذو اليدين المحروقتين المعطوبتين، وبفنوتيوس الصعيدي المقلوع العين اليمنى والمعطوب الرجل اليسرى، وبوتامونالهرقلي الأعور. كما حضر أساقفة عرفوا بقداسة السيرة كسبيريدون القبرصي ويعقوب النصيبيني. القديس أثناسيوس الكبير كانرئيس شمامسة ورافق أسقف الإسكندرية ألكسندروس وتكلّم باسمه. من رأس المجمع؟ لا نعرف تماماً. ربما هوسيوس أسقف قرطبةوربما أفستاتيوس، أسقف أنطا كية. في خطبة افتتاحية، دعا قسطنطين الملك الحاضرين لإزالة أسباب الشقاق من بينهم وتوطيدالسلام
عرض آريوس أفكاره، فتصدّى له الفريق الأرثوذكسي. أثناسيوس، ولو شماساً، كان الأبرز في الردّ على آراء آريوس والتصدّيلحججه وتبيان عطبها. ساد اللغط. تبلبلت الآراء. احتدم الجدال. اقترح هوسيوس وضع دستور إيمان يكون أساساً للإيمان القويم. فيضوء تعاليم الآباء، جرى اعتماد نص يشكّل أساس دستور الإيمان النيقاوي القسطنطيني الذي نتلوه اليوم. الفريق الآريوسي تقزّم.استبانت مفسدة آريوس جلية للعيون. حكم المجمع بقطع آريوس. تبنّى قسطنطين الملك قرارات المجمع وأصدر قراراً، على ما ورد عندالمؤرّخ سقراط، قضى بحرق كتب آريوس وحذّر من يقتنيها سراً ويروّج لها بالموت. انفضّ المجمع بعد حوالي سبعة أسابيع منانعقاده، يوم الخامس والعشرين من تموز. يومها ظُنّ أن ملف آريوس طوي وإن الكنيسة استراحت والإمبراطورية استكانت إلىوحدتها من جديد. ولكن، أثبتت الأيام إن ما جرى لم يكن سوى حلقة في مسلسل الآلام التي حلّت بالكنيسة الجامعة وبالقديسأثناسيوس الكبير كرمز لها، إن لم يكن رمزها الأوحد، على امتداد سنين طويلة
⁜ قول أثناسيوس: التركيز في دفاع أثناسيوس كان على تراث الكنيسة وتعليمها وإيمانها كما سلّمه السيد وكرز به الرسل وحفظهالآباء. في مقابل ميول مناهضيه العقلانية قدّم قدّيسنا الإيمان على العقل. أرسى أسس الفكر اللاهوتي القويم كما لم يفعل أحد منقبله. من هنا فضله ومن هنا تسميته في تراثنا بـ "أب الأرثوذكسية" أو كما دعاه القديس غريغرريرس اللاهوتي "عمود الكنيسة". كلمةالله، عند آريوس مولود فهو إذن مخلوق، من نتاج مشيئة الآب السماوي. عند أثناسيوس، كلمة الله مولود ولكنه غير مخلوق لأنه نابعمن جوهر الآب لا من مشيئته. هو منه كالشعاع من الضوء. ليس فقط إن كل ما للابن هو للآب بل كل ما للآب هو للابن أيضاً. كل مل ءاللاهوت هو في الابن كما في الآب. الواحد لا ينفصم عن الآخر. من رآى الابن فقد رأى الآب في آن. ليس الآب من دون الابن ولا الابن مندون الآب. كما الضوء والشعاع واحد، الآب والابن واحد. لذلك لم يكن هناك وقت أبداً لم يكن فيه الابن موجوداً وإذا كان الآب والابنواحداً فالآب مميّز عن الابن والابن مميّز عن الآب. ثم وحدانية الآب والابن في الجوهر مرتبطة بتجسّد الابن وبالتالي بخلاصنا لأن الذياتخذ بشرتنا واتحد بها إنما أعطانا أن نتّحد به وأن نتّخذ ألوهته. من هنا كلام القديس بطرس في رسالته الثانية (4:1) عن صيرورتنا"شركاء الطبيعة الإلهية"، وكلام القديس أثناسيوس نفسه عن كون: "الله صار إنساناً لكي يصير الإنسان إلهاً". لو لم يكن الابن منجوهر الأب لما كان بإمكانه أن يجعلنا على مثال الآب. وكما الابن كذلك الروح القدس. الروح القدس أيضاً من جوهر الآب وإلاّ ما أمكنهالبتة أن يؤلهنا، أن يجعلنا شركاء الطبيعة الإلهية
الموضوع، بالنسبة للقديس أثناسيوس، كان موضوع الخلاص برمّته. قول آريوس يتعدّى كونه مجرّد رأي لأن اقتباله معناه ضربالمسيحية في الصميم. فلا مجال للمساكنة أو المهادنة. الزغل في الآراء، في هذا الشأن، قضاء على الكنيسة. أثناسيوس وعى دقّةالمسألة وخطورتها حتى العظم، فأتت حياته، في كل ما عانى على مدى ست وأربعين سنة، تعبيراً عن تمسّك لا يلين بكلمة حقّ الإنجيلوالإيمان القويم
⁜ أثناسيوس بطريرك: إثر انفضاض مجمع نيقية، عاد ألكسندروس الإسكندري إلى دياره فسام أثناسيوس كاهناً وسلّمه مقاليدالإرشاد والوعظ وشرح تعاليم المجمع النيقاوي. ثم بعد ثلاث سنوات رقد ألكسندروس (328) فاختير أثناسيوس ليحلّ محلّه. لم يكنالاختيار من دون صعوبات. أثناسيوس كان له مناهضوه، لأسباب عديدة بينها أسباب شخصية كفتوّته. كان في الثلاثين يومذاك. ثم إنالبعض اعتبروه متصلباً قاسياً تنقصه المرونة في التعاطي مع الآخرين. أنّى يكن الأمر فقد ورد أن قديسنا لجأ إلى أحد الديورة هرباًمن الأسقفية لكنه رضخ، بعد لأي، للأمر الواقع
أولى مهام أثناسيوس كرئيس أساقفة على الإسكندرية وتوابعها، كانت استعادةالوحدة والنظام في أبرشيته الشاسعة التي عانت لا من الهرطقة الآريوسية وحسب بل من جماعة ملاتيوس المنشقّة أيضاً وكذلك منالانحطاط الخلقي وانحلال الانضباط الكنسي. وعلى مدى سنوات جال أثناسيوس في كل الأنحاء المصرية، حتى الحدود الحبشية،يسيم الأساقفة ويختلط بالمؤمنين الذين اعتبروه، إلى النهاية، أباً لهم. كما تفقّد الأديرة، حتى التي في برّية الصعيد، وأقام، لبعضالوقت، في دير القديس باخوميوس (15أيار). باخوميوس كان يقدّر أثناسيوس كثيراً، وقد سمّاه "أب الإيمان الأرثوذكسي بالمسيح". أقام أثناسيوس الأسقف في شيء من الهدوء يرعى شعبه سنتين. ثم انفجر الصراع مع الآريوسية من جديد وعلى أخطر مما كان قبلمجمع نيقية
⁜ مسلسل النفي: الحلقة الأولى: فيما كان القديس أثناسيوس يتابع اهتمامه بشعبه كأسقف جديد عليهم، كان الآريوسيون يحيكونخيوط المؤامرة عليه. حقدهم تفاقم وكيدهم لم يخبُ. أفسافيوس النيقوميذي كانت له معارفه في البلاط. أبرز معارفه قسطنسيا، أختقسطنطين الملك. فسعى لديها لتسعى لدى أخيها لردّ الاعتبار لآريوس. وكان أن صوّر المصوِّرون لقسطنطين أن قرارات مجمع نيقية لمتأتِ بالثمار المرجوّة لها لا على صعيد استتباب الأمن ولا على صعيد شيوع السلام والاتفاق. لذلك من الأوفق للعرش أن يكون متسامحاًويدعو إلى التسامح. هذا يهدِّئ النفوس ويساهم في الحفاظ على وحدة الشعب بشكل أفضل. تبنى قسطنطين هذا المنطق وأعادلآريوس الاعتبار وسمح له بمزاولة نشاطاته من جديد. إزاء هذا الموقف الإمبراطوري المفاجئ، كان رد أثناسيوس فورياً وحاسماً: لا! هذامرفوض! في جوابه إلى الإمبراطور قال
"من المستحيل للكنيسة أن تستعيد من يقاومون الحقيقة ويشيِّعون الهرطقة وقد سبق لمجمععام أن قطعهم". قسطنطين استاء لأنه ظنّ أن كلمته لا ترد، بالنسبة للدولة كما بالنسبة للكنيسة. أما أثناسيوس فلم يكن همّه الطاعةلقيصر دون قيد أو شرط بل الطاعة لله أولاً وأخيراً. كان مستعداً للتعاون مع القيصر طالما كان قيصر في خط الحقيقة الإلهية. أما وقدحاد عنها فهو الملوم. ليس أثناسيوس مستعداً للرضوخ للأمر الواقع. الحقيقة الإلهية فوق كل اعتبار
على هذا نجح الآريوسيون فينقل الصراع من المستوى اللاهوتي إلى المستوى السياسي. لم ينجحوا في محاربة أثناسيوس باللاهوت فتحوّلوا إلى محاربتهبالسلطة السياسية. أخذوا يصوّرونه كمشاغب، كمن يشكّل خطراً على أمن الدولة. فلا عجب إن قال عنه قسطنطين الملك إنه "رجل وقحومتعجرف ومفسِد". وطبعاً عرف الآريوسيون بما أوتوه من حقد وكيد كيف يغيرون صدر قسطنطين عليه بالأكثر. قالوا عنه إنه يعرقلنقل القمح المصري إلى القسطنطينية، وقالوا إنه يفرض الضريبة على السفن المسافرة إلى هناك ليدفع لكهنته. وإمعاناً في تشويهصورة أثناسيوس أمام القيصر والعامة، وجّهوا إليه تهماً عدّة بينها الزنى والسِحر والقتل. قالوا إنه اغتصب امرأة واستبدّ بعفافها.وقالوا إنه قتل أسقفاً من المنشقّين الملاتيين يدعى أرسانيوس. والآريوسيون تظاهروا وهم يحملون ذراعاً سوداء يابسة قالوا إنهالأرسانيوس
وإذ صادف مرور ثلاثين سنة على تولي قسطنطين العرش، أراد الاحتفال بالمناسبة بتكريس كنيسة القيامة في أورشليم.ثم تمهيداً لذلك دعا الأساقفة إلى مجمع يُعقد أولاً في صور للنظر في التّهم الموجّهة إلى أثناسيوس. لم يكن أمام أثناسيوس أي خيار،فركب إلى صور هو وخمسون من أساقفته. لكن المجمع لم يكن مجمعاً بل محكمة. لذلك لم يسمح للأساقفة المصريين بالدخول. فقطأثناسيوس دخل، ودخل كمتّهم وعومل كذلك. كل أعدائه اجتمعوا عليه. وُجّهت إليه شتّى التّهم. ظنّوا أنهم قضوا عليه. الخناق كانشديداً. لم يأتوا به ليستمعوا إليه بل ليدينوه. لكن نعمة الله أعانته. قالوا إنه زان وأتوا بامرأة قالت إنه اعتدى عليها. لكن المرأة فشلتفي الدلالة عليه، وتبيّن أنه لم يسبق لها أن شاهدته في حياتها. قالوا إنه قتل أرسانيوس، فإذا بأرسانيوس الذي وصل إلى صور فياليوم السابق لانعقاد المحكمة، يظهر ذاته فتظهر التهمة باطلة. قالوا إن اليد اليابسة التي حملوها هي يد أرسانيوس، فإذا بأرسانيوسيظهر كامل اليدين. إزاء هذه الشهادات انحلّ عقد المجتمعين على أثناسيوس دون أن ينحل حقدهم. وهكذا تمكّن قدّيسنا من التواريقبل أن يصدروا في شأنه حكمهم الأخير
واختفى أثناسيوس. ثم فجأة ظهر في القسطنطينية. أقام في منزل في الشارع المؤدّي إلى القصر الملكي. وإذ كان قسطنطين عائداً،ذات يوم، إلى قصره، نزل أثناسيوس إلى الشارع وتقدّم منه، وقسطنطين غير منتبه، وقبض على زمام الجواد الذي امتطاه وأوقفه عنسيره. لم يكن قسطنطين معتاداً أن يوقفه أحد، فنظر مستغرباً متعجباً منزعجاً، فإذا به أمام الرجل القصير القامة الذي لم يعرفه أولالأمر يقول له
"الله يحكم بيني وبينك بعدما انضممت إلى صفوف المغترين عليّ!" وبدا قسطنطين كأنه لا يريد أن يسمع المزيد لكن،أردف أثناسيوس
"أطلب منك فقط إما أن تدعو إلى مجمع شرعي أو أن تدعو محاكميّ إلى مواجهتي في حضورك". وانصرفقسطنطين. بعد أيام طلب ملف القضية على أثناسيوس ومعرفة الحكم الصادر في حقّه، كما دعا عدداً من متّهميه لمواجهته لديه،فحضروا وحضر أثناسيوس. أكالوا له تهماً عدّة لاسيما فيما يختص بالقمح والسفن المسافرة إلى القسطنطينية. دافع أثناسيوسبمنطق رجل الله لا بمنطق أهل العالم. ولكن بدا قسطنطين أكثر استعداداً للإصغاء لمنطق من يتحدثون بلغة السياسة والأمن والدولة وماإلى ذلك. موقف أثناسيوس بان ضعيفاً. لم يرد قسطنطين أن يبتّ في أمره بصورة نهائية، فأبقى عليه أسقفاً للإسكندرية لكنه حكمبنفيه إلى "تريف" عاصمة بلاد الغال (فرنسا) حيث بقي إلى أن رقد قسطنطين في أيار 337م
يذكر أن آريوس، أثناء غياب أثناسيوسعن الديار المصرية، حاول العودة إلى الإسكندرية فصدّه الشعب الحسن العبادة فتحوّل إلى القسطنطينية. هناك رغب أفسافيوسالنيقوميذي ومن لفّ لفّه في حشد الجموع احتفالاً بإعادة الاعتبار لآريوس. وإذ خرج آريوس وأصحابه إلى الشارع قاصدين الكنيسةبزهو وأبّهة وحماس، حدث فجأة ما لم يكن في الحسبان. شعر آريوس بألم في أحشائه، فانتحى جانباً لقضاء حاجة نفسه فوقعمغشياً عليه ومات
⁜ الحلقة الثانية: في غضون سنة من وفاة قسطنطين عاد أثناسيوس إلى كرسيّه. القديس غريغوريرس اللاهوتي كان حاضراً ووصفما جرى. كل الإسكندرية استقبلته. مشى على السجّاد. اشتعلت أمام البيوت قناديل الزيت. صدحت المدينة بالعيد والتمجيد. "لا شيءيفصلنا عن المسيح". هكذا علّق أثناسيوس. الصلاة والعبادة اجتاحت مدن مصر في حركة عفوية جامعة شاملة. وفي طفرة الحماسمئات وآلاف الإسكندرانيين خرجوا ليترهّبوا. الجيّاع أطعموا. اليتامى احتُضنوا. واستحال كل بيت كنيسة
ومع ذلك، وفي أقل من ثلاث سنوات (340م)، عاد أثناسيوس إلى المنفى من جديد
فإثر وفاة قسطنطين الملك توزّعت الإمبراطورية علىأولاده الثلاثة، فملك قسطنطين الثاني على بريطانيا وغاليا وأسبانيا، وقسطنس على اليونان وإيطاليا وإفريقيا وقسطنديوس علىآسيا وسوريا ومصر. الأولان مالا إلى الأرثوذكسية والأخير إلى الآريوسية. وقع تحت تأثير أفسافيوس النيقوميذي الذي جرى نقله إلىالقسطنطينية وصار أسقفاً عليها. قسطنديوس كان شاباً في العشرين ملأته شهوة السلطة. قال عنه مرسلّينوس المؤرّخ أنه كان يربكالكنيسة بخرافاته وأوهامه. وقال عنه أثناسيوس: إنه قُلَّب لا رأي له من ذاته. يأخذ بنصيحة الخصي إذا حدث إن كان قريباً منه. لذلك لاأظنه سيّئاً. فقط عاجز وسخيف
وصدر لأثناسيوس من القسطنطينية أمر بمغادرة الإسكندرية، كما جرى تعيين أسقف آريوسي جديدمحلّه هو غريغوريوس الكبّادوكي. دخل غريغوريوس بمواكبة عسكرية. وصل في آذار 340م. وبوصوله شاع جو إرهابي. فدُنِّستالكنائس ولُوِّثت المذابح وأُوقف رهبان وعذارى وأودعوا السجون وعُذِّبوا. الإسكندرية الكنيسة خضعت للاحتلال العسكري. أماأثناسيوس فتوارى. استقل سفينة برفقة أمونيوس وإيسيدوروس الراهبين وارتحل. إلى أين؟ إلى رومية حيث استقبله يوليوس الأولأسقفها استقبالاً طيّباً. هذا فيما أُوعز لحكّام الإسكندرية أن يقطعوا رأس أثناسيوس إذا تجرّأ فعاد إلى الديار المصرية
بقي قدّيسنا فيالمنفى ست سنوات. تلك كانت سنوات مخصبة. أخذ ينتقّل في الغوب بحرّية. كان محترماً ومقدَّراً من الجميع. وعظ، خاطب الأساقفة،علّم عن نيقية، وقيل كتب، آنذاك، سيرة القديس أنطونيوس الكبير التي كان لها أثر بارز على الغرب وعلى شيوع الرهبنة فيه. وتأكيداًلدعم يوليوس الأسقف لأثناسيوس، دعا إلى مجمع في رومية في تشرين الثاني 342
زكّى الإيمان النيقاوي وأعلن أنه لا يعترف بغيرأثناسيوس أسقفاً على الإسكندرية. ولم يطل رد فعل الآريوسيين حتى ورد، فعقدوا مجمعاً مضاداً في أنطاكية وضع دستور إيمان جديدواتخذ تدابير قانونية خاصة للحؤول دون إمكان عودة أثناسيوس إلى كرسيّه. على هذا بدا العالم المسيحي مقسّماً إلى غربأرثوذكسي وشرق يرزح تحت نير الآريوسية. أخيراً، سنة 345، اندلعت الثورة في الإسكندرية وقُتل غريغوريوس المغتصب. وإذ تنبّهقسطنديوس إلى خطر اندلاع حرب أهلية هناك تراجع وسمح لأثناسيوس بالعودة، فعاد خلال العام 346م وقيل 348م
⁜ الحلقة الثالثة: ولم ينم الآريوسيون على الضيم ولا نام قسطنديوس الملك. خيوط المؤامرة كانت ما تزال بعد قيد الحياكة. همّ الفريقالآريوسي ما فتئ تصوير أثناسيوس كعنصر شغب وأن استمراره في سدّة المسؤولية الكنسية خطر على أمن الدولة. فبقيقسطنديوس مشدوداً. سنة 353م أُطيح بقسطنس، الإمبراطور في الغرب، وكان قد أًطيح بقسطنطين الثاني قبله، فخلت الساحةلقسطنديوس بالتمام والكمال. أضحى إمبراطور الشرق والغرب معاً. هاجسه كان أن يحفظ الوحدة السياسية للإمبراطورية بأي ثمن.هذه الوحدة، بنظره كانت آريوسية الطابع، وأثناسيوس أحد الذين يتهدّدونها. فجأة وجّهت التهمة إلى أثناسيوس بالتآمر على سلامةالدولة من جديد. فلقد زعموا أن أثناسيوس كاتب أحد الساعين إلى اغتصاب إمبراطورية الغرب، وأن رسالة، في هذا الشأن، وقعت فيأيدي عملاء قسطنديوس. عليه وصل، صيف العام 355م، إلى الإسكندرية مبعوث ملكي وطلب من أثناسيوس تسليم سلطاته فرفض.استمرّت محاولات إقناعه ستة أشهر من دون نتيجة. قالوا لأثناسيوس: اخرج لتسلم مصر، فأجاب: لن يكون لها سلام إذا غادرتها! أخيراًوصلت الأزمة إلى حد المواجهة العسكرية. دخل الجنرال سيريانوس الإسكندرية على رأس خمسة آلاف عسكري. جاء ليخرج أثناسيوسبالقوة. وفي 9شباط 356م كان أثناسيوس ورعيته يقيمون السهرانة في كنيسة القديس ثيوناس استعداداً لسر الشكر في اليوم التالي.فجأة أحاط العسكر بالكنيسة واقتحموها. كان أثناسيوس في كرسيِّه والترانيم تملأ المكان. انبعثت الأصوات. تعالى الصراخ. التمعتالسيوف. وسقط قتلى وجرحى وديسوا. وقف سيريانوس أمام الهيكل فيما انتشر عسكره بين الناس يميناً ويساراً. همّهم الأوّل كانالتعرّف إلى أثناسيوس والقبض عليه. لكن الجند استباحوا سرقة الأواني الذهبية وتعرّضوا للعذارى. أما أثناسيوس فإذ كان صغيرالقامة فقد غطّاه عدد من الرهبان والإكليروس وحملوه ثم خرجوا به من الباب دون أن يلاحظهم العسكر وسط المعمعة واختفوا تحتجنح الظلام. خرج أثناسيوس إلى الصحراء. الرهبان حفظوه، وعامة المؤمنين أيضاً. لكنه أخذ يظهر من وقت إلى آخر في الإسكندريةطلباً لرعاية شعبه بصورة خفيّة. في تلك الفترة بدا كأن الكنيسة، شرقاً وغرباً، وقعت تحت نير الآريوسية بالكامل لاسيما وأنقسطنديوس كان قد سعى إلى عقد مجمع لصالحها في ميلان ونفى، على أثره، 147 أسقفاً أرثوذكسياً رفضوا الرضوخ له. القديسإيرونيموس كتب عن تلك المرحلة قائلاً
"العالم كلّه كان يئن ويعجب لأنه ألفى نفسه آريوسياً
ست سنوات قضاها أثناسيوس متخفياً، لا شك أنها تركت بصماتها عليه. فلقد شاخ! لكنه لم يلن ولم يحد عن قوله الأول، عن إيمانالكنيسة القويم، عن عقيدة نيقية، شعرة واحدة. قدرته، بنعمة الله، على الصمود كانت خارقة. كانت فيه شعلة إلهية لا تخبو. أخيراً ماتقسطنديوس وعاد أثناسيوس مظفّراً، بعون الله، إلى الإسكندرية في 21شباط 362م. يوليانوس الوثني الجاحد تولّى العرش. وفيسعيه إلى ضرب المسيحية أعاد الأساقفة الأرثوذكسيين إلى ديارهم آملاً في تأجيج الصراع بين الأرثوذكسيين والآريوسيين، ومن ثم فيإضعافهما معاً لتقوى الوثنية على حسابهما وتعود إلى الواجهة من جديد. لكن حساب البيدر لم يكن على حساب الحقلة، فكان نصيبأثناسيوس التواري والنفي مرة أخرى
⁜ الحلقة الرابعة: بين شباط وخريف العام 362م، حقّق القديس أثناسيوس نجاحات ملفتة
التفّ الشعب الأرثوذكس حوله. أقاماتصالات بعدد من الأساقفة الأرثوذكسيين. بدى لناظريه كلولب لتوحيد الكنيسة. أقام جسوراً مع الفريق نصف الآريوسي الذي وقفوسطاً بين الأرثوذكسية والآريوسية. أبدى حياله مرونة وتفّهماً عميقين. لمّا فهموا حقيقة موقفه تغيّروا وانضمّوا إليه. كل هذا وغيره أقلقيوليانوس الجاحد. وحتى لا يفسح لأثناسيوس في المزيد من المجال لإفساد خططه عليه اتخذ في حقّه تدابير احترازية. وجّه إلى شعبالإسكندرية رسالة ذكّر فيها بأن أثناسيوس سبق أن صدر في حقّه عدد من المراسيم الملكية التي قضت بنفيه. سجل الرجل، إذاً، غيرنظيف، وها هو الآن يهين القانون والنظام ويتصرّف كأنه لا قانون. كذلك أكدّ يوليانوس إنه لم يسمح لا لأثناسيوس ولا لسائر منأسماهم بـ "الجليليّين"، وعنى بهم المسيحيّين، بالعودة إلى كنائسهم بل إلى بيوتهم وحسب. وبعد أن أشار إلى ما اعتبره "الوقاحةالمعهودة" لأثناسيوس الذي اغتصب، على حد قوله، "ما يدعى بالكرسي الأسقفي"، أنذره بمغادرة الإسكندرية حال تسلّمه إشعاراً بذلك،وإلا فإن عقاباً صارماً سوف يُتخذ بحقّه
لم يجد قدّيسنا أمامه خياراً غير الانسحاب من الإسكندرية. تركها في تشرين الأول 362م. وإذ رأى الرهبان الذي رافقوه إلى المركبيبكون قال لهم: "لا تحزنوا! ليست هذه سوى غيمة صغيرة وتعبر!" أحد مراكب العسكر الملكي لاحقه واقترب منه. سألوا "أينأثناسيوس؟" أجاب: "ليس بعيداً عنكم!" ولكن بدل أن يفتّشوا المركب انصرفوا. أما أثناسيوس فوُجد بين رهبان صعيد مصر، لكنه كانينزل إلى الإسكندرية حيثما دعته الحاجة. عملاء يوليانوس كانوا يعرفون ذلك لذلك لاحقوه. مرة كان في مركب يصلّي وكاد أن يقع فيأيدي مضطهديه. قال للأنبا بامون الذي رافقه:"أشعر بالهدوء في زمن الاضطهاد أكثر مما أشعر في زمن السلم". وإذ أردف موجِّهاً كلامهإلى صحبه:"إذا ما قُتلت..." قاطعه بامون قائلاً: "في هذه اللحظة بالذات قضى يوليانوس عدوّك في الحرب الفارسية!" هذا، كما تبيّنفيما بعد، كان صحيحاً. ففي تموز 323م خرج يوليانوس إلى الحرب ضد الفرس فقضى بسهم طائش من أحد عسكريّيه ولم يعد
⁜ الحلقة الخامسة والأخيرة: بعد يوليانوس الجاحد تولّى الحكم الإمبراطور جوفيانوس الذي كان أرثوذكسياً. هذا ثبّت أثناسيوسعلى كرسي الإسكندرية وعامله بإجلال كبير. لكن عمر جوفيانوس كان قصيراً. ففي أوائل العالم التالي، 364م، خرج على رأس عسكرهإلى حدود بيثينيا، حيث قضى مسموماً بدخان الفحم الذي أُشعل في غرفة نومه لتدفئته. على الأثر تولّى الحكم إمبراطوران:والنتنيانوس على الغرب ووالنس على الشرق. والنس كان آريوسياً. والفريق الآريوسي كان أضعف من ذي قبل. انتظر والنس إلىالعام 367م ليبادر إلى نفي الأساقفة الأرثوذكسيين من جديد. أثناسيوس كان من بينهم. توارى مرة أخرى. وقيل اختبأ أربعة أشهر فيمقبرة. ولكن اهتاجت مصر فتوجّس والنس خيفة وأمر باستعادة أثناسيوس فعاد، هذه المرة، ليبقى
ساس قدّيسنا رعيّته بسلام سبع سنوات إلى أن رقد في الرب في 2أيار عام 373م. جملة سنواته أسقفاً كانت ستّاً وأربعين، قضىعشرين منها في المنفى. لم يعاين نصرة الأرثوذكسية في كل مكان، لكنها تحقّقت بعد سنوات قليلة من وفاته، زمن الإمبراطورثيوديوس الكبير
⁜ حياة المغبوط أنطونيوس الكبير: من أهم ما ترك لنا القديس أثناسيوس، كتابة، سيرة القديس أنطونيوس الكبير الذي قال إنه رآهمراراً ولازمه طويلاً وسكب في يديه الماء. تاريخ السيرة حدود العام 357م، بعد وفاة القديس أنطونيوس بقليل. الكتاب موجّه إلى رهبانغير مصريّين، ربما غربيّين، طلبوا من أثناسيوس أن يكتب لهم عن حياة المغبوط لأنهم رغبوا في أن يعرفوا منه كيف بدأ نسكه، من كانقبل ذلك، كيف كانت نهاية حياته، وهل إن كل ما يروى عنه صحيح. غرضهم، كما بدا لأثناسيوس، كان الإقتداء بغيرة أنطونيوس. وقدقبل أثناسيوس طلبهم ولبّى رغبتهم لأن ربحه كبير حتى لمجرد ذكر اسم أنطونيوس، على حد تعبيره، ولأن حياة المغبوط، كما ورد فيمقدّمته، "نموذج كاف للنسك". ويبدو أن مراسلي أثناسيوس ضمّنوا كتابهم إليه بعض الأخبار التي سمعوها عن أنطونيوس. هذه أكدّأثناسيوس صحّتها مشيراً إلى أنها مجرّد غيض من فيض. كما حرص أثناسيوس على جمع معلومات إضافية عن أنطونيوس منالرهبان الذين اعتادوا زيارته بشكل متواتر، أولاً ليتعلّم وينتفع هو نفسه وثانياً ليكون له أن يكتب عنه المزيد. كذلك سعى أثناسيوسإلى التدقيق في أخبار المغبوط ما أمكنه لكي تكون كل الأمور بشأنه حقيقية، على حد تعبيره. ثم ختم بالقول: "إذا ما سمع أحدكم شيئاًأكثر فلا يشك في الرجل، أما إذا سمع أقلّ فعليه ألا يحتقره". هذا والسيرة أهم وثيقة معروفة عن بداءة الحياة الرهبانية. علّق القديسغريغوريوس اللاهوتي عليها بالقول إنها "قاعدة للحياة الرهبانية في شكل سردي". كتبت أول ما كتبت باليونانية وترجمها أفغريوسالأنطاكي إلى اللاتينية تحت عنوان "من أثناسيوس الأسقف إلى الإخوة الذين في البلاد الأجنبية". هذا ربما كان إشارة إلى الرهبانالغربيّين. أنّى تكن حقيقة الأمر فإن السيرة ساهمت مساهمة فعّالة في نشر المثال الرهباني وأدخلت الرهبنة إلى الغرب. أوغسطينوسالمغبوط أشار في اعترافاته إلى التأثير الحاسم الذي كان للسيرة عليه، بالنسبة لهدايته، كما أشار إلى اجتذابها العديدين إلى الحياةالرهبانية. والى السيرة باليونانية واللاتينية وردت أقدم نصوصها بالسريانية والقبطية أيضاً.
⁜ قالوا عنه: لقد قيل الكثير عن أثناسيوس الكبير. القديس غريغوريوس اللاهوتي قال "إن الله به حمى الإيمان الأرثوذكسي وحفظه،في حقبة من أشد الحقب التاريخية حرجاً". وعن كتاباته قال يوحنا موخوس، في القرن السادس للميلاد، "إذا وجدت مقطعاً للقديسأثناسيوس ولم يكن لديك ورق لتنقله فاكتبه على ثيابك". كذلك كتب القديس غريغوريوس اللاهوتي عنه قائلاً
"إذا كنت أثني علىالقديس أثناسيوس فإنما أثني على الفضيلة نفسها لأنه حوى كل أنواع الفضائل. كان عمود الكنيسة ولا يزال مثال الأساقفة. ليسإيمان أحد صادقاً إلا بقدر ما يستنير بإيمان أثناسيوس". هكذا وصف غريغوريوس خُلقَه: "كان متواضعاً حتى لم يجاره أحد في تلكالفضيلة... حليماً، لطيف المعشر يسهل على الجميع الوصول إليه... طيِّب القلب حنوناً عطوفاً على الفقراء... أحاديثه لذيذة تأخذبمجامع القلوب. توبيخاته بلا مرارة. ومتى أثنى على أحد فلحمله على الكمال... كثير التسامح من دون ضعف، شديد الحزم من دونقسوة... كثير الحرارة والمواظبة على الصلاة، شديداً في حفظ الأصوام. لا يكلّ عن الأسهار ولا عن تلاوة المزامير... يعطف على الصغارولا يهاب مقاومة عظماء الدنيا وما يأتون من مظالم
أثناسيوس، بكلمة، مصارع. لم يخش الضربات وكان مستعداً أن يتقبّلها. دافع عنالإيمان القويم في وجه الأباطرة كما في وجه اللاهوتيين السياسيين. كان واثقاً من ربّه وغلبته، ثابتاً في إيمانه وعزمه. لم يردّه عن قولالحق ضيق ولا أسكتته عن الشهادة قوّة. تمثّل الأرثوذكسية قولاً وعملاً. قريباً من الشعب كان لا أرستقراطياً. أسقفاً للمقاومة، بتعبيرعصري. حريصاً على إتمام رعايته وتقدّم سامعيه في سبل الحياة الإنجيلية. لا يتسّم لاهوته بالتأملية الفلسفية بل بالصلابة العقدية.لاهوته تأكيد للحق الإلهي لا تفكّر نظري فيه. لاهوته حي. حتى البلاغة عنده مظهر من مظاهر الالتزام بعمل الله الخلاصي. كانأثناسيوس كلّياً في قولته وتصميمه. اتهموه بالتصلّب وقلّة المداراة. والحق إنه كان صلباً لا متصلّباً. أحدياً في توجّهه على نحو حادواضح، لا يراوغ ولا يناور ولا يداور. الشعب المؤمن والرهبان أدركوا أنه يقول الحق. لم يؤخذوا بفتنته. أخذوا بشهوة الحق لديه. أقنعهملا بمنطقه، بل لأنهم وثقوا به. هذا كان سر بلاغته النفّاذة. صنع أثناسيوس الكثير. ترك على الفكر اللاهوتي عبر العصور بصمات لاتمّحى. ولعلّ أبرز ما تركه أنه حال دون تحوّل المسيحية عن خطّها الخلاصي التأليهي إلى فلسفة. كما حرّر الكنيسة من ربقة القوىالسياسية، لاسيما وقد اعتاد الأباطرة الرومان، إلى زمانه، الاستبداد بشؤون العبادة كما بشؤون العباد. كذلك ربط اللاهوت بالتألهوبالنسك، وقدّم في شأنه أنطونيوس المغبوط نموذجاً للإنسان الجديد، فكان أثناسيوس مفصلاّ بين الكنيسة كما آلت إليه بكلالتحديات التي نزلت بها، والكنيسة كما استودعها سيّدها حقّه ونفسه لمئات السنين، بعدما انفتح بابها للدنيا على مصراعيه، حتىإلى يومنا هذا
⁜ في الخدمة الليتورجية: في خدمتنا الليتورجية اليوم تبرز ملامح صورة معبِّرة ترسمها الكنيسة لهذا القديس العظيم. فهو ذوالجلادة والراعي الحقيقي والقاعدة غير المتزعزعة لكنيسة المسيح. وهو الملهم من الله وخادم الأسرار والذهب الخالص الذي كانت لهالأحزان ومصارعات الأعداء بودقة كريمة، والذي صاغته كلمة الله خاتماً ليمينها المقدّسة. وهو بوق الكنيسة وقاطع مواكب البدع بقوةالروح والمتكلّم باللاهوت شاروبيمياً. وهو روْض أقوال الكتب الملهمة من الله الذي نقّى نفسه وجسده من كل دنس فظهر هيكلاً لائقاً بالله.في قانون السحر قال عنه ثاوفانس المرنم: "إنني بتقديمي المديح لأثناسيوس، كأني أمدَحُ الفضيلة، أظهرُ بالحري مقدِّماً النشيد لله،الذي من لدنه قد مُنح هو للبشر موضوعاً مستوجباً الثناء للفضيلة التي أصبح لها مثالاً حيّاً ونموذجاً". وقد أحرز المسيح وتكلّمبلسانه وجلا كلمة الإيمان ونفى الضلالة لما نُفي بتواتر من أجل الثالوث. دافع عن مساواة الابن والروح القدس للآب في الجوهروأقصى ضلالة آريوس ذات الإلحاد. وهو بهجة رؤساء الكهنة وعمود النور وقاعدة الكنيسة والكاتب المدقِّق عن شريعة العيشةالانفرادية. فمن هو، تفصيلاً، هذا الذي استحق أن تسبغ عليه الكنيسة المقدّسة كل هذه الأوصاف الجليلة وأكثر؟
⁜ وسطه ونشأته: لا نعرف تماماً متى كانت ولادته. نعرف فقط إنها كانت في حدود العام 295م. كذلك لا نعرف أين كانت. ثمة ما يبعثعلى الظن إنه ربما ولد في مكان ما بقرب مدينة الإسكندرية، مما يفسِّر إلفته بآباء البرِّية وتعلّقه بمثالهم. أنّى يكن الأمر فالبادي أنهكان قبطياً أكثر مما كان يونانياً. وقد أشار القدامى إلى السمرة غير العادية لبشرته. كان يقرأ ويكتب ويعظ بالقبطية. هذا لا شك فيه. لميعرض لاضطهاد المسيحيّين في سنواته الخمسة العشر الأولى من حياته. حملة ذيوكليسيانوس قيصر على المسيحيّين امتدَّت منالسنة 303 إلى السنة 311 م. ماذا كان وقعها عليه؟ لا نعلم بالتدقيق، لكن، هناك من يميل إلى الربط بعامة بين تشبّث الشهداء بالإيمانوصلابتهم، من ناحية، وما أبداه أثناسيوس في صراعه ضد الآريوسية، من ناحية أخرى، من أمانة وصلابة وطول باع. فالواضح أننفسه كانت مطبوعة على روح الشهادة للرب يسوع. وقد سرى عنه، عبر العصور، في هذا الشأن، قول جرى مجرى المثل الشائع يومكادت الآريوسية تبلع العالم: "أثناسيوس ضد العالم
⁜ ماذا عن علمه وثقافته؟ لا نعرف الكثير. يبدو أنه لم يتثقّف بثقافة اليونانيين نظير كبار القدّيسين كباسيليوس الكبير والذهبي الفموغريغرريوس اللاهوتي. الكنيسة تعلّمها، بصورة خاصة، من الكأس المقدّسة، من المعلّمين المسيحيّين وأوساط المؤمنين والدوائرالأسقفية في الإسكندرية حيث يبدو أنه انضمّ حدثاً إلى حاشية القديس ألكسندروس، أسقف المدينة. بعض معلّميه، على ما أورد هوعبوراً، قضى في زمن الاضطهاد. هذا ربما فسّر حدَّة روح الشهادة لديه
وقد شاعت عن كيفية التصاقه بأسقف الإسكندرية، ألكسندروس، رواية مفادها أنه فيما كان الأسقف، يوماً، في دارته المطلّة على البحر،لاحظ، في المدى المنظور، على الشاطئ، حفنة من الأولاد يلعبون. كان واحد منهم يقف في الماء فيما كان رفاقه يتقدّمون واحداً واحداً كمافي زيّاح، فيصبّ عليهم الماء وينصرفون. فأخذ الأسقف يتساءل: ترى ماذا يفعلون؟ وبدافع الفضول أرسل في طلب الولد وسأله ماذايعمل؟ لماذا يصبّ الماء على رؤوس الأولاد الآخرين؟ فأجابه: أعمّدهم!
- وهل تعلم كيف؟ - نعم! علّمتهم أسرار إيماننا ولقّنتهم الصلواتوكيف يستعدّون لاقتبال المعمودية ثم عمدّتهم! الأولاد، بالمناسبة، كانوا وثنيّين. فتعجّب الأسقف وأكبر ما فعله الصبي. وإذ مال إليهورغب في تبنّيه استأذن والديه وضمّه إليه. وبعد سنوات قليلة أضحى مقدَّماً عنده كابن لأبيه وحافظ سرّه
⁜ ملامحه: كيف بدا للعيان ذاك الذي أبدى من الجرأة والصلابة ما أدهش العالم؟ كان نحيف البنية، قصير القامة. أعداؤه دعوه قزماً.وكان معكوف الأنف، صغير الفم، ذا لحية قصيرة محمرّة وبشرة تميل إلى السواد وعينين صغيرتين... وقد اعتاد أن يمشي بانحناءةبسيطة إلى الأمام ولكن برشاقة ولباقة كأنه أحد أمراء الكنيسة
⁜ أثناسيوس وآريوس: أول الغيث! سنة 318م، وبناء لطلب ألكسندروس، كتب أثناسيوس، وهو بعد في أوائل العشرينات من عمره،مقالتين إحداهما ضدّ الوثنيّين والأخرى بشأن تجسّد كلمة الله. تضمّنت المقالتان لبّ الرسالة التي شاء الرب الإله لأثناسيوس أن يفتّقهاوينقلها إلى العالم. وحدث في السنة 319 أن دعا ألكسندروس إلى اجتماع لكهنته عرض فيه لوحدة الآب والابن والروح القدس فيالجوهر، فلم يرق كلام الأسقف لأحد الكهنة الحاضرين، وهو آريوس، الذي اعترض وطعن في وحدة الجوهر الإلهي قائلاً
"إذا كان الآبقد ولد الابن فلا بد من أن يكون المولود ذا بداءة في الوجود، وهذا معناه أنه كان هناك وقت لم يكن فيه الابن موجوداً. ومعناه أيضاً أنالابن اقتبل جوهراً من العدم". قول آريوس هذا استتبعه اعتبار الابن دون الآب ولو سما على الإنسان، ومن جوهر غير جوهر الآب، وأندوره بين الله والإنسان لا يتعدّى دور الوسيط. وكل ما أُسبغ عليه من تسميات، كالسيّد والمخلّص والإله، إنما أُسبغ عليه مجازاً، من بابالتوسّع. ألكسندروس استفظع وحاول ردّ آريوس عن غيّه عبثاً. كثيرون، محلياً، تدخّلوا ولكن على غير طائل. آريوس عاند وتمادى.وقليلاً قليلاً بدأ أثناسيوس يلعب الدور الأبرز في الصراع. تكلم عن ألكسندروس. واجه آريوس بقوة ودون هوادة. أما ألكسندروسفأطال أناته على آريوس بما فيه الكفاية، ولما تبيّن له أنه لم يعد هناك مجال للعلاج جمع أساقفة مصر وليبيا وحكم بقطع آريوس. كانالموضوع خطيراً. كل وحدة الله كانت مهدّدة. كل التدبير الخلاصي بيسوع المسيح أضحى بلا معنى. استقامة الرأي باتت في خطر!
منكان آريوس؟ كان آريوس ليبياً، راعياً لكنيسة بوكاليس. لا نعرف عنه الكثير. كتاباته أكثرها أتلف أو ضاع. كان حاد الذهن، ضليعاً فيالفلسفة، خبيراً في الاستدلال المنطقي. وقد وُصف بأنه طويل القامة، نحيف، متنسّك، واثق من نفسه، يتكلّم كمن له سلطان. كان فيالثالثة والستين حين قاوم الأسقف ألكسندروس. وقد سبق له أن التصق، لبعض الوقت، بجماعة منشقّة تمتّ إلى أسقف يدعىملاتيوس بلبلت الكنيسة في الإسكندرية. وثمة من يقول إنه كان رجل طموحات ويطلب المعالي، فلما خاب عن بلوغ سدّة الأسقفيةالأولى على مصر، تحوّل إلى مقاوم ومعاند إثباتاً لنفسه. أنّى يكن الأمر فقد تعاطى آريوس الحقائق الإيمانية كما لو كانت مسائلفلسفية. الموضوع بالنسبة إليه كان موضوع منطق واستنتاجات منطقية، على مذهب بعض التيّارات الفلسفية في زمانه. ولكي يجعلآراءه على كل شفة ولسان نظم بعضها على الموسيقى فأضحت أغان تردِّدها العامة في كل مكان.
⁜ البدعة تنتشر: وشاعت البدعة هنا وثمة. كان فيها ما يستهوي. كثيرون تعاطوا المسيحية أو كانوا مستعدّين لأن يتعاطوها كفلسفةجديدة. وكثيرون سعوا إلى المزاوجة بين المسيحية وهذا التيار الفلسفي أو ذاك وفشلوا. عشرات الهرطقات تولّدت وعشرات المذاهبنشأت كان يمكن أن تودي بالكنيسة الفتيّة إلى التهلكة أو تجنح بها إلى الفساد لو لم يكن روح الرب حافظها وعاصمها. هذا إذن كانالمناخ الفكري العام، آنذاك، لاسيما في أوساط المفكّرين المسيحيّين. فلما نزلت هرطقة آريوس إلى سوق الأفكار، وهي أسوأ وأخطر ماظهر، تلقّفها العديدون. تجدر الإشارة، على رأي بعض الدارسين، أن للآريوسية بصورة أساسية، علاقة بالغنوصية التي يبعد فيهاالكائن الأعظم عن المخلوقات، وبالأفلاطونية الجديدة التي تبدو فيها الكلمة في وضع الوسيط بين الواحد والمتعدّد، بين الروح والمادة،وبالمخفضين، أمثال أوريجنيس المعلّم، الذين خفّضوا مرتبة الابن ومرتبة الروح القدس فقالوا بثالوث متدرّج غير متساوٍ في الجوهرالواحد. إلى ذلك احتضن آريوس وقدّمه عددّ من المتنفّذين نظير أفسافيوس، أسقف قيصرية فلسطين، وأفسافيوس أسقف نيقوميذية،العاصمة الشرقية للإمبراطورية قبل القسطنطينية، وبولينوس، أسقف صور، وأثناسيوس، أسقف عين زربة، وغريغوريوس، أسقفبيروت، وماريس، أسقف خلقيدونية. آريوس خرج من مصر إلى قيصرية فلسطين ومنها إلى نيقوميذية. ومن هناك أخذ يبثّ سمومهيميناً ويساراً فاحتدم الصراع. مصر، ليبيا، فلسطين، آسيا الصغرى وسواها كلها اضطربت. قطبا الصراع كانا مصر ونيقوميذية. لكن،شيئاً فشيئاً كل الأساقفة دخلوا في جدل فيما بينهم. دخلوا في صراع. والصراع طال الشعب. في بعض الأمكنة تحوّل الجدل إلى صدامفتضارب الناس وتقاتلوا وسالت الدماء. هكذا لاح في الأفق، بصورة جدّية، خطر الحرب الأهلية، فكان لا بد للسلطة الحاكمة من أنتتحرّك لتحسم الأمر وتضع حدّاً للجدل
⁜ مجمع نيقية: بلغت أصداء الصراع الناشب أسماع قسطنطين الملك فتنبّه وتخوّف. لم يدرِ تماماً ما الذي كان القوم يتجادلون فيشأنه. استعان ببعض أصدقائه ومستشاريه العارفين أمثال هوسيوس، أسقف قرطبة. وبعد التداول معهم استقرّ رأيه على الدعوة إلىمجمع يضمّ أساقفة المعمورة يكون دورهم، بصورة أساسية، أن يحدِّدوا له موقف الكنيسة الجامعة من المسائل المطروحة وهو يلتزمهويكفل فرضه بالقوّة. همّ قسطنطين الأول كان الحفاظ على الهدوء والنظام ووحدة الإمبراطورية. على هذا الأساس، تقرّر أن يكون مكانالاجتماع مدينة صغيرة تدعى نيقية، وهي إزنيق الحديثة، في القسم الشمالي من آسيا الصغرى، على بعد أميال قليلة من مدينةنيقوميذية. كما وجِّهت الدعوة إلى ألف وثمانمائة أسقف لحضور المجمع، ووضعت وسائل النقل الرسمية في تصرّفهم. لا نعرف تماماًعدد الذين لبّوا. في تراثنا إنهم 318 على عدد الخدّام الذين تمكّن إبراهيم الخليل بهم من فك أسر ابن أخيه لوط، في سفر التكوين(14:14
التأم المجمع في 14حزيران سنة 325م. عدد كبير من الكهنة والشمامسة رافقوا الأساقفة. ستة أساقفة وكاهنان أتوا من الغرب والباقونكانوا شرقيين. بعض الذين حضروا كانوا معترفين حملوا في أجسادهم سمات الآلام لأجل اسم الرب يسوع: بولس أسقف قيصرية مابين النهرين، ذو اليدين المحروقتين المعطوبتين، وبفنوتيوس الصعيدي المقلوع العين اليمنى والمعطوب الرجل اليسرى، وبوتامونالهرقلي الأعور. كما حضر أساقفة عرفوا بقداسة السيرة كسبيريدون القبرصي ويعقوب النصيبيني. القديس أثناسيوس الكبير كانرئيس شمامسة ورافق أسقف الإسكندرية ألكسندروس وتكلّم باسمه. من رأس المجمع؟ لا نعرف تماماً. ربما هوسيوس أسقف قرطبةوربما أفستاتيوس، أسقف أنطا كية. في خطبة افتتاحية، دعا قسطنطين الملك الحاضرين لإزالة أسباب الشقاق من بينهم وتوطيدالسلام
عرض آريوس أفكاره، فتصدّى له الفريق الأرثوذكسي. أثناسيوس، ولو شماساً، كان الأبرز في الردّ على آراء آريوس والتصدّيلحججه وتبيان عطبها. ساد اللغط. تبلبلت الآراء. احتدم الجدال. اقترح هوسيوس وضع دستور إيمان يكون أساساً للإيمان القويم. فيضوء تعاليم الآباء، جرى اعتماد نص يشكّل أساس دستور الإيمان النيقاوي القسطنطيني الذي نتلوه اليوم. الفريق الآريوسي تقزّم.استبانت مفسدة آريوس جلية للعيون. حكم المجمع بقطع آريوس. تبنّى قسطنطين الملك قرارات المجمع وأصدر قراراً، على ما ورد عندالمؤرّخ سقراط، قضى بحرق كتب آريوس وحذّر من يقتنيها سراً ويروّج لها بالموت. انفضّ المجمع بعد حوالي سبعة أسابيع منانعقاده، يوم الخامس والعشرين من تموز. يومها ظُنّ أن ملف آريوس طوي وإن الكنيسة استراحت والإمبراطورية استكانت إلىوحدتها من جديد. ولكن، أثبتت الأيام إن ما جرى لم يكن سوى حلقة في مسلسل الآلام التي حلّت بالكنيسة الجامعة وبالقديسأثناسيوس الكبير كرمز لها، إن لم يكن رمزها الأوحد، على امتداد سنين طويلة
⁜ قول أثناسيوس: التركيز في دفاع أثناسيوس كان على تراث الكنيسة وتعليمها وإيمانها كما سلّمه السيد وكرز به الرسل وحفظهالآباء. في مقابل ميول مناهضيه العقلانية قدّم قدّيسنا الإيمان على العقل. أرسى أسس الفكر اللاهوتي القويم كما لم يفعل أحد منقبله. من هنا فضله ومن هنا تسميته في تراثنا بـ "أب الأرثوذكسية" أو كما دعاه القديس غريغرريرس اللاهوتي "عمود الكنيسة". كلمةالله، عند آريوس مولود فهو إذن مخلوق، من نتاج مشيئة الآب السماوي. عند أثناسيوس، كلمة الله مولود ولكنه غير مخلوق لأنه نابعمن جوهر الآب لا من مشيئته. هو منه كالشعاع من الضوء. ليس فقط إن كل ما للابن هو للآب بل كل ما للآب هو للابن أيضاً. كل مل ءاللاهوت هو في الابن كما في الآب. الواحد لا ينفصم عن الآخر. من رآى الابن فقد رأى الآب في آن. ليس الآب من دون الابن ولا الابن مندون الآب. كما الضوء والشعاع واحد، الآب والابن واحد. لذلك لم يكن هناك وقت أبداً لم يكن فيه الابن موجوداً وإذا كان الآب والابنواحداً فالآب مميّز عن الابن والابن مميّز عن الآب. ثم وحدانية الآب والابن في الجوهر مرتبطة بتجسّد الابن وبالتالي بخلاصنا لأن الذياتخذ بشرتنا واتحد بها إنما أعطانا أن نتّحد به وأن نتّخذ ألوهته. من هنا كلام القديس بطرس في رسالته الثانية (4:1) عن صيرورتنا"شركاء الطبيعة الإلهية"، وكلام القديس أثناسيوس نفسه عن كون: "الله صار إنساناً لكي يصير الإنسان إلهاً". لو لم يكن الابن منجوهر الأب لما كان بإمكانه أن يجعلنا على مثال الآب. وكما الابن كذلك الروح القدس. الروح القدس أيضاً من جوهر الآب وإلاّ ما أمكنهالبتة أن يؤلهنا، أن يجعلنا شركاء الطبيعة الإلهية
الموضوع، بالنسبة للقديس أثناسيوس، كان موضوع الخلاص برمّته. قول آريوس يتعدّى كونه مجرّد رأي لأن اقتباله معناه ضربالمسيحية في الصميم. فلا مجال للمساكنة أو المهادنة. الزغل في الآراء، في هذا الشأن، قضاء على الكنيسة. أثناسيوس وعى دقّةالمسألة وخطورتها حتى العظم، فأتت حياته، في كل ما عانى على مدى ست وأربعين سنة، تعبيراً عن تمسّك لا يلين بكلمة حقّ الإنجيلوالإيمان القويم
⁜ أثناسيوس بطريرك: إثر انفضاض مجمع نيقية، عاد ألكسندروس الإسكندري إلى دياره فسام أثناسيوس كاهناً وسلّمه مقاليدالإرشاد والوعظ وشرح تعاليم المجمع النيقاوي. ثم بعد ثلاث سنوات رقد ألكسندروس (328) فاختير أثناسيوس ليحلّ محلّه. لم يكنالاختيار من دون صعوبات. أثناسيوس كان له مناهضوه، لأسباب عديدة بينها أسباب شخصية كفتوّته. كان في الثلاثين يومذاك. ثم إنالبعض اعتبروه متصلباً قاسياً تنقصه المرونة في التعاطي مع الآخرين. أنّى يكن الأمر فقد ورد أن قديسنا لجأ إلى أحد الديورة هرباًمن الأسقفية لكنه رضخ، بعد لأي، للأمر الواقع
أولى مهام أثناسيوس كرئيس أساقفة على الإسكندرية وتوابعها، كانت استعادةالوحدة والنظام في أبرشيته الشاسعة التي عانت لا من الهرطقة الآريوسية وحسب بل من جماعة ملاتيوس المنشقّة أيضاً وكذلك منالانحطاط الخلقي وانحلال الانضباط الكنسي. وعلى مدى سنوات جال أثناسيوس في كل الأنحاء المصرية، حتى الحدود الحبشية،يسيم الأساقفة ويختلط بالمؤمنين الذين اعتبروه، إلى النهاية، أباً لهم. كما تفقّد الأديرة، حتى التي في برّية الصعيد، وأقام، لبعضالوقت، في دير القديس باخوميوس (15أيار). باخوميوس كان يقدّر أثناسيوس كثيراً، وقد سمّاه "أب الإيمان الأرثوذكسي بالمسيح". أقام أثناسيوس الأسقف في شيء من الهدوء يرعى شعبه سنتين. ثم انفجر الصراع مع الآريوسية من جديد وعلى أخطر مما كان قبلمجمع نيقية
⁜ مسلسل النفي: الحلقة الأولى: فيما كان القديس أثناسيوس يتابع اهتمامه بشعبه كأسقف جديد عليهم، كان الآريوسيون يحيكونخيوط المؤامرة عليه. حقدهم تفاقم وكيدهم لم يخبُ. أفسافيوس النيقوميذي كانت له معارفه في البلاط. أبرز معارفه قسطنسيا، أختقسطنطين الملك. فسعى لديها لتسعى لدى أخيها لردّ الاعتبار لآريوس. وكان أن صوّر المصوِّرون لقسطنطين أن قرارات مجمع نيقية لمتأتِ بالثمار المرجوّة لها لا على صعيد استتباب الأمن ولا على صعيد شيوع السلام والاتفاق. لذلك من الأوفق للعرش أن يكون متسامحاًويدعو إلى التسامح. هذا يهدِّئ النفوس ويساهم في الحفاظ على وحدة الشعب بشكل أفضل. تبنى قسطنطين هذا المنطق وأعادلآريوس الاعتبار وسمح له بمزاولة نشاطاته من جديد. إزاء هذا الموقف الإمبراطوري المفاجئ، كان رد أثناسيوس فورياً وحاسماً: لا! هذامرفوض! في جوابه إلى الإمبراطور قال
"من المستحيل للكنيسة أن تستعيد من يقاومون الحقيقة ويشيِّعون الهرطقة وقد سبق لمجمععام أن قطعهم". قسطنطين استاء لأنه ظنّ أن كلمته لا ترد، بالنسبة للدولة كما بالنسبة للكنيسة. أما أثناسيوس فلم يكن همّه الطاعةلقيصر دون قيد أو شرط بل الطاعة لله أولاً وأخيراً. كان مستعداً للتعاون مع القيصر طالما كان قيصر في خط الحقيقة الإلهية. أما وقدحاد عنها فهو الملوم. ليس أثناسيوس مستعداً للرضوخ للأمر الواقع. الحقيقة الإلهية فوق كل اعتبار
على هذا نجح الآريوسيون فينقل الصراع من المستوى اللاهوتي إلى المستوى السياسي. لم ينجحوا في محاربة أثناسيوس باللاهوت فتحوّلوا إلى محاربتهبالسلطة السياسية. أخذوا يصوّرونه كمشاغب، كمن يشكّل خطراً على أمن الدولة. فلا عجب إن قال عنه قسطنطين الملك إنه "رجل وقحومتعجرف ومفسِد". وطبعاً عرف الآريوسيون بما أوتوه من حقد وكيد كيف يغيرون صدر قسطنطين عليه بالأكثر. قالوا عنه إنه يعرقلنقل القمح المصري إلى القسطنطينية، وقالوا إنه يفرض الضريبة على السفن المسافرة إلى هناك ليدفع لكهنته. وإمعاناً في تشويهصورة أثناسيوس أمام القيصر والعامة، وجّهوا إليه تهماً عدّة بينها الزنى والسِحر والقتل. قالوا إنه اغتصب امرأة واستبدّ بعفافها.وقالوا إنه قتل أسقفاً من المنشقّين الملاتيين يدعى أرسانيوس. والآريوسيون تظاهروا وهم يحملون ذراعاً سوداء يابسة قالوا إنهالأرسانيوس
وإذ صادف مرور ثلاثين سنة على تولي قسطنطين العرش، أراد الاحتفال بالمناسبة بتكريس كنيسة القيامة في أورشليم.ثم تمهيداً لذلك دعا الأساقفة إلى مجمع يُعقد أولاً في صور للنظر في التّهم الموجّهة إلى أثناسيوس. لم يكن أمام أثناسيوس أي خيار،فركب إلى صور هو وخمسون من أساقفته. لكن المجمع لم يكن مجمعاً بل محكمة. لذلك لم يسمح للأساقفة المصريين بالدخول. فقطأثناسيوس دخل، ودخل كمتّهم وعومل كذلك. كل أعدائه اجتمعوا عليه. وُجّهت إليه شتّى التّهم. ظنّوا أنهم قضوا عليه. الخناق كانشديداً. لم يأتوا به ليستمعوا إليه بل ليدينوه. لكن نعمة الله أعانته. قالوا إنه زان وأتوا بامرأة قالت إنه اعتدى عليها. لكن المرأة فشلتفي الدلالة عليه، وتبيّن أنه لم يسبق لها أن شاهدته في حياتها. قالوا إنه قتل أرسانيوس، فإذا بأرسانيوس الذي وصل إلى صور فياليوم السابق لانعقاد المحكمة، يظهر ذاته فتظهر التهمة باطلة. قالوا إن اليد اليابسة التي حملوها هي يد أرسانيوس، فإذا بأرسانيوسيظهر كامل اليدين. إزاء هذه الشهادات انحلّ عقد المجتمعين على أثناسيوس دون أن ينحل حقدهم. وهكذا تمكّن قدّيسنا من التواريقبل أن يصدروا في شأنه حكمهم الأخير
واختفى أثناسيوس. ثم فجأة ظهر في القسطنطينية. أقام في منزل في الشارع المؤدّي إلى القصر الملكي. وإذ كان قسطنطين عائداً،ذات يوم، إلى قصره، نزل أثناسيوس إلى الشارع وتقدّم منه، وقسطنطين غير منتبه، وقبض على زمام الجواد الذي امتطاه وأوقفه عنسيره. لم يكن قسطنطين معتاداً أن يوقفه أحد، فنظر مستغرباً متعجباً منزعجاً، فإذا به أمام الرجل القصير القامة الذي لم يعرفه أولالأمر يقول له
"الله يحكم بيني وبينك بعدما انضممت إلى صفوف المغترين عليّ!" وبدا قسطنطين كأنه لا يريد أن يسمع المزيد لكن،أردف أثناسيوس
"أطلب منك فقط إما أن تدعو إلى مجمع شرعي أو أن تدعو محاكميّ إلى مواجهتي في حضورك". وانصرفقسطنطين. بعد أيام طلب ملف القضية على أثناسيوس ومعرفة الحكم الصادر في حقّه، كما دعا عدداً من متّهميه لمواجهته لديه،فحضروا وحضر أثناسيوس. أكالوا له تهماً عدّة لاسيما فيما يختص بالقمح والسفن المسافرة إلى القسطنطينية. دافع أثناسيوسبمنطق رجل الله لا بمنطق أهل العالم. ولكن بدا قسطنطين أكثر استعداداً للإصغاء لمنطق من يتحدثون بلغة السياسة والأمن والدولة وماإلى ذلك. موقف أثناسيوس بان ضعيفاً. لم يرد قسطنطين أن يبتّ في أمره بصورة نهائية، فأبقى عليه أسقفاً للإسكندرية لكنه حكمبنفيه إلى "تريف" عاصمة بلاد الغال (فرنسا) حيث بقي إلى أن رقد قسطنطين في أيار 337م
يذكر أن آريوس، أثناء غياب أثناسيوسعن الديار المصرية، حاول العودة إلى الإسكندرية فصدّه الشعب الحسن العبادة فتحوّل إلى القسطنطينية. هناك رغب أفسافيوسالنيقوميذي ومن لفّ لفّه في حشد الجموع احتفالاً بإعادة الاعتبار لآريوس. وإذ خرج آريوس وأصحابه إلى الشارع قاصدين الكنيسةبزهو وأبّهة وحماس، حدث فجأة ما لم يكن في الحسبان. شعر آريوس بألم في أحشائه، فانتحى جانباً لقضاء حاجة نفسه فوقعمغشياً عليه ومات
⁜ الحلقة الثانية: في غضون سنة من وفاة قسطنطين عاد أثناسيوس إلى كرسيّه. القديس غريغوريرس اللاهوتي كان حاضراً ووصفما جرى. كل الإسكندرية استقبلته. مشى على السجّاد. اشتعلت أمام البيوت قناديل الزيت. صدحت المدينة بالعيد والتمجيد. "لا شيءيفصلنا عن المسيح". هكذا علّق أثناسيوس. الصلاة والعبادة اجتاحت مدن مصر في حركة عفوية جامعة شاملة. وفي طفرة الحماسمئات وآلاف الإسكندرانيين خرجوا ليترهّبوا. الجيّاع أطعموا. اليتامى احتُضنوا. واستحال كل بيت كنيسة
ومع ذلك، وفي أقل من ثلاث سنوات (340م)، عاد أثناسيوس إلى المنفى من جديد
فإثر وفاة قسطنطين الملك توزّعت الإمبراطورية علىأولاده الثلاثة، فملك قسطنطين الثاني على بريطانيا وغاليا وأسبانيا، وقسطنس على اليونان وإيطاليا وإفريقيا وقسطنديوس علىآسيا وسوريا ومصر. الأولان مالا إلى الأرثوذكسية والأخير إلى الآريوسية. وقع تحت تأثير أفسافيوس النيقوميذي الذي جرى نقله إلىالقسطنطينية وصار أسقفاً عليها. قسطنديوس كان شاباً في العشرين ملأته شهوة السلطة. قال عنه مرسلّينوس المؤرّخ أنه كان يربكالكنيسة بخرافاته وأوهامه. وقال عنه أثناسيوس: إنه قُلَّب لا رأي له من ذاته. يأخذ بنصيحة الخصي إذا حدث إن كان قريباً منه. لذلك لاأظنه سيّئاً. فقط عاجز وسخيف
وصدر لأثناسيوس من القسطنطينية أمر بمغادرة الإسكندرية، كما جرى تعيين أسقف آريوسي جديدمحلّه هو غريغوريوس الكبّادوكي. دخل غريغوريوس بمواكبة عسكرية. وصل في آذار 340م. وبوصوله شاع جو إرهابي. فدُنِّستالكنائس ولُوِّثت المذابح وأُوقف رهبان وعذارى وأودعوا السجون وعُذِّبوا. الإسكندرية الكنيسة خضعت للاحتلال العسكري. أماأثناسيوس فتوارى. استقل سفينة برفقة أمونيوس وإيسيدوروس الراهبين وارتحل. إلى أين؟ إلى رومية حيث استقبله يوليوس الأولأسقفها استقبالاً طيّباً. هذا فيما أُوعز لحكّام الإسكندرية أن يقطعوا رأس أثناسيوس إذا تجرّأ فعاد إلى الديار المصرية
بقي قدّيسنا فيالمنفى ست سنوات. تلك كانت سنوات مخصبة. أخذ ينتقّل في الغوب بحرّية. كان محترماً ومقدَّراً من الجميع. وعظ، خاطب الأساقفة،علّم عن نيقية، وقيل كتب، آنذاك، سيرة القديس أنطونيوس الكبير التي كان لها أثر بارز على الغرب وعلى شيوع الرهبنة فيه. وتأكيداًلدعم يوليوس الأسقف لأثناسيوس، دعا إلى مجمع في رومية في تشرين الثاني 342
زكّى الإيمان النيقاوي وأعلن أنه لا يعترف بغيرأثناسيوس أسقفاً على الإسكندرية. ولم يطل رد فعل الآريوسيين حتى ورد، فعقدوا مجمعاً مضاداً في أنطاكية وضع دستور إيمان جديدواتخذ تدابير قانونية خاصة للحؤول دون إمكان عودة أثناسيوس إلى كرسيّه. على هذا بدا العالم المسيحي مقسّماً إلى غربأرثوذكسي وشرق يرزح تحت نير الآريوسية. أخيراً، سنة 345، اندلعت الثورة في الإسكندرية وقُتل غريغوريوس المغتصب. وإذ تنبّهقسطنديوس إلى خطر اندلاع حرب أهلية هناك تراجع وسمح لأثناسيوس بالعودة، فعاد خلال العام 346م وقيل 348م
⁜ الحلقة الثالثة: ولم ينم الآريوسيون على الضيم ولا نام قسطنديوس الملك. خيوط المؤامرة كانت ما تزال بعد قيد الحياكة. همّ الفريقالآريوسي ما فتئ تصوير أثناسيوس كعنصر شغب وأن استمراره في سدّة المسؤولية الكنسية خطر على أمن الدولة. فبقيقسطنديوس مشدوداً. سنة 353م أُطيح بقسطنس، الإمبراطور في الغرب، وكان قد أًطيح بقسطنطين الثاني قبله، فخلت الساحةلقسطنديوس بالتمام والكمال. أضحى إمبراطور الشرق والغرب معاً. هاجسه كان أن يحفظ الوحدة السياسية للإمبراطورية بأي ثمن.هذه الوحدة، بنظره كانت آريوسية الطابع، وأثناسيوس أحد الذين يتهدّدونها. فجأة وجّهت التهمة إلى أثناسيوس بالتآمر على سلامةالدولة من جديد. فلقد زعموا أن أثناسيوس كاتب أحد الساعين إلى اغتصاب إمبراطورية الغرب، وأن رسالة، في هذا الشأن، وقعت فيأيدي عملاء قسطنديوس. عليه وصل، صيف العام 355م، إلى الإسكندرية مبعوث ملكي وطلب من أثناسيوس تسليم سلطاته فرفض.استمرّت محاولات إقناعه ستة أشهر من دون نتيجة. قالوا لأثناسيوس: اخرج لتسلم مصر، فأجاب: لن يكون لها سلام إذا غادرتها! أخيراًوصلت الأزمة إلى حد المواجهة العسكرية. دخل الجنرال سيريانوس الإسكندرية على رأس خمسة آلاف عسكري. جاء ليخرج أثناسيوسبالقوة. وفي 9شباط 356م كان أثناسيوس ورعيته يقيمون السهرانة في كنيسة القديس ثيوناس استعداداً لسر الشكر في اليوم التالي.فجأة أحاط العسكر بالكنيسة واقتحموها. كان أثناسيوس في كرسيِّه والترانيم تملأ المكان. انبعثت الأصوات. تعالى الصراخ. التمعتالسيوف. وسقط قتلى وجرحى وديسوا. وقف سيريانوس أمام الهيكل فيما انتشر عسكره بين الناس يميناً ويساراً. همّهم الأوّل كانالتعرّف إلى أثناسيوس والقبض عليه. لكن الجند استباحوا سرقة الأواني الذهبية وتعرّضوا للعذارى. أما أثناسيوس فإذ كان صغيرالقامة فقد غطّاه عدد من الرهبان والإكليروس وحملوه ثم خرجوا به من الباب دون أن يلاحظهم العسكر وسط المعمعة واختفوا تحتجنح الظلام. خرج أثناسيوس إلى الصحراء. الرهبان حفظوه، وعامة المؤمنين أيضاً. لكنه أخذ يظهر من وقت إلى آخر في الإسكندريةطلباً لرعاية شعبه بصورة خفيّة. في تلك الفترة بدا كأن الكنيسة، شرقاً وغرباً، وقعت تحت نير الآريوسية بالكامل لاسيما وأنقسطنديوس كان قد سعى إلى عقد مجمع لصالحها في ميلان ونفى، على أثره، 147 أسقفاً أرثوذكسياً رفضوا الرضوخ له. القديسإيرونيموس كتب عن تلك المرحلة قائلاً
"العالم كلّه كان يئن ويعجب لأنه ألفى نفسه آريوسياً
ست سنوات قضاها أثناسيوس متخفياً، لا شك أنها تركت بصماتها عليه. فلقد شاخ! لكنه لم يلن ولم يحد عن قوله الأول، عن إيمانالكنيسة القويم، عن عقيدة نيقية، شعرة واحدة. قدرته، بنعمة الله، على الصمود كانت خارقة. كانت فيه شعلة إلهية لا تخبو. أخيراً ماتقسطنديوس وعاد أثناسيوس مظفّراً، بعون الله، إلى الإسكندرية في 21شباط 362م. يوليانوس الوثني الجاحد تولّى العرش. وفيسعيه إلى ضرب المسيحية أعاد الأساقفة الأرثوذكسيين إلى ديارهم آملاً في تأجيج الصراع بين الأرثوذكسيين والآريوسيين، ومن ثم فيإضعافهما معاً لتقوى الوثنية على حسابهما وتعود إلى الواجهة من جديد. لكن حساب البيدر لم يكن على حساب الحقلة، فكان نصيبأثناسيوس التواري والنفي مرة أخرى
⁜ الحلقة الرابعة: بين شباط وخريف العام 362م، حقّق القديس أثناسيوس نجاحات ملفتة
التفّ الشعب الأرثوذكس حوله. أقاماتصالات بعدد من الأساقفة الأرثوذكسيين. بدى لناظريه كلولب لتوحيد الكنيسة. أقام جسوراً مع الفريق نصف الآريوسي الذي وقفوسطاً بين الأرثوذكسية والآريوسية. أبدى حياله مرونة وتفّهماً عميقين. لمّا فهموا حقيقة موقفه تغيّروا وانضمّوا إليه. كل هذا وغيره أقلقيوليانوس الجاحد. وحتى لا يفسح لأثناسيوس في المزيد من المجال لإفساد خططه عليه اتخذ في حقّه تدابير احترازية. وجّه إلى شعبالإسكندرية رسالة ذكّر فيها بأن أثناسيوس سبق أن صدر في حقّه عدد من المراسيم الملكية التي قضت بنفيه. سجل الرجل، إذاً، غيرنظيف، وها هو الآن يهين القانون والنظام ويتصرّف كأنه لا قانون. كذلك أكدّ يوليانوس إنه لم يسمح لا لأثناسيوس ولا لسائر منأسماهم بـ "الجليليّين"، وعنى بهم المسيحيّين، بالعودة إلى كنائسهم بل إلى بيوتهم وحسب. وبعد أن أشار إلى ما اعتبره "الوقاحةالمعهودة" لأثناسيوس الذي اغتصب، على حد قوله، "ما يدعى بالكرسي الأسقفي"، أنذره بمغادرة الإسكندرية حال تسلّمه إشعاراً بذلك،وإلا فإن عقاباً صارماً سوف يُتخذ بحقّه
لم يجد قدّيسنا أمامه خياراً غير الانسحاب من الإسكندرية. تركها في تشرين الأول 362م. وإذ رأى الرهبان الذي رافقوه إلى المركبيبكون قال لهم: "لا تحزنوا! ليست هذه سوى غيمة صغيرة وتعبر!" أحد مراكب العسكر الملكي لاحقه واقترب منه. سألوا "أينأثناسيوس؟" أجاب: "ليس بعيداً عنكم!" ولكن بدل أن يفتّشوا المركب انصرفوا. أما أثناسيوس فوُجد بين رهبان صعيد مصر، لكنه كانينزل إلى الإسكندرية حيثما دعته الحاجة. عملاء يوليانوس كانوا يعرفون ذلك لذلك لاحقوه. مرة كان في مركب يصلّي وكاد أن يقع فيأيدي مضطهديه. قال للأنبا بامون الذي رافقه:"أشعر بالهدوء في زمن الاضطهاد أكثر مما أشعر في زمن السلم". وإذ أردف موجِّهاً كلامهإلى صحبه:"إذا ما قُتلت..." قاطعه بامون قائلاً: "في هذه اللحظة بالذات قضى يوليانوس عدوّك في الحرب الفارسية!" هذا، كما تبيّنفيما بعد، كان صحيحاً. ففي تموز 323م خرج يوليانوس إلى الحرب ضد الفرس فقضى بسهم طائش من أحد عسكريّيه ولم يعد
⁜ الحلقة الخامسة والأخيرة: بعد يوليانوس الجاحد تولّى الحكم الإمبراطور جوفيانوس الذي كان أرثوذكسياً. هذا ثبّت أثناسيوسعلى كرسي الإسكندرية وعامله بإجلال كبير. لكن عمر جوفيانوس كان قصيراً. ففي أوائل العالم التالي، 364م، خرج على رأس عسكرهإلى حدود بيثينيا، حيث قضى مسموماً بدخان الفحم الذي أُشعل في غرفة نومه لتدفئته. على الأثر تولّى الحكم إمبراطوران:والنتنيانوس على الغرب ووالنس على الشرق. والنس كان آريوسياً. والفريق الآريوسي كان أضعف من ذي قبل. انتظر والنس إلىالعام 367م ليبادر إلى نفي الأساقفة الأرثوذكسيين من جديد. أثناسيوس كان من بينهم. توارى مرة أخرى. وقيل اختبأ أربعة أشهر فيمقبرة. ولكن اهتاجت مصر فتوجّس والنس خيفة وأمر باستعادة أثناسيوس فعاد، هذه المرة، ليبقى
ساس قدّيسنا رعيّته بسلام سبع سنوات إلى أن رقد في الرب في 2أيار عام 373م. جملة سنواته أسقفاً كانت ستّاً وأربعين، قضىعشرين منها في المنفى. لم يعاين نصرة الأرثوذكسية في كل مكان، لكنها تحقّقت بعد سنوات قليلة من وفاته، زمن الإمبراطورثيوديوس الكبير
⁜ حياة المغبوط أنطونيوس الكبير: من أهم ما ترك لنا القديس أثناسيوس، كتابة، سيرة القديس أنطونيوس الكبير الذي قال إنه رآهمراراً ولازمه طويلاً وسكب في يديه الماء. تاريخ السيرة حدود العام 357م، بعد وفاة القديس أنطونيوس بقليل. الكتاب موجّه إلى رهبانغير مصريّين، ربما غربيّين، طلبوا من أثناسيوس أن يكتب لهم عن حياة المغبوط لأنهم رغبوا في أن يعرفوا منه كيف بدأ نسكه، من كانقبل ذلك، كيف كانت نهاية حياته، وهل إن كل ما يروى عنه صحيح. غرضهم، كما بدا لأثناسيوس، كان الإقتداء بغيرة أنطونيوس. وقدقبل أثناسيوس طلبهم ولبّى رغبتهم لأن ربحه كبير حتى لمجرد ذكر اسم أنطونيوس، على حد تعبيره، ولأن حياة المغبوط، كما ورد فيمقدّمته، "نموذج كاف للنسك". ويبدو أن مراسلي أثناسيوس ضمّنوا كتابهم إليه بعض الأخبار التي سمعوها عن أنطونيوس. هذه أكدّأثناسيوس صحّتها مشيراً إلى أنها مجرّد غيض من فيض. كما حرص أثناسيوس على جمع معلومات إضافية عن أنطونيوس منالرهبان الذين اعتادوا زيارته بشكل متواتر، أولاً ليتعلّم وينتفع هو نفسه وثانياً ليكون له أن يكتب عنه المزيد. كذلك سعى أثناسيوسإلى التدقيق في أخبار المغبوط ما أمكنه لكي تكون كل الأمور بشأنه حقيقية، على حد تعبيره. ثم ختم بالقول: "إذا ما سمع أحدكم شيئاًأكثر فلا يشك في الرجل، أما إذا سمع أقلّ فعليه ألا يحتقره". هذا والسيرة أهم وثيقة معروفة عن بداءة الحياة الرهبانية. علّق القديسغريغوريوس اللاهوتي عليها بالقول إنها "قاعدة للحياة الرهبانية في شكل سردي". كتبت أول ما كتبت باليونانية وترجمها أفغريوسالأنطاكي إلى اللاتينية تحت عنوان "من أثناسيوس الأسقف إلى الإخوة الذين في البلاد الأجنبية". هذا ربما كان إشارة إلى الرهبانالغربيّين. أنّى تكن حقيقة الأمر فإن السيرة ساهمت مساهمة فعّالة في نشر المثال الرهباني وأدخلت الرهبنة إلى الغرب. أوغسطينوسالمغبوط أشار في اعترافاته إلى التأثير الحاسم الذي كان للسيرة عليه، بالنسبة لهدايته، كما أشار إلى اجتذابها العديدين إلى الحياةالرهبانية. والى السيرة باليونانية واللاتينية وردت أقدم نصوصها بالسريانية والقبطية أيضاً.
⁜ قالوا عنه: لقد قيل الكثير عن أثناسيوس الكبير. القديس غريغوريوس اللاهوتي قال "إن الله به حمى الإيمان الأرثوذكسي وحفظه،في حقبة من أشد الحقب التاريخية حرجاً". وعن كتاباته قال يوحنا موخوس، في القرن السادس للميلاد، "إذا وجدت مقطعاً للقديسأثناسيوس ولم يكن لديك ورق لتنقله فاكتبه على ثيابك". كذلك كتب القديس غريغوريوس اللاهوتي عنه قائلاً
"إذا كنت أثني علىالقديس أثناسيوس فإنما أثني على الفضيلة نفسها لأنه حوى كل أنواع الفضائل. كان عمود الكنيسة ولا يزال مثال الأساقفة. ليسإيمان أحد صادقاً إلا بقدر ما يستنير بإيمان أثناسيوس". هكذا وصف غريغوريوس خُلقَه: "كان متواضعاً حتى لم يجاره أحد في تلكالفضيلة... حليماً، لطيف المعشر يسهل على الجميع الوصول إليه... طيِّب القلب حنوناً عطوفاً على الفقراء... أحاديثه لذيذة تأخذبمجامع القلوب. توبيخاته بلا مرارة. ومتى أثنى على أحد فلحمله على الكمال... كثير التسامح من دون ضعف، شديد الحزم من دونقسوة... كثير الحرارة والمواظبة على الصلاة، شديداً في حفظ الأصوام. لا يكلّ عن الأسهار ولا عن تلاوة المزامير... يعطف على الصغارولا يهاب مقاومة عظماء الدنيا وما يأتون من مظالم
أثناسيوس، بكلمة، مصارع. لم يخش الضربات وكان مستعداً أن يتقبّلها. دافع عنالإيمان القويم في وجه الأباطرة كما في وجه اللاهوتيين السياسيين. كان واثقاً من ربّه وغلبته، ثابتاً في إيمانه وعزمه. لم يردّه عن قولالحق ضيق ولا أسكتته عن الشهادة قوّة. تمثّل الأرثوذكسية قولاً وعملاً. قريباً من الشعب كان لا أرستقراطياً. أسقفاً للمقاومة، بتعبيرعصري. حريصاً على إتمام رعايته وتقدّم سامعيه في سبل الحياة الإنجيلية. لا يتسّم لاهوته بالتأملية الفلسفية بل بالصلابة العقدية.لاهوته تأكيد للحق الإلهي لا تفكّر نظري فيه. لاهوته حي. حتى البلاغة عنده مظهر من مظاهر الالتزام بعمل الله الخلاصي. كانأثناسيوس كلّياً في قولته وتصميمه. اتهموه بالتصلّب وقلّة المداراة. والحق إنه كان صلباً لا متصلّباً. أحدياً في توجّهه على نحو حادواضح، لا يراوغ ولا يناور ولا يداور. الشعب المؤمن والرهبان أدركوا أنه يقول الحق. لم يؤخذوا بفتنته. أخذوا بشهوة الحق لديه. أقنعهملا بمنطقه، بل لأنهم وثقوا به. هذا كان سر بلاغته النفّاذة. صنع أثناسيوس الكثير. ترك على الفكر اللاهوتي عبر العصور بصمات لاتمّحى. ولعلّ أبرز ما تركه أنه حال دون تحوّل المسيحية عن خطّها الخلاصي التأليهي إلى فلسفة. كما حرّر الكنيسة من ربقة القوىالسياسية، لاسيما وقد اعتاد الأباطرة الرومان، إلى زمانه، الاستبداد بشؤون العبادة كما بشؤون العباد. كذلك ربط اللاهوت بالتألهوبالنسك، وقدّم في شأنه أنطونيوس المغبوط نموذجاً للإنسان الجديد، فكان أثناسيوس مفصلاّ بين الكنيسة كما آلت إليه بكلالتحديات التي نزلت بها، والكنيسة كما استودعها سيّدها حقّه ونفسه لمئات السنين، بعدما انفتح بابها للدنيا على مصراعيه، حتىإلى يومنا هذا
القديس يعقوب الرسول أخو يوحنّا اللاهوتي
هويَّتُهُ
هو أحد الرسل الإثني عشر وشقيق القدّيس يوحنا اللاهوتي. كان يسوع يمشي عند البحر عندما التقاهما في السفينة مع أبيهما يصلحان شباكهما فدعاهما, فتركا أباهما زبدي مع الأجرى وذهبا وراءه (مر20:1). سمَّاهما الرب يسوع أبني الرَّعد (مر17:3) لحماسهما وعنف مزاجهما
وقد سماهما الرب يسوع ابني رعد لعظم مجاهر تهما في الكرازة ومهارتها في المعارف اللاهوتية. وعلى رأي البعض سميا هكذا لأنهما إذ نظرا أن أهل مدينة السامرة لم يقبلوا يسوع ليضيفهم أخذتهما الحمية فاشتهيا أن السماء ترعد وتبرق وتحرق أهل المدينة. تعيّد له كنيستنا الرومية الأرثوذكسية في الثلاثين من شهر نيسان
حياتُهُ
ذكر القديس أبيفانيوس القبرصي (+403م) عن يعقوب أنه عاش عارياً بإمساك ونسك زائدين لا يأكل اللحم ولا السمك ولا يلبس سوى ثوب واحد. وكان في حياته مثالاً يُحتذى به
استشهادُهُ
لم يطق هيرودس أغريباس الأول ابن ارستوبولس وحفيد هيرودس الكبير مجاهرة يعقوب بالكرازة الإنجيلية قبض عليه في أيام الفصح وأمر بضرب عنقه بالسيف سنة 43م. أما هيرودوس غادر في السنة التالية من اليهودية إلى قيصرية فلسطين ولبس الحلة الملوكية وجلس على المنبر وجعل يخاطب سفراء الصوريين والصيداويين فدعاهُ المملقون الذين حوله إلهاً بقولهم: "هذا صوت إلهٍ لا صوت إنسان". ففي الحال ضربه ملاك الرب فصار مأكلاً للدود
تعيّد له كنيستنا الرومية الأرثوذكسية في الثلاثين من شهر نيسان
كان يعقوب أبن زبدي أول الرسل الذين حظوا بإتّباع المعلم الإلهي إتّباع الشهادة. كابد شهادة الدّم في أورشليم. دفن فيها ثمَّ نقله تلاميذه إلى أسبانيا حيثُ أودع في إيريا فلافيا, على حدود غاليكيا
مكان بشارته
القديس إيرونيموس قال عنه: إنه كرز بالإنجيل لأسباط إسرائيل الإثني عشر في الشتات. وفي تقليد الكنيسة في أسبانيا أن يعقوب بشَّر فيها
هويَّتُهُ
هو أحد الرسل الإثني عشر وشقيق القدّيس يوحنا اللاهوتي. كان يسوع يمشي عند البحر عندما التقاهما في السفينة مع أبيهما يصلحان شباكهما فدعاهما, فتركا أباهما زبدي مع الأجرى وذهبا وراءه (مر20:1). سمَّاهما الرب يسوع أبني الرَّعد (مر17:3) لحماسهما وعنف مزاجهما
وقد سماهما الرب يسوع ابني رعد لعظم مجاهر تهما في الكرازة ومهارتها في المعارف اللاهوتية. وعلى رأي البعض سميا هكذا لأنهما إذ نظرا أن أهل مدينة السامرة لم يقبلوا يسوع ليضيفهم أخذتهما الحمية فاشتهيا أن السماء ترعد وتبرق وتحرق أهل المدينة. تعيّد له كنيستنا الرومية الأرثوذكسية في الثلاثين من شهر نيسان
حياتُهُ
ذكر القديس أبيفانيوس القبرصي (+403م) عن يعقوب أنه عاش عارياً بإمساك ونسك زائدين لا يأكل اللحم ولا السمك ولا يلبس سوى ثوب واحد. وكان في حياته مثالاً يُحتذى به
استشهادُهُ
لم يطق هيرودس أغريباس الأول ابن ارستوبولس وحفيد هيرودس الكبير مجاهرة يعقوب بالكرازة الإنجيلية قبض عليه في أيام الفصح وأمر بضرب عنقه بالسيف سنة 43م. أما هيرودوس غادر في السنة التالية من اليهودية إلى قيصرية فلسطين ولبس الحلة الملوكية وجلس على المنبر وجعل يخاطب سفراء الصوريين والصيداويين فدعاهُ المملقون الذين حوله إلهاً بقولهم: "هذا صوت إلهٍ لا صوت إنسان". ففي الحال ضربه ملاك الرب فصار مأكلاً للدود
تعيّد له كنيستنا الرومية الأرثوذكسية في الثلاثين من شهر نيسان
كان يعقوب أبن زبدي أول الرسل الذين حظوا بإتّباع المعلم الإلهي إتّباع الشهادة. كابد شهادة الدّم في أورشليم. دفن فيها ثمَّ نقله تلاميذه إلى أسبانيا حيثُ أودع في إيريا فلافيا, على حدود غاليكيا
مكان بشارته
القديس إيرونيموس قال عنه: إنه كرز بالإنجيل لأسباط إسرائيل الإثني عشر في الشتات. وفي تقليد الكنيسة في أسبانيا أن يعقوب بشَّر فيها
القديس الرسول مرقس الإنجيلي
هويَّتُهُ
هو الذي ورد في التراث أنه كاتب الإنجيل الثاني المعروف باسمه. هو يوحنَّا الملّقب مرقص, ابن أخت القديس الرسول برنابا, كما ذكره بولس الرسول في رسالته إلى كولوسي (10:4), وكذلك من ورد ذكره في سفر أعمال الرسل (2:12), والذي اسم أمّه مريم
بشارتُهُ
بشّر مرقص الإنجيلي بالكلمة الإلهية في مصر, حيث نادى هناك بالإنجيل الذي كتبه وأسس الكنائس في الإسكندرية. كما ورد في التاريخ الكنسي لأفسافيوس القيصري (الكتاب الثاني. الفصل16). وذلك بين العامين40و44م, في أيام الإمبراطور الروماني كلوديوس قيصر
رقادُه
أقدم ما يخبر عن رقاد القديس الرسول مرقص, هو من القديس الشهيد دوروثاوس الصوري (+361م), يُفيد بأنه قضىَ شهيداً في الإسكندرية. قال: "إن مرقص البشير, أول أسقف على الإسكندرية, كرز بإنجيل الرب في الإسكندرية وكل ضواحيها من مصر إلى المدن الخمس. ثمَّ على عهد ترايانوس جَعَلَ عبدَةُ الأوثان في عنقه حبلاً غليظاً وجرَّروه من الموضع المسمَّى أماكن فوكولوس إلى الموضع المسمَّى أماكن أنجيلُن, أي الملائكة. هناك أحرقوه بالنار خلال شهر فرموتيلس, الموافق شهر نيسان, فدفن في أماكن فوكولوس". أيضاً يؤكد بلاديوس (+425) وجود جسد القديس مرقص في فوكولوس, حيثُ ذكر في تاريخ رهابين مصر أن كاهناً قديساً أسمهُ فيلوروموس, جاء حاجاً من غلاطية وزار قبر القديس في الموضع عينه في أواخر القرن الرابع ميلادي.
رمز الإنجيلي مرقص
يُرمز لإنجيل القديس مرقص بالأسد المجنَّح, لأنه تكلّم عن الرفعة الملكية للمسيح, ولأن مستهل القول فيه هو عن يوحنا المعمدان صوت صارخٍ في البريَّة
طروبارية القديس الرسول مرقس الإنجيلي باللحن الثالث
أيها الرسول القديس البشير مرقس، تشفع إلى الإله الرحيم، أن يُنعمَ بغفران الزلات لنفوسنا
قنداق للرسول مرقس باللحن الثاني
لقد نلتَ من العُلى نعمة الروح، فنقضت مشكلات الخطباء, واصطدت الأمم جمعاء أيها الرسول, وقدمتهم لسيد الكل، لما كرزتَ بالإنجيل الإلهي، أيها المغبوط مرقس الدائِم الذكر.قديس اليوم 25 نيسان
- القّديس جاورجيوس اللابس الظفر
حياته
وُلِد القديس جاورجيوس (ومعنى اسمه الحارث) في كبادوكيا في تركيا في أواسط النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي ( بعض المصادر حدّدت إنه وُلِدَ سنة ٢٨٠ م) من أبوين مسيحيين شريفين كانا من أصحاب الغِنى والشهرة الاجتماعية.
فوالده الأمير أنسطاسيوس حاكم ملاطية ووالدته ثيوبستي من اللد في فلسطين ابنة ديونيسيوس حاكم اللد فلما رُزقا بجاورجيوس اهتمّ والده بتربيته والتزامه بالآداب والأخلاق المسيحية المستقيمة ولقّنه العلوم الكنسية واللاّهوتية والقوانين والآداب وتعلّم اللغة اليونانية التي كانت في ذلك العصر لغة الثقافة كما أجاد الفروسية التي كانت مفخرة ذلك العصر . وكان جاورجيوس وسيم الطلعة
فيّاض الحيوية ، عالي القامة . كان والده انسطاسيوس رفيقاً للملك في أسفاره وفيها اطّلع على حقيقة ديانته المسيحية فأمر بقطع رأسه وعيّن مكانه أميراً آخر وكان جاورجيوس عمره لا يتجاوز الرابعة عشر
بعد استشهاد والده أخذت الوالدة ابنها وذهبت إلى مدينة اللد ( ديوسبوليس ) موطنها الأصلي ولها أملاك وافرة فيها
عَلِمَ الحاكم الجديد بهذا الشاب بشجاعة جاورجيوس وفروسيته وهو في السابعة عشرة من عمره فأرسل بطلبه وبعث به إلى الإمبراطور الروماني ديوكلتيانس الذي حكَمَ في الفترة (٢٨٤ ـ ٣٠٥) م في فترة اضطهاد المسيحيين ـ وزوّده برسالة يوصي الإمبراطور بترقيته ، فأُعْجبَ به الإمبراطور ومنحه لقب أمير وخصّص له راتباً شهرياً ضخماً وأعطاه ألف جندي ليكونوا تحت إمرته فصار بحسب الوظيفة تريبونس أي قائد الألف وعيّنه حاكماً لعدّة بلاد وسجّل اسمه في ديوان الإمبراطورية مع العظماء وأهداه حصاناً ممتازاً
وبعودته إلى فلسطين استقبله حاكمها بالحفاوة والتكريم. ولما بلغ من العمر عشرين عاماً توفّيت والدته وتركت فيه ذكرى طيبة جعلته يُكمل مسيرته مُثابراً على الإيمان المسيحي وبالوقت نفسه اشتهر جاورجيوس بانتصاراته في الحروب حتى لُقِّبَ بـ " اللابس الظفر " أو " الظافر " أو " المُظَفَّرْ " ولما بدأ الإمبراطور ديوكلتيانس يضطهد المسيحيين ويُعذّبهم وأصدر أوامره بإجبارهم على عبادة الأوثان ومن يرفض منهم يُقْتَل على الفور
فدخل جاورجيوس على الإمبراطور غاضباً وجاهر بمسيحيته ودافع بحماسة عنهم وعن معتقداتهم، فحاول الإمبراطور أن يُثنيه عن عقيدته المسيحية بالوعود الخلاّبة والترقية إلى أعلى المراتب وبإغداق الأموال عليه، لكنه رفض كل هذا في إلحاح وحزم
غضب منه الإمبراطور وأمر بتعذيبه فاقتادوه إلى سجن مُظْلِم ، فأوثقوا رجليه بالحبال ووضعوا على صدره حجراً ضخماً وضربوه بالسياط والحِراب حتى فقد الوعي وتركوه مطروحاً بالأرض ، أما هو فكان يصلي
وفي اليوم التالي أخذوه إلى الإمبراطور آملين أن يكون التعذيب يجعله يغيّر رأيه ،فظهر أمام الإمبراطور أكثر جُرأة وشدة وصلابة، فأمر بإعادة تعذبيه فوُضِعَ على دولاب كله مسامير ثم أُدير الدولاب بعنف فتمزّق جسده وتشوّه وجهه وسالت الدماء من جسمه لكنه احتمل ذلك بصبر عجيب وسمع صوتاً سماوياً يقول:"يا جاورجيوس لا تخف إني معك" فتشدّدت عزيمته وخرج من تلك الآلة وكأن لم يحدُث له شيء وشُفيت جراحه، فأخذوه إلى الإمبراطور فما أن رآه حتى تولاّه الذهول إذ وجده سليم الجسم كامل القوة وزاد غضبه وأمر جنوده بإعادته إلى السجن وتعذيبه فأعادوه وضربوه بالسياط وصبّوا على جسمه جيراً حيّاً (كلساً حياً) ومزيجاً من القطران ومحلول الكبريت على جراحه فتحمّل الألم فوق طاقة البشر فظهر له المسيح وشفاه وطمأنه أنه سيكون دوماً معه
وفي صباح اليوم التالي دخل عليه الجنود فرأوه يصلّي ووجهه يُضيء كالشمس دون أي أثر للتعذيب، فأخذوه إلى الإمبراطور فلمّا رآه اتهمه بالسحر وأحضر ساحراً ماهراً اشتهر بقدرته على أعمال السحر، فوضع له في كأس ماء عقاقير تقتُل مَن يشربها على الفور، وقرأ عليها بعض التعاويذ الشيطانية وطلب من القديس أن يشربها، فأخذ منه الكأس ورسم عليه إشارة الصليب وشرب ما فيه، فلم ينله أي مكروه وظلّ منتصباً باسماً، ثم أخذ الساحر كأساً ثانياً وملأها بسموم شديدة المفعول وقرأ عليها التعاويذ وطلب تقييد القديس لكي لا يرسم إشارة الصليب على الكأس كما فعل سابقاً، لكن القديس بسبب إيمانه بقوة الصليب، راح يُحَرِّك رأسه فوق الكأس ورسم إشارة الصليب بحركة رأسه ثم شرب الكأس فلم ينله أي ضرر على الإطلاق، فصدق قول السيد المسيح له المجد" وهذه الآيات تتبع المؤمنين
يُخرِجونَ الشياطين باسمي ويتكلّمون بألسنة جديدة يحملون حيات وإن شربوا شيئاً مميتً لا يضرّهم ويضعون أيديـهم على المرضى فيبرأون " ( مرقس ١٦ : ١٧ ـ ١٨ )
فطلب الساحر من الإمبراطور بأن يأمر بأخذ القديس إلى القبور ويُجَرِّب إذا كان باستطاعته أن يُقيم الأموات ، فإن استطاع ذلك كان إلهه هو الإله الحقيقي
وهذا ما تمّ . فارتدّ الساحر إلى الإيمان واستُشْهِدَ قبل استشهاد القديس
فزاد بعد ذلك الإمبراطور قسوة وهمجية فأمر بصنع عجلة كبيرة فيها منجل وأطواق وسيوف حادّة وأمر جنوده بوضع القديس بداخلها فلما رأى القديس هذه العجلة الرهيبة صلّى إلى الرب أن يُنْقِذه من هذه التجربة القاسية ، فوضعوه فيها فانسحقت عظامه وتناثر لحمه وانفصلت أعضاء جسمه عن بعضها، فصاح الإمبراطور مخاطباً رجال مجلسه قائلاً:أين الآن إله جاورجيوس؟ لماذا لم يأتِ ويخلّصه من يدي؟
ثم أمر جنوده بإلقاء أشلاء القديس في بئر عميق بحيث لا يُمكِن أن يصل إليه أنصاره، ظهر عليه السيد المسيح مع ملائكته وأقام القديس من الموت وأعاده إلى الحياة سليم الجسم
في الصباح أدخل إلى مجلس الإمبراطور فذهلوا جميعاً فقال الإمبراطور: هل هذا هو جاورجيوس أم شخص آخر يُشبهه؟ أخيراً خطر على بال الإمبراطور فكرة إقناع جاورجيوس بتغيير إيمانه فطلب منه أن يحضر أمام الأصنام ويُقَدِّم لها العبادة اللاّئقة، فقَبِلَ جاورجيوس
فجمع الإمبراطور الأقطاب والشعب في الساحة العامة لرؤية جاورجيوس وهو يُقَدِّم للآلهة العبادة الوثنية . فوقف جاورجيوس أمام الصنم الكبير وقال له: "أفصح إن كنت الإله الحقيقي" فأجابه صوتٌ مُزَمْجِر:"الإله الحقيقي هو الذي تعبده أنتَ ونحن سوى ملائكة عُصاة تحوَّلنا إلى شياطين" وفي الحال سقط الصنم الكبير على الأرض وسقطت معه سائر الأصنام وتحطّمت جميعها
فأمر الإمبراطور بقطع رأسه فصار صيت استشهاده وجُرْأته النادرة في كل أرجاء الإمبراطورية ولذلك دُعِيَ: " العظيم في الشهداء"
كان ذلك في ٢٣ /نيسان/ ٣٠٣ م (إن بعض المصادر حدّدت تاريخ استشهاده سنة ٢٩٦ م )
قام خادمه سقراطيس بنقل جثمانه من مكان استشهاده إلى مدينة اللد وعمل خادمه على إخفاه جثمانه إلى حين تمّ نقل جسده الطاهر من مكان استشهاده إلى مدينة اللد في فلسطين سنة 323م، ووضع في الكنيسة التي شيدها على إسمه هناك الإمبراطور قسطنطين الكبير ( ٢٧٤ ـ ٣٣٧ )
وقد وصفها القديس يوحنا الكريتي بأنها "عظيمة جداً وأنها مستطيلة الشكل وبإمكان المرء أن يرى فوهة ضريح القديس فيها، تحت المائدة المقدّسة مغطّاة بالمرمر الأبيض" وبيّنت الدراسات أن رُفاته قد توزّعت فيما بعد على أديرة وكنائس في أماكن شتى في الشرق والغرب كاليونان وفلسطين وقبرص ومصر والعراق
يُعتبر القديس جاورجيوس من أبرز قديسي الكنيسة وأقربهم إلى عواطف المؤمنين وأكثرهم شهرة وشيوعاً في الإكرام الذي يُقَدِّمه له عامة الناس . يتسمّى المؤمنون باسمه أكثر من أي اسم لقديس آخر كما أن العديد من الكنائس والأديرة والمدن سُمِّيَت باسمه واتّخذته شفيعاً لها
يُصَوَّر القدّيس جاورجيوس في الأيقونات في وضعيات مختلفة ولكن أشهرها تصوّره في لباسه العسكري على جواد ابيض وهو يقتل التنّين ، وقد تُضاف إليه في هذه الوضعية مجموعة من الأيقونات التفصيلية من حول الأيقونة الأساسية تُصوِّر عذاباته
وأحياناً واقفاً يُصلّي بكامل قامته أو مع قدّيسين أو قدّيسات آخرين كالقدّيس ديمتريوس أو مركوريوس أو بروكوبيوس أو براسكيفي وسواهم . وقد يجعلونه واقفاً يدوس التنّين وهو يقتله
وتوجد مصكوكات معدنية وذهبية ومداليات تحمل رسمه كما توجد صلبان برونزية من القرن التاسع الميلادي تجعله في أعلاها وهو رافع يديه يُصلّي
أما التنّين في أيقوناته فهو رمز لرواية تعود على القرن السادس وردت في صيغ مختلفة وخلاصتها أن إبنة أحد الملوك تَهَدّدها تنّين، فظهر له القديس جاورجيوس وقتله وخلّصها والأميرة واقفة مرتعدة من التنّين وأبواها يُشْرفان عليها من فوق الأسوار .فهذه الصورة رمزية، ومعناها أن القدّيس جاورجيوس الفارس البطل والشهيد العظيم قد انتصر على الشيطان الممثّل بالتنين وهدّأ روع الكنيسة الممثّلة بابنة الملك
وتحتفل كنيستنا الأرثوذكسية بعيده في الثالث و العشرين من شهر نيسان من كل عام
طروبارية باللحن الرابع
بِما أنَّكَ للمأسورينَ مُحرِّرٌ ومُعتِقٌ. وللفُقَراءِ والمَساكينِ وعاضدٌ وناصِرٌ. وللمَرضى طبيبٌ وشافٍ. وعنِ المؤمنينَ مُكافِحٌ ومُحارِبٌ. أيُّها العظيمُ في الشُّهداءِ جاورجيوسُ اللابِسُ الظَفَّر. تَشَفَّعْ إلى المَسيحِ الإله. في خلاصِ نفوسِنا
قنداق باللحن الرابع
لقد فُلحتَ من الله، فظهرتَ فلاَّحاً مكرَّماً لحسن العبادة، وجمعت لنفسك أغمار الفضائل يا جاورجيوس، لأنكَ زرعتَ بالدموع، فحصدتَّ بالفرح، وجاهدتَ بالدم فأحرزتَ المسيح. فأنتَ أيها القديس تمنح الكل بشفاعاتك غفران الزلات
الأبرار المستشهدون في دير القدّيس سابا
قديس اليوم 20 آذار
الأبرار المستشهدون في دير القدّيس سابا +796م
سنة 796م سعى العرب إلى ضرب القبائل البدوية في فلسطين. في هذا الإطار تعرّض العديد من المدن والقرى المسيحية إلى الغزو وأُفرغ بعضها من سكّانه. وإذ اضطر عدد وافر من الأهالي إلى هجرة قراهم واللجوء إلى أورشليم صير إلى تقوية التحصينات سريعاً ورُدّت هجمات المهاجمين. وإذ امتلأ هؤلاء سخطاً صبّوا جام غضبهم على أديرة تلك الناحية. فانقضّوا كالجراد على لافرا القدّيس خاريطون ونهبوا القرى المجاورة لها، ثم انتقلوا إلى لافرا القدّيس سابا التي قاومتهم
مضت أشهر على تهديد ثعالب الصحراء للرهبان فيما نشط هؤلاء يتوسّلون إلى الرب الإله، ليلاً ونهاراً، أن يرأف بهم، وكان يشدّد أحدهم الآخر لمواجهة الصعاب، حتى الموت، دون أن يغادر أي منهم المكان، مكان عزلته، انسجاماً مع العهود التي قطعوها على أنفسهم ساعة اقتبلوا النذور الرهبانية. دونك ما كانوا يردّدونه: "كيف يمكن للذين غادروا الأرضيات غير نادمين وتبعوا المسيح القائل: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد (مت28:10)، أن يعودوا أدراجهم إلى العالم مستسلمين للخوف كبشر؟ تحصيننا الأوحد هو المسيح ودرعنا الروح القدس ومجنّنا الإيمان والملائكة القائمون حولنا غير منظورين ليحفظونا. ليس محبّة بالحياة الدنيا أتينا نقيم في هذه الصحراء الحارقة. الحياة لنا هي المسيح والموت ربحفي21:1
وقد جمع الشيطان حوالي الستين من أولئك المهاجمين، من الذين بعثرهم في الصحراء الخوف من قرب وصول حملة بيزنطية إليهم. جمعهم ودفعهم إلى مهاجمة اللافرا. بعض الرهبان تقدّم باتجاه المسلّحين عارضاً السلام ومذكّراً بالضيافة والمساعدة اللتين اعتاد الدير أن يقدّمهما إلى المسيحيّين وغير المسيحيّين على حد سواء. إزاء هذه البادرة أبى المهاجمون أن يجيبوا إلا بطلب تسليم الذهب في الدير. ولما أجاب الآباء أنهم لا يملكون ولا حتى ما هو ضروري لغذائهم وكسوتهم، وتر البرابرة أقواسهم وسدّدوا سهامهم فتسبّبوا بجرح حوالي ثلاثين من الآباء. وبعد أن نهبوا كل ما وجدوه في الجوار أضرموا النار في القلالي. وإذ رأوا فرقة تتقدّم باتجاههم من بعيد انسحبوا. وبعد ستة أيام، خلال سهرانة الأحد، انتشر الخبر أن شتات عصابات اجتمع وهم يتقدّمون بأعداد كبيرة باتجاه اللافرا. هؤلاء انقضّوا في سخط شديد، على الرهبان يقطّعون بعضهم كبهائم القصّابين ويسحقون رؤوس البعض الآخر بالحجارة ويلاحقون منهم من لاذا بالفرار حتى إلى نُقر الصخور. وإذ اقتربوا من إحدى هذه المغاور خرج إليهم واحد من الرهبان الخمسة المعتصمين فيها وبذل نفسه عن إخوته طعماً لشراسة المهاجمين
بعد ذلك جمع البرابرة بقية الرهبان في فناء الكنيسة وألحوا في طلب تسليم الكنوز وأن يدلوهم على رؤسائهم. وإذ لزم الآباء الصمت أغلقوا عليهم في التحتية التي اعتاد القدّيس سابا استعمالها للتنقل بين القلاية والكنيسة وأضرموا فيها النار. ثمانية عشر راهباً قضوا اختناقاً فيما أُخرج الآخرون خارجاً وديسوا وأشبعوا ضرباً وركلاً قبل أن ينهب المهاجمون الكنيسة والقلالي وينسحبوا مخلّفين وراءهم عشرين ضحيّة وعدداً عديداً من المصابين بجروح خطرة
وقد ورد أنه لم يطل الوقت بالمهاجمين حتى حلّ عليهم غضب الله فنزل بهم الطاعون وأبادهم
ملاحظة: يُذكر أن ناقل خبرهم كان القدّيس استفانوس الساباوي، ابن أخ القدّيس يوحنا الدمشقي بصفة شاهد عيان
طروبارية للشهداء باللحن الرابع
شُهداؤكَ يا رَبُّ بِجِهادِهِم، نالوا مِنْكَ الأكاليْلَ غَيْرَ البالِيَة يا إِلَهَنا، لأَنَّهُم أَحْرَزوا قُوَّتَك فَحَطَّموا الـمُغْتَصِبين وسَحَقوا بَأْسَ الشَّياطينِ التي لا قُوَّةَ لَها، فَبِتَوسُّلاتِهِم أَيُّها الـمَسيحُ الإِلَهُ خَلِّصْ نُفُوسَنا
الأبرار المستشهدون في دير القدّيس سابا +796م
سنة 796م سعى العرب إلى ضرب القبائل البدوية في فلسطين. في هذا الإطار تعرّض العديد من المدن والقرى المسيحية إلى الغزو وأُفرغ بعضها من سكّانه. وإذ اضطر عدد وافر من الأهالي إلى هجرة قراهم واللجوء إلى أورشليم صير إلى تقوية التحصينات سريعاً ورُدّت هجمات المهاجمين. وإذ امتلأ هؤلاء سخطاً صبّوا جام غضبهم على أديرة تلك الناحية. فانقضّوا كالجراد على لافرا القدّيس خاريطون ونهبوا القرى المجاورة لها، ثم انتقلوا إلى لافرا القدّيس سابا التي قاومتهم
مضت أشهر على تهديد ثعالب الصحراء للرهبان فيما نشط هؤلاء يتوسّلون إلى الرب الإله، ليلاً ونهاراً، أن يرأف بهم، وكان يشدّد أحدهم الآخر لمواجهة الصعاب، حتى الموت، دون أن يغادر أي منهم المكان، مكان عزلته، انسجاماً مع العهود التي قطعوها على أنفسهم ساعة اقتبلوا النذور الرهبانية. دونك ما كانوا يردّدونه: "كيف يمكن للذين غادروا الأرضيات غير نادمين وتبعوا المسيح القائل: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد (مت28:10)، أن يعودوا أدراجهم إلى العالم مستسلمين للخوف كبشر؟ تحصيننا الأوحد هو المسيح ودرعنا الروح القدس ومجنّنا الإيمان والملائكة القائمون حولنا غير منظورين ليحفظونا. ليس محبّة بالحياة الدنيا أتينا نقيم في هذه الصحراء الحارقة. الحياة لنا هي المسيح والموت ربحفي21:1
وقد جمع الشيطان حوالي الستين من أولئك المهاجمين، من الذين بعثرهم في الصحراء الخوف من قرب وصول حملة بيزنطية إليهم. جمعهم ودفعهم إلى مهاجمة اللافرا. بعض الرهبان تقدّم باتجاه المسلّحين عارضاً السلام ومذكّراً بالضيافة والمساعدة اللتين اعتاد الدير أن يقدّمهما إلى المسيحيّين وغير المسيحيّين على حد سواء. إزاء هذه البادرة أبى المهاجمون أن يجيبوا إلا بطلب تسليم الذهب في الدير. ولما أجاب الآباء أنهم لا يملكون ولا حتى ما هو ضروري لغذائهم وكسوتهم، وتر البرابرة أقواسهم وسدّدوا سهامهم فتسبّبوا بجرح حوالي ثلاثين من الآباء. وبعد أن نهبوا كل ما وجدوه في الجوار أضرموا النار في القلالي. وإذ رأوا فرقة تتقدّم باتجاههم من بعيد انسحبوا. وبعد ستة أيام، خلال سهرانة الأحد، انتشر الخبر أن شتات عصابات اجتمع وهم يتقدّمون بأعداد كبيرة باتجاه اللافرا. هؤلاء انقضّوا في سخط شديد، على الرهبان يقطّعون بعضهم كبهائم القصّابين ويسحقون رؤوس البعض الآخر بالحجارة ويلاحقون منهم من لاذا بالفرار حتى إلى نُقر الصخور. وإذ اقتربوا من إحدى هذه المغاور خرج إليهم واحد من الرهبان الخمسة المعتصمين فيها وبذل نفسه عن إخوته طعماً لشراسة المهاجمين
بعد ذلك جمع البرابرة بقية الرهبان في فناء الكنيسة وألحوا في طلب تسليم الكنوز وأن يدلوهم على رؤسائهم. وإذ لزم الآباء الصمت أغلقوا عليهم في التحتية التي اعتاد القدّيس سابا استعمالها للتنقل بين القلاية والكنيسة وأضرموا فيها النار. ثمانية عشر راهباً قضوا اختناقاً فيما أُخرج الآخرون خارجاً وديسوا وأشبعوا ضرباً وركلاً قبل أن ينهب المهاجمون الكنيسة والقلالي وينسحبوا مخلّفين وراءهم عشرين ضحيّة وعدداً عديداً من المصابين بجروح خطرة
وقد ورد أنه لم يطل الوقت بالمهاجمين حتى حلّ عليهم غضب الله فنزل بهم الطاعون وأبادهم
ملاحظة: يُذكر أن ناقل خبرهم كان القدّيس استفانوس الساباوي، ابن أخ القدّيس يوحنا الدمشقي بصفة شاهد عيان
طروبارية للشهداء باللحن الرابع
شُهداؤكَ يا رَبُّ بِجِهادِهِم، نالوا مِنْكَ الأكاليْلَ غَيْرَ البالِيَة يا إِلَهَنا، لأَنَّهُم أَحْرَزوا قُوَّتَك فَحَطَّموا الـمُغْتَصِبين وسَحَقوا بَأْسَ الشَّياطينِ التي لا قُوَّةَ لَها، فَبِتَوسُّلاتِهِم أَيُّها الـمَسيحُ الإِلَهُ خَلِّصْ نُفُوسَنا
يوحنا السلمي
يوحنا السينائي نسبة إلى سيناء وسمي السلمي لأنه ألّف كتاب "سلم الفضائل". حداثته مجهولة سوى أن لقب العلاّمة الذي لقب به وهو على قيد الحياة يفترض تحصيلاً ثقافياً واسعاً، وجل ما يعرف عنه يُقتبس من كتاباته. في السادسة عشرة من عمره تتلمذ لأحد شيوخ دير جبل سيناء، أي دير القديسة كاترين، وفي سن العشرين من عمره اعتزل في الصحراء متوحداً. قضى أربعين سنةً في خلوته مجاهداً جهاد التوبة والصلاة ومختبراً فنون الحرب اللامنظورة وحلاوة مناجاة الله. وكان في خلوته يستقبل من يأتونه للاسترشاد من رهبان وعلمانيين، ويزور المرضى المتوحدين متفقداً كما نعرف من كتابه. ثم انتخب رئيساً لدير جبل سيناء، ولا يعرف بالضبط مقدار الزمن الذي تولّى فيه القديس يوحنا رئاسة دير جبل سيناء ولكنه استقال من الرئاسة ليعود إلى خلوته قبل وفاته. عاش حوالي خمس وسبعين سنةً وتوفي سنة 600 أو قبلها بقليل. طلب إليه الأب يوحنا رئيس دير رايثو أن يكتب إرشادات للرهبان، فوضع كتاباً اسمه "السلم" سمي فيما بعد سلم السماء أو درجات الفضائل أو السلم المقدسة
تسمية السلم مستوحاة من رؤيا يعقوب (تكوين 28: 12-13)، هذا ويستشف من كتابه أنه كان ذا شخصية قوية حرّة لقد شاهد وسمع في حياته أموراً كثيرة فيرويها ويقيّمها تقيّماً شخصياً غير آبه بمخالفته للآراء السائدة أحياناً، ويبدو جليّاً أنه مطّلع كلّ الإطلاع على أحوال الناس العائشين في وسط العالم وعلى آرائهم وعاداتهم ونفسيتهم وأنه يعرف النفس البشرية معرفة عميقة ويحللها تحليلاً دقيقاً جديراً بعلماء النفس اليوم وهو مستعد دائماً للإقرار بضعفه مما يجعله من المعلّمين الروحانيين الأكثر إنسانية. رتّب القديس يوحنا في كتابه ثلاثين درجة إشارة إلى سني يسوع الثلاثين قبل ظهوره للعالم وترمز السلّم بصورة عامة إلى مسيرة الكمال باعتبارها صعوداً روحياً نحو الله و إلى صليب المسيح باعتباره الطريق الوحيد الذي يجمع بين الأرض والسماء فإن كتاب السلّم يعدّ أيضاً كتاباً فريداً من نوعه نظراً لشخصية مؤلفه القوية وسعة معرفته وعمق خبرته الروحية وطريقته في البحث متصفاً ومتميزاً بالانسجام والغنى معا. الكتاب نافع لكل مسيحي يبتغي طريق الكمال، ضمّنه القديس يوحنا السلمي خبرته، فقد شاهد وسمع في حياته أموراً كثيرة، يرويها ويقيمها تقييماً شخصياً غير آبه بمخالفته الآراء السائدة أحياناً. رتّب القديس يوحنا السلمي في كتابه ثلاثين درجة يرتقيها طالب الكمال مجاهداً من الزهد بالعالم إلى الاتحاد بالله مروراً بمحاربة الأهواء واكتساب الفضائل: الصبر والوداعة والتواضع
تعيّد له الكنيسة في الثلاثين من آذار وفي الأحد الرابع من الصوم الكبير
تسمية السلم مستوحاة من رؤيا يعقوب (تكوين 28: 12-13)، هذا ويستشف من كتابه أنه كان ذا شخصية قوية حرّة لقد شاهد وسمع في حياته أموراً كثيرة فيرويها ويقيّمها تقيّماً شخصياً غير آبه بمخالفته للآراء السائدة أحياناً، ويبدو جليّاً أنه مطّلع كلّ الإطلاع على أحوال الناس العائشين في وسط العالم وعلى آرائهم وعاداتهم ونفسيتهم وأنه يعرف النفس البشرية معرفة عميقة ويحللها تحليلاً دقيقاً جديراً بعلماء النفس اليوم وهو مستعد دائماً للإقرار بضعفه مما يجعله من المعلّمين الروحانيين الأكثر إنسانية. رتّب القديس يوحنا في كتابه ثلاثين درجة إشارة إلى سني يسوع الثلاثين قبل ظهوره للعالم وترمز السلّم بصورة عامة إلى مسيرة الكمال باعتبارها صعوداً روحياً نحو الله و إلى صليب المسيح باعتباره الطريق الوحيد الذي يجمع بين الأرض والسماء فإن كتاب السلّم يعدّ أيضاً كتاباً فريداً من نوعه نظراً لشخصية مؤلفه القوية وسعة معرفته وعمق خبرته الروحية وطريقته في البحث متصفاً ومتميزاً بالانسجام والغنى معا. الكتاب نافع لكل مسيحي يبتغي طريق الكمال، ضمّنه القديس يوحنا السلمي خبرته، فقد شاهد وسمع في حياته أموراً كثيرة، يرويها ويقيمها تقييماً شخصياً غير آبه بمخالفته الآراء السائدة أحياناً. رتّب القديس يوحنا السلمي في كتابه ثلاثين درجة يرتقيها طالب الكمال مجاهداً من الزهد بالعالم إلى الاتحاد بالله مروراً بمحاربة الأهواء واكتساب الفضائل: الصبر والوداعة والتواضع
تعيّد له الكنيسة في الثلاثين من آذار وفي الأحد الرابع من الصوم الكبير
القديس البار باتريكيوس
قديس اليوم 17 آذار
القديس البار باتريكيوس، أسقف إيرلندا ومبشرها +461 م
ولد في بريطانيا لعائلة تنصرت من زمان. أبصر النور سنة 383م. وهو ابن شماس اسمه كالبورنيوس ابن كاهن. أمضى باتريكيوس فتوته في اليسر. عاش في فيللا وسلك إلى السادسة عشرة من عمره في الطيش غير مبال بما لله. فجأة حلت به التجرية. غزا قراصنة ناحيته وأخذوا العديد من السكان أسرى، من بين هؤلاء كان باتريكيوس. بيع كعبد في إيرلندا. اشتراه أحد الملاكين وجعله ناظراً لقطعانه في الجبال. شظف العيش في الأسر، في تلك الأرض الغريبة، واستغراق سكانها في ظلمة الوثنية، إضافة إلى احتكاك باتريكيوس المتواتر بالطبيعة، كل ذلك حول قلبه إلى الله فسلك في التوبة. أخذ يُمضي نهاريه وأغلب لياليه في الصلاة راكعاً على أرض غطاها الجليد أو بللتها مياه الأمطار. لم يكن، بإزاء ذلك كله، يشعر بالانزعاج لأن نفسه ملأتها التعزيات الإلهية
مضى على باتريكيوس في الأسر ست سنوات. منفاه أضحى بالتوبة والصلاة فردوساً من الطيبات. سمع ذات ليلة صوتاً يقول له: "حسناً فعلت أنك صُمت وصليت. لقد قبل الله صلاتك. اخرج الآن! عد إلى موطنك! مركبك بات مهيئاً
امتلأ قديسنا ثقة بالله فقام ولاذ بالفرار. سار على غير هدى أكثر من ثلاثمائة كيلومتر حتى بلغ مرفأ أبحر منه على ظهر مركب يخص تجاراً وثنيين. في غضون ثلاثة أيام حط المسافرون على أرض قاحلة لا يعرفونها. جدوا في السير بحثاً عن مكان مأهول. تاهوا أكثر من شهر فريسة للجوع. أخيراً سأل الوثنيون باتريكيوس أن يستجير بإلهه عساه يخلصهم. فحالما رفع القديس يديه إلى فوق حتى بان لهم قطيع من الخنازير فاصطاد القوم بعضاً منه وسدوا جوعهم. وبعد سلسلة من المتاعب تمكن باتريكيوس من العودة إلى وطنه
وكانت لقديسنا في منزله العائلي رؤيا: إنسان سماوي اسمه فيكتوريوس وقف أمامه وأراه رزمة رسائل. فض أولاها وقرأ مايلي: "صوت إيرلندا! أيها الصبي القديس، نطلب منك أن تأتي أيضاً لتمشي فيما بيننا". وخال له، إذ ذاك، انه سمع صوت رجال غابة فولكو حيث قضى سنواته أسيراً. وإذ شعر في نفسه بأن الله يدعوه، قرر أن يستعد لهداية هؤلاء البرابرة بعد أن يستكمل إعداده الكنسي الذي سبق فأهمله ي صباه. على ذلك خرج إلى بلاد الغال وأقام في عدد من المراكز الرهبانية، لاسيما لوران، وبقي في أوكسير قرابة الخمسة العشر عاماً يتابع تعليم القديس جرمانوس (31 تموز) الذي سامه شماساً. وانتهى خبر إلى باتريكيوس مفاده أن ثمة حاجة على مرسلين للتبشير بالإنجيل في إيرلندا. هذا عنى بالنسبة إليه أن ساعة التحرك قد آنت. في ذلك الوقت جرت سيامة القديس بلاديوس، شماس رومية، أسقفاً يسوس وينظم صفوف المسيحيين المبعثرين في إيرلندا. غير أن صعوبات جمة واجهت بلاديوس، ي مهمته الجديدة، فلم يتمكن إلا من تأسيس ثلاث كنائس فقط فاجأته بعدها المنية في غضون أشهر قليلة. فجرت، إثر ذلك، سيامة باتريكيوس أسقاً مهمته هداية برابرة إيرلندا. كان مستعداً للمهمة استعداداً حسناً، أولاً بعدما سمع نداء الله ي شأنها، وثانياً لأنه كان يعرف لغة تلك الشعوب وعاداتها
حظ باتريكيوس في الجزيرة على رأس مجموعة من الكهنة والشمامسة. وللحال توجه إلى حيث اعتاد زعماء القبائل أن يعقدوا اجتماعاً دورياً لهم. ويبدو أنه بشرهم بجرأة بالمسيح مستعملاً لغة يفهمونها. لم يهب المحاربين المتوحشين الذين واجهوه. وقد أصاب بعض النجاح. عدد من زعماء القبائل مال إليه وفسحوا له في المجال لتأسيس كنائس وأديرة على أراضيهم وهداية شعوبهم. جال في كل إيرلندا، لاسيما في قسمها الشمالي، مذيعاً بلا كلل كلمة الله، متوجهاً أولاً إلى زعماء القبائل والملوك المحليين. وهكذا تمكن من هداية ملوك دبلن ومونستر وبنات ملك كونوت السبع. لكنه اصطدم بالمنجمين والسحرة الذين قاوموه في كل مكان. رغم كل شيء، تمكن، بنعمة من الله، من إسكاتهم وهدى بعضاً منهم، ومنهم خرج كهنة غيارى أخذوا يساهمون في هداية إخوانهم
في مملكة أوريال أسس باتريكيوس ديراً في أرماغ بعدما كرز بالكلمة. أرماغ هذه أصبحت مركز الرحلات التبشيرية للقديس ثم مقر الأسقفية في إيرلندا
عبر قديسنا، وقد واجه كل أنواع المشقات، تلك الأراضي غير المضيافة تاركاً الله يتكلم فيه. ومع أنه احتقر فذلكات الفصاحة والبلاغة فإن كلامه كان مشبعاً بشواهد الكتاب المقدس منقولة بقوة إلهية
سام باتريكيوس كهنة وأساقفة ونظم الكنيسة الجديدة مراعياً مزايا الشعب الإيرلندي. لم يكن مقر الأساقفة الذين سامهم في المدن بل في الأديرة التي عرفت في الأجيال اللاحقة توثباً كبيراً حول إيرلندا إلى ما يشبه صحارى الرهبان في مصر. من هذه الأديرة خرجت أعداد كبيرة من الرهبان، مبشرين شجعان ورحالة لا يكلون ساهموا مساهمة يُعتد بها في إعادة تبشير أوروبا إثر غزوات البربر
وسواء حدث لباتريكيوس أن كان مقيماً في أحد الأديرة الأسقفية أو في رحلة فإنه لم يتوان أبداً عن إتمام قانون صلاته اليومي. هذا كان يتضمن التلاوة الكاملة لسفر المزامير مع كل أناشيد العهد العتيق والنصوص الملهمة كرؤيا يوحنا. كذلك كان يرسم على نفسه إشارة الصليب مئة مرة في الساعة. وإذ ما حدث له أن وجد صليباً في الطريق، كان ينزل من عربته ويسجد ثم يتابع سيره. كاد في جولاته التبشيرية أن يُقتل عدة مرات، لكن ملاك كنيسته كان يحميه لمنفعة المؤمنين. وكان، وهو الذي عانى مرارة العبودية، يحامي عن السكان ليرد عنهم غزوات القراصنة. وقد قطع من الشركة أحد زعماء العصابات ويدعى كوروتيكوس. هذا حطت مراكبه وسط شعب معمد ففتك ببعض المستنيرين حديثاً وأسر البعض الآخر ليبيعهم عبيداً. لكن لم تمض أشهر قليلة على كوروتيكوس الذي عاند ولم يتب، مع أنه كان معمداً، حتى أصيب بالجنون ومات يائساً
أمضى باتريكيوس ثلاثين عاماً في الأسقفية لا يكل ولا يتعب في نقل الكلمة وتنظيم كنيسة المسيح الجديدة، أخيراً، فيما كان يقوم بجولة تفقدية على بعض شعبه لاحظ في الطريق عليقة ملتهبة لم تشتعل فدنا منها سمع ملاكاً ينقل له وعوداً إلهية ومنها أنه سوف يدين الشعب الإيرلندي في اليوم الأخير. فعاد إلى أولديا ورقد بسلام في 17 آذار سنة 461م
طروبارية القديس البار باتريكيوس، أسقف إيرلندا ومبشرها باللحن الرابع
لَقَدْ أَظْهَرَتْكَ أَفْعالُ الحَقِّ لِرَعِيَّتِك قانوناً لِلإيمان، وصُورَةً لِلوَداعة ومُعَلِّماً لِلإِمْساك، أَيُّها الأَبُ رَئِيْسُ الكَهَنَةِ باتريكيوس، فَلِذَلِكَ أَحْرَزْتَ بِالتَّواضُعِ الرِّفْعَة وبِالـمَسْكَنَةِ الغِنى، فَتَشَفَّعْ إِلى الـمَسيحِ الإلَه أَنْ يُخَلِّصَ نُفُوسَنا
القديس البار باتريكيوس، أسقف إيرلندا ومبشرها +461 م
ولد في بريطانيا لعائلة تنصرت من زمان. أبصر النور سنة 383م. وهو ابن شماس اسمه كالبورنيوس ابن كاهن. أمضى باتريكيوس فتوته في اليسر. عاش في فيللا وسلك إلى السادسة عشرة من عمره في الطيش غير مبال بما لله. فجأة حلت به التجرية. غزا قراصنة ناحيته وأخذوا العديد من السكان أسرى، من بين هؤلاء كان باتريكيوس. بيع كعبد في إيرلندا. اشتراه أحد الملاكين وجعله ناظراً لقطعانه في الجبال. شظف العيش في الأسر، في تلك الأرض الغريبة، واستغراق سكانها في ظلمة الوثنية، إضافة إلى احتكاك باتريكيوس المتواتر بالطبيعة، كل ذلك حول قلبه إلى الله فسلك في التوبة. أخذ يُمضي نهاريه وأغلب لياليه في الصلاة راكعاً على أرض غطاها الجليد أو بللتها مياه الأمطار. لم يكن، بإزاء ذلك كله، يشعر بالانزعاج لأن نفسه ملأتها التعزيات الإلهية
مضى على باتريكيوس في الأسر ست سنوات. منفاه أضحى بالتوبة والصلاة فردوساً من الطيبات. سمع ذات ليلة صوتاً يقول له: "حسناً فعلت أنك صُمت وصليت. لقد قبل الله صلاتك. اخرج الآن! عد إلى موطنك! مركبك بات مهيئاً
امتلأ قديسنا ثقة بالله فقام ولاذ بالفرار. سار على غير هدى أكثر من ثلاثمائة كيلومتر حتى بلغ مرفأ أبحر منه على ظهر مركب يخص تجاراً وثنيين. في غضون ثلاثة أيام حط المسافرون على أرض قاحلة لا يعرفونها. جدوا في السير بحثاً عن مكان مأهول. تاهوا أكثر من شهر فريسة للجوع. أخيراً سأل الوثنيون باتريكيوس أن يستجير بإلهه عساه يخلصهم. فحالما رفع القديس يديه إلى فوق حتى بان لهم قطيع من الخنازير فاصطاد القوم بعضاً منه وسدوا جوعهم. وبعد سلسلة من المتاعب تمكن باتريكيوس من العودة إلى وطنه
وكانت لقديسنا في منزله العائلي رؤيا: إنسان سماوي اسمه فيكتوريوس وقف أمامه وأراه رزمة رسائل. فض أولاها وقرأ مايلي: "صوت إيرلندا! أيها الصبي القديس، نطلب منك أن تأتي أيضاً لتمشي فيما بيننا". وخال له، إذ ذاك، انه سمع صوت رجال غابة فولكو حيث قضى سنواته أسيراً. وإذ شعر في نفسه بأن الله يدعوه، قرر أن يستعد لهداية هؤلاء البرابرة بعد أن يستكمل إعداده الكنسي الذي سبق فأهمله ي صباه. على ذلك خرج إلى بلاد الغال وأقام في عدد من المراكز الرهبانية، لاسيما لوران، وبقي في أوكسير قرابة الخمسة العشر عاماً يتابع تعليم القديس جرمانوس (31 تموز) الذي سامه شماساً. وانتهى خبر إلى باتريكيوس مفاده أن ثمة حاجة على مرسلين للتبشير بالإنجيل في إيرلندا. هذا عنى بالنسبة إليه أن ساعة التحرك قد آنت. في ذلك الوقت جرت سيامة القديس بلاديوس، شماس رومية، أسقفاً يسوس وينظم صفوف المسيحيين المبعثرين في إيرلندا. غير أن صعوبات جمة واجهت بلاديوس، ي مهمته الجديدة، فلم يتمكن إلا من تأسيس ثلاث كنائس فقط فاجأته بعدها المنية في غضون أشهر قليلة. فجرت، إثر ذلك، سيامة باتريكيوس أسقاً مهمته هداية برابرة إيرلندا. كان مستعداً للمهمة استعداداً حسناً، أولاً بعدما سمع نداء الله ي شأنها، وثانياً لأنه كان يعرف لغة تلك الشعوب وعاداتها
حظ باتريكيوس في الجزيرة على رأس مجموعة من الكهنة والشمامسة. وللحال توجه إلى حيث اعتاد زعماء القبائل أن يعقدوا اجتماعاً دورياً لهم. ويبدو أنه بشرهم بجرأة بالمسيح مستعملاً لغة يفهمونها. لم يهب المحاربين المتوحشين الذين واجهوه. وقد أصاب بعض النجاح. عدد من زعماء القبائل مال إليه وفسحوا له في المجال لتأسيس كنائس وأديرة على أراضيهم وهداية شعوبهم. جال في كل إيرلندا، لاسيما في قسمها الشمالي، مذيعاً بلا كلل كلمة الله، متوجهاً أولاً إلى زعماء القبائل والملوك المحليين. وهكذا تمكن من هداية ملوك دبلن ومونستر وبنات ملك كونوت السبع. لكنه اصطدم بالمنجمين والسحرة الذين قاوموه في كل مكان. رغم كل شيء، تمكن، بنعمة من الله، من إسكاتهم وهدى بعضاً منهم، ومنهم خرج كهنة غيارى أخذوا يساهمون في هداية إخوانهم
في مملكة أوريال أسس باتريكيوس ديراً في أرماغ بعدما كرز بالكلمة. أرماغ هذه أصبحت مركز الرحلات التبشيرية للقديس ثم مقر الأسقفية في إيرلندا
عبر قديسنا، وقد واجه كل أنواع المشقات، تلك الأراضي غير المضيافة تاركاً الله يتكلم فيه. ومع أنه احتقر فذلكات الفصاحة والبلاغة فإن كلامه كان مشبعاً بشواهد الكتاب المقدس منقولة بقوة إلهية
سام باتريكيوس كهنة وأساقفة ونظم الكنيسة الجديدة مراعياً مزايا الشعب الإيرلندي. لم يكن مقر الأساقفة الذين سامهم في المدن بل في الأديرة التي عرفت في الأجيال اللاحقة توثباً كبيراً حول إيرلندا إلى ما يشبه صحارى الرهبان في مصر. من هذه الأديرة خرجت أعداد كبيرة من الرهبان، مبشرين شجعان ورحالة لا يكلون ساهموا مساهمة يُعتد بها في إعادة تبشير أوروبا إثر غزوات البربر
وسواء حدث لباتريكيوس أن كان مقيماً في أحد الأديرة الأسقفية أو في رحلة فإنه لم يتوان أبداً عن إتمام قانون صلاته اليومي. هذا كان يتضمن التلاوة الكاملة لسفر المزامير مع كل أناشيد العهد العتيق والنصوص الملهمة كرؤيا يوحنا. كذلك كان يرسم على نفسه إشارة الصليب مئة مرة في الساعة. وإذ ما حدث له أن وجد صليباً في الطريق، كان ينزل من عربته ويسجد ثم يتابع سيره. كاد في جولاته التبشيرية أن يُقتل عدة مرات، لكن ملاك كنيسته كان يحميه لمنفعة المؤمنين. وكان، وهو الذي عانى مرارة العبودية، يحامي عن السكان ليرد عنهم غزوات القراصنة. وقد قطع من الشركة أحد زعماء العصابات ويدعى كوروتيكوس. هذا حطت مراكبه وسط شعب معمد ففتك ببعض المستنيرين حديثاً وأسر البعض الآخر ليبيعهم عبيداً. لكن لم تمض أشهر قليلة على كوروتيكوس الذي عاند ولم يتب، مع أنه كان معمداً، حتى أصيب بالجنون ومات يائساً
أمضى باتريكيوس ثلاثين عاماً في الأسقفية لا يكل ولا يتعب في نقل الكلمة وتنظيم كنيسة المسيح الجديدة، أخيراً، فيما كان يقوم بجولة تفقدية على بعض شعبه لاحظ في الطريق عليقة ملتهبة لم تشتعل فدنا منها سمع ملاكاً ينقل له وعوداً إلهية ومنها أنه سوف يدين الشعب الإيرلندي في اليوم الأخير. فعاد إلى أولديا ورقد بسلام في 17 آذار سنة 461م
طروبارية القديس البار باتريكيوس، أسقف إيرلندا ومبشرها باللحن الرابع
لَقَدْ أَظْهَرَتْكَ أَفْعالُ الحَقِّ لِرَعِيَّتِك قانوناً لِلإيمان، وصُورَةً لِلوَداعة ومُعَلِّماً لِلإِمْساك، أَيُّها الأَبُ رَئِيْسُ الكَهَنَةِ باتريكيوس، فَلِذَلِكَ أَحْرَزْتَ بِالتَّواضُعِ الرِّفْعَة وبِالـمَسْكَنَةِ الغِنى، فَتَشَفَّعْ إِلى الـمَسيحِ الإلَه أَنْ يُخَلِّصَ نُفُوسَنا